مدارات كوكب الزهرة

أين كنا؟ في مركز الكون بالطبع. والآن ماذا عن كوكب الزهرة؟

إن هذا الجرم السماوي، الذي كان يمثل لشعوب بلاد ما بين النهرين «عشتار» الخصبة التي كانت صورتها تميمة جالبة للسعد؛ فهي عند نحتها من حجر اللازورد السماوي في نفس الساعة التي يصعد فيها كوكب الزهرة ليدخل برج الثور، تساعد الرجال على الفوز بقلوب النساء، في حين كان بالنسبة لكوبرنيكوس وبطليموس نجمًا سيارًا، وبالنسبة لنا «جحيمًا حقيقيًّا من نور أشبه بالشفق بلا ظلال، مملوء بثاني أكسيد الكربون الحار الواقع تحت ضغط هائل»، يجري التعامل معه على أجزاء في كتاب «عن دورات الأجرام السماوية». وفي جزئي البسيط الحزين هذا — قصاصة غير مكتملة من مناجاة النفس التي لا تُقرأ، والمليئة بالأخطاء الموجهة إلى مستقبل ربما فرَّ منه كاتبها — لا يمكنني أن آمل في أن أكون منصفًا تجاه العديد من التعليقات الرياضية لكوبرنيكوس؛ ناهيك عن أنني لست راغبًا أصلًا في ذلك. تجاهل الدوران القهقري للزهرة، وهي خاصية لا يشاركه فيها — على حد علمنا حتى الآن — سوى أورانوس من بين سائر كواكب مجموعتنا الشمسية. لا عليك من أنه من «اقتران سفلي» إلى الذي يليه (٥٨٤ يومًا)، أو من «اقتران علوي» إلى علوي، فإن الزهرة فيما يبدو يدور من حولنا نحن أبناء مركزية الأرض أربع مرات، في حين أنه بعد تبين حقائق عصر ما بعد كوبرنيكوس يدور حول الشمس «خمس» مرات. والسبب في ذلك متعلق بمصادفات معينة تتعلق بالسرعة الزاوية للدورات الشمسية للكوكبين.

(هل تهتم بمعرفة ما هي الاقترانات؟ في كون ما قبل كوبرنيكوس، كانت تحدث كلما عبر كوكبان نفس البرج من دائرة البروج. وكان هذا الأمر من المحتمل أن يكون من قبيل الفأل الحسن أو عكسه من الناحية التنجيمية، حسب التآلف أو التعارض المحدد مسبقًا بين أجرام سماوية بعينها. يزعم أحد المنجمين: «الآن تخشى جميع الكواكب حدوث اقتران بينها وبين الشمس، في حين أنها تبتهج في الجانب الثالث أو السادس منه.» للحصول على تعريفنا المعاصر للاقتران، والقائم على عدم مركزية الأرض، انظر ما يلي من هذا الفصل.)

يؤكد كوبرنيكوس قائلًا: «في الموضع الخامس يدور الزهرة حول الشمس في تسعة شهور.» إن تقديره مبالغ فيه بمقدار شهر ونصف؛ إذ إن الدورة الواحدة للزهرة حول الشمس تستغرق بالفعل ٢٢٤٫٧ يومًا. لا عليك من هذا، فقد أصاب في بعض الأمور.

إن كوبرنيكوس يتخيل مدار الزهرة مؤلفًا (وماذا أيضًا؟) دائرة لامتراكزة مع دوران كوكبنا. وهو يحدد نصف قطر دائرة فلك الزهرة برقم ٧١٩٣ مقارنةً بنصف قطر المسار الكسوفي البالغ ١٠٠٠٠. حين نحسب الآن متوسط نصف قطر مدار الزهرة نجده يبلغ ٠٫٧٢٣٣ مرة من نصف قطر كوكب الأرض، وإذا قسمنا ٧١٩٣ على ١٠٠٠٠ نحصل على رقم مقارب للغاية على نحو مثير للإعجاب قدره ٠٫٧١٩٣.

إن المدار الذي رسمه للزهرة غير معقد نسبيًّا؛ ويعلق جيكوبسن عليه بقوله: «جميع الحركات في الرسم مباشرة … نظرًا للقيمة الصغيرة للاتراكزية المركز والقيمة المتوسطة للميل الزاوي للزهرة، ويعبر هذا الترتيب بصورة لا بأس بها عن حركة الكوكب على خط الطول.»

يقع المدار الصحيح لكوكب الزهرة أبعد من قدراتي على الوصف، وبأكثر مما يفوق قدرات بطليموس وكوبرنيكوس، غير أنه جدير بأن نقطع شرحنا كي نتأمل في حالة الزهرة، حتى ولو سطحيًّا؛ إذ إن كوبرنيكوس «على ما يبدو يشعر أنه كسب قضيته المتعلقة بدوران الأرض بمرافعة قام بها كوكبا الزهرة وعطارد.»

«على استقامة واحدة مع خصيتَي برج الدلو»

كما رأينا في الجزء ١٠ من الكتاب الأول من كتاب «عن دورات الأجرام السماوية»، كان السؤال الأول الذي تعيَّن الإجابة عليه هو: أين يقع كوكب الزهرة؟

درس كلٌّ من بطليموس وكوبرنيكوس هذه المسألة. يذكر بطليموس: «وفي العام الحادي والعشرين من التقويم الأدرياني مساء يوم ٩-١٠ من شهر أمشير المصري، رصدنا بأنفسنا كوكب الزهرة وهو في أعظم استطالة له بعيدًا عن الشمس، كان قريبًا جدًّا من ثلثي بدر كامل شرق أقرب نجم إلى الشمال من الأربعة التي توجد داخل مربع، يتبع النجم باتجاه الشرق من خصيتَي برج الدلو، وعلى استقامة واحدة معه؛ وقد بدا فائقًا على النجم في لمعانه.» من واقع مشاهداته الخاصة، ومن واقع تلك التي رصدها ثيو عالم الرياضيات، يحدد بالضبط موقع حضيض وأوج كوكب الزهرة اللامتراكز داخل المسار الكسوفي: خمس وعشرون درجة داخل برج الثور، وخمس وعشرون درجة داخل برج العقرب، على الترتيب. ثم يرسم ثلاث دوائر متداخلة ويحسب نصف قطر فلك تدوير الزهرة والمؤجل الذي يمتطيه فلك التدوير.

في هذه الأثناء، عام ١٥٢٩، «في اليوم الرابع السابق على منتصف مارس» يرصد بطلنا الناسك المتعبد في محراب العلم عبقري فك الشفرات كوكب الزهرة بنفسه معلنًا في نشوة الانتصار: «قبل الغروب بساعة ومع بداية الساعة الثامنة بعد انتصاف النهار، شهدنا القمر يبدأ في حجب الزهرة من ورائه عند نقطة المنتصف من الجزء المظلم بين القرنين، واستمر هذا الاحتجاب حتى نهاية الساعة أو بعدها بقليل … وعند منتصف الساعة أو ما يقرب منها، كان مركزا القمر والزهرة مقترنين معًا، وكان المشهد مكتملًا عند فراونبورج.»

هذا بالضبط ما حدث؛ والآن ماذا عن الدوائر التي رسمها كلٌّ من بطلينا؟

أقرب الأجرام السماوية لكوكبنا الأرضي الثابت ومركز الكون الخالد هو القمر. لقد علمنا ذلك بالفعل. وأبعدها، كرة النجوم الثابتة التي تدور في جميع الأوقات، أو على الأقل حتى يوم القيامة. هذا أيضًا أمر مفروغ منه. وبين هذين الحدين السماويين، تدور جميع الكواكب من حولنا، في الترتيب المتصاعد التالي لقربها، حسبما نعرف من «فتراتها» المتناقصة (الفترة هي الزمن الذي تحتاجه لإكمال دورة واحدة): فلك زحل، وفلك المشتري، وفلك المريخ. ومن تحتها، مع أن موقعها الدقيق تحيط به الشكوك، يضع بطليموس فلك الشمس. كانت لديه شكوك بشأن بموقع فلكَي الزهرة وعطارد.

التزيُّح

لا بد أن يكون فلك الزهرة أعلى من فلك الشمس، وليس أدنى منه، هكذا زعم بعض القدماء، ومن بينهم أفلاطون؛ فلو كان أدنى منه؛ أو بمعنى أصح، يقع بيننا وبين الشمس، لحدث للشمس أحيانًا «كسوف يتناسب مع» حجم قرص كوكب الزهرة، ونحن لم نشاهد هذا يحدث مطلقًا (لكنه حدث في نهاية المطاف، ولكن ليس قبل عام ١٦٣٩؛ فتلك السنة التاسعة عشرة من الحقبة التليسكوبية حدثت خلالها أول عملية رصد لعبور الزهرة من أمام الشمس. ولمَّا كانت تلك الظاهرة تحدث على فترات شاذة تتراوح بين ٨ و١٢١ عامًا، فلقد كنا محظوظين إذ شهدنا هذه الحقيقة بهذه السرعة الشديدة. أما فيما يتعلق بعطارد، الذي هو في الوقت نفسه إله الحكمة عند شعوب ما بين النهرين، فقد أبلغني أحد الفلكيين المعاصرين أن هذا الجرم السماوي أيضًا «بالغ الصغر بحيث لا يمكن رؤيته بالتليسكوب.» باختصار: فإن لأفلاطون عذره. ولا تعد إدانة له أن حالات عبور عطارد من أمام الشمس تحدث كثيرًا، بمعدل مرة أو مرتين كل ثلاثة أعوام).

وتقديرًا منه لقيمة عمليات الرصد التي يعتد بها فيما يتعلق بهذين «النجمين السيارين»، يقرر بطليموس وضع ثقته في الحكم الذي أصدره قدماء يخالفونه الرأي، ويضعهما في مرتبة أعلى من القمر وأدنى من الشمس، مع أن يقينه في تلك المسألة ظل منقوصًا؛ لأن الزهرة والمريخ لا يبديان أي «تزيح يمكن أن تدركه الأبصار».

مثلما يذكِّرنا مترجم كوبرنيكوس، هناك «دومًا» تزيُّح.

ولكون التزيح معضلة هندسية، غالبًا ما يقاس بوحدات أنصاف الأقطار والثواني القوسية. وهو ينقسم إلى أنواع وفئات مضنية خاصة به؛ ويكفي هنا شرحها على النحو التالي:

في أيامنا هذه، عندما نقيس موضع نجم ما، نأخذ إحداثيين زمنيين له، الثاني بعد الأول بستة شهور، بحيث تكون الأرض قد قطعت أطول مسافة ممكنة عن وضعها الأصلي. ويمكن حساب موقع جرم سماوي أقرب مثل القمر من موضعين اثنين على الأرض ذاتها، ما يعني إما نقطتان في الفضاء، أو مكان واحد في لحظتين زمنيتين مختلفتين من دوران الأرض على مدار الليل. وفي أي الحالتين، تشترط علينا عملية التثليث الهندسي، وهي من المبادئ الأصولية في حساب الاتجاهات سواء الأرضية أو السماوية، معاملة الجسم المعني باعتباره نقطة من مثلث، ثم رصده من نقطتين أخريين يمكن اعتبارهما الرأسين الآخرين لذلك المثلث.١ وهذان الإحداثيان من الموضعين المعلومين هما اللذان يؤكدان موقع النقطة المجهولة.

مع حركة نقطتنا المرجعية عبر فلكها المتمركز حول الشمس، يبدو من ثم موقع النجم الذي نريد إيجاد بُعده عنا وقد غيَّر من زاويته بالنسبة للنجوم التي تُشاهد في خلفيته، ولكن — لحسن حظ مبدأ مركزية الأرض البطلمي — ليس بدرجة كبيرة للغاية. ولهذا السبب اعتبر بطليموس التزيح النجمي أمرًا غير محسوس. ولو كان كوبرنيكوس قادرًا على اكتشافه، لكان كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» قد عانى قدرًا أقل من التقلبات. غير أن كوبرنيكوس — لو تتذكر — هو الشخص القائل: «لو أنني تمكَّنت من إجراء حساباتي بحيث تتفق نتائجها مع الحقيقة في نطاق خطأ لا يزيد على عشر درجات، لوجب عليَّ أن أطير فرحًا مثلما فعل فيثاغورس.» إن التزيُّح في حقيقة الأمر كثيرًا ما يقل دومًا عن درجة واحدة (وقد كتب أحد المنجمين يقول لي: «أوافق بشدة على أن أعظم تزيُّح يبلغ ٠٫٧ ثانية قوسية، وبهذا يكون أقل من ١ / ٥٠٠٠ من الدرجة الواحدة»). من بين الأسباب التي جعلت تيكو براهي يستبعد في نهاية المطاف نظام كوبرنيكوس الشمسي أنه بالرغم من كل عمليات الرصد المضنية التي أجراها (وهو بصفة عامة من المسلم به أنه واحد من أعظم راصدي السماء على مر العصور)، لم ينجح مطلقًا في قياس التزيح لأي نجم؛ وكان سبب ذلك تحديدًا ما أعلنه كلٌّ من بطليموس وكوبرنيكوس من قبل: مقارنةً بالاتساع الهائل للسماء، يجب اعتبار الأرض مجرد نقطة هندسية لا أكثر. ولكن كما رأينا، حتى اعتبارها نقطة لا يكفي! فكيف يمكننا أن نلقي باللوم عليهما لتراجعهما عن كون هيرشل؟ إن بطليموس يكتب في صدق قائلًا: «من الواضح أنه في حالة تلك النجوم غير محسوسة التزيح (بمعنى تلك التي تعد الأرض بالنسبة لها نقطة) فإن معرفة نسبة المسافة سوف يكون مستحيلًا.»

من نافلة القول، أن بطليموس لم يتبع الإجراء المذكور منذ قليل؛ إذ إنه لم يكن يؤمن بأن الأرض تتحرك. ولمعرفة التفاصيل، استشِر حواريه الوفي كوبرنيكوس، الذي يخبرنا بأسلوب بناء نموذج يحاكي جهاز قياس التزيح الذي ابتكره بطليموس: ثلاث حواف مستقيمة طويلة مدرجة مقسمة إلى ما لا يقل عن ١٤١٤ من أجزاء ومحاور وعدسات عينية تسمح للراصد بقياس المسافة بين الجرم السماوي وقمة الأفق، «وبواسطة جدول»، وهو إهداء مقدَّم من كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» «سوف يحصل على القوس المطلوب للدائرة العظيمة المارة من خلال النجم وقمة الأفق.»

من السهل نسبيًّا قياس تزيح القمر، لقرب هذا الجرم السماوي منا. وهو وفق حساب بطليموس ٧ ١ ، ومنه اشتق حساب المسافة بين الأرض والقمر لحظة الرصد لتصبح ٤٠ ضعف نصف قطر الأرض مضافًا إليها خمس وعشرين دقيقة قوسية.٢
وظلَّ تزيح كوكب زحل — وهو الكوكب الطرفي بين مجموعة الكواكب المكتشفة حتى زمن بطليموس — قابلًا للقياس حتى وإن كانت عملية القياس أقل يسرًا من الناحية العملية. لكن نجم النسر الواقع، وهو جارنا القريب، يبعد عنا بمقدار خمس وعشرين سنة ضوئية مضنية. السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في عام واحد، وخمس وعشرون سنة ضوئية تعدل ٢٣٧٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ كيلومتر، وهو رقم مستعصٍ على الفهم سوف نتظاهر أننا نفهمه بالتعبير عنه بطريقة علمية هي ٢٫٣٧ × ١٠١٤ كيلومترات. ومقارنةً بتلك المسافة، يمكن اعتبار إجمالي الدائرة الكسوفية التي تقطعها الأرض في دورانها حول الشمس، لأغراض عملية كثيرة، لا سيما إذا علمنا مدى بدائية الأدوات التي استعملها تيكو، لا تزيد عن نقطة فعلًا.
يبلغ تزيح نجم النسر الواقع نحو ٠٫١٣ ثانية قوسية. مسكينة تكنولوجيا عصر بطليموس، التي كان كل ما في وسعها عمله تقريبًا أن تقسِّم دائرة نحاسية إلى ٣٦٠ متساوية نسبيًّا، وكلٌّ منها مقسم إلى ٦٠ . ولو كان بطليموس صنع ٦٠ تقسيمًا فرعيًّا آخر (وقد صنع بالفعل أداته الخاصة به، مزودة بقضبان ومواشير، «مقسمًا الخط بالغ التحديد على القضيب الثابت إلى ٦٠ جزءًا، كلٍّ منها إلى أكبر عدد ممكن من التقسيمات») لكان وصل إلى الثواني القوسية، لكنه حينئذ كان سيحتاج إلى تقسيم كل ثانية قوسية إلى مائة جزء آخر حتى يتمكن من قياس تزيح نجم النسر الواقع. كان هذا سيبلغ إجمالًا ١٢٩٦٠٠٠٠٠ علامة. ماذا لو استقر على تقسيم الثانية الواحدة إلى عشرة أجزاء، وأجرى عملية تقريب لرقم ٠٫١٣ ثانية قوسية ولو إلى رقم لطيف هو ٠٫١ ثانية قوسية؟ حينئذ كان سيظل بعيدًا عن القياس الصحيح بأكثر من ٧ سنوات ضوئية ونصف السنة!
يكتب د. إريك ينسن قائلًا: «بالرغم من صحة تلك العبارة فإنها تبدو غريبة، ولو كان بطليموس فعل ذلك، لاقترب من الإجابة الصحيحة على نحو مذهل، أما مسألة أن حساباته بعيدة قليلًا عن الصواب فلا تبدو ذات أهمية كبيرة.» نعم، ولكن سبع سنوات ضوئية ونصف! هذا معناه ٦٫٦٤ × ١٠١٣ كيلومترات من الترحال الخاطئ في ظلام هيرشل الذي لا نهاية له، والذي لم نفهمه بعد؛ ذلك الظلام الذي شيدنا فيه — بالرغم من مخاوفنا — في يوم من الأيام فلكًا أكثر خطأً من النجوم الثابتة، واعتبرناه الحد النهائي لكل شيء، وذلك الفلك يعد — مقارنةً بذلك الظلام — مجرد نقطة لا أكثر …
شكل ١: الاقتران والتقابل (رأي بطليموس).

عند حدوث اقتران، يكون مقدار الاستطالة الزاوية بين الشمس (أو، على نحو أكثر تعميمًا، أي جرم سماوي آخر) والكوكب المقصود صفرًا حسبما يشاهَد من الأرض.

عند الاقتران السفلي (النقطة س)، يكون أحد الكوكبين الداخليين عند أقرب نقطة له من الأرض.

عند الاقتران العلوي (النقطة ع)، يكون هذا الكوكب عند أبعد نقطة له عن الأرض.

عند النقطة ق، يكون أحد الكواكب الخارجية في حالة اقتران مع الشمس عندما يكون في أبعد نقطة له عن الأرض.

عندما يكون أقرب ما يكون إلى الأرض (النقطة ت)، يكون الكوكب الخارجي في حالة تقابل مع الشمس. وعندها فقط يتراجع الكوكب الخارجي القهقرى.

أما بالنسبة لتيكو، فإن محاولته قياس التزيح النجمي كانت ستفشل حتى لو امتد العمر به تسع سنوات أخرى وامتلك تليسكوب جاليليو. ففي رأيه، لم يتحرك أقرب نجم بالنسبة للنجم الأبعد؛ ومن ثم فإنه لا بد أن الأرض هي الأخرى لا تتحرك. لم يسترعِ التزيح النجمي انتباه أحد حتى عام ١٨٣٨.

بدا لبطليموس حساب تزيح كوكبَي الزهرة وعطارد أمرًا مستحيلًا؛ لأنهما «يتواريان وقت اقترانهما بالشمس، ولا يُظهران سوى الحيود التي يصنعانها على أيٍّ من جانبي الشمس؛ ومن ثم فإنهما لا يشاهدان أبدًا دون تزيح.» هذه الكلمات السابقة من أقوال كوبرنيكوس لا بطليموس. إن الاقتران معناه حالة تكون فيها الأرض والشمس والكوكب المعني واقعة جميعًا على استقامة واحدة. عند الاقتران السفلي، يكون أيٌّ من الكوكبين الداخليين عند أقرب موضع له من الأرض، أما عند الاقتران العلوي، يكون الكوكب عند أبعد نقطة له عن الأرض؛ فهو يقع على الجانب الآخر من الشمس. أما الكوكب الخارجي فإنه إذا وُجد في ذلك الوضع الأخير، يقال ببساطة إنه مقترن بالشمس (الكوكب الخارجي عند أقرب نقطة له من الأرض يكون في «مواجهة» الشمس، وهي علاقة تشكِّل شيئًا من الأهمية للمنجمين، الذين ربما لا يدينون بها لكوبرنيكوس؛ إذ إنه عندما يدخل أحد الكواكب برج العقرب مثلًا في حين يتصادف عبور كوكب آخر برج الثور، تكون المسافة الفاصلة بينهما ١٨٠ على العجلة السماوية، ويقعان في تضارب؛ ومن ثم فإن علاقتهما معًا تكون نذير شؤم). وفي كل تلك الأحوال، تقع الأجرام السماوية الثلاثة على استقامة واحدة؛ مما يجعل الحساب الموضعي للجرم الثالث فيها أمرًا ميسورًا لراصد الجرم الأول (فقط إذا تمكَّن من رؤيته)! لا يهم؛ هذا يكون من الصعب دومًا عندما تؤمن بحركة دائرية منتظمة ولا تمتلك تليسكوبًا …
إننا نعلم الآن أنه عند الاقتران العلوي يكون الزهرة على بعد ١٦٠ مليون ميل عنا؛ وعند الاقتران السفلي يكون على بعد ٢٦ مليون ميل (في حالة عطارد تكون هاتان المسافتان على الترتيب ١٣٦ مليون ميل و٥٠ مليون ميل). بالتأكيد مثل تلك الفروق الموضعية الهائلة كانت ستلائم أحد أسلاف بطليموس من راصدي السماء كي يستفيد منها. يذكر بطليموس أن أوضاع زحل والمشتري والمريخ من الممكن قياسها — في حقيقة الأمر، لا يمكن قياسها إلا — «عندما تكون في حالة تقابُل مع الشمس»؛ ومن ثم «تخلَّوا عن تزيحهم.»٣ من وجهة نظرنا الأرضية، يمكن بالطبع أن نصير على استقامة واحدة مع الكوكبين الداخليين من المجموعة الشمسية، ولكن عند تلك النقطة، مثلما كان حديث كوبرنيكوس يعني ضمنًا «أنهما يتواريان»، حيث يحجبهما ضوء الشمس الذي من القوة بحيث يسبب العمى.
شكل ٢: الاقتران والتقابل (لو كان رأي بطليموس صحيحًا).

دائرة أخرى تامة الاستدارة

أين الزهرة إذن؟ رأينا من قبل أن بطليموس وضع هذا الكوكب، ومعه عطارد كذلك، في فلك أعلى من فلك القمر وأدنى من فلك الشمس. وإليك أكثر المبررات إقناعًا لفعله ذلك في غياب قدرٍ أفضل من اليقين: إنه يحبذ استخدام «الشمس كخط طبيعي فاصل بين هذين الكوكبين بحيث يكون هذا الخط أي مسافة زاوية تفصل بين الشمس وتلك الأجرام التي ليس في وسعها سوى أن تتحرك دومًا بالقرب منها.»

وهو يقصد بعبارة «تلك الأجرام التي ليس في وسعها سوى أن تتحرك دومًا بالقرب منها» الكوكبين الداخليين عطارد والزهرة اللذين — بلغة كوبرنيكوس — «لا يحجبهما اقتراب الشمس، مثلما هي الحال مع الكواكب الأعلى؛ كما أنهما لا ينكشفان عند رحيلها. ولكن عندما يأتيان من أمامها، يختلطان بإشعاع الشمس ويحرران نفسيهما.»

يوجِز أحد المؤرخين الفلكيين الظواهر الزُّهرية على النحو التالي: «ينجذب كوكب الزهرة نحو الشمس، إلى أن يغمره شعاعها ويخفيه، ثم يخرج الكوكب إلى الجانب الآخر، لا لكي يُشاهَد على هيئة نجمة مسائية، وإنما كنجمة صباحية. حقيقة الأمر، كان واضحًا أن الزهرة بطريقة ما أو بأخرى كانت تصاحب الشمس في حركتها السنوية.»

والآن لكي نحدد مقدارًا كميًّا لتلك المصاحبة نقدم فكرة «الاستطالة الزاوية» لأحد الكواكب، وهي تحديدًا تلك الزاوية التي توجد بطول المستوى الكسوفي الواقع بين هذا الكوكب والشمس، حسبما تقاس من الأرض، بالدرجات جهة الشرق أو الغرب من الشمس.

أثناء رصد كوكب الزهرة من أي برج كنيسة فوق سطح الأرض، تبلغ أقصى استطالة زاوية له نحو خمس وأربعين إلى سبع وأربعين درجة، وهي بالنسبة لعطارد أقل من ذلك (ثماني وعشرون درجة). ويمكن للكواكب الأخرى، حسبما لاحظ بطليموس، الدوران بأي زوايا متاحة. إذا ألقينا نظرة سريعة على شكل النظام الشمسي الداخلي كما ندركه الآن، لوجدنا أن سبب هذا الفارق الصارخ بين الكواكب الخارجية والكوكبين الداخليين واضح من الناحية البصرية، أو إن شئنا القول: واضح لكل من يؤمن بمركزية الشمس.

فماذا يقول كوبرنيكوس في هذا الشأن؟ «إن مدى بُعد حجة بطليموس — القائلة بوجوب شغل الشمس لمركز متوسط بين تلك الكواكب التي لديها نطاق كامل من الاستطالة الزاوية من الشمس وتلك التي ليست لديها ذلك النطاق — عن الإقناع تتضح من حقيقة أن النطاق الكامل للاستطالة الزاوية للقمر تبرهن على خطأ تلك الحجة.»

هذا الهجوم، برغم أنه يثير الضيق، فإنه يمثل بالكاد رصاصة رحمة. وبفضل إدراك الأشياء بعد حدوثها، يعرض مترجم بطليموس القضية على نحو أفضل: «هذا التمييز بين نوعَي الكواكب — تلك التي يكون بُعدها الزاوي عن الشمس محدودًا وتلك التي يكون بعدها الزاوي عن الشمس غير محدود — أمر عارض في منظومة بطليموس، غير أنه نابع بالضرورة من الفروض الأولى لنظام كوبرنيكوس.»

شكل ٣: الاستطالة الزاوية (حسب رأي كوبرنيكوس).

الزاوية المحصورة بين الجرم السماوي المعني ونقطة مشاهدة الراصد الأرضي والشمس، معبرًا عنها بالدرجات شرقًا أو غربًا.

كما هو مبين في الزوايا الزُّهرية ثيتا١ وثيتا٢ وثيتا٣، يجب أن تكون زاوية الاستطالة لأيٍّ من الكوكبين الداخليين حادة دائمًا. في حالة الزهرة، لا تتجاوز الزاوية أبدًا ٤٧ درجة.

تُبين الاستطالات المشتروية ثيتا٤ وثيتا٥ وثيتا٦ أن استطالة أحد الكواكب الخارجية من الممكن أن تتخذ أي قيمة من صفر إلى ٣٦٠ درجة.

(إذا أردت رأي بطليموس في استطالة كوكب داخلي، لاحظ التوجيه المقيد عند القطر التدويري في شكل ٥. التفسير الكوبرنيكي عبارة عن تبسيط رائع.)

كذلك من السهل تمامًا على المنتمين لحقبة ما بعد كوبرنيكوس استقراء تلك البيانات (على نحو صحيح)؛ حيث إنها تبين أن الزهرة وعطارد يجب أن يكونا أقرب للشمس منا، وأن عطارد لا بد بالضرورة أن يكون أقرب للشمس من الزهرة. وبطبيعة الحال، لو كان الكون القديم لا يزال على قيد الحياة، فإن زعمًا كهذا كان كفيلًا بجعله يصرخ بملء ما فيه.

شكل ٤: اللاتراكزية المدارية.

ط = القطر الطويل لمدار الكوكب.

ق = القطر القصير.

لتحقيق الوضع الأمثل لكوكب ما حسب رأي بطليموس (وكوبرنيكوس أيضًا)، ط = ق. أما في الواقع، فإن من الصعب أن نصادف دوائر تامة الاستدارة. الانحراف عن الوضع الأمثل = اللاتراكزية (ﻫ)، وتقاس على النحو التالي: ﻫ = (ط – ق)/(ط + ق).

بيانات الكواكب الخمسة المعروفة حتى زمن كوبرنيكوس:

أقل درجة لاتراكز: الزهرة عند ٠٫٠٠٧

أقصى درجة لاتراكز: عطارد عند ٠٫٢٠٦

(الأرض عند ٠٫٠١٧)

ومن ثم، نجد داخل كتاب «المجسطي» نظامًا إضافيًّا من نظم المؤجِّل — فلك التدوير — الموازِن: دائرة تامة الاستدارة تدور على نحو غير تام حول الأرض، حاملة معها مركز دائرة أخرى تتبع مسار مدار الزهرة. وكان من الملائم لبطليموس (وبالمصادفة لكوبرنيكوس أيضًا)، أن يتبين أن الفلك الفعلي للزهرة أقرب لتمام الاستدارة من مدار أي عضو آخر من أعضاء نظامنا الشمسي! وحتى نكون أكثر دقة، لم يكن «اللاتراكز المداري» له — أو بمعنى آخر: انحرافه عن الدورانية تام الاستدارة — أكثر من ٠٫٠٠٧.

ومع ذلك، لا يتمكن المترجم من التنصل من واجبه في التعليق على هذا بقوله: «في نطاق المنظومة البطلمية، كان مما يستدعي الملاحظة ومما لا تفسير له أن فترة دوائر عطارد والزهرة الحاملة لأفلاك التدوير ينبغي أن تكون مساوية لعام واحد، وأنه ينبغي على الشمس دائمًا أن تكون على استقامة واحدة مع مركز فلك التدوير.» وهو ما لم يكن صحيحًا دائمًا في حالة الكواكب الخارجية. لا يهم. هل يمكن لشخص ينتمي لحقبة ما بعد كوبرنيكوس أن يفسر لماذا تبيَّن أن لكل كوكب (باستثناء نبتون) مسافة تفصله عن الشمس تكاد تعادل بالضبط ضعفَي المسافة الفاصلة بينها وبين أقرب جيرانه الداخليين؟ إن هذه الظاهرة، التي تسمى بقاعدة بودز، تظل مستعصية على الفهم. من وجهة نظر بطليموس إذن، لماذا لا يمكن أن تكون السمات المميزة لأفلاك تدوير عطارد والزهرة سوى سمات خاصة بها وحدها، لا أكثر ولا أقل؟

«إذن، حسب ادعائهم، ما الذي يحتويه كل هذا الفضاء؟»

يذكِّرنا توماس كون بأن شرط أن يكون الحد الأقصى لاستطالة تلك الزوايا نحو خمس وأربعين درجة «يحدد تمامًا الأحجام النسبية لكلٍّ من فلك التدوير والمؤجل.» وفي كتابه «عن دورات الأجرام السماوية» يستنتج متحدينا بالتالي أن هندسة زُهرة بطليموس تحتاج إلى نطاق هائل على نحو يثير الغرابة. «إذن، حسب ادعائهم، ما الذي يحتويه كل هذا الفضاء، هذا الفضاء الهائل العظيم الذي يستوعب الأرض والهواء والأثير والقمر وعطارد، ويستوعب علاوة على ذلك فلك تدوير كوكب الزهرة الشاسع لو أنه كان يدور حول كوكب الأرض الساكن؟»

شكل ٥: المدار الزُّهري حسب رأي بطليموس.
عندما يكون كوكب الزهرة عند النقطة ز٣.
يكون في حالة اقتران مع متوسط موقع الشمس عند ش٣. عندما يكون كوكب الزهرة عند النقطة ز١، تكون الشمس عند النقطة ش١. وعندما يكون الزهرة عند ز٢، تكون الشمس عند ش٢. في تلك الحالات وفي جميع الأحوال الأخرى (باستثناء ز٣ وش٣)، يكون الخط الواصل بين مركز فلك التدوير وكوكب الزهرة موازيًا للخط الواصل بين الأرض ومتوسط موقع الشمس.

ويعلق ينسن هنا بقوله: «ولكونه بهذه الضخامة، فإنه يبدأ في الظهور في صورة محض مواءمة رياضية من أجل الحصول على الحركة الصحيحة. والحقيقة أن كوبرنيكوس، بالرغم من التزامه اللصيق بالحركة الدائرية، فإنه لا يضطر للجوء لأي أفلاك تدوير بهذا الحجم الهائل حسبما أعتقد.» وهكذا فإن ينسن متعاطف مع هذا الأسلوب في الهجوم. إن فلك تدوير الزهرة «غير متناسب» مع فلك تدوير أي كوكب آخر معروف. أنا نفسي أستشعر خطأً ما في الأمر. إنه يرفض مطلقًا التخلي عن فكرة الكون المتناهي، ويطالب بمعرفة كيف يمكن للزهرة أن تستوعب كل ذلك الفضاء الهائل، في حين أننا لم نَرَ مطلقًا فضاءً أكثر ابتعادًا عن التناسب بهذا القدر الهائل، يفصلنا حتى عن أقرب نجم لنا في برج الجدي. ما الذي يقوله أي شخص منا عما يحتويه كل ذلك الفضاء؟ ماذا «يمكننا» أن نقول؟

«شرح أيسر وأكثر ملاءمة»

من وجهة نظرنا المؤكدة التي ترى أن الأرض ليست مركز الكون، يشبه وصف كوبرنيكوس لفلك الزهرة وصف بطليموس له بنفس القدر الذي يختلف معه فيه.

يقول كتاب «عن دورات الأجرام السماوية»: «تبيَّن أن حركة كوكب الزهرة مركَّبة من حركتين منتظمتين، إما بسبب فلك التدوير للدائرة اللامتراكزة، مثلما ذكرنا من قبل، أو بسبب أيٍّ من الأساليب السابق ذكرها. غير أن هذا الكوكب مختلف إلى حدٍّ ما عن غيره من الكواكب من حيث نظام وتكافؤ حركاته؛ وحسبما أرى، سوف يكون هناك شرح أيسر وأكثر ملاءمة من خلال الدائرة اللامتراكزة لدائرة لامتراكزة.»

دوائر من حول دوائر! هذا يبدو مألوفًا لنا للغاية.

«أكثر تعقيدًا من المنظومة البطلمية»

إن مدار الزهرة في رأيه عبارة عن لآلئ خالدة في نظام شاسع، لهذا دعوه يذعن للفلكي جيكوبسن، الذي لم يكن إعجابه مطلقًا تمامًا: «على العكس من بطليموس، الذي كان هدفه المحافظة على محاذاة مستويات أفلاك التدوير الكوكبية لمستويات المسار الكسوفي، كان هدف كوبرنيكوس المحافظة على توازيهم مع المستويات «المائلة» لمؤجلاتهم. غير أن جميع خطوط «عقد» المؤجلات مرَّت (خطأً) من خلال الموضع السنوي «المتوسط» للشمس. هذه الآلية وحدها — بصرف النظر تمامًا عن تسبُّبها في أخطاء في المسافات — أدت إلى تباينات لا يمكن التعامل معها في دوائر العرض القائمة على مركزية الشمس.» وخلال معاناته من أجل جعل كل شيء صحيحًا، زعم كوبرنيكوس أن هناك تذبذبات في «جميع» المؤجلات الخارج-أرضية، يزيدها قوة تأرجحات دورية في بعض الكواكب، وتبلغ قوتها الذروة، فيما يتعلق بكوكبَي عطارد والزهرة تحديدًا، بفعل نوع آخر من الميل يسمى، «الانحراف»، وهو اسم ملائم تمامًا؛ ومن ثم يستنتج جيكوبسن قائلًا: «المنظومة الكوبرنيكية كانت «أكثر» تعقيدًا من المنظومة البطلمية، حتى إذا تضمن وصفها عددًا أقل قليلًا من الدوائر.»

شكل ٦: المدار الزُّهري حسب رأي كوبرنيكوس.

مبسط. الدوائر المدارية الزُّهرية والأرضية لامتراكزة معًا.

«غير أن التليسكوب الآن يُظهر بوضوح تلك القرون»

يبدو أن كوبرنيكوس ارتكب عملًا أخرق من جديد، لكن يبقى أمر ينبغي أن نقوله.

إن كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» يخبرنا من جديد بالموضع الذي لا يوجد فيه الزهرة: «حسبما يفترض أتباع أفلاطون من أن جميع الكواكب تلمع بالضياء الذي تستقبله من الشمس، وهي أجرام مظلمة لولا ذلك، فإنهم يظنون أنه لو كانت الكواكب أسفل الشمس، لما كانت شوهدت، بسبب بعدها الطفيف عن الشمس، إلا على هيئة أنصاف كروية أو بدت كروية ولو جزئيًّا؛ إذ إن الضوء الذي تستقبله ينعكس من سطحها لأعلى … باتجاه الشمس، مثلما نرى في حالة الهلال الوليد أو العرجون القديم بالنسبة للقمر.»

نعم، كلٌّ من بطليموس وكوبرنيكوس متفقٌ بالفعل مع رأي الأفلاطونيين من أن القمر يدور حول الأرض، وأنه يحصل على ضيائه من الشمس؛ ومن ثم فإن المنطق البحت يجزم بأن منازل القمر تحدث على النحو التالي: عندما يولد هلال الشهر القمري الجديد، تكون الأرض مواجهة للجانب الأكثر بعدًا عن الشمس. وعند ذلك التوقيت «ينعكس الضوء الذي يستقبله القمر لأعلى.» وعندما يكتمل القمر بدرًا، تكون الأرض مواجهة للجانب المواجه للشمس. وكلٌّ من التربيع الأول والمحاق يواجهنا بزاوية ٩٠ مع الخط الواصل بين القمر والشمس. وبين التربيع الأول واكتمال البدر، ومرة أخرى بين اكتماله وشكل المحاق، عندما يكون القمر محدبًا، فإن من البديهي أن الزاوية المحصورة بين الخطين الواصلين بين الأرض والشمس والأرض والقمر تتغير بين قيمتَي ٩٠ و١٨٠ .

ولما كان بطليموس — حسبما قيل — قد قرر أخيرًا اتِّباع أسلافه في وضع فلك الزهرة أقرب إلينا من مدار الشمس، ولما لم تكن هناك مشاهدة من قبل أظهرت أن الزهرة ابتعدت بأكثر من سبع وأربعين درجة عن الشمس، فقد صار من المستحيل منطقيًّا لأي امرئ موجود على الأرض في أي وقت أن يرى من كوكب الزهرة أكثر من نصف السطح المضاء له بفعل أشعة الشمس؛ ومن ثم لا بد أن كوكب الزهرة البطلمي كان هلال زهرة «على أقصى تقدير».

غير أن كوبرنيكوس يقول إن الأرض تتحرك من حول الشمس، وكذلك يفعل كوكب الزهرة؛ ومن ثم، علينا أن نكون قادرين على مشاهدة الزهرة في أطوار مختلفة مثلها مثل منازل القمر.

خلال حياة كوبرنيكوس، كانت حدود المشاهدة تقوِّض أي دليل، غير أنه عام ١٦١١، جاء تليسكوب جاليليو حاملًا معه الدليل على صحة كوبرنيكوس، مبينًا وجود طور محدب للكوكب.

في عام ١٩٤٩ قدَّم عالم منتسب لمجال آخر من مجالات العلم التعريف التالي «للضمانة المطلقة لكل المناهج العلمية. لا بد أن يجتاز المنهج العلمي اختبار الاستخدام وإعادة الاستخدام المستمرَّيْن، وأن يتبرهن على أنه سليم، ليس مرة واحدة وحسب، وإنما آلاف المرات؛ فهو يصبح جزءًا من بنيان المعرفة، ويجب أن يحمل عبئًا متزايدًا باستمرار. ولا مناص أن أي منهج ضعيف سوف يقوض ويفضح نفسه بنفسه.»

لقد أسقطت الكوبرنيكية النظرية البطلمية وحطمتها عند نقطة ضعيفة. لقد فضح كتاب «المجسطي» نفسه أخيرًا.

هناك خرافة انتشرت بين الناس من أن مؤسس الكوبرنيكية تكهَّن بتلك النتيجة التي توصل إليها. وكتب روزن مقالًا خاصًّا ليشكك فيها، معلقًا بقوله: «ولكن ماذا عن أطوار كوكب الزهرة في المنظومة الخاصة بكوبرنيكوس؟ بالطبع هو لم يَرَها قط.» وفي نهاية المقال يعلن في صرامة: «لم يعرب كوبرنيكوس عن أي رأي له فيما يتعلق بأطوار الزهرة.» لا يهم. ربما يكون كوبرنيكوس استقى استنتاجاته عن الأشكال الظاهرية اللازمة للزهرة، وربما لم يفعل. ومع ذلك، فإن الزهرة المحدب كان يمثل نتيجة منطقية لمنظومته، وجرحًا بليغًا آخر في كون بطليموس.

غير أن جاليليو وقد لاحظ ذلك الجرح الأليم يواصل حديثه مع ذلك قائلًا: «هناك صعوبة أخرى وأعظم من تلك يبديها كوكب الزهرة بالفعل؛ إذ لو كان يدور حول الشمس، حسبما يؤكد كوبرنيكوس، لكان في بعض الأحيان أعلاها، وفي أحيان أخرى أسفلها، متقهقرًا ومقتربًا منا كثيرًا حسب قطر الدائرة التي يدور فيها، ثم في الوقت الذي يصبح فيه أسفل الشمس، وأقرب ما يكون إلينا، يجب على قرصه أن يبدو أكبر من حجمه عندما يعلوها بمقدار يقل قليلًا عن أربعين مرة … ومع ذلك، فإن الفارق يكاد يكون غير محسوس.»

ويبدأ المرء في الاعتقاد أن كوبرنيكوس أخفق من جديد، وأنه في جانب حاسم آخر، لا يتطابق الواقع مع المتطلبات التي تفرضها استنتاجاته الهندسية، إلى أن يأتي موضع آخر بعد ذلك بصفحات عديدة يقول لنا جاليليو فيه: «ولكن التليسكوب الآن يبين بوضوح أن قرون» الزهرة تلك «محددة ومميزة مثل تلك التي للقمر، وتبدو، مثلما كانت دومًا، أجزاءً من دائرة كبيرة للغاية، تقترب من أربعين ضِعفًا …»

شكل ٧: أطوار الزهرة (الرسم بمقياس رسم).

إن الأرقام الحديثة للتباين في القطر الظاهر لكوكب الزهرة تتراوح من عشر إلى أربع وستين دقيقة قوسية (أرجو منك أن تتذكر التباين الهائل، الذي أوضحنا مقداره في موضع سابق من هذا الفصل، في المسافة بين الزهرة وكوكبنا). لما كانت مساحة دائرة ما تساوي «ط» مضروبة في مربع نصف القطر، فإن ٧٨٫٥٤ إلى ٣٢١٦٫٩٩ تعطينا معدل المساحات الظاهرة، التي يتبين أنها — وإني لسعيد أن أقولها: ١ : ٤٠٫٩٦.

وهكذا نجد مرة أخرى أنه بالرغم من كل أخطائه الكئيبة، كان كوبرنيكوس أكثر صدقًا من أي فلكي جاء قبله. «لقد رأينا المشهد بأكمله في فراونبورج.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤