التأملات

«أيها العالَم، كلُّ شيءٍ يُلائمُني إذا لاءَمَك، وكلُّ ما هو في أوانِه بالنِّسبةِ إليكَ فهوَ كذلكَ عِندي، لا مُتقدِّمٌ لديَّ ولا مُتأخِّر. أيتُها الطبيعة، كلُّ ما تَجلِبُه مَواسِمُكِ فهو ثَمرةٌ لي؛ كلُّ شيءٍ منكِ يَأتي، وفيكِ يعيش، وإليكِ يَعود.»

حينَما يُناجِي المرءُ نفسَه، فإنه يَكتبُ إليها ما لا يُعلِنُه لسِواها، ليكشِفَ الحقيقة، فيَكونَ الصدقُ عُنوانَه. في تأمُّلاتِه التي كتَبَها بعُنوانِ «إلى نفسِه» يُمثِّلُ الإمبراطورُ «ماركوس أوريليوس» رؤيةَ الفيلسوفِ حينما يكونُ إمبراطورًا؛ فبينَما كانتْ جبهةُ الدانوبِ تَضِجُّ بالحرب، عكَفَ الإمبراطورُ على تدوينِ مجموعةٍ مِنَ التأمُّلاتِ عبَّرَ فيها عمَّا يَجولُ بخاطرِه حولَ عدةِ موضوعاتٍ حياتيةٍ مُتفرِّقة، وعلى الرغمِ من أنَّه لم يُرِدْ لها أن تَخرجَ للناس، فإنها صارتْ قِبلةَ الفلاسفةِ ومَقصِدَ المُفكرِينَ والقُرَّاءِ بعدَ طباعتِها ونشرِها، ليكونَ كتابُه واحدًا مِن أهمِّ كتبِ الفلسفةِ الرُّواقية، ليس فقطْ لأنه انتقلَ بالفلسفةِ مِنَ التنظيرِ إلى التطبيق، ولكنْ لأنَّ الفيلسوفَ المؤلِّفَ حقَّقَ رؤيةَ «أفلاطونَ» في أن يكونَ الحاكمُ فيلسوفًا.


هذه النسخة من الكتاب صادرة ومتاحة مجانًا بموجب اتفاق قانوني بين مؤسسة هنداوي والسيد الدكتور عادل مصطفى.

تاريخ إصدارات هذا الكتاب‎‎

  • صدر أصل هذا الكتاب باللغة اللاتينية بين عام ١٦١ وعام ١٨٠.
  • صدرت هذه الترجمة عام ٢٠١٠.
  • صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠١٩.

عن المؤلف

ماركوس أوريليوس: الإمبراطورُ الوَرِع، الذي استطاعَ أن يُحقِّقَ العدل، ويَنشرَ الأمنَ في أرجاءِ الإمبراطوريةِ الرومانية.

وُلدَ «ماركوس أوريليوس أنطونيوس أوغسطس» عامَ ١٢١م لأسرةٍ أرستقراطية؛ مما سَمحَ له بالتدرُّجِ في العملِ السياسيِّ حتى استطاعَ أن يكونَ عضوًا في مجلسِ السناتو، ولِذكائِه وحُسنِ خُلقِه تبنَّاه الإمبراطورُ «أنطونيوس بيوس»، ثم زوَّجَه من ابنتِه «فاوستينا»، ثم أعلَنَه مع أخيه «لوسيوس فيروس» وليًّا للعهد. واستمرَّا يَحكمانِ الإمبراطوريةَ الرومانيةَ معًا خلالَ الفترةِ من ١٦١–١٦٧م؛ حيث تُوفِّيَ أخوه ليتولَّى ماركوس أوريليوس الحُكمَ وَحدَه. كانَتِ الإمبراطوريةُ تُعاني من أزماتٍ على كافةِ الأصعِدة؛ حيثُ انتَهكَ الجرمانُ حدودَ الإمبراطوريةِ في الشمال، ومن الشرقِ احتلَّ الفرسُ بعضَ الولاياتِ الرومانية، إضافةً إلى انتشارِ الطاعون، وتردِّي الأوضاعِ الاقتصادية؛ وعلى المستوى الشخصي، تآمرَتْ عليه زوجتُه وقائدُ جيشِه. إلَّا أن كلَّ هذا لم يَفُتَّ في عَضُدِه وظلَّ يُحارِبُ ليُحقِّقَ للإمبراطوريةِ السلام؛ فانتصرَ على الفُرسِ والجرمان، وقضى على الأزمةِ الاقتصاديةِ بعدما وَقفَ إلى جانبِ الفُقراء، حتى عدَّه البعضُ آخِرَ أفضلِ خمسةِ أباطرةٍ رومانٍ على الإطلاق.

في التاريخِ القديم، بل ربما في التاريخِ كُلِّه، لا يُوجَدُ إمبراطورٌ فيلسوف، إلَّا أنَّ أوريليوس برأيِ البعضِ قد استطاعَ أن يُحقِّقَ نظريةَ أفلاطون التي أكَّدَ فيها أنَّ أمورَ البشريةِ لن تَنصلِحَ ما لم يَتفلسَفِ الحاكمُ أو يَحكُمِ الفيلسوف. لقد كانَ الإمبراطورُ الفيلسوفُ مُحبًّا للفلسفةِ بعيدًا كلَّ البُعدِ عن أمورِ الجيشِ والمعاركِ قبلَ أن يَتولَّى الحُكم؛ فهو الذي تفلسفَ على يدِ فيلسوفِ الحُريةِ «إبكتيتوس» الذي يَعودُ الفضلُ إليه في تمسُّكِ أوريليوس بالمذهبِ الرواقي. لم يَتركْ أوريليوس سوى كتابِ «التأمُّلات»، ويكفي هذا العملُ وَحْدَه ليُخلِّدَ اسمَه بينَ مَصافِّ العُظماء. الطريفُ في الأمرِ أن أوريليوس كَتبَ كتابَه هذا إلى نفسِه ولم يَكنْ يَنتظِرُ أن يَقرأَه غيرُه.

تُوفِّيَ الإمبراطورُ الوَرِعُ أوريليوس عامَ ١٨٠م.

رشح كتاب "التأملات" لصديق

Mail Icon

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤