كتابٌ إلى الصديق الأوفى رفيق التلمذة

سيدي

أُجِلُّك أن يصيبك هذا القلم بسنانه، وأُجِلُّ هذا القلم أن يكمن في شقِّه الحقد أو أن يثأر لي منك. لا آخَذَ الله من أجلي أحدًا، وليُهنئ مُبغضي ما أصابني من ضر. فهَب لي من لدنك إنصافًا يكون لك معوانًا على قراءة كتابي هذا. لن أقاضيك إلى الناس بل أقاضيك إلى ذات نفسك. أمَا لتقضينَّ لي عليك، حُجتي عليك قائمة وما لك عليَّ من حُجة.

أنفذت فلانًا يأخذ كتابًا أنا بعثت به إلى فلان، ثم جعلت ذلك الكتاب سببًا لنفيي سبعة أعوام، حتى شُلَّت أناملي وبحَّ صوتي وجفَّت ينابيع خاطري. فهلا ذكرت أن للمظلوم ربًّا يسمع أنينه من أعماق السجون ويرى دموعه في ظلمات الليالي.

هذا يراع ملكته ولا فضل عليَّ فيه لغير الله الذي براه لأناملي وبراني لصريره. سيَّرته في خدمة أمة باد أكثرها بظلم الظالم، وباكيته على أحرار أُسكنوا الأجداث ولم يمتَّعوا بالشباب. أكان عليَّ في ذلك بأس أم أنا صنعت ما ينبغي على الحر أن يصنعه.

ليتك كنت طيِّب الشمائل فأحبك كما أريد أن أحبك، وليت إساءتك كانت وقفًا عليَّ ولم تتعدَّني إلى إخواني، إذن لاتَّخذت منك تلك الإساءة إحسانًا ولأقمت على ودِّك ما أقامت في جسمي الحياة. لست أشنؤك؛ فإني لا أعادي إنسانًا، ولكن دلَّني على قلبٍ أحمِّله محبتك وأُكرهه على قبولك. عفا الله عنك وتجاوز لك عن حقي. ما أريد تأنيبًا ولا أطلب لك شيئًا تبغضه، فلْتَجُد عيناك بدموعٍ تغسل عن قلبك حب الانتقام، ولْيَهدِك الله مذ اليوم حتى تداويَ بآتيك ما جرحت بماضيك.

كاتب المعلوم والمجهول

الحمد لله كثيرًا، نفَّست عن فؤادي همًّا واغلًا، إذا صرت أقرن إلى هذه النظائر العالية فقد عفوت عفو قادر، والقدرة بيد الله، لا منٌّ ولا سرفٌ. غير أني ما كنت أحسبني أحيا إلى مثل هذا اليوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤