أولًا: مقدمة: هل يجوز تكفير الفِرق؟

يعتمد تكفير الفِرق على حديث «الفرقة الناجية»،١ سواءٌ تم عرضها على نحوٍ موضوعي مُحايد أو على نحوٍ ناقد مُفند؛ ففي كلتا الحالتين يتم حصر الفِرق وجمعها وتصنيفها وتكفيرها طبقًا لهذا الحديث. وهو حديثٌ مشكوك في صحته، وليس مُتواترًا، والتواتر هو شرط اليقين في الأدلة السمعية، والاتفاق مع الحس والعقل أحد شروط التواتر. وهل يُعقَل أن تكون اجتهادات الأمة كلها ضلالًا؟ ألا يُعارض ذلك القواعد الأصولية من أن للمُخطئ أجرًا وللمُصيب أجران، ومن أنه إذا كان الحق العملي واحدًا فإن الحق النظري مُتعدد؟ إن اختلاف صِيَغ الحديث في مَتْنه لَيدلُّ على عدم صحته؛ إذ يتراوح المتن بين العموم والخصوص، بين الإطلاق والتقييد. فإذا كان المعنى صحيحًا في بدايته إطلاقًا، فإن تخصيصه وتقييده، سواء في عدد الفِرق الهالكة أو في تعيين الفرقة الناجية، يُشكك في صحته؛ فالصيغة الكبيرة تشير إلى افتراق اليهود إحدى وسبعين فِرقة، والنصارى اثنتين وسبعين فِرقة، والمسلمين ثلاثًا وسبعين فرقة، وكأن الافتراق سُنة الكون، وقانون التطور، ومسار التاريخ! ووجود العدد سبعة في كل الأرقام الثلاثة يكشفه عن رمزية الأعداد في البيئات الدينية الشرقية القديمة، يونانية أو مسيحية أو إسلامية. وهل صحيح تاريخيًّا افتراق الأمم الثلاثة طبقًا لهذه المُتوالية الحسابية؟ وهل يُطابق هذا الإحصاء الواقع التاريخي؟ وهل هذا الإحصاء للفِرق في الماضي، أم في الماضي والحاضر، أم في الماضي والحاضر والمستقبل؟ وهل يمكن إحصاء فِرق لم تحدُث بعد، بل قد تحدُث في المستقبل، أم أنها نبوءة في المستقبل تدل على معجزة للرسول؟ ولماذا تزيد كل أمة فرقةً على الأمة السابقة؟ هل يدل ذلك على رقي بدليل الزيادة المطردة، أم على تأخُّر بدليل أن الفرقة تشتُّتٌ مُضاد للوحدة؟ وفي هذه الحالة الأخيرة يكون اليهود خيرًا من النصارى، وكلاهما خيرًا من المسلمين؛ لأنها أقل فُرقةً وتشتتًا ولو بفرقةٍ واحدة على الأقل. وقد ينتهي الحديث دون تعيين للفرقة الناجية، ويتوقف عند «إلا واحدة»، ويترك الاستثناء دون تعيين. وهو أقرب إلى العقل والتجربة؛ حتى تظنَّ كل فرقة أنها الناجية فتعمل صالحًا؛ لأن اليقين عملي وليس تاريخيًّا. وكأن الاعتقاد هو الذي يولِّد اليقين، وكأن كل فرقة تعتقد أنها ناجية فتعمل صالحًا تكون كذلك تاريخيًّا، وهي المقصودة. وهي كذلك بالفعل، بعملها الصالح، تكون ناجية؛ فالقصد الفعلي هو القصد التاريخي. وقد يتم التعيين للفرقة الناجية، «هي ما أنا عليه أنا وأصحابي»، وذلك بالتأكيد على فرقةٍ تاريخية بعينها، والتأكيد مرتان بلفظ «أنا»، أي الرسول وأصحابه، وهما جماعته التابعون له، جماعة تاريخية معيَّنة هم الصحابة دون غيرهم. وهذا ما يُناقض روح الإسلام وسلوكه العملي؛ فكل من يتبع الرسول ويأخذه قدوةً فهو مثل صحابته، بدليل أن أهل السنة والحديث في كل عصر حتى يوم الدين. ومع ذلك لم ينفع التحديد التاريخي النظري، وطغى عليه التحديد السلوكي العملي، وادَّعت كل فرقة أنها الفرقة المقصودة بالنجاة، فهي أحق باتباع الرسول من غيرها، وحدث التقاتل بينهما، فأيهما الفرقة الناجية؟ والجواب أنها أصبحت كلها هالكة بفعل التقاتل وإراقة دم الأخوة؛ لأن القاتل والمقتول في النار. وزيادةً في الإيحاء بصدق التعيين يتدخل السائل في صيغة الحديث بعد التعداد الأول، «قيل يا رسول الله: ما هي؟» فالتعيين إنما جاء على طلبٍ خاص وسؤالٍ محدَّد، وليس مجرد تخصيص للعموم. وكي يحدث التطابق التاريخي بين العدد والواقع التاريخي في الماضي والحاضر فحسب، فقد خلط بين الفِرق الكبيرة والفِرق الصغيرة، ثم تم تقسيم الكبيرة إلى فِرقٍ مُتعددة صغرى حتى يمكن إكمال العدد ثلاثة وسبعين. فالفِرق الكبيرة في الحقيقة ثلاث، والأقل منها في الكبر خمس، فيكون مجموع الفِرق الكبرى نسبيًّا ثمانية. ثم تنقسم الفِرق الثلاث الكبرى؛ الأولى إلى عشرين، والثانية إلى اثنتين وعشرين، والثالثة إلى عشرين. وتنقسم اثنتان من الخمسة الأولى إلى خمس فِرق، والثانية إلى ثلاث، في حين تبقى الثلاثة الأخرى من الخمس بلا قسمة.٢ وهناك فِرقٌ مُتشابهة تم الفصل بينها لضرورة إكمال العدد.٣ أما الفرقة الناجية فهي واحدة لا قسمة فيها، مع أن بها عشرات الفِرق المُتمايزة فيما بينها، وكلها من الفِرق الناجية. وقد تدخل بعض الفِرق الصغرى مع الفرقة الكبرى.٤ كما أن البعض منها مُتداخلٌ يصعب الفصل بينها.٥ وقد تنقسم فرقةٌ صغرى إلى فِرقٍ أصغر حتى يصعب العدد ويضطرب، ولا يُعرَف هل يصحُّ للفرقة الصغرى عدد أم للفُريقات الصغرى فقط.٦ وقد ذُكرت الفِرق دون مراعاة لترتيبٍ تاريخي أو ترتيب من حيث الكبر أو الأهمية، بل يكفي فقط المطابقة للعدد السبعين المذكور. ومن الطبيعي أن تأتي الفرقة الناجية في النهاية، فختامه مِسك، وما بعد الضلال إلا الهداية. وبقدر ما يتم التفضيل في الفِرق الضالة وتقسيمها إلى فِرق، والفِرق إلى فِرقٍ أصغر، تُعرَض الفرقة الناجية وحدةً واحدة، مُتحدة مُتماسكة، وكأنها هي رأي الأمة والجمهور، الأصل والجذع، وما دونها الفروع والشتات. الفِرقة الناجية تجمع، والضالة تُفرق. الأولى تُوحد، والثانية تُبعثر. وهو حكم قيمة مسبق يقوم بالكشف عن موقف السلطة السياسي تجاه المعارضة، وموقف الدولة تجاه خصومها السياسيين؛ فالسلطة هي الأساس، والمعارضة خروج عليها. والحقيقة أن الفرقة الناجية تُكوَّن أيضًا من فِرق، بل ومن فِرقٍ صغيرة عدة، ولا تُمثل إجماعًا واحدًا على رأيٍ واحد، سواء في المسائل النظرية أو في الموضوعات العملية. يجمعها جميعًا التسليم بالأمر الواقع والإقرار بالسلطة القائمة.٧
وقد استُعمل سلاح الألقاب لنصرة الفرقة الناجية، وحصارًا للفِرق الهالكة، استعملته السلطة ضد فِرق المعارضة؛ فالمتكلمون أهل الأهواء، والمعتزلة مُعطلةٌ مجوس الأمة، والثُّوار خوارج، والرافضون شيعة أو روافض … إلخ. وقد استمرَّ هذا التقليد متبَعًا حتى الآن في اتهام فِرق المعارضة بالعمالة والإلحاد والكفر والخروج. وقد أتت معظم التسميات والأوصاف والألقاب من الآخرين، أي من الخصوم، وليس من الفرقة ذاتها موضوع الاتهام؛ فالمعتزلة والشيعة والخوارج، وهي فِرق المعارضة الرئيسية الثلاثة، كلها نعوت من الفرقة الناجية، وتُوحي كلها بالخروج على النهج القديم والصراط المستقيم؛ فالمعتزلة من الاعتزال من الجماعة، والشيعة من التشيع والخروج على الحياد والموضوعية، والخوارج من الخروج على الإمام ورفض السلطة وإعلان العصيان.٨ وتُسمِّي فِرق المعارضة الفرقة الناجية بالأُموية، وأنصارَها بالأمويين؛ أي السلطة. فإن صعُب الحصول على اسمٍ مُتميز يَدِين ببنائه اللفظي، فإنه يمكن استعمال أسماء أخرى من مضمون الفرقة الهالكة واتجاهها، مثل الباطنية لقولها بالباطن دون الظاهر، أو الحرمية لإباحتها المحرَّمات، أو السبعية لقولها بالأئمة السبعة. وقد يُشتق الاسم من اللباس، مثل المُحمرة للبسهم الحُمرة، أو تسميتهم المسلمين حميرًا. وقد يُشتق الاسم من الأسماء الوثنية التي ينتسبون إليها، مثل البابكية أو المزدكية. فإن استعصى ذلك كله نُسبت الفرقة إلى اسم مؤسِّسها، وكأنها فرقةٌ شخصيةٌ تدور حول زعيمها، وليس لها موقفٌ فكري أو اتجاه نظري، وكأن الخلاف بين الفِرق هو صراع على السلطة. وما دامت السلطة بيد الدولة فإن خصومها عُصاةٌ خارجون على القانون. وقد يُستمدُّ الاسم من المكان حتى ترتبط بمنطقة وبلدٍ دون جماعة وأنصار، ودون فكر ورأي. فإذا ما ارتبطت الفرقة باسم الرأي والعقيدة، فإنها في الغالب عقائد ضالة، مثل إنكار القدر والجبر والتشبيه والتأليه.٩ وكثيرًا ما يتم الاعتماد على بعض الأحاديث المشكوك في صحتها لتأييد التسمية واستعمال سلاح الألقاب، مثل «القدرية مجوس هذه الأمة». وكثير من هذه الأحاديث تُشير إلى عقائد ظهرت في وقتٍ متأخر بعد عصر النبي، وقد وُضعت من أجل حصار الخصوم السياسيين، وهدم عقائدهم باستعمال الحجج النقلية، سلطة سياسية تعتمد على سلطة دينية. معظمها أحاديث ظنية ضعيفة السند، يُعارض متنها العقل والحس والمشاهدة.١٠ وعلى الضد من ذلك تُستعمل ألقاب المدح والثناء لوصف الفرقة الناجية، مثل أهل الحق والإثبات، وكلها في مقابل أهل الأهواء، أهل الزيغ، أهل الضلال، أهل البدع. وينجح سلاح الألقاب في مجتمعٍ يُفضل الحق على الباطل، والاستقامة على الاعوجاج، والسنة على الاجتهاد، والتقليد على البدعة، والإثبات على النفي، والجماعة على التفرد؛ فأهل السنة يسيرون على الطريق الرئيسي دون تشعيب أو تفريق، وأهل الحديث يأخذون بالحديث دون تنكر له في مجتمعٍ تحوَّلت فيه سلطة القرآن إلى سلطة الحديث، وتشخَّصت فيها النبوة في شخص النبي، وتحوَّل الحديث فيه إلى السيرة. وأهل السلف أفضل من الخلف الذين تركوا الصلوات واتبعوا الشهوات. وهم الأصحاب، جمهور الأمة، الجماعة، وليسوا الأعداء أو إحدى فِرق الأمة أو أحد شِعابها. إذا ما سُمِّيت أشعرية فلأنَّ مؤسِّسها نصير أهل السنة والمُدافع عن الحق ضد أهل الأهواء. الفرقة الناجية هي التي بها خلاص الأمة، فرقة الدولة، وحزب السلطة. ولكن يظل السؤال: ناجيةٌ عند مَن؛ عند الله أو عند السلطان؟١١ وقد يحدث نزاع حول الفرقة التي ينطبق عليها الاسم المذموم «القدرية»، هل هم نُفاة القدر أم مُثبتوه؛ من ينفي القدرة عن الله ويُثبتها للإنسان، أم من يُثبتها لله وينفيها عن الإنسان، وذلك في حالة صحة الخبر؟ وبالتالي يُستعمل سلاح الألقاب في كل الأوجه وعند جميع الفِرق كسلاح وكسلاحٍ مُضاد، مع أن فِرق المعارضة لها أسماؤها من نفسها، مثل «أصحاب العدل والتوحيد»، ولكن الذي اشتهر هي أسماؤها من الخصوم الذين كتبوا التاريخ ودوَّنوا عقائد الفِرق.١٢ ويتَّضح سلاح الألقاب أيضًا في صياغات العبارات، أي في ألفاظ الحديث؛ فإذا كان الأمر يتعلق بذكر رأي لفرقةٍ ضالة، فإن اللفظ يكون «زعم» أو «ادَّعى» أو «افترى» أو «كذب». أما إذا كان الرأي للفرقة الناجية، فإن اللفظ يكون «قال» أو «أجمع» أو «اتفق». ويقوم المؤرخ أحيانًا باستجلاب اللعنات على صاحب الفرقة الهالكة، أو توعُّده بالسلطان، أو استعداء الجمهور عليه. ويتجاوز نقد أفكاره إلى الطعن في شخصه وأخلاقه وسيرته، كأن الغرض من مصنَّفات الفِرق هو الدفاع عن مذهب الفرقة الناجية، والتعريض بآراء الخصوم تحت ستار التاريخ.
والحقيقة أن التكفير سلاحٌ سياسي ضد الخصوم تحت ستار العقائد، سلاح مُتبادل بين السلطة والمعارضة، بل وسلاح مُتبادل بين فِرق المعارضة بعضها ضد البعض الآخر؛ مما يُسبب في تبعثُرها وتشتُّتها وتفرُّقها، فتضعف أمام السلطة الواحدة. وكما يصل تكفير الفرقة الناجية إلى حد تكفير كل فِرق المعارضة، فإن إحدى فِرق المعارضة في المقابل تُكفر كل من لابس السلطان، أو اتصل به، أو زايد في الإيمان.١٣ وماذا يبقى من فِرق الأمة لو كفر الجميع؛ لو كفَّرت الفرقة الناجية الفِرق الهالكة ضد الخصوم تحت ستار المعتقدات والمزايدة في الإيمان تملُّقًا للعامة ودفاعًا عن السلطان؟ بل إن العقائد ذاتها هي أيضًا سلاحٌ نظري عند كل فرقة تُدافع به عن مواقفها الاجتماعية والسياسية. لا يوجد إذن تكفيرٌ نظري أو عملي، بل يوجد تباين في المواقف السياسية، وبالتالي اختلاف في الأُطر النظرية. فإذا ما تم إرجاع «الإلهيات» إلى «الإنسانيات»، وبالتالي العودة إلى التجارِب الإنسانية الأولى التي منها نشأت الإلهيات، ينتهي سبب التكفير؛ فقد كان في أحسن الأحوال وبفعل الفقهاء حكمًا شرعًا على صورٍ فنية ونظرياتٍ دفاعية أو هجومية لها تأويلها في التجارب الإنسانية، وليس بناءً على أحكامٍ عقلية أو شرعية. وإذا ما تم الاتفاق على حدٍّ أدنى من المواقف السياسية والاجتماعية، ودون الوقوع في المزايدة الإيمانية أو تبعية للسلطات السياسية، فإنه يمكن نزع سلاح التكفير، والسماح باختلاف الأُطر النظرية على أساس أنها اجتهاداتٌ نظرية في مواقف اجتماعية مختلفة. وتظلُّ كلها شرعية في إطار الوحدة الوطنية لأمةٍ واحدة.
١  تذييل في الفِرق التي أشار إليها الرسول بقوله: «ستفترق أمتي ثلاثًا وسبعين فِرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي ما أنا عليه وأصحابي» (المواقف، ص٤١٥).
٢  يذكر الإيجي ثماني فِرق: (١) المعتزلة. (٢) الشيعة. (٣) الخوارج. (٤) المرجئة. (٥) النجارية. (٦) الجبرية. (٧) المشبهة. (٨) الناجية. ثم يُقسم المعتزلة إلى عشرين فرقة: (١) الواصية. (٢) المعربة. (٣) الهذيلية. (٤) النظامية. (٥) الأسوارية. (٦) الإسكافية. (٧) الجعفرية. (٨) البِشرية. (٩) المردارية. (١٠) الهشامية. (١١) الصالحية. (١٢) الحابطية. (١٣) الحربية. (١٤) المعمرية. (١٥) الثُّمامية. (١٦) الخياطية. (١٧) الجاحظية. (١٨) الكعبية. (١٩) الجُبائية. (٢٠) البهشمية. وتنقسم الشيعة إلى اثنتين وعشرين فرقة تندمج تحت ثلاثة أقسام، الغلاة، وهي: (١) السبئية. (٢) الكاملية. (٣) البيانية. (٤) المغيرية. (٥) الجناحية. (٦) المنصورية. (٧) الخطابية. (٨) الغرابية. (٩) الذمية. (١٠) الهشامية. (١١) الزرارية. (١٢) اليونسية. (١٣) الشيطانية. (١٤) الرزامية. (١٥) المفوضية. (١٦) البدائية. (١٧) النصيرية والإسحاقية. (١٨) الإسماعيلية والزيدية. (١٩) الجارودية. (٢٠) السليمانية. (٢١) البترية. (٢٢) الإمامية. وتنقسم الخوارج عشرين فرقة، هي: (١) المُحكمة. (٢) البهيسية. (٣) الأزارقة. (٤) النجدات. (٥) الأصفرية. (٦) الإباضية ((أ) الحفصية. (ب) اليزيدية. (ﺟ) الحارثية. (د) طاعة لا يُراد الله بها). (٧) العجاردة ((أ) الميمونية. (ب) الحمزية. (ﺟ) الشعيبية. (د) الحازمية. (ﻫ) الخلفية. (و) الأطرافية. (ز) المعلومية. (ﺣ) المجهولية. (ط) الصلتية. (ي) الثعالبة ((١) الأخنسية. (٢) العبدية. (٣) الشيبانية. (٤) المكرمية)). فالخوارج سبعة أقسام رئيسية، وثمانية عشر قسمًا فرعيًّا (أربع فِرق إباضية، وأربعة ثعالبة، وعشرة عجاردة). والمرجئة خمسة أقسام، هي: (١) اليونسية. (٢) العبيدية. (٣) الغسانية. (٤) الثوبانية. (٥) التومنية. والنجارية ثلاثة أقسام، هي: (١) البرغوتية. (٢) الزعفرانية. (٣) المستدركة. وكلٌّ من الجبرية والمشبهة والفرقة الناجية قسمٌ واحد (المواقف، ص٤١٥–٤٣٠).
٣  وذلك مثل تشابه المُشبهة مع الشيعة، والمرجئة مع أهل السنة، والنجَّارية مع المعتزلة.
٤  مثلًا الحابطية لا تدخل ضِمن فِرق المعتزلة.
٥  وذلك مثل تداخل البهشمية والجبائية.
٦  وذلك مثل انقسام الشيعة إلى غلاة وزيدية وإمامية، فهل تُحسَب الغلاة فرقةً قِسمتها إلى ثماني عشرة فرقة، أو تُحسَب الزيدية بالرغم من قِسمتها إلى ثلاث فِرق؟ ونفس الأمر بالنسبة للخوارج، وقسمة الإباضية إلى أربع فريقات، والعجاردة إلى عشر فريقات، والثعالبة إلى أربع فريقات؛ وبالتالي يصعب بعدها أن يكون مجموع فِرق الخوارج عشرين.
٧  هناك خلاف بين المتكلمين والفقهاء، بين الأشاعرة والمرجئة، وبين الفقهاء بعضهم والبعض الآخر، وبين فِرق المرجئة المتعددة.
٨  المعتزلة بناءً على كلمة الحسن البصري «اعتزلَنا واصل»، بعد مناقشة في موضوع مُرتكب الكبيرة.
٩  وهذا حادث في تسمية الإسماعيلية بسبعة ألقاب، هي: (١) الباطنية؛ لقولهم بباطن الكتاب دون ظاهره. (٢) القرامطة؛ لأن أولهم حمدان قرمط إحدى قرى واسط. (٣) الحرمية؛ لإباحتهم المحرَّمات. (٤) السبعية؛ لأن النُّطقاء بالشرائع، أي الرسل، آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، ومحمد المهدي سابع النُّطقاء، وبين كل اثنين سبعة أئمة يُتممون شريعته. ولا بد في كل عصر من سبعة بهم يُقتدى ويُهتدى: (أ) إمام يؤدي من الله. (ب) حجة يؤدي عنه. (ﺟ) ذو مصة يمص العلم من الحجة. (د) أبواب هم الدعاة. (ﻫ) أكبر يرفع درجات التائبين. (و) مأذون يأخذ العهود على الطالبين. (ز) مكلَّب يحتج به ويرغب إلى الداعي ككلب الصائد. (ﺣ) مؤمن يتبعه. والسموات والأرضون وأيام الأسبوع والسيارة، وهي المُدبرات أمرًا، كلٌّ منها سبعة. (٥) البابكية إذا اتبعت طائفة منهم بابك الخرمي بأذربيجان. (٦) المحمرة للبسهم الحمرة في أيام بابك، أو تسميتهم المسلمين حميرًا. (٧) الإسماعيلية لاتباعهم الإمامة لإسماعيل بن جعفر، وقيل لانتساب زعيمهم لمحمد بن إسماعيل (المواقف، ص٤٢٢). والفِرق المشتقَّة من أسماء مؤسِّسيها هي في العادة الفِرق الصغيرة، مثل النجارية والجهمية والبكرية والضرارية والكرامية، وجميع الفِرق السبعة عشرة الخارجة على الإسلام التي يذكرها البغدادي. والفِرق المستمدة من أسماء مواقفها مثل الروافض والشيعة والخوارج والمعتزلة والشراة، والفِرق المشتقة من فكرها مثل القدرية والمُرجئة والمُشبهة والمؤلهة والمُنزهة والصفاتية والجبرية، والفِرق المشتقة من مكانها مثل الحرورية.
١٠  وأكثر ما ورد في الأحاديث ذم القدرية والخوارج والشيعة؛ أي فِرق المعارضة الرئيسية الثلاث. وأكثرها في المعتزلة والخوارج؛ أي فِرق المعارضة العلنية. وأكثرها في المعتزلة؛ أي في فِرق المعارضة العلنية العقلانية في الداخل. في ذم القدرية: اتفق أهل المِلل على ذم القدرية ولعنهم. قال الرسول: «لُعنت القدرية على لسان سبعين نبيًّا.» ولا يُنكر لعنَهم مُنكر، ولكنهم يُحاولون درء هذا النبذ عن أنفسهم بما لا يُغنيهم، ويقولون أنتم القدرية إذ اعتقدتم إضافة القدرة إلى الله. وهذا بهت وتواقح. وقال الرسول: «القدرية هم مجوس هذه الأمة.» وشبَّههم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة والمشيئة حسب تقسيم المجوس، وصرفهم الخير إلى يزدان، والشر إلى أهرمان. وقال الرسول: «إذا قامت القيامة نادى مُنادٍ في أهل الجمع: أين خصام الله تعالى؟ فتقوم القدرية!» ولا خفاء في اختصاص ذلك بهم، فإن أهل الحق يُفوضون أمورهم إلى الله، ولا يعترضون لشيء من أفعاله. ثم من يضيف القدرية إلى نفسه، ويعتقدها صفته بأن يتصف بالقدرة، أولى ممن يُضيفه إليها (الإرشاد، ص١٥٦–٢٢٥). وكذلك ما رُوي في ذم المرجئة والخوارج، ولا يُذكَر الحديث نصًّا للشك في صحته (الفرق، ص٩). ويُدافع القاضي عبد الجبار قائلًا: فهلَّا سمَّيتم أنفسكم قدرية دخلتم تحت قول النبي القدرية مجوس هذه الأمة؟ قلنا لا؛ لأن ذلك الاسم اسم ذم، فلا يستحق إلا على مذهبٍ مذموم، ونحن براء من ذلك (الشرح، ص٧٨٨-٧٨٩).
١١  وإنما فصَّل النبي بذكر الفِرق المذمومة، فِرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية في أبواب العدل والتوحيد، أو في الوعد والوعيد، أو في بابَي القدر والاستطاعة، أو في تقدير الخير والشر، أو في باب الهداية والضلال، أو في باب الإرادة والمشيئة، أو في باب الرؤية والإدراك، أو في باب صفات الله وأسمائه وأوصافه، أو في باب من أبواب التعديل والتجوير، أو في باب من أبواب النبوة أو شروطها، ونحوها من الأبواب التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة من فريق الرأي والحديث على أصلٍ واحد، خالفهم فيها أهل الضالة من القدرية والخوارج والروافض (الفِرق، ص١٠-١١). وأردفته برابع فيه الحِجاج والدليل على الخلافة التي يُنكرها الغالون (التنبيه، ص١٠). ولكن رأيت من صعوبة الزمان تجرُّد قوم في بُغض أهل السنة والحث عليهم، وقصدهم ما سار فيهم من قول وفعل، فجعلت ذلك على ما قدرت عليه بمعونة الله، والله مُمد لأهل السنة بالمعونة الدائمة، والكفاية الشاملة، والعز المُتصل، والجلالة في أعيُن عباده، والكلاءة في الأنفس والأهل والأولاد والأموال وحسن العاقبة في المعاد، ومُبلغهم ما هو أهله من لطائفه وإحسانه. فهم في عصرنا هذا هم الأطواد الشامخة، والبدور الزاهرة، والسادة الذين شملهم الله بعونه وستره؛ فوجوههم بالعون زاهرة، وألسنتهم بالصدق ناطقة (التنبيه، ص١٤).
١٢  لقَّب المعتزلة أنفسهم بأصحاب العدل والتوحيد لقولهم بوجوب الأصلح ونفي الصفات القديمة (المواقف، ص٤١٥).
١٣  الفِرق الضالة الذين قال فيهم الرسول كلهم في النار! وأما الفرقة الناجية المُستثناة الذين قال فيهم الذين على ما أنا عليه وأصحابي، فهم الأشاعرة والسلف من المحدِّثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خالٍ من بدع هؤلاء. وقد أجمعوا على … (المواقف، ص٤٢٩-٤٣٠). الشيعة، وهم اثنتان وعشرون فرقة، يُكفر بعضها بعضًا (المواقف، ص٤١٨). وفي كل فرقة غُلاةٌ ومتوسطون، مثل الشيعة من ناحية الغلاة، والزيدية والإمامية من ناحية التوسط. ومع ذلك يُكفَّر المتوسطون مثل الزيدية لمشاركتهم المعتزلة في أصلَي التوحيد والعدل. أما المردارية فتُكفر كل من لابس السلطان، ومن قال بخلق الأعمال وبالرؤية (المواقف، ص٤١٦-٤١٧).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤