تمهيد لا داعيَ له من المؤلِّف إلا لو كان الغرض هو الإملال

بعد جهدٍ جهيد، أشبه بعملية ولادة مُرهِقة متعثِّرة، أورَثَني قلقًا دائمًا وصداعًا لا يزول، أنهيتُ مجموعتي القصصية «عندما هفهف لباس الليل».

وبعد «أربعين» قصير مُستحِق، رحتُ أبحث عن حكمة ما، أو أي كلام يبدو عميقًا، لأضعه في مقدمة الكتاب، كعادة مرَضية يَفرضها وسواسي القهري، فلم أجد سوى عبارة حكيمة، أثَّرت فيَّ وجدانيًّا، اختلستُها ذات مساء، أثناء ركضي خلف إحدى حافلات الكلاكلة، تقول بأسلوب رصين:

قاسيا يا دنياء — ود قلبًا.

إذا ما تجاهلتَ الأخطاء اللغوية، وتجاهلتَ ودَّ قلبًا، وتجاهلت اللعاب المتناثر على وجهك من السائق الغاضب ذي المنديل الملوَّن على ياقة القميص؛ إذ يعوي صارخًا في الركَّاب الذين اقتحموا الحافلة عبر النوافذ، ليَسكب على أذنك التعسة سيلًا من الشتائم العبقرية الموجَّهة، شتائم تبدأ ﺑ «يا أولاد اﻟ…» وتَنتهي بالأمهات غالبًا!

إذا ما تجاهلت كل هذا، فأَعتقِد أنها عبارة حكيمة بما فيه الكفاية، كلُّ طفل يَحبو يعرف أن «الدنياء» قاسية فعلًا، هذا يفتح لك آفاقًا جديدة في فلسفتِك للعالم والوجود.

هذا كل شيء، يُمكنكَ الآن الذهاب للصفحة التالية.

مهند رحمه

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤