ثلاثة … بدلًا من واحد

عندما هبطت الطائرة في مطار القاهرة الدولي كانت السماء تُمطر بغزارة في تلك الليلة الباردة من شهر ديسمبر … وكان الشياطين الذين ركبوا إلى القاهرة هم «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» و«إلهام» و«زبيدة» … أما باقي الشياطين فقد ذهبوا إلى رحلة تدريبية في البحر الأحمر …

كان الخمسة يركبون سيارة واحدة من طراز «مرسيدس ٢٨٠» يقودها «عثمان» … وجلس «أحمد» ينظر إلى شوارع القاهرة الواسعة عند مدخلها من ناحية المطار … وهو يُفكِّر بعمق في المهمة القادمة … ثمَّ مد يده وتناول مجموعة الجرائد التي اشتراها من المطار … وحاول أن يقرأ العناوين الرئيسية في ظلام السيارة الخفيف، ثم وضع الجرائد وعاد إلى تأملاته …

وصل الشياطين إلى المقر السري قُرب ميدان «فيني» في الدقي، وأحسُّوا جميعًا بالسعادة وهم يدخلونه … فمنذ فترة طويلة لم يَحضُروا إلى القاهرة … وكما وعد رقم «صفر» وجدوا مظروفًا كبيرًا مختومًا وموضوعًا في الصالة وعليه شعار «ش. ك. س».

وسارع «أحمد» إلى فتح المظروف … ووجد به جدول زيارة العالِم «فيتز» وخريطة تُبيِّن الأماكن التي طلب زيارتها … وكان منها المتحف المصري … والأهرامات … والقلعة … وجامع السلطان حسن، ومعبد الكرنك في الأقصر … ومعبد أبو سمبل قرب أسوان …

وصَفَّر «أحمد» صفيرًا طويلًا … والتفت إليه الشياطين الذين كانوا مُنهمكين في توزيع الملابس …

قال «أحمد»: إنها أماكن يمكن اغتياله فيها ببساطة … فهي أماكن متسعة، وبعضها يسهل الاختباء فيه … ربما نستطيع استبعاد مكان واحد منها فقط يصعب فيه الاغتيال.

رشيد: ما هي هذه الأماكن؟

أحمد: إنها أماكن أثرية كعادة الأجانب … المتحف … القلعة … جامع السلطان حسن وهو أكبر جامع في مصر … والأهرامات، وخارج القاهرة سيزور معبد الكرنك في الأقصر ومعبد أبو سمبل جنوب أسوان.

رشيد: طبعًا كلها أماكن من السهل اصطياده فيها.

أحمد: سنبدأ من الغد جولة في هذه الأماكن … إنَّ زياراته في القاهرة يمكن أن تستغرق يومين …

وأخذ «أحمد» يقرأ: ستبدأ الزيارة بالمتحف في ميدان التحرير … ثمَّ الأهرامات … وبعد يومين … يزور القلعة وجامع السلطان حسن، وعند نهاية زيارته سيقوم بزيارة معبد الكرنك في الأقصر، ثم يطير إلى أسوان، حيث يذهب لزيارة معبد أبو سمبل.

زبيدة: إنها فرصة على كل حال لزيارة هذه الأماكن الأثرية الهامة … فنحن لا نكاد نذهب إلى أي مكان منها إلا بالصدفة.

عثمان: ومتى يصل العالِم «فيتز»؟

أحمد: سيصل بعد غدٍ على طائرة «لوفتهانزا» التي تصل إلى مطار القاهرة في الساعة السابعة والربع مساءً.

عثمان: إنَّ الوقت ضيق.

أحمد: وهذا يعني أيضًا أنَّ القاتل المجهول سيكون في القاهرة في نفس الموعد تقريبًا.

قَضى الشياطين الليلة في نوم عميق، بعد أن اتفقوا على أن يبدءوا من الغد في زيارة الأماكن المتوقَّع أن يزورها «فيتز» لعلهم يجدون شيئًا، أي شيءٍ، يقودهم إلى «x»!

وفي الصباح، ذهب «أحمد» و«زبيدة» و«إلهام» في سيارة … كان عليهم زيارة المتحف والأهرامات … على أن يقوم «عثمان» و«رشيد» بزيارة القلعة وجامع السلطان «حسن الأكبر» …

وعندما تقابلوا في المساء كان رأيهم أن أفضل الأماكن التي يمكن أن يختارها «x» للاغتيال هي إما القلعة أو جامع السلطان حسن … وكان الجامع هو المكان الأفضل؛ فهو متَّسع الأرجاء … وفيه عدد كبير من الأعمدة حيث يمكن الاختباء خلفها … ثم إن به عملية ترميم وإصلاح، فهناك عشرات العمال والمهندسين، كما يتردَّد عليه يوميًّا مئات السُّياح …
أما المتحف فشبه مُستحيل؛ لأنه مكان مُغلق، ومن الصعب على «x» الاختفاء فيه … هذا إذا افترضنا أنه سيتمكَّن من إطلاق الرصاص على العالِم «فيتز» …

أما منطقة الأهرامات فمنطقة مكشوفة … ورغم وجود الصخور والأحجار الضخمة حول الهرم حيث يمكن الاختباء خلفها … إلَّا أن الزيارة ستتم في وضح النهار … ومن الممكن مُشاهدة وتتبع أي شخص غريب في المنطقة.

إذن بالنسبة للقاهرة فإنَّ الاحتمال الأكبر هو جامع «السلطان حسن»؛ خاصةً أن الجامع من الداخل مظلم، ومنحنياته كثيرة …

قال «أحمد»: سنكون في زيارة الجامع أثناء زيارة العالِم «فيتز» له … وسنكون حلقة أمن حول «فيتز»، بالإضافة إلى رجال الشرطة وغيرهم من رجال الأمن.

ولكن … ثمة شيء حدث قَلَبَ مخطط الشياطين رأسًا على عقب … فقد أضاءت الإشارة الحمراء في غرفة اللاسلكي في المقر الفرعي، ودخلت «إلهام» مسرعة … فهناك رسالة من رقم «صفر» … كانت الرسالة مخيفة حقًّا … وتقول:
«من المتوقع أن يصل ثلاثة من القتلة في وقتٍ واحدٍ … إنَّ العدو يُريد تشتيت انتباهنا … إنه ليس «x» واحد، ولكن ثلاثة إكس «xxx» … وهذا يعني صعوبة المتابعة … المعلومات التي وصلت عن «٢x» و«٣x» تُشبه نفس المعلومات عن «١x» … إنَّ أحدهم في الأغلب سيَنجح في اصطياد العالِم «فيتز»، وقد فكرت سلطات الأمن في إلغاء الرحلة … ولكن العملية المطلوبة هامة جدًّا … وفي نفس الوقت لا نُريد بث الرعب في قلب «فيتز» إذا ألغينا الزيارات التي طلبها … يجب أن تتصلوا بعميلنا في القاهرة … إنه سيُرتِّب لكم بعض المهام التي قد تضعكم في أعقاب واحد أو أكثر منهم، أريد آخر معلوماتكم …»

وبعد أن انتهت «إلهام» من قراءة البرقية على الشياطين …

قال «أحمد»: ردِّي على الفور …

وعادت «إلهام» إلى غرفة اللاسلكي، ووقف بجوارها «أحمد» وهي تدقُّ الرد:
  • أولًا: قُمنا بزيارة الأماكن التي سيزورها «فيتز» … ونعتقد أن جامع «السلطان حسن» هو المكان الذي سوف يختاره رجل من طراز «x١» أو غيره … لهذا من الممكن إلغاء هذه الزيارة … المكان الذي يَليه بدرجة أقل ويُمكن أن يتم الاغتيال فيه هو «القلعة»، فيجب تشديد الحراسة هناك.
  • ثانيًا: نرجو أن يقطع بقية المغامرين رحلتهم إلى البحر الأحمر وأن يصِلُوا فورًا …
  • ثالثًا: سنُنفِّذ التعليمات ونتصل بعميل القاهرة ونرى ما عنده …

أغلقت «إلهام» جهاز اللاسلكي، وقام «أحمد» بالاتصال بعميل رقم «صفر» في القاهرة … ولكن كان العميل خارج مقره، وترك رسالة مسجلة على التليفون: أنا في مهمة قصيرة في الأقصر، أعود مساء اليوم … عاود الاتصال بي.

وأملى «أحمد» رسالة مسجلة للعميل: «من «ش. ك. س» إلى «ع» … نُريد أن تتَّصل بنا فور وصولك، هناك معلومات هامة وصلت مؤخرًا …»

وجلس الشياطين في صالة المقر يتحدَّثون؛ فقد تغيَّر الحال … وأصبح عليهم مضاعفة الجهد …

وفي المساء … دقَّ جرس التليفون، كان المتحدث هو عميل رقم «صفر» …

ردَّ عليه «عثمان» …

قال العميل: هناك طائرة خاصة وصلت إلى مطار الأقصر صباح اليوم، يركبها شخص من كبار رجال الصناعة في «أمريكا»، هذا الرجل يعمل في نفس نوع السلاح الذي نقوم بتطويره؛ لهذا رأيت أن ألقي عليه نظرة …

عثمان: إنه لم يَعُد شخصًا واحدًا فقط … لقد أصبحوا ثلاثة … لذا نريد كل المعلومات التي تتوفر عن الزائرين الأجانب في الأيام الأخيرة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤