شعاع ضئيل من النور

اقتربا من الكوبري العالي، وقد تكاثف الظلام، ولمعت أنوار سيارات النقل التي تعمل ليلَ نهار بين منطقة حلوان الصناعية والقاهرة … وعلى الجانب الأيسر من الطريق عند حافة المزارع شاهدا الخطوط الخارجية لهيكل سيارة تقف وحيدة، مُطفَأَة الأنوار … اقتربا منها … كانت السيارة من الطراز الأمريكي الكبيرة … ولم يكد «تختخ» يقف ويقرأ نوع السيارة حتى أدرك أنها ليسَت سيارة الأستاذ «إسماعيل».

قال على الفور للشاويش: إنها ليست السيارة المسروقة.

قال الشاويش بضيقٍ: من أين عرفت؟

تختخ: إنها سيارةٌ من طراز «بونتياك» … والسيارة الأخرى من طراز «بويك».

الشاويش: سأرى ماذا وراءها.

وحاول «الشاويش» أن يفتح باب السيارة فوجده مُغلقًا … وحاول فتح حقيبة السيارة، ولكنها كانت أيضًا مغلقةً.

زمجر «الشاويش» متضايقًا. وقال «تختخ»: إنَّ السيارة المسروقة عادة تُتْرَك مفتوحة … هذه السيارة ربما مُعطَّلة فقط.

كان ضيق «الشاويش» قد بلغ أقصاه فصاح: لا تتدخلْ في عملي … واحتفظ لنفسك بنظريتك.

قال «تختخ» وهو يقفز إلى دراجته: حاضر.

وانطلق عائدًا إلى منزله … وكان مُتعبًا، فسرعان ما استغرق في نومٍ عميق لم يستيقظ منه إلَّا في صباح اليوم التالي.

والتقى المغامرون كالعادة في حديقة منزل «عاطف»، وتحدَّثوا عن مغامرة «تختخ» مع الشاويش «علي» … ثم قسَّموا أنفسهم للبحث عن السيارة المسروقة … ومضى النهار بدون الحصول على معلومات … وبدأ اليأس يدبُّ في قلوبهم، فلا هُم عثروا على السيارة، ولا هُم توصَّلوا لفكرة الأشباح … أمَّا «تختخ» فكان يفكر في شيءٍ آخر … كيف فتَح اللصوص السيارة ما دامت من النوع الذي لا يمكن اغتصابه … كيف حصلوا على المفتاح الأصلي. ثم صنعوا نسخة مُقلَّدة له؟ … إن السر كله يَكمن في هذا السؤال والإجابة عنه … ولكن من المهم العثور على السيارة أولًا لمعرفة كيفية سرقتها … هل سُرقت بنسخة مُقلَّدة فعلًا … أو أنها اغتُصبت بطريقة ما … إن اللصوص لهم حيلٌ لا تنفد.

وانقضى اليوم دون طائلٍ … وعاد كل واحدٍ من المُغامرين إلى منزله … وكاد «تختخ» يذهب في النوم … عندما اتصل به «محب» في لهفةٍ قائلًا: «تختخ» … لقد عثروا على السيارة.

طار النوم من عيني «تختخ» وقال: أين؟

محب: عند ركن حلوان! وقد أخطروا عمي المهندس «إسماعيل» منذ دقائق قليلة … وهو ذاهبٌ الآن للتعرف عليها.

تختخ: لا بد أن نذهب.

محب: ابن عمي معه سيارة صديق له … هل تستطيع أن تخرج الآن؟

تختخ: طبعًا!

محب: إذن سنمرُّ عليك بعد عشر دقائق على الأكثر!

قفز «تختخ» … من فراشه … وغسل وجهه سريعًا، ثم ارتدى ملابسه في ثوانٍ قليلةٍ … وفكر لحظات … وعرف أنه قد يتأخر، ووالده ووالدته مع ضيفهما المهندس «حسن» في زيارة … ومن الأفضل أن يخرج سرًّا ويعود سرًّا … وهكذا فتح باب نافذته، ثم تعلَّق بأغصان الشجرة الضخمة التي تقف تحتها … ثم نزل إلى الأرض.

خرج إلى الشارع … ولم تمضِ لحظات حتى ظهرت السيارة، ثم وصلت إليه وتوقفت، وفتح له «محب» الباب … وكانت مفاجأة أن شاهدا «زنجر» واقفًا خلف «تختخ»، ولكن «تختخ» قال له: لا مكان لك يا «زنجر» في السيارة! وأغلق الباب خلفه، وانطلقت السيارة بالمهندس «إسماعيل»، وشقيقه «فؤاد». و«تختخ» و«محب»، ولم تكن «نوسة» موجودة، وكأنما كان «محب» يقرأ أفكار «تختخ» فقال له: إن «نوسة» نائمةٌ … ولم أشأ أن أوقظها.

تختخ: وكيف عرفتُم سرقة السيارة؟

محب: اتصل أحد ضباط مكافحة سرقة السيارات بعمِّي «إسماعيل»، وقال إنهم عثروا على السيارة في مكانٍ مهجور، في مدينة نصر، ولعلَّ اللصوص أرادوا إخفاء السيارة أطول فترةٍ ممكنةٍ!

ووصلت السيارة إلى الكورنيش، ثم صعدت إلى الكوبري العلوي الذي يصل مصر القديمة بمصر الجديد، وكانت حركة المرور هادئةً في مثل هذا الوقت من الليل، فأطلق المهندس «إسماعيل» لسيارته العنان حتى وصلوا إلى الكوبري العلوي الثاني، وساروا في طريق مدينة نصر حتى وصلوا إلى مبنى التنظيم والإدارة، فداروا خلفه، ثم انطلقوا مرة أخرى حتى وصلوا إلى شريط جديد للمترو يمتد إلى الصحراء، ويدور عند نهاية الشارع … وتجاوَزُوه … وبعد فترة من السير على طريق غير ممهدٍ شاهدوا مجموعة من السيارات تقف في الظلام، وقد أضاءت أنوارها … فاتجهوا إليها … وتركوا ضوء سيارتهم مُضاءً ثم نزلوا … وسرعان ما كان أحد الضباط يستقبل المهندس «إسماعيل» قائلًا: حظُّك من السماء … السيارة كاملةٌ … ولكن لا تلمس شيئًا حتى نرفع البصمات.

المهندس إسماعيل: الحمد لله!

الضابط: إنهم لم يسرقوا منها ولا مسمارًا.

إسماعيل: لو سرقوا أي شيءٍ لكانت مشكلةً … فليس هناك قطع غيار! ووقف «تختخ» و«محب» يتابعان الحوار … ودخل المهندس «إسماعيل» إلى السيارة وأخذ يتفحصها ثم قال: لقد قطعوا بها مسافة طويلة! لفتت هذه الجملة انتباه «تختخ» الذي اتجه إليه وسأله: كيف عرفت؟

المهندس إسماعيل: لأنني قبل حادث السرقة بيوم واحد كنت قد شحَّمت السيارة، وغيَّرت الزيت … وعادةً ما أكتب موعد التشحيم ورقم عداد السيارة … لقد قطعت السيارة نحو ٦٠٠ كيلو متر!

قال «تختخ» مندهشًا: ستمائة … إن هذا يعني سفرًا بعيدًا!

إسماعيل: نعم … ربما إلى الإسكندرية والعودة منها، وأكثر قليلًا! نزل المهندس «إسماعيل» من سيارته … وجاء خبراء البصمات، وأخذوا يرفعون البصمات من كل مكانٍ … في حين وقف «تختخ» و«محب» يُراقبان كل شيءٍ حتى انتهى خبراء البصمات من عملهم … وقام رجال الشرطة، بتفتيش السيارة تفتيشًا دقيقًا، والبحث عن أية آثار يمكن أن تؤدي إلى تحديد شخصية اللص أو اللصوص الذين سرقوا السيارة.

بعد ساعة تقريبًا انتهى عمل رجال الشرطة، وقاموا بتحرير محضرٍ سريعٍ ثم سلَّموا السيارة إلى المهندس «إسماعيل» … الذي كان غاية في السعادة بعد أن استردَّ سيارته، دون أن يُسرَقَ منها شيء.

ركب «تختخ» و«محب» معه، وأخذ الثلاثة يتحاورون فيما حدث، وقال «تختخ»: ماذا تفعل عندما تذهب بسيارتك إلى التشحيم، وتغيير الزيت، هل تنتظر في محطة الخدمة أو تتركها؟

المهندس إسماعيل: إنَّ التشحيم والتنظيف وتغيير الزيت يَستغرق وقتًا طويلًا … خاصة أن السيارات كثيرة، والمحطات مزدحمة، لهذا فإنني أترك السيارة في محطة الخدمة وأعود لأخذها في آخر النهار وبعد انتهاء عملي!

تختخ: إن هذا شيءٌ هامٌّ؟

إسماعيل: لماذا؟

تختخ: إن سيارة من طراز «بويك» لا يُمكن سرقتها إلا بمفتاحها الأصلي أو نسخةٍ منه … هذا هو رأي الخبراء.

إسماعيل: وهذا صحيحٌ.

تختخ: عندنا إذن احتمالٌ أن أحدًا قد استولى على المفتاح الأصلي وفتح السيارة … وسرقها … ولكن المفتاح كان معك صباح الحادث!

إسماعيل: صحيح.

تختخ: الاحتمال الثاني أن يكون أحد الأشخاص قد أخذ منك المفتاح، وصنع عليه نسخة مُقلَّدة … فمن يكون هذا الشخص؟

إسماعيل: لا أعرف.

تختخ: المسألة بسيطةٌ … إنه العامل الذي أخذ المفتاح في محطة الخدمة … لقد كان معه المفتاح طول الوقت … نحو ستِّ ساعات … وهي فترةٌ كافيةٌ جدًّا لعمل نسخة مُقلَّدة من المفتاح. واستخدَمها بعد ذلك في سرقة السيارة!

ساد الصمت بعد هذا الاستنتاج المُثير من «تختخ»، ودار في ذهنِ كل واحدٍ من الثلاثة شريط من الأحداث …

وقال «إسماعيل»: يجبُ أن نُبلِّغ الشرطة بما تقول … إنه خيطٌ هامٌّ للوصول إلى السارق.

تختخ: نعم … وأرجو أن تسمح لي بفحص السيارة في الصباح.

إسماعيل: غدًا الجمعة … تفضل في أي وقتٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤