في الإجازة

دقَّ جرس التليفون في منزل «تختخ»، وكان المتحدث هو المفتش «سامي» الذي سأله: هل أنت وحدك تمامًا؟

تختخ: نعم.

المفتش: هذا يُناسبني جدًّا، وسوف أحضر إليك حالًا؛ لأني أريد أن أناقش معك مسألةً على جانبٍ كبيرٍ من الخطورة.

مضت نصف ساعة تقريبًا، وسمع «تختخ» صوت سيارة المفتش وهي تشق الطريق إلى منزلهم، ثم توقفت أمام الباب الذي أسرع إليه «تختخ»، ووقف يُرحِّب بالمفتش الطويل القامة، الذي عادةً ما يراه مبتسمًا، ولكنه بدا في ذلك الوقت متجهم الوجه، يعكس وجهه خطورة ما سيتحدث فيه.

جلس المفتش و«تختخ» معًا وجهًا لوجه، وشرب المفتش كوب الليمون المثلَّج الذي أعدَّه «تختخ»، ثم تنهَّد قائلًا: شكرًا لك، لقد كنت في أشد الحاجة إليه.

ابتسم «تختخ» قائلًا: لقد صنعته بنفسي.

المفتش: رائع جدًّا. إنك تُجيد كل شيء؛ من أجل هذا جئت لك، فهناك حادث سرقة يشغلني للغاية.

تختخ: حادث سرقة فقط؟ لقد ظننت أن الأمر أخطر من هذا بكثير.

نظر المفتش إلى «تختخ» بعينَين كحد السيف، ثم قال: إن بعض حوادث السرقة يساوي أفظع الجرائم، وخاصةً إذا كانت هذه السرقة مرتبطةً بالخيانة.

لم يتحدَّث «تختخ» … فمضى المفتش يقول: سوف أروي لك كل شيء، ولكن لا بد أن تعدني ألَّا يعلم أحد غيرك بالأسرار التي سأرويها لك، مهما يكن هذا الشخص، حتى الأصدقاء الأربعة.

تختخ: إنني أعدك طبعًا.

المفتش: لقد سرق موظف في مكتب التصميمات الحربي وثائق على جانبٍ كبيرٍ جدًّا من الأهمية، وهذه لو تسرَّبت إلى الأعداء لكانت كارثةً كبيرةً للوطن.

سكت المفتش لحظات، ثم عاد يقول: ولأنني أثق في ذكائك وقدرتك؛ فقد قرَّرت إشراكك معي في البحث الذي أقوم به. وإنني أرجو أن نُوفَّق للوصول إلى حل هذا المشكل الخطير.

تختخ: هل هرب الموظف بالوثائق؟

المفتش: لا، إن الموظف في أيدينا.

تختخ: والوثائق؟

المفتش: جزء منها موجود؛ فقد سُرقت سبع وثائق وجدنا مع الموظف منها أربعًا، ولم نجد الثلاث الباقية، وهي التصميمات المهمة.

تختخ: وهل استجوبتم الموظف؟

المفتش: لم نستجوبه بعد، وقد لا نستطيع استجوابه لمدة طويلة.

تختخ: لماذا؟! أليس في أيديكم كما قلت الآن؟

المفتش: نعم، ولكنه مصاب بجرحٍ خطيرٍ في رأسه، وهو غائب عن الوعي منذ يومَين، والأطباء يقولون إن حالته خطيرة، وقد نتمكَّن من استجوابه بعد أربعة أيام أو خمسة، ولكن الوقت ثمين، كل يوم، بل كل ساعة تضيع؛ تُبعد الوثائق المسروقة عن أيدينا.

تختخ: إنني أُفضِّل أن أسمع تفاصيل الحادث كما وقع؛ حتى أتمكَّن من متابعة هذه المعلومات، فهل يمكن أن تروي لي القصة كاملة؟

المفتش: بالطبع. في صباح أمس الباكر عُثر على هذا الموظف واقعًا قرب شريط قطار المعادي، وقد أُصيب في رأسه إصابةً بالغةً أفقدته الوعي تمامًا. وقام رجال الإسعاف بنقله إلى مستشفى القوات المسلحة القريب من المعادي، حيث أُجريت له الإسعافات اللازمة، ولكنه لم يُفِق. وقال الأطبَّاء إنه ربما سقط من القطار وهو يسير بسرعة، فأُصيب، وبتفتيشه عرف رجال الشرطة اسمه وعنوانه، وعُثر في جيبه على الوثائق الأربع السرية. وقام رجال المباحث بتحري الأمر، فاتضح أن الموظف يعمل في مكتب التصميمات، وأن الوثائق التي معه جزء من سبع وثائق على أقصى درجةٍ من الأهمية والخطورة قد اختفت من المكتب، وبالطبع فإن الموظف قد سرقها لبيعها إلى الأعداء، ولا ندري حتى الآن لمن باع الوثائق الثلاث الناقصة، ولماذا لم يبِع الوثائق كلها؟

تختخ: هل هذا كل شيء؟

المفتش: تقريبًا، ولكن ربما كان يُفيدك في البحث أن تعلم أن للخزينة التي كان مودعًا بها الوثائق مفتاحَين؛ أحدهما مع مدير المكتب، والثاني مع الموظف اللص الذي سرق الوثائق.

تختخ: وما هو المطلوب الآن بالضبط؟

المفتش: المطلوب أن نصل إلى الرجل الذي اشترى الوثائق، والأهم من هذا أن نصل إلى الوثائق نفسها قبل أن تتسرَّب من البلاد.

تختخ: ولكن من الممكن أن تكون هذه الوثائق قد تسرَّبت فعلًا؛ فمن السهل إرسالها بالبريد، أو بواسطة أي مسافرٍ إلى خارج البلاد.

المفتش: هذا صحيح، ولكن منذ العثور على الموظف قمنا بعمل رقابة دقيقة على البريد الخارج من البلاد، وكذلك على المسافرين، ونحن نُرجِّح أن الذي اشترى هذه الوثائق ما زال في البلاد، وإن كان بالطبع سيحاول أن يهرب في أقرب فرصة …

تختخ: إنها قضية خطيرة حقًّا ومعقدة.

المفتش: فعلًا، ولهذا أرجو أن تكون حذرًا، وألَّا تقول لأي مخلوقٍ عمَّا دار بيننا، وأن تدرس المشكلة دراسةً دقيقة، وأية أسئلة تُفكِّر فيها اتصل بي غدًا، وسوف أحاول أن أجد إجابةً عنها.

بعد هذا الحديث قام المفتش، فأوصله «تختخ» إلى باب الحديقة حيث ودَّعه، ثم عاد إلى غرفته وقد تحفَّز للمغامرة، وأخذت تفاصيل المغامرة والأفكار تدور برأسه، وهو يُعيد تصوير الحادث في ذهنه … الموظف … ومفتاح الخزانة … والوثائق، والسرقة، والقطار ووقوع الموظف.

وأخرج «تختخ» دفتر مذكراته الصغير، وأخذ يُسجِّل فيه أهم النقاط والمعلومات …

وعندما حضر والداه، كان «تختخ» ما زال في غرفته، وعندما نزل للعشاء، بدا عليه التفكير العميق، فقال والده: إنك تبدو مشغولًا، فهل أنت منهمك في حل لغزٍ جديد؟ إن أصدقاءك ليسوا هنا، فأنت طبعًا لست مشتركًا في مغامرة … أليس كذلك؟

كاد «تختخ» يروي لوالده ما حدث هذا المساء، ولكنه تذكَّر تحذير المفتش «سامي» فقال: إنني أفكر في شيءٍ ما، ثم سكت فلم يسأله والده سؤالًا آخر …

عندما عاد «تختخ» إلى غرفته كانت بعض الأسئلة قد بدأت تدور بذهنه: هل من الممكن أن يسقط إنسان من نافذة قطار المعادي؟ وإذا سقط هل يصاب بمثل هذه الإصابة البالغة التي تُفقده الوعي أيامًا كاملة؟ سؤال آخر: هل هذا الموظف سيئ السمعة أم حسن السمعة؟ وإذا كان سيئ السمعة وليس أمينًا، فكيف يُعطى مفتاح خزانة بها هذه الوثائق الهامة؟ ومدير المكتب هل هو رجل أمين؟ وهل له دخل في السرقة؟

وسؤال سادس … متى سُرقت الوثائق؟ هل في نفس يوم الحادث أم قبلها بأيام؟ ثم لِم لَم تنكشف السرقة إلَّا عندما أصيب الموظف؟

أسئلة هامة لم يكن يملك عنها «تختخ» جوابًا، وهكذا استسلم للنوم وهي تدور برأسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤