الفصل الأول

الأماكن الإسلامية المقدسة

(١) فكرة الأماكن المقدسة

ألِف الناس أن يعتبروا كل بناء أتى عليه القِدَم أثرًا من الآثار، وأن يزوروه بدافع من الطلعة، استِزادة من المعرفة، وحرصًا على أن يروا بأعينهم ما صنع الأسلاف الذين طواهم الدهر في صحائف القبور منذ مئات السنين أو ألوفها، فالذين يزورون معابد الفراعنة في مصر يزورونها توقًا إلى العلم بحضارة سلفنا، وبالقواعد التي كانت هذه الحضارة تقوم عليها، وبالمنشآت التي شادها أهلها، وذلك شأن الذين يزورون الأطلال والآثار القديمة في كل بلد من البلاد. فأما المسلمون الذين يحجون بيت الله الحرام بمكة ويزورون قبر النبي — عليه السلام — بالمدينة، فليس حب الاستطلاع هو الذي يدفعهم لزيارة آثار قديمة توالت عليها القرون، وإنما يدفعهم شعور عميق بأنهم يؤدون فرضًا فرضه الله عليهم. وهم يرون الكعبة، ويرون القبر النبوي ببصرهم وبصيرتهم، على أنهما متطلعان بحياتهم الروحية، كاتصال منازلهم بحياتهم المادية وبحياتهم الاجتماعية.

وذلك شأن المسيحيين إذ يحجون بيت المقدس، إنهم يشعرون حين يدخلون كنيسة القيامة، وحين يزورون كنيسة المهد ببيت لحم، بأن فلذة من حياتهم الروحية قائمة في هذه الأماكن المقدسة، وبأنهم إذا بعدوا بأجسامهم عنها فإن أرواحهم تظل تهفو إليها.

واليهود الذين يزورون المبكى ببيت المقدس، يخالط قلوبهم شعور كشعور المسيحيين، وكشعور المسلمين في زيارتهم الأماكن المقدسة عندهم.

لست أعدو الحق إذن حين أقول إن هذه الأماكن تبقى على القرون جديدة أمام كل جديد؛ لأنها تعتبر في نظر الذين يحجونها موئلًا لأرواحهم، وملاذًا لقلوبهم المتعطشة إلى التطهر ترجوه حيثما تكون من بقاع الأرض، ثم لا تطمئن إلى أنها بلغت حظها منه حتى تتم حجها.

هذا الالتجاء الروحي إلى مكان مقدس أمر جوهري في طبيعة الأديان جميعًا، وهو كذلك بنوع خاص في طبيعة الأديان السماوية الثلاثة التي نزلت بالشرق الأوسط: اليهودية والمسيحية والإسلام. صحيح أن نشأة الأماكن المقدسة في الأديان الثلاثة تختلف وتتباين تباينًا كبيرًا، لكن الفكرة التي شادت هذه الأماكن واحدة في الأديان الثلاثة أو تكاد تكون واحدة، وليس عجبًا أن يكون ذلك شأنها. وبين هذه الأديان الثلاثة صلة أوثق الصلة، فقد قام المسيح بين قومه من يهود، يذكر لهم دينهم في صفاء جوهره وينذرهم عذاب الله بأنهم حرَّفوا كلامه إلى موسى عن مواضعه منقادين وراء أهوائهم ومطامعهم، مبتغين من عرض الحياة الدنيا ما يباعد بينهم وبين رحمة الله، مندفعين بحكم هذه الأهواء والمطامع إلى حياة الظلم والإثم، كما ينذرهم بأن أغنياءهم الذين يظلمون الفقراء لن يتقبل الله منهم، فدخول الجمل سم الخياط أيسر من دخول الغني الباغي ملكوت الله.

والقرآن الذي أنزله الله على محمد — عليه السلام — يجادل النصارى ويجادل اليهود بأن الله بعث لهم رسله بكلمة الحق، فزاغت عنها أبصارهم وبصائرهم، وبأنهم حرفوا كلام الله في التوراة والإنجيل عن مواضعه، وأن النبي العربي إنما بعثه الله ليرد الحق إلى نصابه، وليحق الحق ولو كره الكافرون، وقد بعثه الله مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل.

من هذه الصورة السريعة البسيطة لما بين الأديان الثلاثة من صلة يتضح أنها ترجع إلى أصل واحد، وتستمد وجودها في صفائه من ينبوع واحد، وهذا الأصل الأزلي الخالد هو الحق جل شأنه، تجلى على موسى فكلَّمَه تكليمًا، ونفخ في مريم من روحه فكان عيسى كلمته إلى الناس، وأوحى إلى محمد آياته وكلمته هدًى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان.

والينبوع الذي تستمد منه هذه الأديان وجودها في صفائه هو السمو بالروح عن كل عبودية لغير الله، فالروح من أمر الله، وملكوت الروح في السماء لا في الأرض، وإله الروح واحد هو الله جل شأنه وتعالت أسماؤه. وقيام هذه الأديان الثلاثة تحيط به ظروف متشابهة كل التشابه.

كان الناس في عهود الرسل الثلاثة يتخذون لأنفسهم أربابًا من دون الله، ثم يتخذون هذه الأرباب إلى الله زلفى، فجاءت الأديان الثلاثة صريحة في التقرير بأن الله لا إله إلا هو الملك الحق، وأن الذين يتخذهم الناس أربابًا من دونه ليس لهم شيء من قدرته، لا يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، ضَعُفَ الطالب والمطلوب، وأن الناس يجب لذلك أن يقلعوا عن كل عبادة إلا عبادة الله، وعن الأمل إلا في وجهه الأكرم، وعن الاهتداء إلا بنوره الذي أضاءت له السموات والأرض وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة.

•••

كان أهل مصر الفراعنة يصدقون فرعون إذ يقول لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ فبعث الله موسى إلى بني إسرائيل يصرفهم عن عبادة فرعون إلى عبادة الله، وكان أهل فلسطين يذعنون لأرباب روما صاحبة السلطان فيهم، وكان اليهود منهم يتملقون الحاكم الذي ترسله روما ويقرون ظلمه ابتغاء لرضاه عنهم، وليمد لهم أسباب السلطان والمال، فقام المسيح فيهم يدعوهم إلى ملكوت السموات، وينذر الأغنياء عذاب ربهم الأعلى.

وكان العرب في شبه الجزيرة يعبدون الأصنام، فبعث الله محمدًا إليهم يدعوهم لعبادة الله وحده ولنبذ الأصنام، وينذرهم عذاب يوم شديد إذا هم لم يبتغوا وجهه الأكرم، ملتمسين إليه الوسيلة بالبر والتقوى.

ليس عجبًا — والصلة بين الأديان الثلاثة ما قدمت — أن تتفق الفكرة التي أدت إلى تشييد الأماكن المقدسة أو تكاد تتفق. وهذه الفكرة لا تقف عند تقديس المكان الذي نزل الدين فيه، فأمرها ليس كذلك في اليهودية بالنسبة لحائط المبكى ولا للصخرة المقدسة، وإنما جوهر هذه الفكرة تعيين المكان الذي يجتمع الناس فيه ليتوجهوا بقلوبهم إلى الله، والذي يقبل الله فيه توبة التائب من آثامه، فنحن وإن اتصلت روحنا ببارئ النَّسَم جل شأنه، تغشانَا بحكم حياتنا الدنيا أهواء وشهوات، تحجب ضياء الروح، فلا يهدينا صراط الله المستقيم.

وكثيرًا ما تدفعنا هذه الشهوات وهذه الأهواء إلى ألوان من المعاصي والآثام، تباعد بيننا وبين رضا الله عنا، وحسن مثوبته جل شأنه إيانا.

حقٌّ أن الحسنات يذهبن السيئات، وإنما في عبادتنا حيث كنا نخفف من أوضار ذنوبنا، لكن من الذنوب ما يثقل الروح فهي أبدًا قلقة تريد أن تخلص منه، ونحن نتوب إلى الله ونستغفره في كل صلاة وفي كل ساعة من ساعات الليل والنهار، وعفو ربي وَسِع كل شيء، لكن التوبة النصوح، التوبة التي يتقبلها الله ويمحو ذنوب صاحبها، هي التوبة التي نسعى إليها، ونتجشم المشاق في سبيلها، ثم نعلنها على ملأ العالم من بني ديننا. وهذه التوبة هي التي تتم في إعلان صريح في المكان المقدس الذي اختاره الله لنا، كي يكون بعضنا شهيدًا على بعض، ولكي لا تلهينا العاجلة، فلا نكاد نعلن التوبة إلى الله حتى نتورط في حياة الإثم من جديد.

هذه هي الفكرة الجوهرية القائمة بنفس كل مسلم، وكل مسيحي، وكل يهودي، يعتزم الحج إلى المكان المقدس الذي اختاره الله لأهل دينه وملته، ففي سبيل طهر القلب، ونقاء الروح مما يعلق بالنفس من أوضار الإثم، نذر وراء ظهورنا تلك البيئة التي أغرتنا وغرتنا، ولعبت بأهوائنا، وعبثت بقلوبنا إلى بيئة طهور تتجلى فيها أرواحنا، وترتفع إلى غاية ما تستطيع أن تسمو إليه من عوالمها المضيئة، فتصهر بحرارة إيمانها، وبحرارة توبتها، ما علق بها أو تصبره على ملأ بني الدنيا لأن الدنيا مهد الخطيئة، فليس منَّا مَن يستطيع أن يدعي أنه لم يأثم، بل كلنا تصدُق فينا كلمة السيد المسيح في مريم المجدلية: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.»

فكرة التوجه إلى الله بالتوبة وطلب المغفرة هي التي أبقت الأماكن المقدسة جديدة أمام كل جديد، وهي التي أنشأت تلك الأماكن أول أمرها، وهي الأساس لنشأة أقدم هذه الأماكن وأكثرها قدسية، فمنذ فجر الإسلام كان الطواف بالكعبة يجمع كل معاني التوجه لله، من شكر إلى رجاء إلى توبة واستغفار.

وكان الطواف بالكعبة يجمع هذه المعاني قبل الإسلام، فالعربي الجاهلي الذي كان يطوف بالكعبة قبل أن يخرج إلى عمل يرجو منه الخير، والذي كان يضرب بالقداح عند هُبَل القائم في جوف الكعبة قبل أن يوفقه رب البيت إلى ما يبغي ونحن لا نزال إذ نطوف اليوم بالبيت العتيق يحدونا الرجاء أن يحط الله عنا أوزارنا، وأن يوفقنا في حياتنا إلى ما نحب ونرضى وإلى ما يحب ويرضى، ذلك شأننا جميعًا حين نحج وإن اختلف كل حاج في تصور الحياة وتصور معاني الرجاء والشكر والتوبة.

الفكرة التي شادت الأماكن المقدسة وأبقتها جديدة أمام كل جيل جيد، هي إذن فكرة التوجه لله ابتغاء رضاه، والأمل في بلوغ الكمال الذي يقربنا من الله، ثم قصورنا دون هذا الكمال، وقربنا في كثير من الأحيان من نقيضه، ورجاؤنا في الله بعد ذلك أن يغفر لنا ما قصَّرنا وما أتممنا. وهذا الاضطراب بين الكمال ونقيضه يتعرض له الناس جميعًا على اختلاف أقدارهم واختلاف علمهم.

فهذا العاهل العظيم الذي ملك الأرضين ودوَّخ الشعوب، وبلغ من ذلك ما بهر القلوب وشد إليه الأنظار، يرجع إلى نفسه ساعات فيشعر بأن ما يراه هو ويراه الناس العظمة كل العظمة، ليس شيئًا إلى جانب ما ارتكب في سبيله من أوزار، وأنه لذلك أحوج إلى رضا الله عنه ولطفه به، حتى لقد يود لو أنه لم يكن عاهلًا عظيمًا، ولم يرتكب كل ما ارتكب من الخطايا.

هنالك تضعف نفسه ويستشعر الندم، ويريد أن يتقدم إلى بارئه بالتوبة، فيسعى إلى المكان المقدس الذي يتوب الناس عنده حاجًّا مستغفرًا مما اجترح في سبيل العظمة التي طالما أغرته وضلته. وهذا الفقير الذي يكد ليله ونهاره لقوته وقوت عياله يشعر بأنه لم يكن دائمًا طاهر النفس في سعيه وفي كَدِّه، وأنه طالما تمنى لجاره ما لا يتمناه لمن يحب، وأنه في سبيل الحياة قد أثم وأذنب، وأنه لذلك في حاجة إلى التوبة تطهره ليعود إلى ربه نقي الروح، جديرًا بملكوت الله.

وبين هذين — بين العاهل العظيم والفقير الذي يكد ويسعى لقُوتِهِ وقُوت أهله — تضطرب طبقات الإنسانية المختلفة بين القوة والضعف، وبين اليأس والرجاء، وبين الأمل الخادع والخيبة اللاذعة، وهي في اضطرابها يعبث بها الغرور تارة، ويعبث بها الضعف أخرى، فإذا عبث بها الغرور أثمت، وإذا عبث بها الضعف أثمت، وعند ذلك تشعر بالحاجة إلى التوجه إلى الله منيبة تائبة من آثام الغرور ومن آثام الضعف جميعًا. ثم لا تجد ملاذًا لطهر الروح المتعطشة إلى الطهر إلا بالحج إلى الأماكن المقدسة، تعلن عندها التوبة، وتغسل في ظلالها الوزر والحوبة.

من ثم كان شعور الحجاج إذ يبلغون هذه الأماكن المقدسة قويًّا، فياضًا بمعانٍ روحية لا سبيل إلى تصورها في غير هذه الأماكن، وسنرى صورًا من ذلك حين الحديث عن كل واحد منها.

(٢) الكعبة الشريفة

الإسلام أحدث الأديان السماوية الثلاثة التي نزلت في الشرق الأوسط، وقد جاء النبي العربي مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، ومع ذلك فبيت الله الحرام بمكة أقدم الأماكن المقدسة بهذا الشرق الأوسط، والسر في ذلك أن الأماكن المقدسة لليهود والنصارى لم تُخلع عليها آي القداسة إلا بعد أن نزلت اليهودية وبعد أن نزلت المسيحية. أما الكعبة التي يعظمها المسلمون اليوم، فكانت مقدسة قبل بعث محمد بأجيال طويلة، وكان العرب يحجون إليها أيام الوثنية والأصنام، حتى منع الإسلام غير المسلمين من حج البيت.

وقد ذكر القرآن قِدمها في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وقال تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ إلى قوله جل من قائل: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

هذه الآيات تُرجع بناء البيت الحرام إلى إبراهيم وإسماعيل، وإبراهيم هو جد الأنبياء عليهم السلام، يسبق في التاريخ موسى وعيسى. لا عجب إذن أن يكون بيت الله الحرام بمكة أقدم الأماكن المقدسة في الشرق الأوسط.

قصة البناء

وقصة بناء إبراهيم وإسماعيل البيت قصة رواها المؤرخون على وتيرة تكاد تكون واحدة، والمأثور أن إبراهيم طعن على قومه لعبادتهم الأصنام فاضطهدوه، ففر إلى فلسطين ومعه زوجه سارة، ومن فلسطين سافر إلى مصر وتزوج فيها جاريته هاجر، وولدت له هاجر إسماعيل، ثم ولدت له سارة إسحاق.

لم تطق سارة المقام مع هاجر فسافر إبراهيم بها حتى بلغ الوادي الذي تقوم به مكة اليوم، وهناك تركهما وترك معهما ما يقتاتان منه، أفكان في هذا المكان ماء، وكان على الماء خيام لبدو يقيمون عنده؟ هذا أمر اختُلِف فيه، تجري إحدى الروايات بأن قبائل جَرْهَم كانت تقيم على ماء في هذا المكان، وتجري رواية أخرى بأن إبراهيم ترك هاجر وإسماعيل وحدهما وعاد أدراجه، وأن الماء نفد بعد أيام من هاجر، فجعلت تسعى بين ربوتين، هما: الصفا والمروة، فلما سعت سبعًا تطلعت إلى ناحية ولدها إسماعيل، فألفته قد فحص الأرض برجليه، فنجم الماء من بئر هو زمزم، واستقت هاجر وسقت ولدها، وحجزت الماء دون السيل، فجاءت جرهم فأقامت مع الأم وابنها على الماء.

ولما شب إسماعيل تزوج فتاة من جرهم — بنت مقضاض بن عمر — وقد ذهب إبراهيم لزيارة إسماعيل وأمه أثناء مقامهما بهذا الوادي، مرة قبل هذا الزواج ومرة بعده. والروايات تجري بأن بناء الكعبة حدث في إحدى هاتين الزيارتين، وإن اختلفت على كيفية حدوثه.

ذهبت رواية إلى أن جبريل أمر إبراهيم فركب البراق مع هاجر ومع إسماعيل، وطاروا يريدون مكان بيت الله لبنائه، حتى إذا نزلوا مكة تعاون الأب والابن على إقامة البيت. وفي رواية أخرى، أن إبراهيم جاء إلى مكة بعد أن شب إسماعيل وتزوج، ووجده أبوه يبري نبالًا تحت دوحة قريبة من زمزم، فتبادل التحية معه، ثم قال له: «يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، أن أبني هنا بيتًا.» وأشار إلى أكمة مرتفعة عما حولها، وتعاون الرجلان على البناء، إسماعيل يجيء بالأحجار، وإبراهيم يبنيها، حتى ارتفع البناء إلى قرابة قامة الرجل، فجيء بالحجر الأسود ووضع مكانه، ثم تعاون الرجلان حتى تم البناء.

الحجر الأسود

والروايات في الحجر الأسود وأصله تختلف، قيل: جاء به جبريل من السماء، إذ كان قد رفع إليها حين أغرق الطوفان. وقيل: جاء به جبريل من الهند حيث هبط به آدم من الجنة، وكان أبيض ناصعًا فاسود من خطايا الناس. وقيل: بل كان في جبل قبيس منذ طوفان نوح، وكان مضيئًا يكاد يذهب سنا ضوئه بالأبصار، وإنما سودته أنجاس الجاهلية وأرجاسها.

وهذه الروايات على اختلافها تذهب إلى أن البيت العتيق كان ارتفاعه، حين أقام إبراهيم وإسماعيل قواعده، تسعة أذرع، وأنه كان مستطيلًا عشرين ذراعًا في ثلاثين، وأنه كان له بابان ملاصقان للأرض، وأنه لم يكن عليه سقف وإنما حُفِر به بئر يكون خزانة له.

•••

هذا هو المتواتر في أمر بيت الله الحرام، وإقامته أول ما أقيم، على أن طائفة من غلاة المعتقدين لا يرضون أن تكون هذه النشأة نشأته، ويحرصون على أن يردوا أمره إلى ما قبل خلق الإنسان أو إلى أول خلقه، ذكر بعضهم أن الملائكة هم الذين بنوا البيت، ذلك أن الله غضب عليهم حين قال لهم: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.

وأحس الملائكة غضب الله عليهم، فلاذوا بالعرش يتضرعون ويبكون إشفاقًا من هذا الغضب، ثم طافوا بعرش الله شيعًا كما يطوف الناس بالبيت الحرام وهم يقولون: لبيك اللهم لبيك، ربنا معذرة إليك، نستغفرك ونتوب إليك؛ فأنزل الله الرحمة عليهم، ووضع تحت العرش بيتًا هو البيت المعمور، وقال للملائكة: «طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش.» ثم أمر الله الملائكة من سكان الأرض أن يبنوا في الأرض بيتًا على مثال البيت المعمور، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. وتجري هذه الرواية بأن الملائكة بنوا هذا البيت الذي يقوم بيت الله الحرام اليوم مكانه قبل خلق آدم بألفي عام.

أما رواية آدم وبنائه البيت الحرام، فتذكر أن آدم سأل ربه بعد أن هبط وزوجه من الجنة: «يا رب، ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا أحسهم؟» وأجابه ربه: «بخطيئتك يا آدم، ولكن اذهب فابنِ لي بيتًا فطف به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي.» فأقبل آدم يتخطى الأرض حتى بلغ مكة فبنى البيت الحرام، وقيل: كان هو يبني وحواء تنقل له الحجارة.

وفي رواية أن شيئًا بنى الكعبة بعد آدم، ثم جاء الطوفان في عهد نوح فأغرق الأرض وما عليها وأغرق بناء الكعبة، ثم بوأ الله لإبراهيم مكان البيت، فأقام قواعده مع إسماعيل.

وليس في وسع مؤرخ أن يثبت شيئًا — على سبيل القطع — عن الروايات التي وردت عن بناء الملائكة أو بناء آدم أو شيث الكعبة.

وظلت الكعبة على بناء إبراهيم وإسماعيل زمنًا لم يحدده مؤرخ، قيل: بناها العمالقة وجرهم بعد ذلك، وقيل: بقيت كما بناها إبراهيم وإسماعيل إلى أن جدد بناءها قصي بن كلاب الجد الخامس للنبي العربي. وتذهب الرواية التي تذكر بناء قصي الكعبة إلى أنه خالف ما كان متبعًا من ترك البيت قائمًا في الفلاة لا يبني حوله أحد إعظامًا لحرمته، وأمر الناس فبنوا حول البيت ولم يتركوا إلا قدر المطاف.

خلاف حول الحجر المقدس

وأقام العرب يحجون الكعبة كما بناها قصي، إلى أن وُلد محمد بن عبد الله ، وإلى أن بلغ الخامسة والثلاثين من عمره. وفيما أهل مكة يتمتعون بحياتهم العادية، إذا سيل عظيم انحدر من الجبال وطغى على مكة، وأصاب الكعبة فوهنها وصدَّع جدرانها، وفكرت قريش فيما تصنع بها، وبعد تردد هدم القوم البيت الحرام حتى جداره، ونقلت قريش الأحجار من الجبال وبدأت البناء. فلما ارتفع إلى قامة الرجل وآن أن يوضع الحجر الأسود المقدس مكانه، اختلفت القبائل أيها يكون لها فخار وضعه في هذا المكان، وكادت الحرب الأهلية تنشب بسبب هذا الخلاف، لولا أن قال أمية بن المغيرة المخزومي للقوم — وكان فيهم شريفًا مطاعًا — اجعلوا الحَكَم بينكم أول داخل من باب الصفا.

وكان محمد بن عبد الله أول من دخل، فلما قص عليه القوم قصتهم، قال: «هلم إليَّ ثوبًا.» ونشر الثوب، وأخذ الحجر بيده فوضعه فيه، ثم قال: «ليأخذ كبير كل قبيلة بطرف من أطراف هذا الثوب.» وحملوه جميعًا حتى إذا حاذى موضع الحجر من البناء تناوله محمد ووضعه في موضعه، وبذلك انحسم الخلاف، وأتمت قريش بناء الكعبة ورفعت بابها عن الأرض، وسقفتها ووضعت هُبَل في داخلها، ووضعت معه النفائس التي أهديت من قبل لها، والتي طالما تعرضت قبل سقفها لمطامع اللصوص.

إعادة بناء الكعبة

وظل بناء الكعبة هذا قائمًا حتى آل الأمر إلى يزيد بن معاوية، وكانت عاصمته دمشق، وكان عبد الله بن الزبير لا يزال بمكة ثائرًا بالأمويين، وجرد يزيد جيشًا سار إلى مكة، وحاصر ابن الزبير بها، ونصب المنجنيق على جبال مكة ورمى الكعبة بعشرة آلاف حجر، وهنت البناء وجعلته عرضة للحريق لما كان يخالط أحجاره من خشب الساج. عند ذلك استشار ابن الزبير الناس ما يصنع بالبيت، وانتهى الأمر إلى هدم الكعبة وإعادة بنائها.

وفي أثناء البناء نُصب حول الكعبة سياج من خشب وجُعلت عليه ستور حتى يطوف الناس بمكان البيت ويصلوا إليه.

وبعد عشر سنوات حاصر الحجاج ابن الزبير وقتله، ثم غيَّر أحد جدران الكعبة، وسد الباب الغربي، ورفع البناء إلى ما كان عليه في الجاهلية، فلما تولى هارون الرشيد سأل الإمام مالكًا في هدم الكعبة وردها إلى بناء ابن الزبير، فكان جواب مالك: «يا أمير المؤمنين لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك، لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها.» وترك الرشيد البيت، لم يتعرض له.

بقيت الكعبة على بناء ابن الزبير وتعديل الحجاج إياه، لا يزيد المسلمون على أن يقووا ما يعتريه الوهن منها، حتى كانت سنة ١٠٤٠ﻫ/١٦٣٠م، إذ هطل بمكة مطر هتون فدخل المسجد وارتفع حتى دخل الكعبة، وكان بناؤها قد وهن بعد أن انقضى عليه قرابة ألف عام؛ لذلك سقطت جدرانها واحدًا بعد الآخر، وترامى ما أصاب البيت الحرام إلى الأقطار الإسلامية، فانزعج الناس فيها كما انزعج أهل مكة، فأجمع الكل على المبادرة إلى عمارتها.

وأحيط البيت بسياج من الخشب يطوف به الناس ويصلُّون إليه، كما كان الأمر على عهد ابن الزبير، وأنفق القوم في البناء ستة أشهر وأموالًا طائلة، ولم يعيدوا من الأحجار التي بنى بها ابن الزبير الكعبة إلا ما وجدوه صلبًا قويًّا، أما ما وهن فاستبدلوا به غيره.

على أن مشكلة خطيرة واجهتهم، فقد بدأ الحجر الأسود يتناثر الفتات منه، وللحجر الأسود من القدسية حظ جعل المعماريين يلجَئُون إلى كل أساليب الفن ليعيدوا إلى أجزائه صلابتها، ولما تم لهم ما أرادوا ربطوه بإطار الفضة الذي رُبط به على عهد ابن الزبير ووضعوه مكانه.

وبناء الكعبة هذا هو القائم إلى يومنا الحاضر، وهو الذي يطوف المسلمون به منذ فرض الله الحج عليهم إلى الآن.

(٣) المسجد الحرام ومشاعر الحج

قلنا إن الكعبة أقدم الأماكن المقدسة، وإنها أول بيت وضع للناس، فقد كان العرب في الجاهلية يحجونها على اختلاف نحلهم، ويعتبرونها المكان الذي يُقبل فيه التوجه إلى الله، وتُقبل فيه توبة التائب، كان لبعض قبائل العرب أماكن كالكعبة تعظمها وتحج إليها، وكان لكل قبيلة صنم تتخذه إلى الله زلفى، لكنها كانت جميعًا تُقدر أن الحج المقبول عند الله هو الحج إلى بيته بمكة. فإذا اكتفى رجل القبيلة بالتعبد لصنمه، أو بحج البيت القائم بالطائف إن كان من ثقيف مثلًا، لم يكن قد أدى ما عليه من فرائض العبادة أداء كاملًا، ولا بد له من زيارة البيت العتيق ليتم حجه وتُقبل توبته.

ولما تغلبت الحبشة على اليمن، وحكمها أبرهة، ظن أنه يستطيع أن يصرف أهل اليمن عن بيت مكة إذا هو أقام لهم بصنعاء بيتًا يحجونه ويولون وجوههم شطره. وأقام بصنعاء بيتًا له من الجمال ومن دقة الفن ما لم يكن لبيت مكة الذي تنزه ببساطته عن مجالي الفن، فلم ينصرف أهل اليمن مع ذلك إلى بيت أبرهة عن البيت العتيق، بل ظلوا مؤمنين بأن هذا البيت القائم بمكة هو وحده الذي يقبل فيه التوبة إلى الله، وتُقبل فيه توبة التائب.

وكانت الأشهر التي تعارف عليها العرب قبل الإسلام على حج البيت فيها حرمًا، لا يحل فيها قتل ولا قتال، فإذا برز الناس للحج من أنحاء شبه الجزيرة، وتخطوا أعلام الحرم، لم يجُز لأحد أن يقتل أو يقاتل، ووجب على الجميع أن يلوذوا بأهداب السلام، وأن يقفوا من مناوآتهم ومناوشاتهم عند الفخر والتفاخر على نحو ما كان يقع بعكاظ وبغيرها من أسواق العرب، فإذا حدَّثت أحدًا نفسه بالجريمة في الأشهر الحُرم فهو آثم قلبه.

لذلك وجد النبي — عليه السلام — فرصة الدعوة إلى دين الله في هذه الأشهر الحُرم، حين قاطعته قريش وألزمته وأصحابه بمكة شعبًا من شعاب الجبل ثلاث سنوات متوالية، في هذه الفترة الدقيقة من حياة الدين الناشئ، كان الرسول يخرج إلى الناس في الأشهر الحرم، آمنًا عدوان خصومه عليه، وكان يعرض نفسه على القبائل يدعوها إلى دين الله، مطمئنًا إلى أنه في حمى بيت الله.

وكان المسلمون قبل الهجرة يعظمون البيت كما يعظمه غيرهم من سائر العرب. ومن يوم أسلم عمر بن الخطاب لم يرضَ عن استخفاء المسلمين وذهابهم إلى شعاب مكة، يقيمون الصلاة فيها بعيدين عن أذى قريش، بل دأب على نضال قريش حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه. فلما هاجر رسول الله والمسلمون معه إلى المدينة، بقي حنينهم إلى بيت الله بمكة يستحثهم إلى زيارته، وظل ذلك دأبهم حتى ذهبوا عام الحديبية لحج البيت. فلما صدتهم قريش ذلك العام ذهبوا العام الذي بعده، وفتح الله مكة بعد ذلك لدينه ولنبيه، فأصبح للمسلمين من الحرية في حج البيت ما لغيرهم، وظل ذلك شأنهم إلى أن كان العام الذي سبق وفاة الرسول، والذي حرم بعده على غير المسلمين أن يطوفوا بالبيت العتيق.

قبل الإسلام وبعده

وإنما اختلف أمر الكعبة في الإسلام عنه في الجاهلية بعد فتح مكة؛ لأنها كانت في الجاهلية موئل الأصنام، وكانت تُهدى إليها نفائس تُحفظ في داخلها، وكانت بعض الأصنام قطعًا من الفن، كان هُبَل مصنوعًا من العقيق على صورة الإنسان، فلما كُسِر ذراعه أبدله القرشيون منه ذراعًا من ذهب. وكانت بئر زمزم مطموسة ثلاثة قرون في الجاهلية، فأعاد عبد المطلب جد النبي حفرها، فأخرج منها غزالتين من الذهب كانتا مخبوءتين فيها. وكانت الملائكة مصورة على جدران الكعبة في صورة النساء، وكان لإبراهيم صورة يستقسم فيها بالأزلام. فلما فتح النبي مكة عفى على هذا كله، وطهر الكعبة من كل صنم وصورة، وأبقاها في بساطتها مثابةً للناس وأمنًا.

وللمسجد الحرام قدسية تتصل بقدسية الكعبة، وهو اليوم فسيح لبضعة آلاف من الأمتار، يتجاوز في صحته الرخام والحصباء، ويمتد النظر في كل ناحية منه حتى تفقه عمد بينها وبين جدرانه بضعة أمتار، وتقوم فوق العمد والجدران قباب تحمي من بالمسجد من الشمس والمطر، وهو لم يبلغ سعته هذه في عهد النبي ولا في عهد أبي بكر، ولم يزد عمر وعثمان في مطاف الكعبة إلا قليلًا، ولم يرفعا حوله بناءً كالذي نراه اليوم، وإنما أحيط المطاف في عهدهما بجدار قصير وكان غير مسقوف.

وفي المطاف كان المسلمون يقيمون الصلاة، فلما اتخذ الأمويون دمشق عاصمتهم، ورأوا عناية النصارى بكنائسهم وعمارتها وزينتها، رأوا أن يجعلوا للمسجد الحرام مثل هذه العناية. وكان عبد الملك بن مروان أول من أمر في سنة خمس وسبعين للهجرة، فرُفعت جدر المسجد وسُقف بخشب الساج الداكن المتين. وزاد الوليد بن عبد الملك في عمل أبيه، فوسَّع المسجد وزخرف السقف، وأزر أسفل جدرانه بالرخام، وجعل له شرفًا.

وجاء العباسيون فزادوا في رقعة المسجد إلى ضعف ما كان عليه، وزينوه بالذهب وأنواع النقوش، وكانت الكعبة في جانب من المسجد، فأمر المهدي أن تكون في وسطه، ونفذ المهندسون أمره مع الاحتياط للسيول حتى لا تطغى على البيت الحرام. وظل المسجد بعد ذلك موضع العناية من جانب الأمم الإسلامية في مختلف العصور إلى وقتنا الحاضر.

أماكن لها حرمة

الكعبة هي أول ما يأخذ بنظر من يدخل المسجد بطبيعة الحال، هي بيت الله الحرام، من دخله كان آمنًا، وهي قِبلة المسلمين في أقطار الأرض جميعًا، لكن بالمسجد فيما حول الكعبة أماكن لها عند المسلمين حرمة خاصة، هذه الأماكن هي: مقام إبراهيم، وحجر إسماعيل، وبئر زمزم. والتاريخ لا يحدثنا عن الصورة التي كان عليها مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل في الماضي، بل لعل بعض المؤرخين يجدون عسرًا في إثبات المكان الذي يقوم فيه المقام أو الحِجر حين كانت الكعبة قائمة ليس حولها إلا المطاف، على أن حرمة المقام والحجر والبئر ترجع إلى اعتبارات تاريخية وإلى نصوص في القرآن تُدنِي هذه الحرمة من القدسية، وإن لم تَدنُ بها من قدسية البيت الحرام.

وهذه الحرمة تدعو المسلمين للقيام في هذه الأماكن بالصلاة إجلالًا لها، ولا عجب أن يصنعوا، وقد ورد في القرآن عن مقام إبراهيم قوله تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى. أما حجر إسماعيل فيذكرون أنه كان يقع داخل رقعة الكعبة، كما أقام إبراهيم وإسماعيل قواعدها؛ ولذلك كان أجر الصلاة فيه كأجر الصلاة داخل بيت الله.

ومقام إبراهيم يقابل باب الكعبة ويقابل الحجر الأسود، وهو يقع في جوار باب أقيمت عمده وأقيم عقده من الرخام. ولما كانت الروايات لا تثبت للمصلين فيه أجرًا، كأجر المصلين في حجر إسماعيل، كان الذين يطيلون المقام عنده قليلين.

أما حجر إسماعيل فيتصل بالكعبة ويقع في الناحية المقابلة للجدار الممتد بين الركن اليماني والحجر الأسود، ويحيط به سور في نصف دائرة من الرخام يرتفع إلى ما دون قامة الرجل العادي، والمصلون فيه أيام الحج يزحم بعضهم بعضًا حتى لا يكاد الإنسان يجد به مكانًا إلا أن ينتظر حتى يخلي له غيره مكانه.

يقابل بئر زمزم حجر إسماعيل إلى الناحية الأخرى من بناء الكعبة، وقد أُقِيم فوق البئر حديثًا بناء يستره، أريد به منع مياهه من التلوث، وهذا البناء فخم يدخل الإنسان إليه إذا وجد الوسيلة إلى الدخول، فيراه فسيح الأركان، ويرى فيه الموكَلين بإخراج الماء من البئر ليشرب منه مَن يطلبون البركة. فأما الذين يتاح لهم دخول البناء والوصول إلى البئر، فيتوضَّئُون من ماء زمزم، ويتضاعف بذلك حظهم من البركة.

أبواب المسجد

وللمسجد الحرام فيما يقابل البئر والحجر والمقام أبواب عدة، لعل باب علي أكثرها جمالًا من الناحية الفنية، على أن باب الصفا هو الذي ينتقل منه الإنسان إلى شعيرة من شعائر الحج والعمرة بعد الطواف، فالطواف بالكعبة أول ما يجب على من يدخل مكة أن يقوم به، فإذا أتمه فعليه أن يسعى بين الصفا والمروة استجابة لقوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ.

والصفا والمروة كانتا ربوتين قائمتين في الفلاة تظلهما السماء ويمتد بينهما المسعى، فلما بنى الناس حول الكعبة اعتدوا على أجزاء من المسعى حتى لم يعد اليوم مستقيمًا، وحتى طغت الحوانيت والجدران والطرق القائمة حوله على بعض أجزائه.

هذه الأماكن التي أشرت إليها هي أماكن الحج الإسلامي المقدسة داخل مكة، وهي تتصل ببيت الله الحرام، وقدسيتها تفرض لها شعائر خاصة من العبادة تقررت أصولها منذ عهد النبي — عليه السلام — ثم نظمت تفاصيلها على الأجيال أدق نظام.

الأماكن المقدسة خارج مكة

أما أماكن الحج الإسلامي المقدسة خارج مكة، فأولها عرفات، وقدسية عرفات لا تتجلى إلا يومي الحج، وهما اليومان الثامن والتاسع من شهر ذي الحجة لكل عام. وعرفة أو عرفات جبل، يبعد عن مكة عشرين كيلومترًا أو نحوها، سطحه بطحاء فسيحة تتسع لعشرات الألوف من الناس، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة صعد الحجاج من مكة إلى عرفات زمرًا، فألفوا خيامهم ضُربت بها وأُعدت لقضاء الليل فيها، فإذا أصبح الصبح من يوم عرفة، رأيت هذا البطيح ممتدًا أمامك لا يكاد يحيط بحدوده نظرك، ورأيت الناس فيه جميعًا لبسوا لباس الإحرام فهم سواسية، ورأيتهم يتوجهون بقلوبهم وأفئدتهم إلى الله يلتمسون التوبة والمغفرة، فأنت تسمع استغفارهم منذ صلاة الفجر لذلك اليوم إلى أن يفيض الناس من عرفات بعد صلاة العشاء فوق الجبل. فإذا أفاض الناس من عرفات عاد خلاء كما كان لا يعمره إلا من يمرون به من البدو، ثم يبقى كذلك إلى أن يستدير العام وتعود أيام الحج في العام التالي.

ويفيض الناس من عرفات إلى المشعر الحرام بالمزدلفة، يأخذون منه الجمرات إلى مِنى. والمشعر الحرام مسجد قائم في عزلة الصحراء بين هذه الجبال القليلة الارتفاع، والتي تتصل من مكة إلى عرفات. وقل أن يرى أحد من الحجاج مسجد المشعر الحرام لأنهم يمرون به بعد الإفاضة ليلًا، ولا يقيمون عنده إلا سويعات تطول أو تقصر حسب ساعات الإفاضة، فمن أفاض بعد العشاء أتيح له أن يبقى زمنًا إلى ما بعد منتصف الليل، ومن أفاض من عرفات قبيل منتصف الليل لم يقف بالمشعر إلا ريثما يتم جمع الجمرات.

ويبلغ الحجاج مِنى قبيل الفجر، ثم يقضون ثلاثة أيام يرمون فيها الجمار ويصلون بمسجد الخيف، على أن الناس يهبطون من منى أول أيام عيد الأضحى ليطوفوا بالبيت، ومنهم المُحرِم ومنهم من حَل إحرامه، فإذا أتموا الطواف والسعي عادوا إلى منى فقضوا بها أيام عيد الأضحى، ثم رجعوا إلى مكة ينظمون سفرهم منها إلى المدينة أو عودتهم إلى بلادهم.

هذه هي الأماكن المقدسة التي تتصل بالحج عند المسلمين، وهذه الصورة السريعة التي عرضتها عليك تدلك على أن ما كان خارج مكة من هذه الأماكن لا تتجلى حرمته إلا في أيام الحج، فأما ما خلا ذلك من أيام السنة، فهو خلاء لا يشهده ولا يمر به إلا المقيمون حوله، أما بيت الله الحرام، وأما المسجد الحرام، فتظل شعائرهما متصلة طول العام، وعلى كل من دخل مكة أن يطوف بالبيت وأن يسعى بين الصفا والمروة.

والمكان المقدس عند المسلمين بعد بيت الله، هو القبر النبوي بالمدينة.

(٤) المسجد النبوي

قَلَّ من المسلمين من حج بيت الله الحرام بمكة، ولم يزُر الحجرة النبوية بالمدينة، وكثيرًا ما كان الناس في بعض الأزمان يكتفون بزيارة القبر النبوي في موسم رجب، وكان ذلك واضحًا بنوع خاص أيام كانت سكة الحديد الحجازية ممتدة بين الشام ومدينة الرسول. والحق أن قدسية المسجد النبوي والحجرة النبوية لا تقل في نظر الأكثرين عن قدسية المسجد والبيت الحرام بمكة، وإن لم يفرض الإسلام لمسجد المدينة شعائر خاصة به.

والمسجد النبوي بالمدينة يحتوي على الحجرة النبوية حيث دُفن رسول الله ، وحيث دُفن الخليفتان الأولان أبو بكر وعمر، ومن هنا ازدادت قدسيته وازداد إقبال الناس على زيارته. على أن لمسجد المدينة مكانة خاصة؛ لأن رسول الله هو الذي أقامه في صورته الأولى، فهو لذلك مسجد أقيم خالصًا للمسلمين.

فقد دخل رسول الله المدينة بعد هجرته من مكة، وليس له فيها مكان يقيم به، فلما بركت الناقة التي كان يمتطيها عند مربد يجفَّف فيه التمر لغلامين يتيمين من بني النجار، سأل — عليه السلام: «لمن المربد؟» وأجابه معاذ بن عفراء أنه لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان له وسيرضيهما، ورجا رسول الله أن يتخذه مسجدًا، وقبل النبي أن يبني في هذا المكان مسجده وأن يبني داره.

وأمر رسول الله، فقطع ما بالمربد من نخل وغرقه وسوى ما كان به من قبور الجاهلية، وجفف ما كان به من الماء، ثم بدأ البناءون يبنون المسجد والرسول معهم ينقل اللبن. وإذ كان البناء بسيطًا، جدره من اللبن وسقفه من الجريد وعمده من خشب النخل، فسرعان ما تم.

وبُنِيَ بيت رسول الله بجوار المسجد، وإلى أن تم بناؤه كان رسول الله يقيم بدار أبي أيوب الأنصاري.

وكانت مساحة المسجد، حين أتم النبي بناءه لأول مرة، لا تزيد على خمسة وثلاثين مترًا في ثلاثين، وكان بحجمه هذا كافيًا لصلاة المسلمين الأولين بالمدينة من المهاجرين والأنصار، فلما أجلى النبي اليهود عن المدينة وأجلاهم عن خيبر، وخلصت المدينة بذلك للمسلمين، لم يكن بد من أن يزيد النبي في رقعة المسجد، فجعله خمسين مترًا في خمسين، وكانت قبلة المسجد يومئذ من جذوع النخل، وقد بقيت متجهة إلى ناحية المسجد الأقصى حتى عدل بالقبلة إلى ناحية الكعبة.

ولم يتخذ رسول الله لنفسه منبرًا أول ما بُني المسجد، بل كان يخطب الناس مستندًا إلى جذع نخلة كانت عمادًا من عمد المسجد، فلما شعر أصحابه أن القيام شق عليه صنعوا له منبرًا من الخشب درجتين ومجلسًا.

توسيع المسجد

وانقضت خلافة أبي بكر والمسجد كما كان على عهد النبي، فلما اطردت زيادة المسلمين رأى عمر أن لا بد من الزيادة في المسجد، فزاد فيه خمسة أمتار من الناحية الجنوبية ونقل القبلة إليها، ونحو ذلك من الناحية الغربية، وخمسة عشر مترًا من الناحية الشمالية، ولم يزد شيئًا من الناحية الشرقية؛ إذ كانت بيوت أزواج رسول الله أمهات المؤمنين. ولم تكن زيادة عمر المسجد إلا زيادة في رقعته، أما فن البناء فبقي كما كان على عهد رسول الله؛ لأن العرب إلى ذلك العهد كانوا يقصدون بالعمارة سد الحاجة الماسة على أبسط صورة.

وازداد سكان المدينة بازدياد رقعة الفتح الإسلامي، فشكا الناس إلى عثمان ضيق المسجد يوم الجمعة، وشاور عثمان أهل الرأي من الصحابة، فأجمعوا على أن يُهدَم ويُزاد فيه. وهدم عثمان المسجد وزاد فيه بقدر زيادة عمر، ثم أحدث من التطور في عمارته أن بنى جدره بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة منقورة، أدخل فيها عمد الحديد، وصب فيها الرصاص ونقشها من خارجها، وجعل السقف من خشب الساج.

الوليد يعيد بناء المسجد

وبقي المسجد على بناء عثمان حتى استقر الأمر للوليد بن عبد الملك الأموي، ولم تبق للثائرين بالحجاز قوة. وقدم الوليد الحجاز حاجًّا وزار المدينة، فألفى أحفاد علي بن أبي طالب يلوذون ببيت فاطمة إلى جوار المسجد، ورأى في ذلك تحريضًا قد يعيد الثورة مشبوبة بالحجاز من جديد. هنالك قرر أن يزيد في المسجد، وأن يُدخل بيت فاطمة وبيوت النبي جميعًا فيه، لم يُثنِهِ عن ذلك جزع الناس وبكاؤهم لإزالة هذه الآثار التاريخية الباقية للنبي ولحياته في المدينة.

وكان للوليد في العمارة وزخرفها رأي غير رأي العرب، فقد قضى حياته بدمشق وبين الآثار المسيحية والرومية في الشام، وقد أقام والده عبد الملك بن مروان قبة الصخرة ببيت المقدس فبز بها الكثير من الكنائس البارعة، لذلك لم يلبث حين استقر رأيه على هدم مسجد النبي وإعادة بنائه، أن كتب إلى ملك الروم يستعينه بعمال وفسيفساء.

وهدم عمر بن عبد العزيز عامل الوليد على المدينة مسجد النبي، وأدخل فيه حجرات أزواج النبي وبينها حجرة عائشة، بذلك أصبح القبر النبوي داخل المسجد. وبالغ عمر في تجميل المسجد: زخرف المحراب والشرفات والمنابر زخرفًا لا عهد للعرب به، وعني بسقف المقصورة النبوية عناية جعلته بدعًا في الفن. وقد أعجب الوليد بن عبد الملك بما رأى من ذلك حتى لقد نظر إلى أَبَانَ بن عثمان يقول له: «أين بناؤنا من بنائكم؟!» لكن أَبَانَ أجابه: «إنَّا بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس.»

حريق المسجد

تمت هذه العمارة سنة تسعين للهجرة، وظل المسجد قائمًا بها إلى سنة ست وستين ومائة، حين جاء المهدي العباسي فأمر بزيادة المسجد، وزيد في ناحيته الشمالية زيادة كبيرة اتخذت لها عمارة الوليد طرازًا. واستقرت رقعة المسجد على زيارة المهدي إلى سنة ٦٥٤ للهجرة، إذ تُرك موقد المصابيح مشعلًا في مخازن المسجد، امتدت النار منه إلى ما حوله، وسرت إلى المسجد فلم تُبقِ على خشبة واحدة، أكلت النار المنبر النبوي والأبواب والخزائن والنوافذ والمقاصير وما اشتملت عليه من كتب، وامتدت إلى كسوة الحجرة، ووقع السقف الذي كان بأعلى الحجرة على سقف بيت النبي، فوقعا جميعًا في الحجرة وعلى القبور التي بها.

كانت بلاد الدولة الإسلامية حين ذلك في قلق واضطراب؛ لذلك اكتفت كلٌّ منها بأن بعثت من مواد العمارة إلى المدينة ما أرضى عقيدتها. وقام أهل المدينة بما يستطيعون من عمارة المسجد، لكن أحداث الاضطراب في رقعة المملكة كانت تقف العمل وتجعله إذا سار يسير في غير خطة مرسومة. فلما تولى الظاهر بيبرس أمر مصر، بعد ست سنوات من الحريق، جهز الصناع وكل ما يحتاج إليه البناء وبعث بذلك كله إلى المدينة، وسار العمل في البناء حتى تم، وقام المسجد كما كان قبل الحريق.

لم يطرأ على عمارة المسجد بعد ذلك، إلى سنة ست وثمانين وثمانمائة، تغيير جوهري، وكل ما حدث أن جدد سقفه أو زيد فيه طمعًا من بعض أمراء البلاد الإسلامية، وأمراء مصر بنوع خاص، في المثوبة. أما في سنة ست وثمانين وثمانمائة، فقد انقضت صاعقة على مئذنة المسجد الرئيسية، فانتقلت النار من المئذنة إلى سقف المسجد، ثم إلى البناء كله، حتى احترقت المقصورة والمنبر والكتب والمصاحف، ولم يسلم من الحريق إلا الحجرة وقبة مبنية بصحن المسجد.

قايتباي يعيد المسجد

كان التطور الذي حدث في عمارة المسجد، بعد انقضاض الصاعقة عليه، أكثر وضوحًا. لقد رأيت كيف انتقل من بساطته الأولى إلى هذه العمارة الفنية البديعة التي ابتغى بها الملوك والأمراء مثوبة الله. أما بعد حريق الصاعقة فقد وجد أمير مصر الملك الأشرف قايتباي من أعادوا بناء المسجد على صورة بلغت غاية التأنق، واقتضت من النفقة ستين ألفًا ذهبًا من الجنيهات.

كانت مصر هي التي تقوم بعمارة المسجد النبوي — أو بالحظ الأكبر منها في تلك العهود — فلما آلت الخلافة لآل عثمان بالأستانة، وجه سلاطين آل عثمان إلى المسجد عناية فائقة، ففي القرن العاشر الهجري عمره السلطان سليم الثاني وشيد به محرابًا جميلًا لا يزال قائما إلى اليوم غرب المنبر النبوي. وفي القرن الثالث عشر بنى السلطان محمود القبة الخضراء.

وفي عهد السلطان عبد الحميد، في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، لوحظ أن المسجد بحاجة إلى العمارة بعد أن انقضى على عمارته أربعة قرون لم تحدث به أثناءها عمارة هامة. وقد كان المهندسون يهدمون جزءًا من المسجد ويقيمون مكانه ما يحل محله، ثم يهدمون بعده جزءًا غيره، حتى تمت عمارة المسجد كله فيما بين سنة ١٢٦٥، وسنة ١٢٧٧ وقد زيد في الجدار الشمالي ما كفى لبناء مخازن ومكاتب وأحواض للوضوء. وشُيدت المئذنة المجيدية على طراز بالغ غاية الروعة والإبداع، وبلغت نفقات هذه العمارة ثلاثة أرباع المليون من الجنيهات المجيدية.

خطوط رائعة

وقد سجلت هذه العمارة من آثار الفن الإسلامي في بناء المسجد ما لا يزال حتى اليوم بهجة الأنظار، كتبت على جدران المسجد سورة الفتح، وأسماء الله الحسنى، وقصيدة البردية، وأسماء النبي — عليه السلام — بخط بالغ غاية الروعة والدقة الفنية. والخط العربي هو الذي حل محل التصوير والنقش، بعد أن حارب الإسلام التماثيل والصور. وقد قضى الخطاط العظيم عبد الله بك زهدي عشر سنوات في كتابة ما كُتب على جدران المسجد من هذه الآيات الرائعة في عالم الفن.

هذه العمارة هي القائمة إلى اليوم، لم تزد عليها إلا بعض ترميمات في محاريبه وفي أرضه وفي عمده.

الروضة النبوية

على أن ما أشرت إليه من أمر المسجد لم يتناول القسمين الهامين فيه، أقصد القبر النبوي والروضة النبوية، والروضة هي الجزء الواقع من المسجد بين قبر رسول الله ومنبره، وذلك لما روي عنه — عليه السلام — أنه قال: «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة.» والروضة تمتد اليوم إلى ما بعد منبر النبي ويطلق اسمها على كل القسم الذي به عمد مسجد النبي. وقد نُقشت عمد الروضة بالأزهار، وقام على جانب منبر النبي محرابان آية في الدقة والجمال، وفُرشت أرض الروضة بأثمن السجاجيد.

وتعتبر الروضة النبوية من أكثر الأماكن الإسلامية تقديسًا، فكل من أَمَّ المسجد بدأ بزيارة القبر النبوي، ثم ذهب إلى الروضة يصلي فيها تحية المسجد، ويبقى إلى الفرض الذي يلي حضوره، وقد يبقى بها إلى أكثر من فرض، وهو يجد فيها المصاحف ودلائل الخيرات موضوعة على كراسيها، يقرأ فيها من شاء تبركًا ومثوبة.

فأما القبر النبوي والحجرة النبوية، فموضع الإجلال والتقديس، يؤمهما الزائر لأول ما يدخل المدينة، كما يؤم الكعبة لأول ما يدخل مكة، ويتلو عندهما من الدعوات ما شاء الله أن يتلو، ويصلي في الروضة على مقربة منهما ما شاء الله أن يصلي. وجمال الحجرة والقبر في داخلهما يأخذ بالنظر، لكنهما يثيران في النفس من العبرة ما يزيدها للنبي العربي إجلالًا وتقديسًا.

لقد كانت هذه الحجرة آية في البساطة يوم دُفن فيها رسول الله، كانت قبرًا سُوِّيَ على صاحبه عليه السلام، وظلت حجرة القبر على بساطتها إلى أن أمر الوليد بن عبد الملك بضمها، وضم بيوت أمهات المؤمنين إلى المسجد، عند ذلك أقام عمر بن عبد العزيز الحجرة فخمة لا تمت إلى بساطتها الأولى بأية صلة. ولقد أنكر أولو الورع من المسلمين ما حدث من ذلك، وعدوه بدعة، ورأوا فيه خروجًا على الأسوة الحسنة.

لكن ذلك لم يغير شيئًا من اتجاه المسلمين بعد إلى الناحية التي اتجه إليها الوليد بن عبد الملك، فقد تجدد بناء الحجرة بعد ذلك غير مرة، وفي كل مرة كانت عمارتها تزداد فخامة عن المرة التي سبقتها، ثم إن الحجرة كُسيت كسوة مطرزة أجمل طراز، ثم جُعلت الهدايا تُهدى إليها، وفي مقدمتها قناديل الذهب والفضة، وقد بلغ وزن قناديل الذهب في وقت من الأوقات تسعة قناطير. كذلك أهديت للحجرة هدايا من الأحجار النفيسة، كان بينها حجر من الماس أُطلق عليه اسم الكوكب الدري، قُدرت قيمته بثمانمائة ألف جنيه ذهبًا، وعلق تحت هذا الكوكب الدري كف من الذهب مرصع بالجوهر في وسطه حجر من الماس أصغر من الكوكب الدري، هذا إلى نفائس كثيرة لا تُقدر بثمن.

لم يبقَ لهذه النفائس اليوم أثر بالحجرة، لأن تقلب الأحوال والنظم السياسية على الحجاز في هذا القرن العشرين أدى إلى نقلها إلى حيث توجد اليوم.

القبر النبوي، والروضة، والمسجد النبوي، هذه هي المجموعة المقدسة التي تلي في نظر المسلمين الكعبة بيت الله الحرام. وهي لا ريب مجموعة لا نظير لها بين الآثار الإسلامية في قيمتها التاريخية وفي قيمتها الفنية.

(٥) المسجد الأقصى

تناولت الفصول السابقة إلمامات سريعة عن الأماكن المقدسة بالحجاز، وننتقل الآن إلى فلسطين، لنتحدث عن أماكنها المقدسة، وأولها المسجد الأقصى.

والمسجد الأقصى من الأماكن المقدسة عند المسلمين، لكنه يرجع في تاريخه إلى عهد قديم سبق الإسلام والمسيحية واليهودية جميعًا، وهو في سبقه الأديان الثلاثة، يشبه الكعبة وإن لم يكن له قِدمها. والمسجد الأقصى يقوم على الصخرة التي كان يقوم عليها هيكل سليمان، وقد رُوي عن رسول الله أنه قال: «إن الله أوحى إلى داود، أن ابنِ لي بيتًا أذكر فيه.» فخط داود خطة بيت المقدس، فإذا تربيعها بدار رجل من بني إسرائيل، فسأله داود أن يبيعه إياها فأبى، فحدث داود نفسه أن يأخذها، فأوحى إليه الله أن يا داود أمرتك أن تبني لي بيتًا أذكر فيه، فأردت أن تدخل في بيتي الغصب، وليس من شأني الغصب، وإن عقوبتك ألا تبنيه. قال: يا رب فمن؟ ولدي؟ قال: ولدك. وبناه سليمان بن داود.

وتذهب بعض الروايات إلى أن داود أقام بيتًا صغيرًا للعبادة، وأن سليمان هو الذي أقام الهيكل من بعده. وفي رواية أخرى، أن البيت الذي أقيم على الصخرة المقدسة يرجع في تاريخه إلى ما قبل داود، ولعله نُسب إلى الملائكة أو إلى آدم كما نُسب بناء الكعبة.

وبنى سليمان الهيكل على الصخرة المقدسة التي اختارها أبوه بوحي من ربه، بناه فخمًا على طراز هياكل المصريين القدماء، فجعل له بابًا رفيع العمد، وجعل له من وراء الباب بهوًا فسيحًا تقوم فيه العمد، ثم جعل من وراء البهو قدسًا للأقداس. وكما اتخذ طراز المصريين في نظام البناء اتخذ طرازهم في جلاله وفخامته وعظمته. ولم يكن عجبًا أن يبني سليمان على الطراز المصري الفرعوني، وكثيرًا ما كانت مصر تغير على فلسطين وتخضعها لحكمها، هذا إلى أن البلاد المشاطئة للجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط — مصر وفلسطين وفينيقيا واليونان — كانت دائمة الاتصال في شئونها التجارية والفنية والثقافية.

احتراق الهيكل

كانت مصر حاكمة فلسطين قبل داود وسليمان، وقد استقلت فلسطين عن مصر في عهدهما، ثم عادت بعد وفاة سليمان إلى مصر في عهد الفرعون شيشاك، وحكمت فارس فلسطين بعد ذلك، فاحترق بيت المقدس واحترق الهيكل أثناء حكمها، ثم أقام حاكم الإقليم بيت المقدس بأمر كسرى، ثم أقام الهيكل من غير أن يجعله في مثل جلاله وعظمته يوم أتم سليمان تشييده.

كان حريق الهيكل في سنة ٥٨٦ قبل الميلاد، وقد أعيد بناؤه في سنة ٥٢٠ قبل الميلاد. وأهديت إليه حاملات الشمع والمباخر المصنوعة من الذهب، فعوضته بعض الشيء عما أصابه بعد بانيه الأول.

استقر اليهود بفلسطين من بعد موسى، واتخذوا من هيكل سليمان معبدهم والمكان المقدس لشعائرهم، وإذ كانت فلسطين معرضة لغزو مصر وغزو الروم، فقد حصنوه أكمل تحصين، وقووا عمارته وأكثروا من النفائس المهداة له، بذلك أصبح قلعة ومعبدًا في آن واحد، وقد حاصر الإمبراطور الروماني بومبي بيت المقدس في سنة ٦٣ قبل الميلاد فصمدت له، وكان حصن الهيكل المقدس من الحصون المنيعة التي قاومته، صحيح أنه انتهى إلى إخضاعها، لكن مقاومتها كانت ذات خطر حين الحصار من ناحية، ومهدت للثورة بالحكم الروماني بعد ذلك بقليل من ناحية أخرى.

هيرودس الفلسطيني

على الرغم من هذه الثورة تمكن هيرودس الفلسطيني من أن يكون عامل روما على فلسطين، وأن يخضعها لحكم الإمبراطورية. وقد استطاع بمهارته أن يحمل اليهود من رعاياه على إقراره على هدم الهيكل وإعادة بنائه. وقد هدمه وأعاد بناءه على صورة من الفخامة، ضاعفت مساحة بعض الأجزاء فيه، ورفعت البعض إلى ضعف ارتفاعها السابق وخلعت عليه بهاء أعاد له بهاءه حين بناه سليمان إن لم يزد عليه، كما جعل به من النفائس أكثر مما كان فيه من قبل.

ظل هيكل سليمان المكان المقدس لليهود بفلسطين إلى أن استقرت المسيحية بها وحاربت اليهودية فيها، وقد جنى ذلك على الهيكل حتى كاد يصبح أطلالًا. فلما غزا العرب سوريا ومصر، أحالوا الهيكل مسجدًا، هو المسجد الأقصى، على أن اسم المسجد الأقصى قد أطلق عليه في الإسلام، قبل غزو العرب بلاد الشام، وقبل دخولهم فلسطين، أطلق عليه في القرآن لمناسبة حديث الإسراء في قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ. والمسجد الحرام هو مكة، والمسجد الأقصى هو الهيكل ببيت المقدس، وورود هذه التسمية في القرآن تشهد بأن لفظ المسجد كان مستعملًا عند العرب لكل مكان للسجود والعبادة، وأنه لم يكن مقصورًا — كما هو اليوم — على أماكن العبادة الإسلامية.

فالمسجد الحرام لم يكن يزيد — يوم نزلت هذه الآية — على الكعبة ومطافها. وهذا المسجد لم يكن يومئذ إسلاميًّا كما هو اليوم، بل كان للعرب جميعًا على اختلاف نحلهم، وكانت أصنام العرب قائمة فيه، والمسجد الأقصى لم يكن قد اتصل بالإسلام والمسلمين في شيء إلا في حديث الإسراء.

الإسراء والمسجد الأقصى

والإسراء هو الذي جعل المسلمين يتطلعون، بعد أن فتحوا الشام ووضعوا أيديهم على بيت المقدس، إلى المسجد الأقصى لجعله من أماكنهم المقدسة، فأكثر الروايات التي وردت عن الإسراء تذهب إلى أن رسول الله قيد البراق بالصخرة المقدسة حين بلغ به الإسراء إلى بيت المقدس، وأنه صلى على أطلال هيكل سليمان إمامًا لإبراهيم وموسى وعيسى، وأنه عرج إلى السماء بعد ذلك متخذًا من صخرة يعقوب مرتكزًا للمعراج. فلما بلغ سدرة المنتهى، وأتم الله آيته، عاد رسوله إلى بيت المقدس فامتطى البراق كرة أخرى إلى مكة.

لا جرم، وذلك شأن المسجد الأقصى، أن يتطلع المسلمون إليه على أنه من أماكنهم المقدسة، فإذا أضفت إلى ذلك أن المسجد الأقصى كان قبلة المسلمين يتوجهون إليه في صلواتهم منذ بعث رسول الله، وطيلة مقامه بمكة، وفي السنتين الأولى والثانية بعد هجرته إلى المدينة، إلى أن حولت قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام، إذا أضفت هذا الاعتبار إلى الإسراء لم يكن عجبًا أن ترى المسلمين يتخذونه مكانًا مقدسًا لهم، ويقيمون فيه حرمًا كالحرم المكي وكالحرم المدني، وأن يكون له عندهم من القداسة ما لا يزال يقتضيهم عناية به كعنايتهم بالبيت الحرام والمسجد النبوي من حيث العمارة والصيانة والرعاية.

الاهتمام بالمسجد

على أن المسلمين لم يعيروا المسجد الأقصى عنايتهم في عهدهم الأول، وما كان لهم أن يفعلوا، وهم لم يفتحوا بيت المقدس إلا في عهد عمر بن الخطاب. وما كان عمر ليفكر في عمارة المسجد الأقصى، أو في إقامة القبة على الصخرة المقدسة في أعقاب الفتح، بينما المسلمون في شغل بمحاربة الروم وفارس، بل لقد كان تفكير عمر متجهًا حين فتح بيت المقدس إلى إقناع أهلها حتى يستريحوا إلى حكم المسلمين، ويرونه خيرًا من حكم الروم.

لما تغلب عمرو بن العاص على القائد الروماني أرطبون في فلسطين، وكان على أبواب بيت المقدس، أعلن بطركها صفرنيوس أنه يريد التسليم والصلح على شريطة أن يجيء الخليفة عمر بنفسه إلى المدينة المقدسة، وسار عمر من المدينة إلى ميدان الحرب لعقد هذا الصلح وإبرام شروطه وفتحت بيت المقدس أبوابها أمامه بعد توقيع الصلح. وصحب صفرنيوس عمر يومًا خلال المدينة يريه آثارها ومواضع الحج فيها، وإذ أدرك عمر موعد الصلاة، وهو بكنيسة القيامة، طلب البطرك إليه أن يصلي بها، فهي من مساجد الله، لكن عمر اعتذر بأنه إن يفعل اتبعه المسلمون، واعتبروا عمله سنة مستحبة، فأدى ذلك إلى إخراج المسيحيين من كنيستهم، ثم صلى في مكان قريب من الصخرة المقدسة على أطلال الهيكل. وفي هذا المكان أقيم من بعد مسجد عمر، وهو الذي أطلق عليه اسم المسجد الأقصى، أقامه عمر من ساذج البناء، كمسجد النبي بالمدينة يوم أقيم.

وظلت الدولة الإسلامية من بعد في شغل بحروبها طيلة عهد عمر وعثمان، ثم شُغلت بالخلاف ما بين علي ومعاوية، لذلك لم يفكر أحد في عمارة مسجد عمر ببيت المقدس عمارة تضارع بيوت العبادة في بلاد الشام، وظل الحال على ذلك إلى أن تولى عبد الملك بن مروان الأموي الحكم.

كانت الثورة على الأمويين ما تزال مشبوبة في الحجاز، وعلى رأسها عبد الله بن الزبير بمكة، وكان هؤلاء الثائرون موضع عطف الكثيرين من العرب والمسلمين لأنهم كانوا ينتمون إلى أهل بيت رسول الله، ثم إنهم كانوا سدنة البيت الحرام بمكة والقائمين على شئون مسجد النبي — عليه السلام — بالمدينة، فكان حج المسلمين واختلاطهم بهم يزيدهم عطفًا عليهم.

قبة الصخرة

وقد أشرنا إلى أن عبد الملك بن مروان كان قد شغف بالعمارة البيزنطية لمقامه بدمشق بين كنائس النصارى وآثارهم، وإنه لذلك كان أول من قام بعمارة البيت الحرام بمكة على نحو زاوج بين البساطة وما يطمئن له فن العمارة. وإعادته بناء البيت الحرام لم يكن أول عمل له في العمارة، فقد قام قبل ذلك بتشييد مساجد بالشام فيها جمال فني يأخذ بالقلوب والأبصار، على أن أروع آياته في البناء وأشدها أخذًا بالنظر كان في عمارة قبة الصخرة وبناء المسجد الأقصى، فقد شاد القبة على نحو بز ما قام به من بعد في عمارة البيت الحرام، بل لعله قد بز ما بناه من المساجد والعمائر.

وقد دهش الناس لفائق عنايته ببناء قبة الصخرة، وترامت أنباء ذلك إلى مختلف الأمصار الإسلامية، وتساءل كثيرون: ما قصده من هذه المبالغة في عمارة القبة؟ وزاد في تساؤلهم أن عبد الملك حظر الحج على المصريين وأهل الشام بحجة الثورة القائمة بالحجاز. عند ذلك أذاع عبد الله بن الزبير في الناس أن عبد الملك قصد من بناء القبة والمسجد الأقصى إلى صرف الناس عن حج البيت الحرام والمسجد الحرام إلى حج المسجد الأقصى والصخرة المقدسة متأسيًا في ذلك بأبرهة حين بنى بيت صنعاء ليصرف الناس عن بيت مكة. ويتعذر القطع بصحة ما أذاعه ابن الزبير من هذه الدعاية، وبخاصة لأن ابن الزبير مات بعد ذلك بقليل، وعلى أثر موته استولى عبد الملك على مكة، وقام بعمارة المسجد الحرام على نحو أرضى به ذوقه الفني، كما أنسى المسلمين تلك الدعاية التي أذاعها ثائر الحجاز ضده.

وأرصد عبد الملك لبناء القبة مالًا كثيرًا، قيل إنه خراج مصر سبع سنين، وجمع الصُّناع من الفينيقيين، واستعان بصناعة بيزنطية. وبعد أن وُضِعَ تصميم لبناء القبة رضي عبد الملك عنه، تولى رجاله تنفيذ ذلك التصميم وأتموه على خير وجه. ومع ذلك، بقي من المال الذي خُصص لهذا الغرض مائة ألف دينار، أُنفقت في عهد الوليد بن عبد الملك لإتمام بناء المسجد الأقصى، ولتقوية أجزاء وهت منه.

ولم تكن عناية عبد الملك بعمارة المسجد الأقصى دون عنايته بعمارة قبة الصخرة، فقد جلب له عمد الرخام، أقام عليها خمس عشرة قبة وسقفه بالخشب الجميل المتين، وجمل به أربعة منابر وأربعة وعشرين صهريجًا، وجعل له أبوابًا كثيرة وعلق فيه قناديل، بالغ الرواة في عددها حتى بلغ به بعضهم خمسة آلاف، ورتب له ثلاثمائة خادم.

ظل المسجد، وظلت القبة بعد ذلك، أربعة قرون في يد المسلمين محاطة من آي الإجلال والإعظام بما أحيط به البيت الحرام والمسجد الحرام، حتى لم يكن يباح لغير مسلم أن يطأ أرضهما. فلما كانت أواخر القرن الخامس الهجري دخل الصليبيون الشام وتقدموا إلى فلسطين ووضعوا يدهم على بيت المقدس في سنة ٤٩٢ هجرية. وقد أقاموا ببيت المقدس قرابة قرن كامل، حتى أجلاهم صلاح الدين الأيوبي عنه في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، بذلك عادت إلى المسجد وإلى القبة قدسيتهما الأولى، وعاد حرامًا على غير مسلم أن يدخلهما أو يطأ أرضهما.

على أن الحروب الصليبية ظلت متداولة بعد ذلك بين المسيحيين من أهل أوروبا والمسلمين القائمين حول البحر الأبيض المتوسط. وقد استولى الصليبيون أثناءها على القدس غير مرة ثم أُجلوا عنها، واضطربت شئون المملكة الإسلامية بعد ذلك بسبب تعدد الدول واقتتال الملوك والأمراء إلى أن آل الأمر إلى آل عثمان. ولم يغير ما حل بالمملكة الإسلامية من الاضطراب من حرمة بيت المقدس على المسلمين، ومن حرمة المسجد والقبة بنوع خاص. فلم يبح لغير المسلم أن يدخلهما أو يطأ أرضهما إلا بعد حرب القرم في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ولم يبح ذلك إلا بمقدار، وفي حدود ضيقة.

ولا يزال المسجد الأقصى، ولا تزال القبة، ولهما من القداسة عند المسلمين ما كان لهما من قبل، على رغم تبدل الأحوال السياسية، وقدسيتهما هي التي تجعل الأمم الإسلامية، وتجعل ملوك المسلمين يحرصون على عمارتهما الحين بعد الحين، وكيف لا يذكر المسلمون المسجد الأقصى وهم يذكرون قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، إنهم سيذكرونه ويذكرون ما حوله مما بارك الله، وسيبقى هذا المسجد لذلك حرمًا مقدسًا ما بقي الإسلام وما بقي المسلمون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤