خطبة في المقارنة بين المرأة المصرية والمرأة الغربية

وعاداتهما واستخلاص زبدة المقارنة لنعمل بها

بسم الله الرحمن الرحيم

أيتها السيدات

إذا كان لفئة ما أن تجتمع وتبحث في شؤونها فلا أحق بذلك منا نساء مصر وفتياتها، فإننا على درجة من التأخر تؤلم نفس المتفكر فيها وترجع بالوطن خطوات واسعات عن سبيل التقدم، إن من دلائل تأخرنا أن أكثرنا أخذ يقلد المرأة الغربية بغير نظر إلى موافقة عاداتها للشرع الإسلامي والآداب الشرقية، وبعضنا الآخر ظل على تقاليده القديمة سواء كانت صحيحة أو فاسدة، فما هذا الجمود بمستحسن ولا ذاك الاندفاع بممدوح، وإني شارحة الآن عادات المرأتين في كل أدوار حياتهما، مقارنة إحداهما بالأخرى، مستخلصة من زبدة ذلك ما عسى أن ينفعنا في مستقبل حياتنا.

الدور الأول: المولودة

إن رجالنا الآن عند تبشير إحدانا بالأنثى شديد المشابهة جدًّا لحال الجاهلية الأولى، ولم أرنا خالفناهم في شيء مما كانوا يفعلون في ذلك إلا الوأد، قال الله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.

إن الانقباض الذي نظهره عند مستهل الأنثى يحدث في الطفلة إذعانًا إلى الذلة ورؤمًا إلى الضعة، فتشب الفتاة آلفة الفرق العظيم بينها وبين أخيها، فتعتقد في نفسها أنها أحط شأنًا وأدنى مرتبة، فلا تطلب من المعالي ما يطلبه أخوها، ولا تنبسط نفسها إلى ما يرفع من شأنها وشأن جنسها، وتضع نفسها حيث يضعها الظالمون من أهلها، وليت شعري! لِمَ نكره ولادة الأنثى وهي نصف الإنسان وأمه وزوجته وابنته؟! ألا يصح أن تكون الفتاة نافعة كالفتى؟! ألا يرجع الفضل في تدبير عيش الرجل لها؟! ألم تكن في كثير من الأحيان سبب سعادته وموضع أمله؟! وكيف نهمل تعاليم ديننا الحنيف في هذه المسألة ويتبعها أكثر الغربيين؟! فإن أممهم — خصوصًا الشمالية منها — يتساوى عندها الذكر والأنثى، وقد يملكون عليهم فتاة فيهم من يفضلها علمًا وتجربة وحذقًا، يبرر الظالمون للأنثى جورهم هذا بأن الذكر يحفظ اسم (العائلة) ويرث مالها ولقبها، ولكن كم من والد مات ذكره بموته، وكيف لا والعمل وحده عليه حياة الذكر أو فناؤه؟! هل رفع الله الأنبياء — عليهم السلام — درجات على الناس بأعمالهم أم بأبنائهم، ومنهم من لم يتزوج قط ومنهم من عقه أبناؤه؟! أم كان أبو العلاء المعري أبا ذرية أحيت اسمه وهو الذي يعد الزواج والذرية جناية؟! وهل يغني الولد عن الأبوين شيئًا إذا كان لا يخفف حشرجة الموت؟! فالبنت والصبي سيان، قرة عين الوالد في حياته، ولا يدري ماذا يفعلان بعد مماته، وهل إذا ورث الفتى ثروة وبددها يعد حافظًا غنى أسرته، أم إذا ولد لأحدهم ذكور ضمن لهم الحياة الخالدة؟!

الدور الثاني: دور الطفولة

في هذا الدور نفضل الصبي عن البنت في أمور شتى، مع أن الغربيين لا يفرقون البتة بينهما، فضلًا عن أنهم يوفونهما حقهما من التربية والعناية، ونحن إذا فضلنا الذكر قليلًا فلا نزال مقصرين في العناية به، فما بالكن بالأنثى؟! ترضع المرأة الغربية طفلها وتنظفه بنفسها، اللهم إلا فئة العاملات اللاتي يضطرهن الفقر إلى الاشتغال في المصانع والحوانيت وترك أطفالهن في أيدي الأجراء من مربيات الأطفال ومراضعهم، أما نحن فنعد إرضاع أطفالنا عيبًا لا يغتفره لنا ادعاء الغنى أو الغنى نفسه! ونفوض أمر نظافتهم للخدم، ونكل ترويضهم وتربيتهم إليهم، وهن من تعلمن من فساد الذوق والجهل القبيح، فيشب أطفالنا أشد حبًّا لهم أشبه أخلاقًا بهم، بينا نجد بيننا وبينهم جفاء وتقاطعًا، وكيف تعرف الأم طباع طفلها إذا هي لا تتعرفها بنفسها؟! ولو مرت الأمهات يومًا بالمراضع جالسات على حافة الطرق ليراقبن حالتهن الأخلاقية لما تأخرن لحظة عن حماية أطفالهن من جيش المراضع الهازم لمكارم الأخلاق.

أما عنايتنا بصحة أطفالنا فلم تكن بأكثر من عنايتنا بأخلاقهم، فبينا المرأة الغربية تغذو طفلها غذاء خفيفًا سريع الهضم، وتحتفظ به من هجمات البرد والحر، تريننا نطعمه أثقل الغذاء ونبادر بإعطائه اللحم وما يتعسر هضمه، فتختل معدة الطفل ويصاب بالإسهال والنزلات المعوية، وقد يفضي به سوء الحالة إلى الموت أخيرًا. وكذلك لا نكترث بنظافته لئلا يحسد، ونتركه يلعب به النقيضان: القر والحر، فلا يلبث أن يمرض ولا علاج له عندنا إلا الرقى والتمائم نثقل بها حمائله، وإذا بكى متوجعًا نظن بكاءه جوعًا فنلقمه الغذاء فوق الغذاء إلى أن يلقى حتفه، هنالك تتهم أمه صاحبتها أو قريبتها بأنها حسدته، وأنفذت فيه سهمًا من عينيها فتبغضها وتتشاءم من رؤيتها، وإذا ابتدأ الطفل يتكلم ويمشي فأول ما ينطق به عندنا لعنة الآباء والأجداد، ومن الغريب أننا نجعل ذلك منه موضوع ضحك واستحسان؛ فيظن أنه مصيب في قوله فيتمادى في الإكثار منه، وإذا مشى فإننا نحجر عليه أن يمشي إلا وسط الحجر المزدحمة بالأثاث والأواني، فإذا لم يكسر منها شيئًا فإنه يتهشم بصدمة أو بوقوع، وإذا تأخر في الخطو قليلًا نساعده عليه بالممشاة (المشاية) وهي علة تشويه كبيرة لا نشعر بها؛ ذلك أن عظام الطفل اللينة بإجهادها في المشي قبل قوتها، تلتوي فيشب الطفل أعوج الساقين منحني السلسلة الفقرية أو الصدر، كذلك لا نلتفت لموضع سرير الطفل وتأثير النور في عينيه، فيكثر فينا الحول والعمى، وما أعظم الفرق بين طفلنا الشاحب اللون البذيء اللسان وبين الطفل الغربي الصحيح البدن! فالاعتناء المهذب بالتربية ما أجمله حين يذهب في الصباح والمساء ليقبل والديه وحين يستغفر غيره أيًّا كان لأقل هفوة أو يشكر له جميلًا أسداه إياه، ذلك الطفل الذي إذا حرم تلك القبلة الوالدية لهفوة أتاها فلا تسلن عن حزنه وبكائه إلى أن يتوب، بمثل هذا تعلم المرأة الغربية طفلها أن رضاء الوالدين أعظم نعمة للأولاد وتربي فيه الضمير الحي، والاعتراف بالشكر لمن وجب له، فلا تصغر نفسه بالضرب كما نعود نحن أطفالنا، ما المراد من ضرب الطفل؟ إذا المراد هو نهيه عن إتيان شيء لا نستحسنه لإيذاء جسمه بأنواع التعذيب البدني، فهلا نجد من طرق التأديب النفسية ما يوصل إلى تلك الغاية بغير الشتم والضرب اللذين يصغران همة الطفل ويخفضان من عزته صغيرًا ويزيدان تحكمه واستبداده كبيرًا؟!

وبقدر ما نعطي الطفل حرية في البذاءة والإتلاف نمنعها إياه في الرياضة المفيدة لنموه، فنمنعه الجري والفسحة ومشاهدة المناظر الطبيعية الجميلة، مع أن الطفل الغربي يعد عضوًا مهمًّا في البيت كسائر أعضائه من أب وأم؛ فيُذهَب به إلى بلاد بعيدة لاستنشاق الهواء واجتلاء المناظر ويُفرَد له أدوات خاصة لنومه ولعبه وسائر لوازمه ويُعامَل بالإكرام، ويُعوَّد الاستقلال من نعومة أظفاره إلى أن يترعرع، وإذا لحن في كلامه بادرت أمه بتصحيح خطئه والنطق أمامه نطقًا صحيحًا حتى يحاكيها فيه، أما أطفالنا البائسون فإننا نلثغ لهم لنرضيهم ونكلمهم بلغتهم المشوشة بدل تعليمهم لغتنا العامية لا الفصحى!

نحن نبادر بإرسال أولادنا للمدارس وهم صغار لا يدركون ماهية العلم ولا يألفون حجر حريتهم، فيضايقهم المعلمون بتدريسهم الممل غير الجذاب، ويلزمون أعضاءهم المخلوقة للحركة بالسكون التام، فيتربى في الطفل نفور من المدرسة والدرس، فتجبره أمه على الذهاب إلى المدرسة فيزيده الإجبار نفورًا، وقد يكون خطؤنا في إرسال أولادنا صغارًا جدًّا للمدرسة ومضايقة المعلمين لهم بأساليبهم العقيمة ما ينقص من استعداد الطفل لتلقي العلم ويفسد ملكاته، أما الطفل الغربي فهو أسعد حظًّا؛ إذ تعلمه أمه في البيت طرق الملاحظة والمشاهدة وتلقنه فوائد الأشياء والأسرار القريبة الإدراك لما يحيط به من نبات وحيوان ومطر وغيره، وتعلمه الإحسان والشفقة بما تفعله أمامه من ضروبهما، وكذلك تعلمه القراءة والكتابة الأولية بأسلوب شائق ولا ترسله للمدرسة إلا وفيه ميل إليها واستعداد لما سيلقى عليه بها، وقد جربت ضرر إرسال الأولاد للمدرسة صغارًا في نفسي وفي إخوتي وفيمن شاهدته من التلميذات، فإني ظللت حوالي ثلاث سنين لا أفقه معنى للمدرسة، ولا أكاد أفهم الغرض من إرسالي إليها، وكذلك شاهدت أن النابغات من التلميذات هن اللاتي أرسلن للمدرسة في سن الثامنة أو العاشرة، أما المرسلات صغيرات فأكثرهن لم يستفدن شيئًا غير ضعف البنية وخسارة ما أنفق عليهن، إذا لم يكن بد من إرسال الأطفال للمدرسة صغارًا فيجب أن تجعل لهم فرقة مخصوصة كفرقة بستان الأطفال (الكندر جارتن) التي تجعل فيها الدروس مزيجًا من التعلم والرياضة، ويراعى فيها مدارك الطفل، وتمرن حواسه وأعضاؤه بغير إجبار يخافه أو تكرار يمله، ولو كانت الأمهات معتنيات بأطفالهن تمام العناية فإن تلك الفرقة كان يجب أن تكون في كل بيت أنعم الله عليه بنعمة الأولاد.

للتربية عندنا إحدى طريقتين: إما القسوة أو التدليل وكلاهما مضر؛ فالقسوة ترهق الطفل وتعلمه الذل، والتدليل يطرح به في مهواة الغرور، فمن دلائل القسوة تخويفنا الأطفال وتصوير صور مخيفة لهم من الظلمة وملء أذهانهم بترهات لا أصل لها (كالبعبع والمزيرة … إلخ) وضربهم عند مخالفتهم لنا، ومن تدليلنا إياهم أن نعلمهم الأنانية ونعطيهم ما يشتهون عند بكائهم بعد منعهم إياه قبل البكاء، فيتعلمون من ذلك أن الصياح ميسر العسير ومقرب البعيد فلا يتأخرون عن البكاء عند أي شيء نمنعه عنهم، وقد رأيت كثيرًا أن طفلًا ينصح لأخيه أو أخته الأصغر منه سنًّا بأن يبكي حتى يأخذ كيت وكيت مما كان مُنِع عنه، أما الإفرنج فطريقتهم في تربية الأطفال خير من طريقتنا أضعافًا؛ فيعاقبون الطفل الذي يبكي لطلب شيء بالحرمان منه فيعلم أن البكاء لا يجدي ويطلبه بالطرق المشروعة، وإن منع منه فلا يعود يتشبث به، ويستحضرون في المنزل ما تمس إليه حاجة الأولاد من الحلوى واللعب خوفًا عليهم من قذارة ما في الأسواق واقتصادًا للمال والزمن.

الدور الثالث: دور المراهقة

هذا هو الدور الذي تتجلى فيه صفات الفتاة حسنةً كانت أو سيئةً، وإن كانت الأخيرة فمن الصعب تغييرها، في هذا الدور يهتم الأهلون بإرسال أولادهم الذكور للمدرسة وإن كانوا يدخلونهم قبل ذلك الكتاتيب، ولا يهتمون كثيرًا بتثقيف عقل الفتاة، على أنهم قد أخذوا يقلدون الغربيين أخيرًا في تعليم الفتاة، ولكن لم يكن التقليد نافعًا لنا ولا محكمًا في ذاته، فالفتاة الغربية تتعلم العلوم إلى أن تحصل منها على درجة عالية أو درجة محمودة، أما فتاتنا المصرية فلا تكاد تقرأ وتتعلم قشورًا بسيطة من العلم حتى تستغني بها عن الاستمرار في الاستفادة، فهي لا تقلد الغربية في التعلم النافع وإنما تقلدها باستماتة في تعلم البيانو والرقص، ولا أدري لماذا أخذت البيوت الشرقية تبطل العود والقانون وتتعلم (البيانو) مع أن الأولين — فضلًا عن كونهما شرقيين — ألطف صوتًا وأشجى نغمة وأقل جلبة وأرخص ثمنًا وأخف حملًا، إن (البيانو) لازم جدًّا في الغرب لتحية الجموع في المراقص والكنائس؛ لأنه بنغماته العالية يسمع إلى مكان بعيد، أما في بيوت المسلمين حيث لا مراقص ولا كنائس، فلا أجده من الضرورة بالدرجة التي يتهافت عليها فتياتنا. نعم؛ إن تعلم الموسيقى من الكماليات الممدوحة، ويقولون إنها مهذبة للطبع مرققة للشعور، ولكن ألم يكن الأولى تعلمها على الآلات الشرقية التي لا ضوضاء لها؛ إذ هي بذلك أدعى للحشمة فلا يتعدى صوتها البيت الذي هي به؟!

لو سلمنا بضرورة تقليد الغربية في تعليم (البيانو) لوجب محاكاتها أيضًا في تعلمه من حيث هو فن وإتقانه، لا أن تقتصر الفتاة على نقر لا تناسب بين نغماته حتى إن سليم الذوق مع عدم تلقيه دروسًا في (البيانو) يمكنه نقد ذلك الضرب الذي لا قانون له على صماخ الأذن لا على (البيانو) فإن أذنه تنبو عنه لسماجته!

ماذا تقرأ الفتيات في سن المراهقة؟! لا يقرأن إلا الروايات الغرامية وهن في ذلك الوقت موضع لسورة الانفعالات النفسية؛ فيتأثرن بحوادث العشق والهرب وتنطبع في ذاكرتهن أشعار وجمل غرامية مما يقرأن، وتمر أمامهن صور تلك الحوادث كالصور المتحركة، فلا تعدم أن تلقى أثرًا في عقولهن اللينة، إلا أن الآباء ملومون في هذه الحالة لعدم اختيارهم كتبًا نافعة تقرأها فتياتهم، لماذا لا يختارون لهن مثل كتاب التربية الاستقلالية وفيه أمور نافعة جدًّا في تربية الأطفال ومعاملة الأزواج؟! أو مثل كتاب كليلة ودمنة؟! أو كتب تراجم المشهورين من رجال ونساء؟! فإن في قراءة سير المشاهير ما يبعث القارئ على أن يقتدي بهم، أو مثل كتب آداب اللغة وغيرها مما يلذ ويفيد في آن واحد، هذا إذا وجدت الفتاة من كتب الفلسفة والعلم ما يستعصي عليها فهمه أو تتضجر من الاستمرار على قراءته لجده الخالص وجفافه، ماذا تفعل الفتاة في سن الرابعة عشرة أو السادسة عشرة وهي ممتلئة الذهن بحوادث «روميو وجوليت» وألفاظ «فاتنتي وحبيبتي» إلخ؟! إنها تتمنى أن تسمع مثلها وتكون مرموقة بنفس تلك العين؛ لأن سنها — كما بينت — أخصب مراعي إبليس، هذا من جهة القراءة. أما الحرية، فإن الفتاة المصرية الأولى كانت محجورًا عليها لدرجة الحبس، والفتاة الغربية لها مطلق الحرية أن تغدو وتروح وحدها وتسافر من بلد لآخر قاصٍ بغير رقابة أهلها، وهذا من الخرق في الرأي، وأخاف أن تغرنا زخارفه فنعمل به؛ لأن كثيرات من فتياتنا المتعلمات يحسبن أن الدرجة التي وصلن إليها تكفي لإعطائهن مطلق الحرية يغدون ويرحن وحيدات، وإن حوادث الفتيات المحزنة كثيرة جدًّا في أوروبا؛ لأن الفتيات الطائشات يصدقن لصفاء نيتهن كلَّ مدَّعٍ لهن بالغرام، وتساعدهن حريتهن المطلقة على مسايرة الفتيان، ثم لا يلبث الرجال أن ينفضوا من حولهن، ويتركوهن بين اليأس والعار وهما أمران أحلاهما مر.

من رأيي أن تُمنَع الفتاة في سن المراهقة هذه من الاختلاط بالشبان، وحاشا أن أمس بكلامي هذا شرف الفتيات، وإنما أحب أن أنبه إلى شيء طبيعي والعاقل من اتعظ بغيره، ويكفي تجنبًا لمثل هذا الاختلاط المعيب أن أهله أنفسهم هم أول العائبين له، والفتاة في هذه السن ككل إنسان تطلب الحرية ويجب أن تتروض وتخرج، وهذان لا أمنعهما عنها، وإنما أنصح للأمهات أن يرافقنهن وللآباء أن يراقبوهن مراقبة لا تتمكن بها من الوجود مع غير ذي رحم محرم.

ثم إذا ثبتت للوالدين مقدرتها على حسن السير وطهارة الذيل وقوة الإرادة فلا بأس من إباحة الحرية لها في زيارة صاحباتها، وأرى أن الحرية المطلقة والحجر المطلق كلاهما مضر؛ فكما أن الأولى تسهل سبل الفساد لمن تريدها، كذلك الثاني يخلق في الفتاة ميلًا لأن ترى كل شيء ويعلمها طرق الغش والكذب؛ فيكون قد جنى أهلها جنايتين.

إن صلاح الفتاة مترتب دائمًا على تربيتها الأولى، فإن فسدت فقد يكون قليل من الحرية أفضل من الحجر المطلق؛ لأنه لا ينفع ولا تعدم الفتاة منفذًا لأغراضها فتتعلم بذلك السرقة والخداع وقد تكون بعيدة عنهما من قبل.

أفضل طريقة لتربية البنات هي أن يرين قبل البلوغ كل شيء تصح مشاهدته، بمعنى أن البنت في نحو العاشرة يجب أن يريها والدها الصور المتحركة والتمثيل والألعاب المختلفة والحوانيت الكبيرة والمتنزهات والآثار، ويركبها السيارة ويريها الحفلات وغير ذلك، حتى تلم على قدر الإمكان بكل شيء حسن أو عجيب، فتستنير من جهة ولا تظل بلهاء ككثير من فتياتنا من جهة أخرى، وحتى تكون امتلأت نفسها من الصغر فلا تجد فيها فراغًا فيما بعد لطلب المزيد من المشاهدات، فإذا عرضت لها الفسحة في حياتها المستقبلة فلا بأس بها وإن لم تعرض فلا تأسف كثيرًا عليها.
  • المدارس: تعجبني جدًّا طريقة مدارس (الفرير) في نقل الفتيات صباحًا ومساء في عرباتها الخصوصية حتى لا يختلط بهن السابلة، وحتى يأمن عليهن أهلهن من مراقبة الخدام، الذين هم في أكثر الأحوال وسائل الفساد ووسطاء الغواية والضلال، وكذلك يوفرن وقت من سيعطل نفسه فيصحبهن إلى المدرسة ذهابًا وإيابًا، فحبذا لو اشترت نظارة المعارف أو استأجرت مثل تلك العربات لنقل التلميذات إلى مدارسها في الغدو والرواح، ويكون لكل قسم من أقسام البلد واحدة أو اثنتان طبقًا لحاجة التلميذات كثرة وقلة، فإن التعليم في مدارسها أرقى بكثير من التعليم في المدارس الأخرى، خصوصًا في اللغة العربية التي هي لغتنا ويجب أن نتعلمها جيدًا، وكذلك تراعى فيها آداب البلد وعوائده ودينه أفضل مما تراعى في تلك المدارس الأجنبية التي لم تفتح إلا لنشر مذهب من المذاهب الدينية أو لكسب أصحابها فقط.

    بعض المستهجنين تعليم الفتيات يرون أن تظل الفتاة جاهلة خير لها من أن تتعلم؛ لأن التعليم يوسع عليها حيل الاختلاط الذي لا تبرره العادة ولا يسمح به أولياؤها، وهي نظرية فاسدة؛ لأن التربية الحقيقية تحول دون ذلك، فالفتاة الكاملة تجد من عفتها وقدوة أهلها وآداب نفسها ما يخيفها من سوء الأحدوثة، وتعلم أن سمعة الفتاة كالزجاج الصافي يتلوث من أقل الأشياء وإذا انكسر فلا يجبر، أما الفاسدة فتميل للمروق متى وجدت مسربًا سواء كانت عالمة أو جاهلة، وغاية الأمر أن الجاهلة أسرع شططًا وأدنى إلى أن تشهر بنفسها، وقلما تعرف نتيجة تصرفها السيئ إلا بعد وقوعها في سوء مغبته.

  • الملابس والأزياء: الملابس الشرقية أخف مؤنة وأيسر كلفة وأشد ملاءمة لجونا الحار وصيفنا المحرق من الملابس الإفرنجية، فهي جلباب يلبس مرة واحدة فوق الملابس الدنيا وعند الخروج تلبس فوقه الملاءة، أما الملابس الإفرنجية فإنها متعددة القطع مضاعفة التركيب عسرة اللبس والنزع؛ فمن مشد يخنق الخاصرة ويعتصر الكبد والطحال ويضغط على الأحشاء ويمنع الجلد من التنفس الطبيعي اللازم له، ومن بنيقة (ياقة) منشاء كالورق المقوى، لا تستطيع المرأة فيها لفت رقبتها ولا الانثناء لقضاء أي عمل، فتظل مشرئبة العنق مشدودة لا عن وثاق، ومن صدار chemisette لاصق بالإبطين ضاغط على الكتفين أو مقور الفتحة décolts معرض القفا والنحر، بل الصدر والظهر إلى الحر والقر واختلاف درجات الجو وجلب النزلات الصدرية ومن مرطة juops ضيق الأعلى غير محكم الإزرار واسع الأسفل طويل الذيل، كأن لابسته من ذوات الأذناب، تثير في مشيتها الجراثيم وتضايق الرئتين والخياشيم، ومن قبعة مترامية الأطراف مدججة بالدبابيس مثقلة بالطيور وريشها والغصون وأزهارها وثمارها مدبجة بالأربطة الحريرية، ومن أناشيط (ينابيع) في أجزاء (الفستان) يضيع في ربطها وحلها الزمن سدى، فضلًا عن تعدد الملابس لتعدد الأغراض؛ فحلة للصباح وأخرى للمساء وثالثة للخروج وأخرى للرقص وغيرها للاستقبال وهلم جرًّا، إن الزمن الذي يضيع كل يوم في اللبس والخلع لو صرف في عمل نافع لأتى بالفائدة وأراح من العناء، على أن لنساء الإفرنج حسنة واحدة في ملابسهن مفقودة عندنا، وهي البساطة عند الخروج للنزهة أو لقضاء شغل، فتلبس المرأة ثوبًا قصيرًا كي لا يعوقها عن المشي، أما نحن فنرتدي أحسن طرفنا في الخارج ونطيل في الذيول نجرها، على أن الأوروبيات أحق منا بالافتتان في الأزياء وشدة التأنق فيها لأنهن بارزات، أما نحن فأكثر ما يرانا جدران المنازل وإن خرجنا فتحت الإزار أو في العربات. وإذن، فلا لزوم لاتباع (المودة) بشغف زائد؛ لأنها تفقر وتضايق، وإن كان للغنيات حق التمتع بصرف مالهن، ولو فيما لا يجدي الإنسانية كالأزياء، فليس للمتوسطات حق إفقار بعولتهن أو آبائهن جريًا وراء المودة المتقلبة.

    تخرج بعض نسائنا عن حدود الأدب والشرع متفانيات في اتباع (المودة)، ولكن هناك فرقًا كبيرًا بين (المودة) والخلاعة، فإن لبست المرأة آخر الأزياء في بيتها فما عليها في ذلك من حرج، ولكن إذا أظهرت زينتها للمارة وظلت تتلكأ وتتسكع وتداعب وتضحك فتلك هي الخلاعة الشائنة، ولم تجئ في مجلات الأزياء (كالبرنتان واللوفر) وغيرهما، ففي أي كتاب قرأتها؟!

    لاحظت شيئًا غريبًا في الفتيات؛ وهو أن الفتاة التي تتبرج وتتأنق مغالية في إظهار محاسنها وغناها تريد بذلك أن يعجب بها الخاطبون والخاطبات، هي التي تتأخر دائمًا في الزواج، وإن تزوجت فبرجل أقل مما كان ينتظر لمثلها، وهو عقاب طبيعي للمتبرجات؛ لأن الرجل مهما أعجبه شكل الخليعة وكلامها فهو لا يود أن يقتنيها لنفسه اعتقادًا أن ما أعجبه منها ظاهر لغيره أيضًا، ولو فطنت الفتيات إلى أن أول شرط يشترطه الرجل في امرأته خاصة هو الحشمة والترفع عن التبرج لما تأخرن لحظة عن الإقلاع عما زعمنه يقربهن في أعين الراغبين في الزواج، وهو في الحقيقة يبعدهن وينفر الرجال منهن، لست بذلك أدعو النساء إلى التقشف أو البعد عن الزينة، فليس لي أن أحرم ما حلل الله؛ ولأن في الزينة للمرأة بعض السعادة ولزوجها كذلك، ولكن غرضي الاعتدال في الزينة إلى عدم الخروج عن المعروف.

الدور الرابع: الخطبة والزواج

تتعجل الفتيات كثيرًا في انتظار هذا الدور ولو علمن مصاعبه ومتاعبه لما تعجلنه، وأظن ما يشوقهن إليه هو الزخارف والحلي الجديدة وما يقام للعروس من معالم الزينة وما يتقاطر عليها من التهانئ والهدايا، ولكنهن لا يدرين التبعة العظيمة التي تتحملها المرأة بزواجها، وما قد يصيبها من الآلام النفسية في عيشتها الجديدة، وشتان بين الفتاة تنام ملء عينيها ولا تسأل إلا عن نفسها ويسعى أبوها وأهلها في إرضائها وجلب ما تشتهيه من ملابس وغيرها، وبين الزوجة تنتظر بعلها إلى ما بعد نصف الليل وتبكر قبل بزوغ الشمس لتجهيز طعامه وتنظيم ملابسه، وتظل يومها تشتغل في بيتها أو تلاحظ الخدم وعليها أن ترضيه وترضيهم وتخطب ود أهله وتقوم بتربية أولاده، وهي بين كثرة العمل وتنوع التبعة تحاسب حسابًا عسيرًا على أقل هفوة، وربما وجدت منه سكيرًا فظًّا أحمق، وأدهى من ذلك أن يتحفها بضرة شرعية أو غير شرعية تأتي على ما بقي من رونق جمالها وسعادتها.

لا وسيلة للزواج عندنا إلا الخطبة، ولكن بأعين الأهل والجيران والخاطبات اللاتي قد تحسن في أعينهن من لا تحسن في عين الخاطب لاختلاف الأذواق والمشارب، فيتزوج الرجل على مجرد أوصاف رويت له، فيصور منها شكلًا في مخيلته قد لا يطابق العروس الحقيقية أصلًا لسوء تعبير الخاطبات وتحريفهن المقصود لغايات، وكذلك الفتاة لا تكاد تعلم عن خطيبها إلا اسمه وماله المبالغ في تقديره لترغيبها هي وأهلها، فإذا حان وقت المقابلة يكاد العروسان يصابان بالبكم والغشيان لفرط دهشة أحدهما من الآخر، وبعد المعاشرة قليلًا قد يتفقان وقد لا يتفقان، وهل هذه المخاطرة في الحقيقة إلا نتيجة اعتقادنا المقلوب في القضاء والقدر؟! نعم؛ إن القضاء والقدر لا تجدي مغالبتهما، ولكن لا يصح اتخاذهما وسيلة للإهمال في جلب المنفعة أو درء الضرر، فإن هذه المسألة مسألة اختيار محض، للعقل أن يحكم فيها وحده، فإذا أحسن الاختيار حسنت عاقبته وإن قصر أو أهمل ساءت العقبى، على أن إسفار النساء عن وجوههن لم تجمع الأئمة على تحريمه فضلًا عن أنهم كلهم يجوزونه عند الخطبة تحاشيًا من وقوع الاختلاف ودعوى الغش فيما بعد.

أما الإفرنج فخشية أن يصابوا بما أصيب به أغلب أهل الشرق من الخطبة العمياء وما يترتب عليها من الشقاء المستمر أجمعوا على وجوب أن يتراءى العروسان قبل الخطبة مرارًا ويتقابلا تكرارًا، ولكنهم أفرطوا في الأمر كما فرطنا نحن فيه و«كلا طرفي كل الأمور ذميم.» لم يكتفوا بأن يرى الخطيب خطيبته عدة مرات، بل شرطوا أن يكون الزواج بعد الرضى أو الميل المتبادل بينهما؛ ولأجل أن يملكوا قلب الخاطب قبل أن يعرف من هو! يحرضون بناتهم على غشيان المتنزهات والمراقص ومجتمعات الفتيان لعل الواحدة منهن تخلب فتى من الذين هناك بالاتفاق، وقد تذهب المقابلة بعد المقابلة سدى فتتعرض لغيره ويتعرض لغيرها إلى أن تجد بعد طول مدة التخير فتى يكاشفها بعزم الاقتران، فتظن أنها وجدت ضالتها المنشودة، فتعلن أهلها ويتردد الخطيب عليها في البيت وغير البيت وربما تمضي على ذلك الشهور والسنون، ثم يغض الفتى عن الفتاة بدعوى أن الاختبار لم يؤد إلى المرام وأن القلوب لم تأتلف، وإذا كان أصل الفكرة وجوب الاختبار الطويل فيما يتعلق بالأخلاق والتأكد من الحالة الصحية كان العدول بعد الاختبار أمرًا غير مستقبح، وإنما يكون الاستقباح بعد الإعلان القطعي وهو لبس الخاتم عندهم، ولا شك أن التساهل إلى هذا الحد فيه ما فيه من العيوب القبيحة مما لا يخفى على الناقد البصير.

والحق أن هذه المسألة من المعضلات الاجتماعية، فلا الاسترسال في الاختبار بمأمون العواقب ولا الاحتجاب المطلق عن الخاطب بمفيد، بل ربما كان مؤخرًا للفتاة عن الزواج في الأوان المناسب، وربما كان في الحي الواحد فتيان وفتيات كل منهم يبغي الزواج ولا يعلم الفتيان بوجود الفتيات لاحتجابهن الاحتجاب الشديد ولعدم التعارف بين البيوت، ولا خلاص من هذه العقيدة إلا باتباع سنة السلف من العرب في صدر الإسلام من مباشرة الفتاة خدمة الضيوف، ومقابلة زائري أهلها لاستطلاع قصدهم، والخروج في القرى إن كانت بها للمساعدة في بعض الأعمال، ويجب على الفتيان في مثل هذه الحال أن لا يظهروا غرضهم أمام الفتيات، أو يتعرضوا لهن بالخطبة، فإن ذلك مغاير للذوق والأدب ومؤد لخجل الفتيات وانزوائهن وراء الحجب، وينبغي أن تُعوَّد الفتيات هذا الأمر من صغرهن حتى لا يستغربنه عند الكبر ويحسسن بشذوذه، وهذه الطريقة متبعة في القرى والبوادي المصرية، فحبذا لو اقتدى بهم غيرهم متى أمنت الفتنة وسلمت الأعراض وصلحت مقاصد الرجال في رؤية النساء، أما في العصور والأماكن التي خبثت فيها مقاصد الرجال وانحطت أغراضهم وشاهت آدابهم، فإن الحجاب للمرأة ليس إلا حصنًا يصونها من عدوان الخبثاء المفسدين.

وفي الحالة التي لا بأس من الخروج فيها يشترط أن يكون خروج الفتاة مع أبيها أو أخيها أو أحد محارمها، وعلى كل حال فالشيء الذي لا بد من منعه هو انفراد الفتى بالفتاة المحادثة في غير ضرورة؛ لما في ذلك من مخالفة للشرع وإثارة التهم.

هذا ما يقال في الخطبة، أما الزواج فطريقتنا فيه مختلة أيضًا، فالمرأة الغربية في بعض البلاد تدفع الصداق (الدوت)، وقد يكون من جراء ذلك بعض الظروف أن تصير الزوجة سيدة الرجل الآمرة الناهية، والمرأة الشرقية كانت لا تدفع شيئًا ولكن يدفع الرجل الصداق فيأخذه أهلها لأنفسهم ولا يشترون لها منه شيئًا، وبذلك يعتبر الرجل سيدها لا حق لها في معارضته، وهاتان الطريقتان بغير نظر إلى صلاحيتهما أو تفضيل إحداهما على الأخرى واضحتان في أن دافع الصداق هو المنفرد بالسيادة في البيت، أما طريقتنا الآن فهي معتلة؛ ولذلك فالسيادة متنازع عليها بين الزوجين المصريين، يدفع الرجل الصداق فتأتي المرأة بما يساوي ضعفه أو ضعفيه أو أكثر، تعنت بذلك أباها أو أخاها، وإذا كانت موسرة وتزوجها الرجل لمالها كان التنازع بينهما على الرياسة أمرًا مقضيًّا لا محيص عنه، فهي بما لها من الثراء ترى نفسها سيدة المنزل، وهو — بما منحه الله من الدرجة في الفضل وبما أنفقه من ماله عليها — يرى نفسه سيد المنزل، وهنالك يقع التنازع.

ما لنا ولهذا التكليف الثقيل والبيت باسم الرجل لا باسم زوجه؟! فإن أعجبه أن يفرش في بيت حصيرًا فليكن، وإن راقه أن يموه سقوفه وجدرانه بماء الذهب فليفعل، وإن أحب أن يجعله جنات عدن تجري من تحتها الأنهار فحبذا رأيه، وليس للزوج وأهله أن ينتظروا شيئًا من العروس فهي وشأنها في مالها، إن حوادث الطلاق فيها عظات كثيرة لو انتبهنا لها، فكثير ما يتنازع الزوجان على الأثاث كل يدعي أنه له، وإذا كان في الرجل مروءة وتركه لمطلقته فإنها تزحم به بيت أهلها ويظل مكدسًا يرتع فيه العث والجرذان فتجد مرعى خصيبًا، فإذا تزوجت المرأة ثانية وجدت أكثره تالفًا أو طال عليه القدم مع ما يستلزمه نقل الأثاث وترتيبه كل مرة من النفقات والتعب.

وإذا لمت الغنية مرة على هذا التبذير فإني ألوم الفقيرة المدعية مرارًا، فكم من بيوت خربت وأرض بيعت أو رهنت لا لسبب سوى تجهيز عروس لا يلبث فرشها البهي أن يحول لونه أو يتمزق بعد سنين قلائل، فتكلف زوجها بتجديده أو يبقى خرقًا، سمعت عن أب له ثلاث بنات جهزهن واحدة بعد أخرى جهازًا كان موضوع الحديث عند معارفهم، وكان له مائة فدان من أجود الأطيان يعيش بريعها عيش الرخاء فباع ثلاثين لتجهيز الفتاة الأولى، ورهن ثلاثين للثانية، والباقي للأخيرة، ولما حان ميعاد السداد لم يف وإذا بالدائنين أتوا على ما ورثه — وهو كل ما يمتلك — وحجزوا على بيته أيضًا، فبالله ألا يعد هذا الرجل قصير النظر أخرق؟! وهل أغناه أثاث بناته وقد أصبح معدمًا ذليلًا؟! إنه لمن الجنون، بل ومن القساوة أن تجتهد الفتاة في تخريب بيت والديها لتزين بيت زوجها، ولماذا تقلد كل سيدة من هي أغنى منها؟! وهل يعد التوسط في الغنى أو الفقر عيبًا؟

إن المرأة الأوروبية لا ترمي مالها كما نفعل في أوان لا تستعملها وفي خرق تبلى بعد زمن قصير، بل تستثمر ذلك المال فتنميه وتحفظه للعوز أو تدخره لأولادها من بعدها، أو تنفق منه على الجمعيات الخيرية والمدارس؛ فيجيء البائسين وتحيا بحسناتها، فهي أبرع منا بمراحل في طرق الاقتصاد.
  • الاقتصاد المالي والمنزلي: لا تكتفي المرأة الغربية بتنمية مالها، بل تضع (موازنة ميزانية) مضبوطة لإيراد بيتها ومصروفه فلا تخرج عن حد الاعتدال في النفقات ولا تنفق درهمًا في غير موضعه، وتفحص مشتراها بنفسها كي تتأكد من جودتها واستحقاقها لما تباع به، وتُعنَى برفو الثياب وتصليحها وتعمل من كل قديم جديدًا، وقد تُغيِّر شكل الثوب الواحد وزينته مرارًا فيبين جديدًا. نعم؛ إن فينا تلقاء ذلك كرمًا ولكن أن لا يكون الكرم إهمالًا، فقد تقع بقعة صغيرة على جلباب من الحرير الغالي، فإذا أهملناه لم يصلح للبس، وإذا أعطيناه خادمة أو امرأة فقيرة فقد ينفعها ثوب من النسيج (القماش) البسيط (الشيت) أكثر من ذلك الثوب الجميل، وفي هذه الحالة يكون كرمنا غير مجد، فلو اجتهدنا في إزالة تلك البقعة أو مداراتها بشيء من الزينة (الكلفة) وجُدْنا على تلك الفقيرة بثوب بسيط لكان أنفع لنا ولها.

    إن تربية الغربية مؤسسة على العناية والملاحظة، أما نحن فقلما نتنبه إليهما، تقتصد المرأة الغربية من مالها بما تظهره من براعتها وعملها؛ فهي تخيط لنفسها ولزوجها ولأولادها وتكوي ثيابهم، أما نحن فالبيوت المتوسطة كلها تكوي في السوق وتخيط كل شيء حتى التافه عند الخياطات، بعشرين قرشًا يمكن للمرأة الغربية أن تحضر طعامًا لبيتها وتجعله لذيذًا شهيًّا بكثرة الجوارش (السلطة) والحلوى، أما العشرون قرشًا عندنا فتهيئ بها المرأة طعامًا ولكن غير كاف ولا شهي.

    إن الإفرنج رجالًا ونساء يعرفون كيف يجتذبون الأنظار، ويجعلون الشيء المتوسط في الحسن جميلًا، قد رأيتن من بضاعتهم ما هو أقل متانة من بضاعتنا الشرقية، ولكنهم يضعونها في حوانيت واسعة منارة بالكهرباء ويرصونها داخل ألواح من الزجاج فتجتذب المارة، ثم هم يختارون لتجارتهم محلًّا من المدينة يكثر عليه الغادون والرائحون، أما تجارنا فهم بمعزل عن ذلك التفنن؛ إذ قد تكون حوانيتهم في نقطة غير مطروقة كثيرًا أو يهملون في عرض بضاعتهم وإعلانهم عنها فتبور، ومثل تجارنا في حوانيتهم كمثلنا في بيوتنا ففينا من الذكاء والمقدرة ما يمكننا من جعل بيوتنا جنة، ولكن قلة العناية هي التي تخل نظامها وتعطل ترتيبها.

  • العمل: أما العمل البيتي أو الخارجي فإننا يجب أن نعترف للمرأة الغربية بسبقها إيانا فيهما، وإن كانت غنياتنا وأغلب غنياتهم لا يكترثن إلا بالملاهي والأزياء، ولكن المتوسطات هناك لا يأنفن مزاولة الطبخ والكي وترتيب أثاث البيت كما تأنفه متوسطاتنا، وفقيراتهن يعملن ما يقوم بحاجاتهن وحاجات من يعلنهم (عائلاتهن)، أما فقيراتنا فإما أن يسألن وإما أن يشتغلن بعمل قليل الكسب، والشواهد كثيرة على ذلك وأقربها — وهو ما نعرفه كلنا — أن الخياطات المصريات لا نكاد نجد بينهن واحدة يمكنها تفصيل الثياب وخياطتها جيدًا، وهن لعدم إتقانهن العمل يكتفين بأجرة قليلة مع ما يتكبدنه من التعب وإنفاق العافية، فتأخذ الواحدة خمسة قروش أو عشرة أجرة الثوب في حين أن الإفرنجية تطلب جنيهين على الأقل مقابل تعبها فقط، وكذلك الطبيبات منا يكتفين بدروس قليلة في التمريض ولا ينظرن لمثيلاتهن الأجنبيات اللاتي برعن في الطب ونلن نفس شهادات الرجال، كذلك المربيات والخدم المصريون لا يفقهون معنى التربية، وأغلب الخادمات لا يصلحن لمزاولة مهنتهن فنضطر أن نجلب هؤلاء من الإفرنج.

    يقولون: الحاجة أم العمل، فما بالنا نكسل ونقصر ونحن في شديد الحاجة لأمثال هؤلاء الخياطات والطبيبات والمتعلمات وغيرهن؟! إن من فروض الكفاية أن يكون كل هؤلاء مصريات في مصر حتى يمتنع بعض مالها من التسرب إلى جيوب الأجانب وهن ساكنات ينظرن، لقد أصبحت كلمة «مصرية» في أفواه الأجانب عنوانًا على الكسل وعدم المقدرة، فهلا يبعث فينا ذلك التعبير روح النشاط وحب العمل؟! هلا حاكيناهن فيما تفوقن فيه علينا من العلم والعمل؟! أم هل تكفي محاكاتنا لهن في الزي والتصنع لأن نصبح مثلهن؟! إنهن أسسن الجمعيات وأدرن المستشفيات والملاجئ وقمن يشتغلن بكل فن، حتى إنهن يطلبن مشاركة الرجال في الانتخاب لحكم بلادهن، وما ذلك إلا نتيجة العلم والتربية على حب العمل.

    من حب العمل عندهن الرياضة في ساعة الفراغ، فترين أنهن يشتغلن حتى وهن يطلبن الراحة، أما نحن فنكسل ونطلب الراحة في ساعات العمل، ألم تسمعن بجمعية (الصليب الأحمر) وكيف تخاطر النساء فيها بحياتهن لمداواة الجرحى والتقاطهم ونار الحرب تستعر وأمطار القنابل تتساقط؟! وهل ينفي الهم ويضمد الجراح كالمرأة الآسية؟! إن النساء المنخرطات في سلك تلك الجمعية يعرضن أنفسهن للهلاك وتكبد مشاق السفر وتحمل البرد القارس بين سهول؛ مثل: منشوريا وحزونها، والحر اللافح في الأقاليم الاستوائية التي يذيب حرها رأس الضب، وقد كانت نساء العرب يفعلن نفس هذا الفعل الشريف في الحرب ويزدن عليه تشجيع المجاهدين وتغذية الجياد، قال عمرو بن كلثوم من معلقته:

    يقتن جيادنا ويقلن: لستم
    بعولتنا إذا لم تمنعونا

    وقد كانت مخاطرتهن هذه تثير الشجاعة في الرجال وتحملهم على الإقدام بدليل قوله:

    إذا لم نحمهن فلا بقينا
    بخير بعدهن ولا حيينا

    وقوله في موضع آخر من القصيدة:

    وما منع الظعائن مثل ضرب
    ترى منه السواعد كالقلينا
  • الأخلاق: لا أدري أنفضل المرأة الغربية في معرض الأخلاق أم تفضلنا؟ فهي أشجع منا في اقتحام الخطوب وإن كانت لا تقل عنا جزعًا عند المصائب، ونحن لا ينقصنا ذكاء كذكائها وإنما ينقصنا عزم وثبات كعزمها وثباتها، هي تعمل لتعيش ونحن نتكل إما على آبائنا أو أزواجنا فلا نعمل شيئًا، وهذا الاتكال معيب في نفسه، فضلًا عما تخلقه تقلبات الأيام، فلو تعلمت كل فتاة شريفة مستقلة لما رأينا البائسات تموج بهن الطرقات والمهيضات بعد سابغ عز وسابق نعمة ينتظرن إحسان الأخ أو أحد الأقارب، وقد تكون المرأة سيئة الخلق فنمل عشرتها، أو يكون لها من الأولاد ما تنوء تربيتهم بذلك الأخ أو القريب، والمرأة الغربية تعتني بكل شيء حتى التافه، ونحن بما ركب في طبعنا من المسالمة نميل إلى الإهمال والكسل، وأرانا أسلم منا قلبًا وأقل خداعًا لعدم الاختلاط بالرجال أيضًا، فإنها لتجوالها في الخارج تتعلم كيف ترضي هذا وذاك لتظهر فاتنة جذابة وتعيش خداعة محتالة؛ إذ الحاجة تعلمها الاحتيال على العيش، فهي تطلبه بكل الوسائل الممكنة، وهي ولا شك أنشط منا وأثبت على العمل إلا أننا أكثر قناعة وأشد رضًا بالقليل.
  • بقية العادات: للخرافات سلطان كبير على المرأة الغربية، وإن كان بعضنا يظن أنها معصومة من الخطأ، فنحن وهي سيان في التفاؤل والتشاؤم وتصديق العرافات والمنجمين والمشعوذين والاعتقاد بطلوع العفاريت في الظلمة، وعندنا الزار وهو أبو الخرافات ومفسد البيوت، وهي لا تعتقد به وإن كانت تصاب بأعراضه العصبية، فلماذا اختارتنا العفاريت (يا ترى) مسكنًا لها دون أختنا الغربية؟! وإذا فرضنا المستحيل وصدقنا القائلين بتقمص الأرواح؛ فلماذا لا تلجأ إلينا روح أرسطو وابن رشد وأبي العلاء وغيرهم من الفلاسفة والمصلحين؟! أم قضي علينا حتى في الكذب والترهات أن نكون دائمًا متأخرات فلا يلبسنا إلا (الشيخة رمانة وسفينة ويوسف مدلع ونحوهم ممن لا يطلبون إلا الخلاخيل والمصوغات والسيوف المذهبة)؟! ألا إننا لم نبرع في حيلة إلا هذه، تخاف المرأة أن تطلب ملابس وحليًّا فيرفض زوجها الطلب فتعمد إلى ادعاء العفاريت والجن لتهديده، أعرف كثيرات ادعين (الزار) فرفض طلبهن وبعضهن ضربن بسببه فلم يعدن إليه، وليت شعري! إذا كانت العفاريت جبناء إلى هذا الحد؛ فلماذا لا يستعمل الرجال العصي وهي كثيرات وإن كنت لا أوافق على ضرب الرجل للمرأة بحال من الأحوال؟! إنها لتصر على دعوى أن العفريت هو الذي يتكلم بلسانها ويشعر بأعضائها وأنها أعارته ظاهرها، ولا أعلم إلى أين ذهبت هي! إذن، فليضرب العفريت فهو الذي في ظاهر زعمها يتألم دون أن يصيبها شيء من آثار الضرب! ولعل المتحضرات الحديثات يدعين قريبًا أن الملائكة تقمصت أجسامهن؛ لأنهن أحكم تصرفًا وأحسن اختيارًا كأنما عفاريت الأرض نفدت لكثرة الطلب فانصرفت هممهن إلى السماء، كما فعل مخترعو الطيارات، لما ضاقت بهم فجاج الأرض، وحينذاك يأنفن ركوب الضأن والإبل المستعملين حتى الآن في الزار فيمتطين المخترعات الحديثة وإن كانت لا تزال خطرة الاستعمال، فلا تتيهن علينا البارونة دي لارو فربما نبغ عندنا كثيرات مثلها، وإن كان باعثهن (مودة الزار) لا العلم، لا أعلم عند الإفرنجية عادة تساوي الزار في القبح إلا مخاصرة الرجال في الرقص، وما يتبع تلك العادة من التهتك والتصنع والميل عن جادة الصواب، وما ينشأ عن إباحتها المطلقة بلا قيد ولا وازع من الضرر البليغ والإخلال بالشرف، وأدهى من ذلك أن ينتشر بينهن مذهب حرية الاعتقاد، وهو مذهب من لا يصدق بالله ولا باليوم الآخر، فيزعمن أنهن يجتنبن الرذائل بمحض إرادتهن وتربيتهن، ولكن هل إذا منعت الفضيلة امرأة عن إتيان ما لا يرضى؛ فهل يصح أن تطبق هذه النظرية على كل امرأة؟! ألم يكن الإيمان بالله وترقب ثوابه وعقابه هما المانعان لكثير من الناس عن الانتحار والكفر وإتيان المناكير والفحشاء والخيانة؟ ألا ساء ما يحكمون.

    إن النفس لأمارة بالسوء، ولقد تقدم على كثير من الموبقات لولا الضمير الحي وهو ثمرة الوازع الديني؛ أفلا يعقلون؟! أرانا لا نتمسك شديدًا بديننا الحنيف وهذا بدعة وعدوى أتتنا من الغرب، فهلا تفكرنا قليلًا فيما ينفعنا وما يضرنا قبل الإقدام على التقليد؟! أو كلما رأينا إنسانًا يفعل شيئًا حاكيناه وإن كان في ذلك هلاكنا وخسارة ديننا ودنيانا معًا؟!

  • المأتم: بينا الإفرنجية ورجالنا أيضًا يجتهدون في التلهي والتعزي عن المصيبة، تجدنا بالعكس نعقد الاجتماعات لنبكي، ونستأجر النائحات (المعددات) ليزيدن نار الأسى تأججًا في قلوبنا! وماذا يجدي الحزن وهو لا يرد ميتًا ولا يعيد مفقودًا؟! قال أبو العلاء:
    غير مجد في ملتي واعتقادي
    نوح باك ولا ترنم شاد

    وإن من تعاليم الإسلام أن يصبر المرء عند الملمات ويترك ما فات لما هو آت، والعاقل من يصرف همه إذ لا معنى للعيش مع البؤس، وإن العمر إلا أيام تنقضي فلماذا لا تجعلها سعيدة بقدر ما تستطيع؟!

  • المسرات: إننا في جلب المسرات لمقصرات حيال أنفسنا ومن هم في ذمتنا من الأهل والأولاد، حبذا لو اتبعنا طريقة المرأة الغربية في ذلك؛ فإنها تعقد الاجتماعات وتوالي السمر، وتدعو أعضاء الأسرة الواحدة وأصدقاءها لتناول الشاي أو الطعام أو الفسحة معًا، فيتجاذبون أطراف الحديث، وهنالك يبدي كل منهم رأيًا أو حكاية لا تخلو من فائدة أو فكاهة، وقد يصرفون الوقت في ألعاب مختلفة لتنشيط أذهانهم وأبدانهم ويتبادل المجتمعون الدعوة كل في نوبته، فيتراءى أعضاء الأسرة الواحدة وأصدقاؤها كل يوم تقريبًا فينفون بذلك همهم ويأنسون بعضهم ببعض، وبذلك يعيشون في وئام ووفاق.
  • الخدم: المرأة المصرية لا تقدر نفسها قدرها، وطالما رأيت سيدة تضاحك الخادمات وتكاشفهن بأسرارها فلا يتأخرن عن إذاعتها في البيوت الأخرى، وهذا من الخطل في الرأي، يجب أن يعامل الخدم بالرأفة ولكن لا تتعدى تلك الرأفة حدودها، ألم تستغربن مرة من أن خدمنا لا يشتغلون عندنا نصف ما يشتغلون في البيوت الإفرنجية، ومع ذلك نراهم هناك أنشط وأهدأ خلقًا مما إذا كانوا في بيوتنا؟ إن السبب لسهل الإدراك وهو أن المرأة الإفرنجية تحفظ هيبتها فيخشاها الخدم، وهي لا تخالطهم إلا عند الأمر والنهي ولا تحط من شأنها بمسايرتهم ومضاحكتهم، وتفرض عليهم شغلهم وتريهم إياه لأول مرة ثم تتركهم وشأنهم فيشعرون بمسئوليتهم.

الدور الخامس: دور الأمومة

هذا الدور مرتبط بدور الطفولة ارتباطًا تامًّا حتى يكاد يندمج أحدهما في الآخر، وعليه فكل ما قلته هناك أقوله هنا.

النتيجة

والنتيجة أن المرأة الغربية سبقتنا بمراحل في العلم العمل، مع أننا لا نقل عنها ذكاء، وكل ما لا يستحيل طبعًا فهو ممكن بالمعالجة واتخاذ الجد مطية إليه مهما صعب الطريق واستعصى، فإذا تدرعنا بثبات العزم وقوة الإرادة فإننا نصل إلى ما وصلت إليه من نور العلم ورفعة المقام، ولا يثبطنا قول القائلين: «إن الشرق شرق والغرب غرب.» فإن التاريخ أعدل حكم، وهو حافل بذكر الشرقيات اللاتي نلن من بعد الصيت ووفرة العلم منالًا كبيرًا أيام كانت الغربيات لا ذكر لهن؛ فاقرأن تواريخ نساء العرب في الشرق والغرب تجدن نادر الذكاء وجزل الشعر ومتين الأسلوب وما يشهد لهن بعلو الكعب في العلم والعمل.

إن الضعيف إذا لم يرزق قوة التمييز خيل له أن كل ما يأتيه القوي حسن، ذلك مثلنا أمام المرأة الغربية، فهل تردن أن نثبت للملأ خمولنا وخلونا من التمييز أم تردن أن نعمل على حفظ قوميتنا وتقوية روح الاستقلال فينا وفي الأجيال القادمة من أولادنا؟! إذا أردنا أن نكون أمة بالمعنى الصحيح تحتم علينا أن لا نقتبس من المدنية الأوروبية إلا الضروري النافع بعد تمصيره حتى يكون ملائمًا لعاداتنا وطبيعة بلادنا، نقتبس منها العلم والنشاط والثبات وحب العمل، نقتبس منها أساليب التعليم والتربية وما يرقينا حتى نبذل من ضعفنا قوة، وإنما لا يجوز في عرف الشرف والاستقلال أن نندمج في الغرب فنقضي على ما بقي لنا من القوة الضعيفة أمام قوته المكتسحة الهائلة.

وفي الختام، لا يسعني — أيها السيدات — إلا أن أشكر لكن حسن إصغائكن ومؤازرتكن إياي بالحضور، وآمل أن نسمع ونعي، ولا أخالكن إلا عازمات على محاربة جمودنا القديم وعلى العمل معًا لرفع شأننا وشأن هذا الوطن المفدى، والله أسأل أن يوفقنا ويهدينا سواء السبيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤