مقدمة

منذ عشرين عامًا أصدرت كتاب «المرأة الحديثة وكيف نسوسها؟» تحدثت فيه عن نهضة المرأة وتطورها إلى القيام بالأعمال التي كانت قبل يومئذٍ وقفًا على الرجل. وقد كنت معتزمًا أن أتابع إصدار كتب تتناول صورًا من النهضة الحديثة متمثلة في القوميات التي بدت في الغرب والشرق. وقد لبثت منذ يومئذٍ أعد عدتي لهذه المؤلفات. وكان مما استرعى نظري، ما شغلته مسألة اليهود من الأهمية منذ طالبوا بالوطن القومي والدولة اليهودية المستقلة، وصدور تصريح بلفور في هذا الصدد، وما قامت عليه النازية الهتلرية في ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى (١٩١٤–١٩١٨م)، من اضطهاد اليهود على صورة تقرُب مما كان عليه حالهم قبل اعتراف الأوروبيين بمساواتهم بسائر السكان، وما بلغه اليهود من المكانة في الأحزاب السياسية، والمصارف المالية، والدوائر التجارية والعلمية والأدبية والصحفية والفنية في أوروبا وأمريكا وغيرها؛ وذلك لما لهم من صفات أعدتهم لهذه المرتبة.

ونحن، إذ نعرض لهذا الموضوع: نرمي إلى بسط مراحل اليهودية نشأة وهجرة ودولة وزوالًا وانبعاثًا وانتشارًا، إلى أن نبلغ المرحلة الحاضرة لهذه القضية الخطيرة، وهي قضية مزدوجة؛ فهي قضية اليهود من ناحية ما يرددون وما يطلبون، وقضية الشعوب التي راعتها مكانتهم وأفزعتها مطالبهم أو أثر فيها نشاطهم ونهضتهم، ولئن كان بسطنا للموضوع على هذه الصورة لا يهدف إلا لإيضاح الوقائع التاريخية في عدل ونزاهة واستقلال وحسب؛ غير أننا نرجو أن يكون هذا معينًا على علاج هذه القضية، خاصة مشكلة فلسطين وعلاقات اليهود بالبلاد التي اتخذوها مقامًا أو ميدانًا للعمل؛ لكي يكون السلام العالمي تامًّا.

عبد الله حسين

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤