قصيدة نسائية لباحثة البادية

وسبب إنشائها أن شاعر النيل أحمد شوقي بك أدرج في الجريدة قصيدة مطلعها:

صداح يا ملك الكنا
ر ويا أمير البلبل

ومنها:

بالرغم مني ما تعا
لجُ في النحاس المقفلِ
والقيد لو كان الجما
ن منظمًا لم يجملِ
صبرًا لما تشقى به
أو ما بدا لك فافعلِ
أبدًا مروع بالإسا
ر مهدر بالمقتلِ
إن طرت عن كتفي وقعـ
ـت على النسور الجهلِ

وقد أهدى قصيدته هذه للباحثة، فظن بعضهم أنه ينعى حالة المرأة ويتأسف لإقامتها في البيت، ويعتذر عن الرجال بالخوف عليها من تطاول السفهاء، فلم يقبل هذا العذر وكتب في الجريدة إلى شوقي بك على لسان الباحثة قصيدة منها:

سميتني ملك الكنا
ر وأنت رب المنزلِ
وجعلتني رهنًا لأقـ
ـفاص الحديد المقفلِ
غللتني وسجنتني
خوف اصطياد الأجدلِ
إن لم تكن لي حارسًا
من كل عادٍ مقبلِ
فالحصن والبيداء يسـ
ـتويان عند الأعزل
لو كان حبك صادقًا
لفككتني من معقلي

وذهب بعض آخر لتأويل غير هذا؛ فرأت الباحثة أن هذه التأويلات كلها بعيدة عن الصواب، وأن قصيدة شوقي بك يجب أن تفسر بتفسير آخر، وهو ما ذكرته في قصيدتها وهي:

يا هذه لا تعذلي
وإذا أبيت فقللي
أفرطتِ في لومي ولو
أنصفتِني لم تفعلي
لا خير في نجوى بغيـ
ـر روية وتعقلِ
ماذا فهمت من الكنا
ر ومن حديث البلبلِ
حتى سخطت على المعيـ
ـشة في ظلال المنزلِ
ووددتِ أن تجِدي مقا
مًا بالعراء فتنزلي
أو دمنةً عند اللوى
بين الدخول فحوملِ
رب الكنار أظنه
عما زعمت بمعزلِ
خالَ الكنانةَ طائرًا
والشعر حسن تخيل
فحنا على مثواه في
قفص النحاس المقفلِ
ونعى زمانَ مراحه
بين الربى والجدولِ
والقيد ذلٌّ لو يكو
ن خلاخلًا في الأرجلِ
وغدا يعزيه ويأ
مره بحسن تجملِ
ويقول: إن الحبس حر
ز من تقضي الأجدلِ
أهدي القصيدة في الجريـ
ـدة لي هدية مفضلِ
كمؤلف يهدي الكتا
ب إلى سري أمثلِ
يرمي إلى تشريفه
ويخصه بتطولِ
هي عادة مألوفة
في الناس منذ الأولِ
فشكرت مهديها وقد
قابلتها بتقبلِ
هذي الحقيقة يا فتا
ةُ تلوح للمتأملِ
لكن جهلتِ الأمر والـ
ـمعهود أن لا تجهلي
مجد الفتاة مقامها
في البيت لا في المعملِ
والمرء يعمل في الحقو
ل وعرسه في المنزلِ
كم خدمة يقضي نظا
م البيت إن لم تعملِ
من للوليد يعينه
في لبسه والمأكلِ
ويميط عنه أذى الهوى
بتلطف وتحيلِ
من للرضاعة والحضا
نة والفطامِ وما يلي
من للمريض يحوطه
أبدًا بدون تململِ
يجري على وصف الطبيـ
ـب على الطريق الأفضلِ
من للأثاث يصونه
من للذخائر والحلي
من يطعم الغرثان من
متزود ومحوصلِ
إن الدواجن والطيو
رَ تموت إن لم تأكلِ
من يقسم المذخور بين
الحال والمستقبلِ
من ذا يعلم خادما
ت البيت فعل الأكملِ
لكن إذا دعت الضرو
رة للخروج فحيهلِ
سيري كسير السحب لا
تأتي ولا تتعجلي
وتنكبي نهج الزحا
مِ وفضِّلي النهج الخلي
لا تخضعي بالقول أو
تتبرجي أو ترفلي
لا تكنسي أرض الشوا
رع بالإزار المسبلِ
أما السفور فحكمه
في الشرع ليس بمعضلِ
ذهب الأئمة فيه بيـْ
ـن محرم ومحللِ
ويجوز بالإجماع منـ
ـهم عند قصد تأهلِ
ليس النقاب هو الحجا
ب فقصري أو طولي
فإذا جهلتِ الفرق بيـ
ـنهما فدونك فاسألي
من بعد أقوال الأئمـَّ
ـة لا مجال لمقولي
فعلامَ أكثرتِ الملا
مة وانضممتِ لعذلي
وسقيتني من مُرِّ قو
لك مثل نقع الحنظلِ
ونسبتني حينًا لمذ
هب قاسم وأبي علي
تعنين ويلك أنني
أمارة بتبدلِ
أدعو النساء للعب با
ريس ولهو بروكسلِ
ونسبتني حينًا إلى
تحميل ما لم يحمل
جعل الحرائر كالإما
ء خوادمًا للمنزلِ
ليس الكلام بمبهم
فتفسري وتؤولي
لا ينفع التشكيك والتـَّ
ـأويل في الأمر الجلي
قلت: النقاب سكت عنـ
ـه نعم بدأت فكملي
ولأي شيء يا تريـ
ـن بغيره لم تحفلي
كم مبحث ما جلت فيـ
ـه وجل من لم يغفلِ
من ذا الذي جاءت مقا
لته بكل مؤملِ
لا أبتغي غير الفضيـ
ـلة للنساء فأجملي
إن لم تري رأيي فيا
«ويل الشجي من الخلِ»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤