أخبار في ساعة متأخرة

صمت «تختخ» لحظات ثم قال: لقد كان عندنا الشاويش «علي» منذ دقائق وتحدَّثنا معه على السرقة، وقال إن أحد الشهود قد شاهد شبحًا تحت سيارة النقل التي كانت ضمن السيارات التي سُرِقت مؤخرًا.

المفتش: ليس بين أوراق البحث والتحريات والاستجوابات التي عندي أي شيء عن هذا الموضوع.

تختخ: ربما لم يهتمَّ ضابط مكافحة سرقة السيارات بهذه الحكاية.

المفتش: معهم كل الحق … إنك بالطبع لا تؤمن بالأشباح.

تختخ: طبعًا لا أومن بها … ولكنْ هناك أشباحٌ إنسانية … أقصد بعض الأشخاص يتنكَّرون في شكل الشبح.

المفتش: وهل هناك مواصفات للشبح؟

تختخ: ليسَت مواصفاتٍ ثابتة بالطبع، ولكن كلمة شبح تُثير في الذهن فكرة رجلٍ يلبس السواد.

المفتش: إذن عليكم البحث عن رجل يلبس السواد، أو شبحٍ كما تقول.

قال «تختخ» ضاحكًا: إنني لا أتصوَّره رجلًا واحدًا … أو شبحًا واحدًا. إنهم مجموعة من الأشباح.

المفتش: إذا صَحَّتْ نظريتك، فستكون أولَ مَن يقبض على عصابة من الأشباح.

تختخ: أرجو أن نَحصُل على معلومات جديدة.

المفتش: إذا جَدَّ جديد … فسوف أتَّصل بكم.

أخذ «تختخ» يتأمَّل الورقة التي كتبها، ثم قرأها على بقية المغامرين، وبعد أن استمعوا بانتباه مرَّت فترة صمت، وقال «محب»: إذن … فسوف تتمُّ إحدى السَّرقات بواسطة سيارة عمي!

عاطف: نعم … لُقطة!

لم يَضحكْ أحد … فقد كانوا جميعًا مشغولين بالتفكير في السرقة القادِمة متى تحدُث؟ وأين تحدث … ومتى يتمُّ العثور على السيارة؟

قالت «لوزة»: إنَّني مُتضايقةٌ … من بقائنا هنا … يجب أن نتصرَّف فورًا.

نوسة: هيَّا نقُم بجولة بالدراجات.

وافق الجميع، وقفزوا إلى دراجاتهم … وانطلقوا إلى طريق الكورنيش … كان ذهن «تختخ» مشغولًا بفكرة الشبح التي لم تَلفت انتباه رجال الشرطة … ولكن كيف العثور على الشبح والأشباح.

وأخذ يتصوَّر أنه يُريد أن يتحوَّل إلى شبحٍ … فماذا يفعل؟ يرتدي ملابس سوداء … أولًا … وحذاءً أسود من المطاط الخفيف؛ لأنَّ الأشباح خفيفة الخَطْوِ طبعًا … ثم تبقى مسألة الوجه واليدين … مسألة اليدين سهلةٌ، يحلُّها قفازٌ أسود … أمَّا الوجه فعليه ارتداء قناع أسود، أو يُصبَغ بدهانٍ أسود … القناع أفضل؛ لأنَّ من السهل خلعه … أما الدهان فقد يَقتضي وقتًا وجهدًا …

هكذا أخذ «تختخ» يفكر … ووصلوا إلى الكورنيش … وقرَّروا أن يستريحُوا قليلًا، وبجوار عربة صغيرة من عربات الترمس جلسُوا … واشترى «تختخ» كالعادة كمِّية من الترمس … ووزع على المُغامرين جزءًا منها … واحتفظ لنفسه بالجزء بالأكبر … وأخذ يَلتهمُه دون أن يستمع إلى كلمة واحدة من أحاديثهم … كان ذهنُه مشغولًا بفكرة الأشباح … وفمُه مشغولًا بالترمس.

وانتهى من أكل الترمس، ولم يَعُد عندهم ما يفعلونه … فقرَّروا العودة إلى منازلهم على أن يتَّصلوا تليفونيًّا، إذا جَدَّ جديدٌ.

عاد «تختخ» إلى منزله … دخل غرفته … وتمدَّد على فراشه، وأخذ يُفكِّر … هل عندهم لغزٌ حقيقي؟ أو هي مجرَّد سرقةٍ عادية تتم كل يوم؟ وهل موضوع الأشباح يستحقُّ البحث والدراسة والتحري أو هو مجرَّد وهْم، أو خداع بصرٍ حدث للشاهد الوحيد في هذه السلسلة من السرقات … ولم يُمضِ وقتًا طويلًا في التفكير، فقد دعَوه للعشاء … ووجد ضيفًا تذَكَّره على الفور … فقد كان صديقًا قديمًا لوالده يعمل في الخارج. وصافَحَه بحرارة وقال الرجل: كيف حالك يا «توفيق»؟! أما زلْتَ مشغولًا بالألغاز والمغامرات؟

أجاب «تختخ»: نعم!

وقالت والدته: يبدو أنه لا يشترك في ألغاز هذه الأيام؛ فهو يبدو كسولًا!

تختخ: هناك لغزٌ … ولكن المشكلة أنه يخرج عن حدود الألغاز العادية التي نشترك فيها … فليس عندنا أدلةٌ … سوى شبحٍ يُقال إنه ظهر في مكان الحادث.

ضحك الثلاثة وقال الضيف: إذن فهذا لغزٌ خطيرٌ … فالأشباح لا تظهر إلا في الحوادث الغامضة جدًّا.

تختخ: وهل تؤمن بالأشباح يا عم «حسن»؟

حسن: لا طبعًا … فلم يَثبُت علميًّا حتى الآن وجود هذه الكائنات.

قال والد «تختخ»: إنَّ الأستاذ «حسن» باعتباره مهندسًا لا يَقبل مثل هذا الكلام ولا يعتقد فيه.

تختخ: أذكر أنَّ سيادتك مهندس سيارات!

حسن: نعم … وأنا أعمل الآن في شركة «رينو» الفرنسية.

تختخ: ولكن هل لك خبرة بمُختلف أنواع السيارات؟

حسن: طبعًا … إن جميع السيارات تتشابه في المحرِّك من حيث هو مجموعة من الآلات تحول طاقة البنزين أو السولار إلى حركة.

تختخ: وكيف تَختلِف سيارة عن سيارة أُخرى؟

حسن: في طاقة المحرك وقوته من الناحية الميكانيكية، وفي شكل السيارة من الناحية الخارجية.

تختخ: ومن ناحية الأمان؟

حسن: إن جميع السيارات تُصَمَّم بحيث تُوفِّر أكبر قدر من الأمان.

تختخ: أقصد تأمينها ضد السرقة!

ضحك المهندس «حسن» وقال: وأيضًا ضد السرقة … وبرغم هذا تحدُث سرقات في جميع أنحاء العالم!

تختخ: وهل هناك سياراتٌ سهلة السرقة … وسيارات من الصعب سرقتها؟

حسن: نعم … طبعًا من المعروف أنه من الصعب سرقة سيارة «مرسيدس» أمريكية الصنع، فهذه السيارة لا يُمكن إدارتها إلا بمفتاحها الخاص.

دقَّ قلب «تختخ» بعنفٍ، وقال: سيارة «بويك» مثلًا.

حسن: لا بد من مفتاحها الخاص.

تختخ: ألا يُمكن إدارتها بطريقة أخرى؟

حسن: مطلقًا … لا بد من المفتاح الأصلي … أو مفتاح مُقَلَّد من المفتاح الأصلي ولا يمكن غير هذا.

أحسَّ «تختخ» أنه عثر على شيء هام … فما دامت سيارة الأستاذ «إسماعيل» من طراز «بويك» ومن الصعب سرقتها إلا بمفتاحها الأصلي أو بمِفتاح مُقَلَّد. فمعنى ذلك أن ثمة شخصًا أخذ المفتاح من المهندس «إسماعيل» في غفلةٍ منه، وقام بتقليده … ولكن كيف ذلك؟

انتهى «تختخ» من طعام العشاء، وترك والده ووالدته، وأسرع إلى التليفون؛ ليتصل بالأستاذ «إسماعيل» … كانت في رأسه أسئلةٌ محددة … ولكن لسوء الحظ لم يجد الأستاذ «إسماعيل» في منزله … وكانت الساعة قد بلغت العاشرة. ولم يجد فائدةً في الاتصال بالمغامرين في هذا الوقت … وقرر أن يخرج؛ ليتمشَّى. وركب درَّاجته وأخذ «زنجر» خلفه، وسار إلى الكورنيش …

كانت حركة المرور ما زالت مزدحمة … فاختار أن يجلس على الكورنيش يتأمَّل الحياة حوله … ويفكر في مسألة سرقة السيارة. وحكاية الشبح، ولم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى شاهد الشاويش «علي» يسرع بدراجته في اتجاه حلوان … وبدون تفكير قفز هو الآخر إلى دراجته وسار خلف الشاويش … ومضت مدةٌ والشاويش ما زال يسير … وقرَّر «تختخ» أن يلحق به … فقد يكون ذاهبًا في مشكلةٍ عاديةٍ لا علاقة لها بالسيارة المسروقة … بعد لحظاتٍ لحق بالشاويش وناداه … والتفت إليه الشاويش مدهوشًا … ثم ركن بجوار الرصيف وسأله بحِدَّة: كيف عرفت؟

تختخ: عرفت ماذا؟

الشاويش: لا تكن ماكرًا، وتتظاهر بالسذاجة كعادتك!

تختخ: صدقني يا شاويش … إنني لا أعرف عن أي شيءٍ تتحدث!

الشاويش: إذن لماذا أتيت خلفي؟

تختخ: كنتُ أجلس على الكورنيش … ولم يكن عندي شيء أفعله، فرأيتك تسرع بدراجتك، فظننت أن هناك أخبارًا جديدة. سكت الشاويش لحظة كأنه يُحاول تصديق ما يُقال … ثم عبث بشاربه كعادته وقال: هناك أخبارٌ جديدة … ولكن لستُ متأكدًا بعد.

تختخ: بخصوص السيارة؟

الشاويش: نعم … لقد أبلغ أحد المرشدين الذين نتعامل معهم أنه شاهد سيارةً تنطبق عليها أوصاف سيارة الأستاذ «إسماعيل» تقف عند حافة المزارع قرب كوبري حلوان … وهي مهجورةٌ … لقد اتصل تليفونيًّا فاتصلت بالجهات المسئولة … وقررتُ أن أسبقهم إلى هناك.

تختخ: هل يمكن أن آتي معك؟

فكر الشاويش لحظات ثم قال: مُمكن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤