وراء الأثر!

استيقظ «تختخ» مبكرًا، واتَّصل بالمغامرين الخمسة؛ ليلتقوا جميعًا في حديقة «فيلا» المهندس «إسماعيل» … وعندما تجمَّعوا هناك، طلب «تختخ» من «محب» أن يُحضر مفتاح السيارة البويك … وقام بفتح السيارة وأخذ يُفتِّش فيها بدقة … ولاحظ أن يده اتَّسخت، وهو يتحسَّس المقاعد وغيرَها بلونٍ أسود … أخذ يفحصُه بدقةٍ … ولم يشكَّ لحظةً أنه تراب الفحم … ثم ذهب إلى حقيبة السيارة وفتحها، وأخذ يتفحَّصُها جيدًا … ولاحظ وجود آثار دهان أخضر خفيف جدًّا في بعض أنحاء الحقيبة … كما لاحظ مرة أخرى آثار اللون الأسود … تراب الفحم.

وبعد عدة فحوصات أخرى، جلسُوا جميعًا في الحديقة، وأحضر لهم «محب» أكواب عصير البرتقال … وتحدَّث «تختخ» فقال: إن رجال الشرطة بالتأكيد أقدر منَّا على حلِّ لغز سرقة السيارة البويك … ولكن عندي عدة ملاحظات …

أولًا: إن السيارة قطعت — كما قال المهندس «إسماعيل» — نحو ٦٠٠ كيلومتر، ومعنى هذا أنها خرجت من نطاق محافظتي الجيزة والقاهرة … فهذه المسافة تكفي للسفر إلى الإسكندرية والعودة، أو إلى المنيا والعودة …

قاطعته «نوسة» قائلة: ولماذا لا تقطع نفس المسافة داخل القاهرة أو الجيزة؟

تختخ:
  • أولًا: لأن هذا يعني أنهم ساروا ست ساعات كاملةٍ بسرعة مائة كيلومتر في الساعة … أو أنهم ساروا اثنتي عشرة ساعة بسرعة خمسين كيلومترًا في الساعة … وهذا غير منطقيٍّ … والمنطقيُّ أنهم خرجوا من نطاق القاهرة …
  • ثانيًا: إن مفتاح السيارة تُرِكَ نحو ستِّ ساعات مع عامل في محطة الخدمة … ولا أشكُّ لحظةً أن هذا العامل كان وراء تجهيز مفتاحٍ مُصطَنع لفتح السيارة … فهذا النوع من السيارات — كما يقول الخبراء — لا يُمكن فتحُه بغير مفتاحه الأصلي أو بنسخة مُقَلَّدة منه.
  • ثالثًا: إنَّ العصابة التي سرقت السيارة لم تكن تريد سرقة أي جزء من أجزائها؛ فقد عادت السيارة سليمة تمامًا، ولم تَسرِقها بقصد النزهة بها، وإلا سُرقَت سيارة من المُمكن فتحها بسهولة، وهناك أنواع كثيرة من السيارات يُمكن سرقتها بطريقة أسهل … والاحتمال الأكبر أنها قامت بسرقة السيارة لارتكاب سرقة كبيرة بها.
  • رابعًا: إنَّ وجود الأشباح ليس أسطورةً، وهم على كل حال ليسوا أشباحًا من عالمٍ آخر، ولكنهم أشخاص مثلنا يتخفون في شكل الأشباح … فهم في الأغلب يَلبسون ملابس سوداء، ويُغطُّون وجوههم وأيديهم بتراب الفحم الأسود … والدليل على هذا هو هذه الآثار التي تركوها في السيارة … آثار تراب الفحم التي تُلوِّث السيارة من الداخل … برغم أنهم — في الغالب — حاولوا مسحها … فالآثار قليلةٌ جدًّا …

وسكت «تختخ» وأخذ بقية المغامرين يفكرون في هذه الاستنتاجات … وقالت «لوزة» بعد لحظات: إذن ففي إمكاننا الوصول إلى العصابة!

محب: علينا توصيل هذه المعلومات إلى المفتش «سامي» لإبلاغها إلى فريق مكافحة سرقة السيارات.

واتصلوا بالمفتش «سامي» في منزله … وكان الرد أنه سافر إلى «أسيوط» في الصباح الباكر … ولم يكد «تختخ» يَسمع كلمة «أسيوط» حتى أحسَّ بشيءٍ من الاضطراب … فلماذا سافر المفتش إلى «أسيوط»؟ … لا بد أن هناك حدثًا هامًّا، فهل لهذا الحدث صلة بسرقة السيارة «البويك»؟! إن المسافة التي قطعتها السيارة يمكن أن تذهب بها إلى «أسيوط» وتعود … هكذا فكَّر … ثم أبعد الفكرة عن رأسه … فليس من الضروري أن يكون المفتِّش قد سافر إلى «أسيوط» في مهمة تتعلق بسرقة السيارة.

كان «تختخ» مستغرقًا في تفكيره حتى إنه لم يلحظ دخول الشاويش «علي» إلى المكان … ولكنه بعد لحظات سمع الشاويش وهو يتحدث إلى «محب» طالبًا مقابلة عمه «إسماعيل».

ذهب «محب» لاستدعاء عمه، وأخذ الشاويش ينظر إلى المغامرين نظرته المملوءة بالشك …

فقال «تختخ» فجأةً: حضرة الشاويش … هل تَعرِف محلات لبيع الفحم في المعادي؟

كان سؤالًا مفاجئًا وغريبًا، فاحمرَّ وجه الشاويش ثم قال: لماذا هذا السؤال السخيف؟

تختخ: بعض الأسئلة لا بد أن تكون سخيفةً!

الشاويش: ولماذا تُوجِّه لي هذه الأسئلة السخيفة؟

تختخ: لأنكَ أعلم الناس بالأماكن في المعادي.

الشاويش: لن أقول لك شيئًا.

تختخ: لماذا؟

الشاويش: لأنك لستَ صاحب حقٍّ في سؤالي.

تختخ: إن الإجابة عن هذا السؤال قد تحلُّ لغز سرقة السيارة «البويك» وغيرها من السيارات، ويكون لك الفضل في ذلك.

الشاويش: وما دخل باعة الفحم في سرقة السيارات … إنك تعبث بي … وهذا عيب!

تختخ: لا بد أنك تُدرك يا حضرة الشاويش أن حلَّ بعض الألغاز الغامضة قد يتوقَّف على أشياء مُضحكةٍ أو سخيفة … وبالمناسبة هل تعرف أن المفتش «سامي» قد سافر إلى «أسيوط»؟

الشاويش: طبعًا … فهناك سرقةٌ كبيرةٌ حدثت … هل تظن أنني لا أعرف؟

ردَّ «تختخ» وهو لا يدري إذا كان سيُصيب الحقيقة أم لا: إن السرقة تتعلق بإحدى الخزائن الكبيرة!

الشاويش: كيف عرفت؟

وقبل أن يردَّ «تختخ» ظهر المهندس «إسماعيل» وقال: صباح الخير.

ردُّوا جميعًا التحية …

وقال الشاويش: لقد جئت لاستكمال بعض المعلومات عن سرقة السيارة.

إسماعيل: إنني تحت أمرك.

الشاويش: هل يُمكن أن نجلس وحدنا؟

إسماعيل: بالتأكيد.

واتجه الشاويش والمهندس «إسماعيل» إلى ركن الحديقة … في حين كان المغامرون يتحدَّثون في كلماتٍ هامسةٍ.

قال تختخ: إنني أريد أن نذهب فورًا للبحث عن «محلات» بيع الفحم في المنطقة.

عاطف: لماذا؟ هل تُريد أن نشوي لحمًا، أو نتدفأ؟!

تختخ: دعك الآن من هذا الهزار … توزَّعوا على المناطق التي يحتمل أن يكون فيها هذا النوع من «المحلات»!

محب: في الأغلب سنجدها في أطراف المعادي … فليس هناك «محلات» في وسط المعادي تبيع الفحم.

تختخ: إذن توزعوا على هذه الأماكن.

نوسة: وماذا ستفعل أنت يا «تختخ»؟

تختخ: سأتحدث مع المهندس «إسماعيل» في موضوعٍ هامٍّ … وإذا حصلت على المعلومات التي أريدها … فأعتقد أننا سنكون قريبين جدًّا من حل لغز سرقة السيارة … ومن عصابة الأشباح.

لوزة: أما زلت تؤمن أن هناك عصابة أشباح؟ إن هذا مشين جدًّا!

تختخ: لقد أصبحتُ أومن بوجودها أكثر من أيِّ وقت آخر.

وتفرَّق المغامرون الخمسة بعد أن اتفقوا على التوزيع …

وظل «تختخ» مكانه حتى انتهى الشاويش من الحديث إلى المهندس «إسماعيل» ثم تقدم منه قائلًا: آسف إذا كنتُ سآخذ مزيدًا من وقتك!

إسماعيل: أبدًا … ماذا تريد؟

تختخ: أين محطَّة البنزين التي تتعامل معها؟

إسماعيل: إنَّها المحطة الأولى على اليمين في طريق المعادي … فالمحطَّة التي عندنا هنا مشغولةٌ طول الوقت.

تختخ: هل تعرف شخصًا مُعينًا تتعامل معه في المحطة؟

إسماعيل: ليس بالتحديد … ولكني أعرف وجوه الذين أتعامل معهم … وبعض الأسماء.

تختخ: هل تتذكَّر اسم العامل الذي أخذ منك مفتاح السيارة يوم ذهبت للتشحيم وتغيير الزيت؟

إسماعيل: أعتقد أنَّ اسمه كان «طلعت» أو «بهجت» … أو شيئًا من هذا القبيل!

تختخ: شكرًا لك.

وغادر «تختخ» المكان مُسرعًا، وانطلق على دراجته … كانت المسافة بين منزل الأستاذ «إسماعيل» ومحطة البنزين كبيرةً، وقدَّر أنه سيقطعها في نحو نصف ساعة … وبعد أن خرج من شوارع المعادي انطلق على الكورنيش حتى اقترب من المحطة … ووقف غير بعيدٍ منها يُراقب العمل … ثم عبَر الكورنيش من الناحية اليُسرى إلى الناحية اليُمنى ووقف بعيدًا، وأفرغ إطار دراجته من الهواء … ثم تقدَّم وهو يسحب الدراجة إلى المحطة طالبًا نفخ الإطار بالهواء … كان يُريد بعض الوقت للحديث والتعرُّف على العامل الذي اسمه «طلعت» أو «بهجت».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤