طلعت … شلفط!

اقترب «تختخ» من مضخَّة الهواء …

وقال للعامل: من فضلك أريد أن أنفخَ عجلتي.

أجاب الرجل بصوتٍ غاضب: الماكينة لا تعمل.

لم يتردَّد «تختخ» وقال: إنني جارٌ لعامل عندكم اسمه «طلعت».

ردَّ العامل في ضيقٍ: ليس عندنا عمَّال اسمهم «طلعت»!

تختخ: طلعت … ألا تعرف طلعت؟!

العامل: قلت لك ليس عندنا عامل اسمه «طلعت» فلا تُضيِّع وقتي!

تختخ: وهل تتصوَّر أن أجُرَّ هذه الدراجة إلى آخر المعادي؟

العامل: هذه ليست مشكلتي.

تختخ: وأنت متأكدٌ أنه ليس عندكم عامل اسمه «طلعت»؟

العامل: وإذا فُرض أن عندنا عامل اسمه «طلعت» فماذا سيفعل لك، هل سينفُخ الإطار بفمه مثلًا؟

تضايق «تختخ» من إجابات العامل الخشنة، وأخذ يجرُّ دراجته مبتعدًا عنه، وهو يفكر في طريقة أخرى للحديث إلى عمال المحطة … ولم تطُل حيرته … فقد وجد ولدًا صغيرًا ممن يمسحون السيارات أو يؤدُّون خدمات بسيطة في محطات البنزين … وخُيِّل إليه أن وجهه ليس غريبًا عنه … وأخذ ينظر إليه بإمعانٍ في وسط ضجيج المحطة … والتفت الولد فجأة وشاهد «تختخ» وهو ينظر إليه، فابتسم وتقدم إليه قائلًا: ألا تعرفني؟

تختخ: إنني لا أتذكر بالضبط، ولكن وجهك ليس غريبًا عنِّي!

الولد: إنني أحد طلبة مدرسة صديقك «عاطف».

تختخ: تذكرت … لقد رأيتك تتحدَّث معه في أثناء الدراسة.

الولد: إنني أعمل في أثناء العطلة الصيفية في أعمالٍ مُختلفةٍ لمساعدة أسرتي.

تختخ: هذا شيء عظيم منك!

الولد: هل أستطيع أن أؤدي لك أي خدمة؟

تختخ: ما اسمك أولًا؟

الولد: اسمي «فهمي»!

تختخ: إنني أريد أن أنفخ إطار دراجتي.

الولد: إنَّ الضغط في ماكينة الهواء ضعيفٌ، وربما كان ذلك في مصلحتك؛ فالضغط العالي قد يفجر الإطار.

اتجها معًا إلى ماكينة الهواء.

وقال «تختخ»: اسمع يا «فهمي» منذ متى وأنت تعمل هنا؟

فهمي: منذ شهرين وخمسة أيام.

تختخ: هل عندكم عامل اسمه «طلعت»؟

فهمي: «طلعت»؟!

وأخذ يفكر وهو يُحاول نفخ الإطار …

ثم قال: لا … لم يكن عندنا عامل اسمه «طلعت»!

تختخ: أو أي اسم مشابه؟

فكر «فهمي» لحظات ثم قال: ربما … ربما تقصد الولد «شلفط».

قال «تختخ» مُستنكرًا: عامل اسمه «شلفط»؟

الولد: نعم … كان عندنا عامل «يُشلفط» كل شيءٍ … أي يُفسده، وهكذا أطلقوا عليه اسم «شلفط» وإن كان اسمه الأصلي «موسى» ولكن …

تختخ: ولكن ماذا؟

فهمي: ولكن هذا الولد لم يستمرَّ طويلًا في العمل، إنه لم يكن أمينًا مع الزبائن … وعندما لاحظ صاحب المحطة ذلك طرده من العمل.

تختخ: منذ متى؟

فهمي: أمس فقط … جاء مُتأخرًا كعادته … وكان صاحب المحطة قد ضاق به، فلم يسمح له بالاستمرار … وأعطاه حسابه وقال له «لا تأتِ بعد ذلك».

تختخ: إنني أريدكَ أن تتذكَّر جيدًا … منذ ثلاثة أيام وبالتحديد يوم الأربعاء الماضي حضرتْ إليكم سيارة «بويك» داكنة اللون … و …

وقبل أن يكمل «تختخ» جملته …

قال «فهمي»: أعرفها … إنها سيارة الأستاذ «إسماعيل» عم صديقك «محب»!

رقص قلب «تختخ» فرحًا وقال: عظيم … إنك ولدٌ لا مثيل لك!

فهمي: لماذا؟

تختخ: تذَكَّر الآن … هل كان «شلفط» هذا هو المسئول عن تغيير زيت السيارات في ذلك اليوم؟

فهمي: نعم … كان «شلفط» هو المسئول عن ذلك … وقد أخذ السيارة لقِسم الغسيل خلف المحطة، ولكنه ذهب بها بعيدًا بعض الوقت … وقد لاحظتُ ذلك، ولم يُلاحظه أحدٌ غيري … ولم أشأ أن أضيف إلى مشاكله مع صاحب المحطة مشاكلَ جديدة … فلم أقُلْ شيئًا!

كاد قلب «تختخ» يقفز من صدره … إن استنتاجاته كلها صحيحةٌ حتى الآن … وإذا استطاع العثور على هذا الولد «شلفط» فقد يتمكَّن من الوصول إلى عصابة الأشباح.

نجح «فهمي» في نفخ إطار الدراجة … ووضع «تختخ» يده في جيبه وأخرج جنيهًا كاملًا حاول أن يعطيه ﻟ «فهمي» ولكن الولد رفض تمامًا … ولم تُجْدِ معه أيُّ مناقشة … وقرر «تختخ» أن يقابله بعد ذلك ويُعطيَه هدية مناسبة، وقبل أن يمشي «تختخ» قال له: هل تعرف بيت «شلفط» هذا؟

فهمي: لا … ولكنه — كما أظن — يَسكن في حارة متفرعة من الكورنيش قرب ركن حلوان!

تختخ: في أيِّ ناحيةٍ منه؟

فهمي: هناك مقهى مقابل لركن حلوان مباشرة، وأظنُّ الحارة بجوار هذا المقهى، فقد طلب من بعض السائقين توصيله إلى هذا المكان بضع مراتٍ.

تختخ: إنني أشكرك جدًّا يا «فهمي» … وسوف أراك قريبًا.

فهمي: مرحبًا بك في أي وقتٍ.

قفز «تختخ» إلى دراجته وقد امتلأت نفسه بالآمال … وأسرع إلى المعادي، وسأل عن بقية المغامرين فلم يجد أحدًا منهم قد عاد إلى منزله … كانوا جميعًا يبحثون عن «محلات» بيع الفحم حسب الخطة.

عاد «تختخ» إلى منزله … كان شديد الانفعال … غيَّر ثيابه، ثم تناول غداءه وأوى إلى فراشه … كان في حاجة إلى الراحة لتنفيذ خطته التي قرر أن ينفذها مع «محب» و«عاطف» … وكانت تقوم على عملية تَنكُّرٍ دقيقة، يحاول فيها الاقتراب من «شلفط».

ونام ساعةً … واستيقظ في السادسة … واتصل بالمغامرين … كانوا قد حصلوا على عناوين خمسة «محلات» تبيع الفحم في أماكن متفرقةٍ من المعادي … واهتمَّ «تختخ» بعنوان واحد منها لمحل قريب من مسكن «شلفط» كما وصفه «فهمي».

قال «تختخ» ﻟ «محب»: إنني أريدك أنت و«عاطف» عند ركن حلوان في الساعة الثامنة تمامًا … سوف أشرح لكما ما سأفعله.

وفي السابعة كان يغادر منزله وقد تنكَّر في شكل صبي ميكانيكي متسخ الثياب منفوش الشعر … ولم يركب دراجته إلا بعد أن ابتعد عن مسكنه بمسافة … وكذلك فعل «زنجر» الذي قفز إلى مكانه خلفه بمجرَّد أن ركب «تختخ» الدراجة.

وصل إلى قرب ركن «حلوان» في الثامنة إلا عشر دقائق، وجلس في مقابل القهوة يستريح … كانت حركة المرور في هذه المنطقة مزدحمةً على أشدِّها … وبعض الأشخاص يجلسون على رصيف الكورنيش … ولاحظ أن الحارة التي يسكن فيها «شلفط» أو «موسى» ضيقة … وقال ﻟ «زنجر»: هل ستأتي معي يا «زنجر»؟

أخذ «زنجر» يَنبح كأنما يؤكِّد أنه سيأتي … وبعد لحظات ظهر «محب» و«عاطف» … واتجها رأسًا إلى «تختخ»، ولقد كان في إمكانهما طبعًا التعرف عليه برغم تنكُّره … فيكفي وجود «زنجر» لمعرفته.

جلسا بجواره بدون أن يتحدَّثا إليه … ولكن «تختخ» كان مُتأكِّدًا أن أحدًا لا يراقبهم، بالإضافة إلى الظلام الذي بدأ يهبط …

فقال لهما: إنني أبحث عن شابٍّ كان يَعمل في محطة بنزين اسمه «موسى» وشهرتُه «شلفط»، وأعتقد أن هذا الشاب هو المفتاح لِلُّغز الذي نُحاول حَلَّه!

محب: وماذا ستَفعل إذا وجدته؟

تختخ: سنتبادل الرقابة عليه حتى لا يحسَّ بوجودنا … سأبدأ أنا ثمَّ أنت ثم «عاطف» ثم أنا مرة أخرى وهكذا … إننا نُريد أن نرصُد تحرُّكاته … وأعتقد أنها ستقودنا إلى عصابة الأشباح!

عاطف: هل أنت مُصِرٌّ على الاعتقاد بوجود هذه الأكذوبة؟

تختخ: إنني لا أتصوَّر طبعًا أشباحًا من الظلال والهواء … ولكن أشخاصًا حقيقيِّين يتنكَّرون في شكل أشباح.

محب: وما هي الخطوات؟

تختخ: سأدخل إلى هذه الحارة للسؤال عنه … بدعوى أنني قادم من محطة البنزين للبحث عنه وإعادته للعمل … فراقباني … ويمكن أن تُطلقا «زنجر» خلفي؛ فمن السهل عليه متابعتي، ويمكن أن تتركا دراجتي في حراسة الشرطي الذي يَجلس هناك أمام «ركن حلوان».

وانطلق «تختخ» وحيدًا … وراقبه «محب» و«عاطف» وهو يجتاز الطريق ثم يغوص في ظلام الحارة الضيقة.

بدأ «تختخ» السؤال من أول منزل … والثاني … وهكذا حتى وصل إلى منزل يلعب أمامه عدد من الأولاد، فسألهم عن «موسى»، وردَّ أحدهم على الفور: ستجده جالسًا على المقهى … إنه لا يكفُّ عن لعب «الكوتشينة».

تختخ: هل تأتي معي لتُعرِّفني عليه … سوف أدفع لك عشرة قروش.

ووافق الولد بحماس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤