على حافة النهاية!

عندما استيقظ «تختخ» أحسَّ بصداعٍ شديدٍ يفتك برأسه، وأخذ يحاول النظر حوله، ولكنَّ عينيه كانتا لا تريان … كان كل شيءٍ ملفوفًا بالضباب … وكل شيءٍ يدور … أخيرًا استطاع أن يدرك ما حوله … كان موثق اليدين والقدمين ومُلقًى في «جراج» … فقد شم رائحة البنزين والزيت … وشاهد سيارة واقفة في مدخل «الجراج» …

لم يكن هناك أي صوت … وحاول أن يتخلَّص من وثاقه فلم يستطع … وحاول أن يفتح فمه فوجده مُكممًا.

أخذ يتذكَّر شريط الأحداث الذي مرَّ به … منذ تعرَّفَ على «شلفط» وعرف أنه وضع نفسه في موضعٍ حرجٍ … وألَّا أمل له في الإنقاذ. وحاول أن يعرف الساعة … ولكن يده المقيدة خلفه منعته من أية حركةٍ. ولكنه استطاع أن يعرف أن الفجر يقترب … فقد كان مدخل «الجراج» يُبدِي ضوءًا خافتًا … مرَّت نحو نصف ساعة … ثم سمع صوت أقدامٍ تقترب … وشاهد الرجل الضخم يقترب منه … وفضَّل أن يَتظاهر بالنوم … وقال الرجل لشخصٍ معه: حسب تعليمات الزعيم … لا بد من نقله فورًا إلى البئر المهجورة في طرف الصحراء … سنُلقيه فيها!

وأحسَّ «تختخ» أنه يكاد يتجمَّد من الرعب … وسمع الرجل الضخم يقول: لقد اكتشفنا أنه مُتنكِّر … فقد سقطت الباروكة من على رأسه … إنه ولد مُريب للغاية!

أدرك «تختخ» بما لا يدع مجالًا للشك أنه وقع بين أيدي العصابة، وأنه لن يَخرج حيًّا من هذه المغامرة … ولم يكن في استطاعته أن يفعل شيئًا … واستسلم للأيدي التي حملته ثم ألقتْه في نفس السيارة التي ركب فيها من «حلوان» منذ بضع ساعات.

خرجت السيارة من «الجراج» … وحاول «تختخ» أن يحتفظ بأكبر قدرٍ من المعلومات عن المكان … برغم أنه كان يُدرك أن هذه المعلومات لن تُفيده بشيء … فهو سيَختفي من العالم كله بعد لحظاتٍ … وأحس أنه حزينٌ … حزين جدًّا … فقد جاءت النهاية بأسرع مما يتوقع. سارت السيارة مسرعة جدًّا … واجتازت الشوارع المضاءة … حتى كادت تُشرف مرة أخرى على الصحراء … وفجأة توقفت السيارة … وسمع «تختخ» صوت شخصٍ يقول: الرُّخص من فضلك!

وبسرعة شاهد الرجل الضخم يُلقي عليه بغطاءٍ ثقيلٍ ليُخفيَه … وأدرك أنهم عند «دورية» تفتيش … كانت فرصته الأخيرة؛ ليُحاول إنقاذ حياته، وحاول أن يتحرَّك … ولكن الرجل الضخم جلس فوقه … بكامل ثقله حتى كادَت عظامه تتهشَّم … وقبل أن يحاول الحركة انطلقت السيارة فجأة بشكلٍ مزعجٍ، وطارت على الأرض … سمع صوت أشخاص يَصيحون: قف! … قف!

كانت السيارة تسير بسرعةٍ مجنونةٍ … وسمع «تختخ» الرجل الضخم يصيح: دَوَّرْ في أول منحنى … أيها الغبي.

ودارت السيارة دورة واسعة، ثم دارت مرة أخرى، وبدأت تُهدئ من سرعتها. ثم سمع «تختخ» السيارة تقف … ويقفز عدد من الرجال منها، ثم يُسرِعون بالجري.

هدأ كل شيءٍ … وأصبح «تختخ» وحدَه في السيارة … ثم سمع صوت سيارات تُقبِل مسرعة … وصوت أسلحة تستعد للانطلاق … ثم سمع صوت يقول: اخرج رافعًا يديك!

ثم تقدَّم أحدهم في الظلام، وأطلَق شعاع بطاريته سقطت على «تختخ» فصاح: هناك شخصٌ مُوثَقٌ ومُكَمَّمٌ!

وسمع صوت أقدام كثيرة … ثم سمع آخر صوت مُمكن أن يتصوَّر أن يسمعه … صوت المفتش «سامي» … وحملته بعض الأيدي، وأسرعت تفكُّ وثاقه … وشاهد على ضوء الفجر الرمادي وجه المفتش «سامي» … وقد بدا عليه الإرهاق.

وقال المفتِّش ضاحكًا: ماذا فعلت بنفسك أيها المغامر العزيز … إن أصدقاءك في غاية القلق عليك.

أخذ «تختخ» يتمطَّى، وقد أحسَّ بعضلاته تكاد تتيبس … وصافح المفتش «سامي» الذي قاده إلى السيارة، وقدَّم له كوبًا من الشاي الساخن من «ترمس» كان معه.

قال «تختخ»: هل توصلت إلى لصِّ خزانة «أسيوط»؟

لمعت عينا المفتش ببريق الدهشة وقال: خزانة «أسيوط»؟! كيف عرفت؟

تختخ: خزانةٌ خضراء سُرِقت من «أسيوط»، في نفس ليلة سرقة السارة «البويك» من المعادي!

المفتش: إنك ولدٌ مُدهشٌ … كيف عرفت؟

تختخ: لقد شاهدت الخزانة بنفسي … كانت بالسيارة الواقفة الآن منذ بضع ساعات!

المفتش: وأين ذهبت؟

تختخ: لا أدري … ولكني أكاد أكون قد اكتشفت كل شيء … هل اتصل بك المغامرون؟

المفتش: نعم … اتصل بي «محب» وقال لي إنك كنت تراقب ولدًا اسمه «شلفط»، وأنك ركبت معه سيارة التقطَ «محب» رقمها ثم غبت عن «محب» و«عاطف» ولم يَعرفا أين ذهبت بعد ذلك، ولهذا قمنا بعمل كمائن في أماكن متفرقة بعد أن عرفنا رقم السيارة وأوصافها … وقد عثرنا عليها الآن … وأنت فيها!

تختخ: إن العصابة التي سرقت السيارة «البويك» هي نفسها العصابة التي سرقت «الخزانة» الخضراء … وهي نفسها عصابة الأشباح!

المفتش: الأشباح! هل تُصدِّق بوجود الأشباح؟

تختخ: إنهم أشباح صناعيون … أقصد أشخاصًا يتخَفَّونَ في شكْل الأشباح!

وصل أحد الضباط وقال للمفتش: للأسف يا سيادة المفتش … لقد استطاع جميع الرجال الهرب … ولم يبقَ عندنا سوى السيارة … فارغة!

تختخ: لا بأس … أعتقد أني أعرف أين هم.

المفتش: إذن هيَّا بنا.

ثم التفت إلى الضابط قائلًا: ضعوا حراسة على السيارة، وليتبقَّ الباقون!

وقفز «تختخ» إلى سيارة المفتش، وطلب العودة إلى الوراء، وأخذ ينظر إلى أطراف الأبنية والأشجار وهو يتذكَّر ما احتفظت به ذاكرته من ملامح المكان الذي كان فيه حتى وصلت السيارة إلى «فيلا» ضخمة قابعة بين الأشجار … وكان باب «الجراج» مفتوحًا، وعرفه «تختخ» على الفور وقال للمفتِّش: هذه «فيلا» زعيم العصابة!

نزل رجال الشرطة وأحاطوا بالمكان … كان كل شيء هادئًا كأن لم تقع أية أحداث بالمكان في الليل.

دخلوا من باب الحديقة المفتوحة … وساروا في ضوء الفجر الهادئ، وفجأة انفتح باب في نهاية الحديقة، واندفعت سيارةٌ خارجةٌ بعنفٍ شديد ودارت دورةً واسعة ثم دخلت إلى شارع مجاور، وسمعوا صوتها وهي مبتعدةٌ … واندفعت القوة إلى سياراتها، وبدأت المطاردة … في حين تقدم المفتش إلى باب «الفيلا» ودقَّ الجرس … ومضى الوقت بدون أن يردَّ أحدٌ … وطلب المفتش من الضابط المرافق أن يَقتحم الباب … فأطلق دفعةً من طلقات مدفعه الرشاش على الباب. ودخلوا.

شهر المفتش مسدسه، وسار مسرعًا يفتح الغرف … ومعه «تختخ» وكانت الغرف خالية … ثم دخلوا غرفة في نفس الطابق، وما كاد المفتش يفتح الباب حتى شاهدوا رجلًا نائمًا في فراشه … مستندًا إلى حشايا كثيرة خلفه … وكان واضحًا أنه مريض.

كان الرجل ينظر بثبات إلى المفتش كأنَّ الأمر لا يعنيه …

وقال المفتش: من أنت؟

ردَّ الرجل في بساطةٍ: أنا الرجل المشلول الذي لم يَكتشِف سرَّه أحد! كانت إجابةً عجيبة وقال المفتش: من أنت بالضبط … اسمك وعملك؟

ردَّ الرجل: اسمي «مجدي محروس»!

لم يكد المفتِّش يسمع الاسم حتى صاح: «مجدي محروس» … «مجدي محروس» الهارب من حكم الإعدام؟

الرجل: نعم يا سيادة المفتش … لقد هربت وكوَّنت عصابة قامت بأضخم السرقات دون أن تصلوا إليها …

تختخ: عصابة الأشباح!

قال الرجل: نعم … عصابة الأشباح … فلم يستطع أيٌّ رجل من رجال الشرطة معرفة رجالي … كانوا يتخفَّون في شكل الأشباح … وكانوا يسرقون السيارات ثم يسطون بها على الخزائن الكبيرة … وآخر سرقاتنا كانت في «أسيوط»!

المفتش: نعم … وكالعادة لم تتركوا أية آثارٍ تدلُّ عليكم!

الرجل: طبعًا … ولا أدري أين الخطأ.

ابتسم المفتش لأول مرة ثم قال مشيرًا إلى «تختخ»: الخطأ أنكم سرقتُم سيارة رجل يعرف هذا الشاب الصغير!

نظر الرجل إلى «تختخ» مُندهشًا وقال: وما هو دخل هذا الشاب في مثل هذا الموضوع؟

قال «تختخ»: إنني من هُواة حل الألغاز … وعندما سرقتم سيارة المهندس «إسماعيل» أخذت على نفسي عهدًا أن أعرف من الذي سرقها. وقد عرفت أن أحد أعوانكم ويدعى «شلفط» هو الذي أخذ المفتاح وصنع مفتاحًا مماثلًا له … وتبعت «شلفط» … وأقنعته أن يأخذني إلى أحد مخابئكم السرية في جبل «حلوان» … وهناك شاهدتُ رجالك وهم يُحاولون فتح الخزانة التي سُرِقت من «أسيوط» … وبرغم أنهم شكُّوا في أمري وحبسوني فإن أصدقاء لي استطاعوا معرفة إحدى سياراتكم وأبلغوا المفتش «سامي» الذي قام هو ورجاله بعمل كمائن حتى وصلوا إليها.

هزَّ الرجل رأسه قائلًا: لقد هربت من حكم الإعدام، وأُصِبْتُ بالشَّلل وقُدْتُ عصابة من أقوى الرجال … ولم أكن أتصوَّر أن يهزمني ولد صغير …

قال المفتش: إنه ولدٌ موهوبٌ يعرف ماذا يفعل!

ووضع المفتش يده على كتف «تختخ» في حنانٍ وإعجابٍ … في حين تقدم رجال المفتش «سامي» … للقبض على زعيم عصابة الأشباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤