مهمة في المزرعة السرية!

كل شيء في مزرعة «كاجان» محكوم بنظام خاص؛ ففي الصباح الباكر تخرج الخيول إلى المراعي، مُنطلقة دون أن يوقفها شيء، اللهم إلا السور السِّلكي. وفي زوايا محدَّدة من السور يقف الحراس، يراقبون حركة الخيول، إنَّ الشمس هناك تكون رائعة في الصباح، لكنها في الظهيرة تميل إلى الحرارة. ولذلك فعندما يبدأ الحر، تُساق الخيول إلى أماكن ظليلة، حتى تنكسر حدة الحر، فتعود إلى المراعي، مرة أخرى. غير أنَّ خيول السباق لها نظام آخر. ففي العاشرة صباحًا تبدأ تدريباتها اليومية؛ الجري داخل مضمار خاص بها في مزرعة «كاجان»، وعندما ينتهي التدريب تنضمُّ إلى بقية الخيول، لتنعم بالراحة والغذاء. أما آخر النهار فإنَّها تنال عناية خاصة حيث يكشف عليها طبيب خاص، ثم تستحم في حوض خاص داخل المزرعة … وأخيرًا، تأخذ طريقها إلى حظائرها.

هذا النظام لا يُفسده شيء، ولا يُمكن أن يتغيَّر مرة، اللهم إلا إذا كان هناك استعراض للخيول، فإنَّ النظام ساعتها يخضع لترتيبات الاستعراض. ولهذا، فعندما اقترب الشياطين من المزرعة، كانت خيول السباق في تدريباتها، أما الخيول الأخرى فقد كانت ترعى في هدوء …

اقترب الشياطين من السور السِّلكي. غير أنَّ «أحمد» قال: ينبغي أن ندخل من الباب، وليس من السور، حتى لا نُثير شكوك أحد. وأظنُّ أن أحدًا لن يعترض.

قال «باسم»: علينا أن نُراقب المكان لبعض الوقت ولا أظنُّ أننا سوف نُثير شكوك أحد؛ فهذه مسألة عادية.

ولم ينتظر؛ فقد أخرج منظاره المكبر، ورفعه إلى عينَيه وهو يقول: إنَّ التصرف بحذر في حالتنا هذه يُمكن أن يدفع الآخرين إلى الشك، أما التصرُّف بشكل عادي، فهو لا يَلفت نظر أحد.

وكانت هذه وجهة نظر صحيحة؛ ولذلك فقد وقف الشياطين يُراقبون الخيول، وهي تمارس حياتها داخل مزرعة «كاجان». ولم يلفت وجودهم نظر أحد، سواء من الحراس أو غيرهم.

فجأة همس «باسم»: إنَّ هناك سيارة نصف نقل تغادر المزرعة، ويبدو أنَّها تحمل أجولة، وأشياء أخرى. في نفس الوقت، فإن السائق لا يركب بجواره أحد.

تساءل «رشيد»: ماذا يعني هذا؟

إلا أن «باسم» لم يرد؛ فقد كان يراقب من خلال المنظار تحرك السيارة وهي تُغادر المزرعة.

قال بعد قليل: إنَّها سيارة «شيفروليه»، وتحمل رقم ١٩٩٨٤٠ …

… ثم أكمل بعد لحظة: بيضاء اللون، على جانبها علامة مميزة لرأس حصان، وحرف «ك» مكتوب بطريقة خاصة.

كان الشياطين يُراقبون «باسم» في صمت. إلا أنَّ «أحمد» كان يَبتسِم؛ فقد كان يفكر فيما يقوله «باسم»، ولم تكن كلمات «باسم» لمجرَّد الوصف، فقد كان يعني بها أشياء أخرى. قال بعد لحظة: نحتاج لموتوسيكل في هذا المكان. إنه يساعدنا كثيرًا.

ما إن انتهى من كلماته، حتى كان «أحمد» قد أخرج جهاز الإرسال الصغير، وأرسل رسالة سريعة إلى عميل رقم «صفر» تحمل نفس المعنى.

في نفس الوقت قال ﻟ «باسم»: راقب السيارة جيدًا. إنها يُمكن أن تكون البداية.

ابتسم «باسم» وهو يُراقب السيارة، ويقول: إنَّها تتجه إلى الشمال الشرقي بزاوية ٤٥ درجة.

في نفس الوقت، ابتسم الشياطين؛ فقد فهموا ماذا كان يعني «باسم».

قال «أحمد»: إنَّهم يتَّجهون ناحية نهر «جواديانا» وهذه مسألة منطقية.

صمت الجميع، ولم يكن يُسمع في هذه اللحظة سوى صوت صهيل الخيول. قطع الصمت صوتُ «فهد»: إنَّ «سهم» لا يبدو بين الخيول، وهذا قد يؤكد ما يفكر فيه «باسم».

قال «باسم»: لقد اختفت السيارة.

استغرق الشياطين في حالة من التأمل، لحركة الخيول. ومضى الوقت بطيئًا. إلا أنَّ صوتًا قطع الصمت، وجعل الشياطين يلتفتون في اتجاهه. بعد لحظات، ظهر موتوسيكل أخضر اللون، يقترب في سرعة. نظر «أحمد»، ثم رفع يده مشيرًا إلى الموتوسيكل الذي كان يقترب. وفي لحظات كان يقف أمامهم. كان يقوده شاب في مقتبل العمر. ابتسم وهو ينزل عنه قائلًا: هل هناك شيء آخر؟

شكره «أحمد» وهو يقول: هل هناك وسيلة للعودة؟

قال الشاب: هذه مسألة سهلة؛ فهناك سيارة تمر كل ساعة تقريبًا.

انصرَف الشاب. بينما ظلَّ الشياطين يُراقبونه، وهو يقطع الطريق بين الزرع في رشاقة حتى اختفى.

قال «أحمد»: سوف أنطلق أنا و«باسم». وعليكم بالمراقبة.

ما إن انتهى من كلماته حتى قفَز فوق الموتوسيكل، فقفز «باسم» خلفه، وانطلَقا في نفس الاتجاه الذي اتجهت إليه السيارة النصف نقل، فلم يكن الطريق صعبًا. ولذلك، فقد كانت سرعتهم عالية. لكن فجأة، توقَّف «أحمد»، فقد تقاطعت الطرق. كان هناك أكثر من طريق.

قال «باسم»: إنَّ انطلاقنا في خط مستقيم، أقرب إلى الصحة؛ ذلك أن نهر «جواديانا» يكون أمامنا مباشرة.

انتظر «أحمد» لحظة، ثم قال: ليس من الضروري أن تكون السيارة قد اتجهت إلى النهر. ربما تكون قد اتجهت اتجاهًا آخر!

رد «باسم» بسرعة: إذن، نجرب. المهم أنَّ السيارة قد دخلت هذه المنطقة.

انطلق «أحمد» في الطريق المستقيم. انقضَت نصف ساعة، ثم فجأة، انتهى الطريق المرصوف. توقف «أحمد» يفكر: هل يُمكن أن تكون السيارة قد مرَّت في هذا الطريق؟

أخذ الاثنان يتفحصان الطريق. مرَّت لحظة، ثم قفز «باسم» من فوق الموتوسيكل، وانحنى على الطريق المغطى بحجارة بيضاء. لم يكن هناك أثر محدَّد يمكن أن يكشف مرور سيارة فوقه. استدار إلى «أحمد» قائلًا: أعتقد أن هذا الطريق هو طريقنا.

سأله «أحمد»: لماذا؟

أجاب: يبدو أنه طريق مقصود، حتى لا يدخله إلا الذين لهم اتصال به.

فكر «أحمد» قليلًا … كانت تبدو وجهة نظر «باسم» صحيحة. ومع ذلك، فإنَّه لم يُقدم على التصرُّف. كان يخشى أن يمضي الوقت دون الوصول إلى الاتجاه الصحيح. غير أنَّ صوتًا لفت نظرهما. لقد كان صوت موتور سيارة. أخذا يُراقبان الأفق في شتى الاتجاهات، إلا أنَّ شيئًا لم يظهر. لقد كانت الأشجار مُرتفعة على جانبي الطريق، حتى إنه لا يُمكن أن يظهر شيء. مع ذلك، ظلا يتابعان الصوت، الذي كان يقترب. فجأة ظهرَت السيارة البيضاء.

قال «باسم» بسرعة: إذن، فإنَّه الطريق الآخر!

لم يمرَّ وقت طويل، حتى كانت السيارة، تقترب منهما، ثم تمر بسرعة كبيرة، وهي تُثير غبارًا كثيفًا حولهما.

فكر «أحمد» بسرعة: لماذا تتَّجه السيارة إلى هذا الاتجاه؟

في نفس الوقت، سأل «باسم»: هل تحمل السيارة شيئًا؟

قال «باسم»: لا. إنَّ صندوقها خالٍ تمامًا!

فكر «أحمد» لحظة: إذن، فلنبدأ من الطريق الآخر!

كان الغبار لا يزال يملأ المكان. قفز «باسم» خلف «أحمد» الذي غيَّر اتجاه الموتوسيكل، وانطلق إلى الطريق الآخر. رفع السُّرعة، حتى إنَّ من يراهما يُمكن أن يظن أنَّهما طائران. غير أنَّ «أحمد» اضطرَّ إلى خفض السرعة، حتى إنَّ «باسم» سأله: لماذا أبطأت؟

قال «أحمد»: إنَّ أمامنا بوابة. ويبدو أننا اتجهنا الاتجاه الصحيح.

كانت هناك بوابة بالفعل يقف عندها حارسان. توقف «أحمد» وهو يقول: لا أظن أننا نستطيع أن نصل إلى هناك بالموتوسيكل، فإن هذا قد يكشفنا.

رد «باسم»: على العكس. إنَّ ذلك قد يكون في صالحنا؛ فإما أننا مرَرنا، وإما بدأنا العمل.

هزَّ «أحمد» رأسه مُوافقًا، ثم انطلق. أخذا يقتربان من البوابة، حتى توقَّفا عندها.

عندئذٍ اقترب أحد الحارسين، وقال: إلى أين؟

ردَّ «أحمد» بسرعة: أليست هذه مزرعة السيد «كاجان»؟

نظر له الحارس في دهشة، ثم نظر إلى زميله، الذي اقترب، قائلًا: ماذا هناك؟

أجاب الحارس: إنهما يسألان عن مزرعة السيد «كاجان»!

ظهرت الدهشة على وجه الحارس الآخر. وكان هذا كافيًا، ليجعل «أحمد» و«باسم» ينزلان من فوق الموتوسيكل؛ فقد فهما أنَّهما سوف يبدآن العمل. قال الحارس الأول: ولماذا تسألان؟

ابتسم «أحمد» قائلًا: ينبغي أن نعرف، حتى يمكن أن نجيب!

ردَّ الحارس: فليكن!

قال «أحمد»: لا أظن أنَّ هذه إجابة كافية. إننا في مهمة خاصة بالسيد «كاجان».

صمت لحظة، ثم قال: و«السهم» أيضًا.

اتسعت عيون الحارسين، وقال الثاني: من أنتما؟ لكنَّه قبل أن يسمع الجواب كان الاثنان «أحمد» و«باسم»، قد استخدما أيديهما في الرد؛ فقد ضرب «أحمد» الحارس الأول ضربةً مفاجئةً جعلته يتراجَع بسرعة. في نفس الوقت كان «باسم» قد فعل نفس الشيء. تابع «أحمد» الحارس، وقبل أن يستطيع تحقيق توازنه عاجله بضربة أخرى، إلا أنَّه كان من البراعة بحيث استغل دورته في ضرب «أحمد» ضربة مفاجئة، جعلت «أحمد» يطير في الهواء وقبل أن يستخدم الحارس مسدَّسه، كان «أحمد» قد توقع ذلك، فقد أخرج مسدسه قبله، وأطلق طلقة سريعة أصابت مسدَّس الحارس فطار منه. وقبل أن يفكر في أي حركة كان «أحمد» قد قفز في الهواء في اتجاهه، وضربه ضربة قوية طرحته أرضًا ولم يستطع أن يتحرَّك بعدها، فقيَّد يديه خلف ظهره، ثم ربطهما في قدميه. وسحبه إلى حيث ترتفع النباتات، فألقى به هناك. ثم عاد بسرعة ليجد معركة «باسم» لم تنتهِ بعد؛ فقد كان الحارس الثاني قويًّا تمامًا. أسرع «أحمد» في خفَّة حتى أصبح خلف الحارس، الذي أمسك بعنق «باسم» ووضح أنَّه قد بدأ يَفقد قواه، فأسرع «أحمد» مرة أخرى ولفَّ ذراعه في قوة حول الحارس، حتى بدأت يدا الحارس تنفك من حول عنق «باسم» حتى تركه، فسقط على الأرض. ودارت معركة عنيفة بين «أحمد» والحارس وقبل أن ينتهي منها فوجئ بمجموعة من الرجال قد ظهروا من خلف أحد الأبنية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤