الفصل الثامن

التعامل مع المقاومة

يرى بعض أعضاء هيئات التدريس أن الحُجَج الداعمة للتدريس المُتمركِز حول المتعلم مقنعة جدًّا، وبحماسة بالغة، يشرَعون في ابتكار الواجبات الدراسية الجديدة، وتطوير الأنشطة الدراسية، وإعادة ترتيب السياسات المعمول بها لدراسة المادة. وما إن يَنتهوا من عملية التخطيط، حتى يتحمَّسوا تمامًا لبدء تدريس ما يبدو وكأنه مادة دراسية جديدة بالكامل. في اليوم الأول، يُقدِّمون هذه السمات الخاصة بالمادة الجديدة، مُشاركين طلابهم قناعتهم بأن هذه التغييرات ستجعل الدراسة أفضل كثيرًا، ثم ماذا يحدث؟ لا يتجاوب الطلاب معهم بحماسة مماثلة! في الواقع، يُصرِّح الطلاب بكل وضوح أنهم يُفضِّلون إنجاز المهام بنفس الطريقة المتَّبعة في معظم المواد الدراسية، ويغادر المعلمون قاعات الدراسة وهم في حالة من الإحباط وخيبة الأمل، بل وتَبدو لهم استجابة الطلاب وكأنها إهانة شخصية.

وأحيانًا لا يكون الطلاب هم المُعارضين الوحيدين لأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، بل يُعبِّر زملاء المهنة، بمن فيهم بعض المعلمين ذوي القدر العالي من الأقدمية والخبرة على حد سواء، عن دهشتهم، ويهزُّون رءوسهم، ويُواصلون ذكر قائمة طويلة من المخاوف. وتتوالى اعتراضات الزملاء بقولهم: إن هذه الطريقة للتدريس ربما تناسب طلاب السنوات النهائية الشديدي الذكاء، ولكن من الذي سيُخاطر بتجربتها مع الطلاب المستجدِّين في دراسة مادة إجبارية من مواد التعليم العام؟ أو تكون الاعتراضات مُتعلِّقة بتغطية المحتوى — فهذه الأنشطة الخاصَّة بالتَّعلُّم النشط تَستغرِق الكثير من الوقت — أو مُتعلِّقة بالمعايير وتأكيد المخاوف الخاصة بتفاقُم أهمية التقدير الدراسي، أو تأتي الاعتراضات على شكل السيناريو الافتراضي الخاص بخروج الطلاب عن السيطرة، والاستيلاء على السلطة داخل قاعة الدراسة. وبالنسبة إلى أولئك المستجدِّين على اتباع هذا الأسلوب في التدريس، فإنَّ مخاوف الزملاء — بالإضافة لافتقار الطلاب ظاهريًّا للحماسة — يمكن أن تُثير شكوكًا خطيرة، وتُزعزع الالتزام العميق والمُفعَم بالحماسة — الذي استشعروه ذات مرة — تجاه هذه الطريقة للتدريس.

يَصير التعامل مع المقاومة، من جانب الطلاب والزملاء، أصعب عندما تكون غير مُتوقَّعة، والغرض من هذا الفصل هو إعدادك لتوقُّعها. ينبغي لأيِّ معلم، يُحاول اتباع أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، أن يعرف مسبقًا أن مقاومة الطلاب وأعضاء هيئات التدريس لهذا الأسلوب هو أمر يَحدث باستمرار. إنه ردُّ فعل شائع ومعتاد، وليس أسلوبًا شائنًا بغيضًا يقتصر على طلابك وزملائك، أو آراءً ناجمة عن عدم كفاءتك المهنية.

الغرض الثاني من هذا الفصل هو مساعدتك على التعامل مع مُقاوَمة كلٍّ من الطلاب والزملاء على حدٍّ سواء. سوف نتناول المقاومة من كِلا الجانبَين في أقسام مختلفة في هذا الفصل، إلا أن طريقة التحليل المستخدَمة تَستعرِض النقاط الثلاث نفسها بالنسبة إلى كلا الجانبين. أولًا: يكون التعامل مع المقاومة أسهل كثيرًا بمجرد أن تُفهَم ماهية هذه المقاومة. لماذا يُقاوم الطلاب والزملاء؟ ما الذي يُؤجِّج الاعتراضات ويُشجِّعها؟ ثانيًا: كيف تَكشف المقاوَمة عن نفسها؟ وكيف تبدو؟ ما الذي يقوله الطلاب والزملاء؟ وهل هذا يُشير إلى أنهم يُقاومون الفكرة؟ وأخيرًا، كيف ينبغي للمُعلمين أن يستجيبوا للمُقاوَمة؟ وما الذي ينبغي لهم فعله؟ وما الذي ينبغي أن يَقولوه؟

وفيما يخصُّ الطلاب، ثمة أخبار سارَّة؛ حيث تُوجد وسائل للتعامل مع افتقارهم للحماس وتفضيلهم لطُرق التدريس التقليدية؛ وهذه الوسائل تؤتي ثمارَها، وبمجرد أن يتعرَّض الطلاب لأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، وبمجرد أن يفهموا الأسباب التعليمية وراء ما يطلبه المعلم منهم، يتوقف الطلاب عن المقاومة، ويبدأ عدد غير قليل منهم بتأييد أساليب التدريس والتَّعلُّم هذه. فيما يخص الزملاء، تكون النتائج مُختلطةً أكثر؛ فمنذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، جرَّب عدد أكبر من المعلمين هذه الأساليب، وهو الأمر الذي سهَّل بدرجة أكبر العثور على زملاء داعمين لأساليب التدريس هذه، ولكن كما تُشير الأدلة الواردة في مواضع أخرى بهذه الطبعة، لا تَزال أغلب طرق التدريس بعيدة تمامًا عن التمركز حول المتعلم، ولا يزال المعلمون، الذين لم يُجرِّبوا أيًّا من هذه الأساليب، يتملكهم الشك. وأظن أن معظمنا قد يتفق في الرأي على أنه من الأسهل إقناع الطلاب، ولكن عندما يبدي الطلاب أو أعضاء هيئات التدريس المقاومة، من الجيد أن ندرك رد الفعل ونتفهمه، بل والأفضل أن يكون لدينا بعض الأفكار بخصوص التعامل مع رد الفعل هذا.

(١) لماذا يقاوم الطلاب؟

لقد خضعت مقاومة الطلاب لدراسة الباحثين وكتب عنها أعضاء هيئات التدريس الذين مروا بالتجربة. وعلى الرغم من وجود عدد أكبر من الأبحاث التربوية، فإن مقالي المفضل عن هذا الموضوع ظل كما هو؛ ألا وهو مقال كتبه فيلدر وبرنت (١٩٩٦) تحت العنوان الملائم «القيادة على الطريق الوعر نحو التدريس المُتمركِز حول الطالب». وإلى جانب النسخة الموجودة في ملفاتي لديَّ نسخة ثانية في حافظة ملفات اليوم الأول للدراسة، وهي نسخة مُتهالكة يكاد يكون تحت كل سطر بها خط، وأقرؤها في كل مرة أستعدُّ فيها لإلقاء محاضرة. وفيما يلي نقطة من النقاط المهمة الكثيرة المذكورة في هذا المقال: «الأمر لا يتعلَّق بأن التدريس المُتمركِز حول الطالب لا يُحقِّق نجاحًا عندما يُطبَّق تطبيقًا صحيحًا، بل إنه يُحقِّق نجاحًا فعلًا كما تشهد على ذلك بجدارة … كلٌّ من الأدبيات التربوية وتجاربنا الشخصية. المشكلة هي أنه على الرغم من أن الفوائد المقتَرحة حقيقية وملموسة، فإنها ليست فورية ولا تلقائية؛ فالطلاب، الذين يُملي عليهم معلموهم كل شيء يحتاجون إلى معرفته منذ الصف الأول بالدراسة وما بعده من صفوف، لا يُقَدِّرون بالضرورة سحب هذا الدعم منهم على نحوٍ مُفاجئ» (ص٤٣).

يأتي ذكر مقاومة الطلاب لأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم على نطاق واسع في الأدبيات التربوية المنشورة قبل إصدار الطبعة الأولى وبعده، وتذكر عدة تقارير، بالتفصيل، الاعتراضات الخطيرة والمتواصلة من جانب الطلاب؛ وهي اعتراضات ممتعة للقراءة برغم أنها مخيفة بعض الشيء، وهذا الحد من المقاومة الذي ذكَره هؤلاء الباحثون ليس الحد الطبيعي؛ ففي مقالٍ كتبه نويل (٢٠٠٤)، طُبِّقَ، في تقديره الشخصي، عدد كبير جدًّا من أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم بعجالة شديدة، وفي مقال آخر، ذكرت شيريل ألبرز (٢٠٠٩) أنها أعادت تَصميم أحد مقرَّرات المستوى الرفيع التي يتوقع فيها تحلي الطلاب المتفوقين بقدر أكبر من التوجيه الذاتي. ولكن ما أثار دهشتها كثيرًا أنَّ الطلاب عارضوا بشدة دراسة هذا المقرَّر. لقد افترضت شيريل ألبرز أن الطلاب المتفوقين سيكونون مُقبلين على الخبرات التعليمية التي يُمكنهم إدارتها وتنظيمها على النحو الذي يرغبونه. وفي كلا المقالَين، يُحلِّل الكاتبان السبب وراء أن أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، التي استعانا بها، أثارت سخط الطلاب كثيرًا. إنَّ نشر مقالاتٍ تَصِف محاولات المعلمين، التي لم تُحقِّق نجاحًا ساحقًا، يتطلب شجاعة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تُذكِّرنا ببراعةٍ بمقدار ما يُمكننا تعلمه من الأخطاء، وأتمنى أن يستطيع عدد أكبر منَّا الكتابة عن التغيُّرات التعليمية التي لا تسير كما هو مخطَّط لها. وسنتناول هذَين المقالَين بمزيد من الاستفاضة في الفصل التاسع الذي يستعرض المشكلات التطويرية.

يتمثَّل رد الفعل الأكثر نمطية للطلاب حيال أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم في المقاومة المبنية على أربعة أسباب، والأسباب جميعها مُترابطة، وقد تكون لها آثار تراكمية، ومن المُهمِّ أيضًا أن نلاحظ أن أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم ليست الجانب الوحيد الخاص بعملية التدريس الذي يُشتهر بإثارة مقاومة الطلاب؛ فجزء من المقاومة للجوانب الأخرى الخاصة بعملية التدريس مُستمَدٌّ من هذه الأسباب أيضًا.

(١-١) أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تتطلَّب المزيد من العمل

تقتضي هذه الأساليب المزيد من العمل من جانب المعلم، ولا سيما أثناء مرحلة التصميم، ولكن تأتي مقاومة الطلاب بسبب أن هذه النوعية من أساليب التدريس تعني بالنسبة إليهم إنجاز المزيد من العمل، وعندما يتعرض الطلاب لهذه الأساليب لأول مرة، يَشعُرون بأنه يُطلَب منهم تأدية مهامِّ المعلم. لنفترض أنك تُريد من طلاب أن يَضربوا خمسة أمثلة تُوضِّح التطبيق العملي لإحدى النظريات التي شرحتَها لهم، فبالنسبة إلى الطلاب، تتمثَّل الطريقة الأسهل والأكثر فاعلية للحصول على تلك الأمثلة في جعل المعلم يَسرد قائمةً لها في مذكرة يُمكن تحميلُها من شبكة الإنترنت، ومِن الأصعب كثيرًا بالنسبة إلى الطلاب أن يَجتمعوا بإحدى مجموعات الأقران ويَبتكروا هذه الأمثلة، ومَن يدري إن كانت هذه الأمثلة «صحيحة» أو أنها الأمثلة التي ستأتي في الاختبار؟ هذا شكل من أشكال مُقاوَمة العمل بكدٍّ من أجل التَّعلُّم.

وهذه المقاومة لها سبب وجيه من وجهة نظر المعلم (ونتمنَّى يومًا ما أن تكون من وجهة نظر الطلاب كذلك)؛ فهي دليل على أنَّ أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تُشرك الطلاب وتحثُّهم على بذل قصارى جهدهم لإنجاز مهامِّ التَّعلُّم. وكما لُوحظ في الفصل الثالث، عندما يَبتكر الطلاب الأمثلة، فهذه العملية تُساعدهم على تعلُّم المحتوى، وتُعلِّمهم كيف يَبتكرون الأمثلة. ومع وجود تقييم وتوجيه من جانب المُعلِّم، يمكن أن يتعلم الطلاب أن يَبتكروا أمثلةً رائعة.

(١-٢) تُمثِّل أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تهديدًا

يُقاوم الطلاب هذه الأساليب أيضًا لأنهم يخافون؛ فما يَحدث في معظم المواد الدراسية — وبالطبع ما قد حدث طوال معظم مراحل تعليمهم — هو الشيء نفسه؛ حيث يُملي المعلمون على الطلاب ما يفعلونه. إنه الروتين المألوف، وهذا ما يتوقعه الطلاب حين يَشرعون في دراسة مادة جديدة، إلا أنهم يَدخلون محاضرة هذه المادة ويَكتشفون أن ما يَعرفونه بالفعل ويَشعُرون بالارتياح تجاهه يحلُّ محلَّه شيء جديد. لقد فتَح هذا المعلم بابًا تخرج منه جميع أنواع السياسات والممارسات والواجبات والتوقُّعات الجديدة. ما الذي يُفترَض أن يَفعله الطلاب؟ من المسئول عن ماذا في اللحظة الراهنة؟ تُرى ما الذي يريده هذا المعلم؟

هذه التغيُّرات تُخيف نوعيات مختلفة من الطلاب؛ فالطلاب الجيِّدون حقًّا يُحقِّقون نجاحًا بالغًا في النموذج الآخَر من التَّعلُّم؛ فهم يَعرفون آليات عمل هذا النموذج، وما الذي يجب عليهم فعله للحصول على تقديرات دراسية جيدة. أما في هذه المادة الدراسية، فالقواعد تكون مختلفة؛ فمُعظم الطلاب يَشعُرون بالإحباط والغضب، حيث إنهم لا يَرغبون في الاضطرار إلى فهم قواعد ممارسة لعبة جديدة، والطلاب الذين لا يتمتَّعون بالثقة في النفس يخافون أيضًا، ولقد استقى كيلي وشيمبرج وكويل وزينباور (١٩٩٥) — الذين يصفون مقاومة تعلم مهارات التفكير النقدي ويَرصدون مقاومةً مُماثلة للأساليب الأخرى الخاصة بالتدريس المُتمركِز حول المتعلم — تفسيرهم من أدبيات العلاج النفسي: ««يُلزِم» كلٌّ من مُعلمي التفكير النقدي والأطباء النفسيِّين طلابهم/مرضاهم، الذين يُعانون عادةً من الافتقار إلى الثقة بالنفس، بتحمُّل المسئولية، والتحلي بتوجيه الذات، ومن ثمَّ، يجب على الطلاب/المرضى أن يُجربوا أشياء لا يُجيدونها بعد. إنَّ الاعتماد على الذات بدلًا من الاعتماد على الشخص المتخصِّص هو أمر مخيف؛ فأن تَصير مفكِّرًا نقديًّا أو متلقيًا ناجحًا للعلاج النفسي يعني خوض المخاطرة، والتصدِّي للمَخاوف المرتبطة بالفشل، والخوف من المجهول» (ص١٤١).

عندما يكون الخوف هو ما يجعل الطلاب يُقاومون هذا الأسلوب للتدريس، تنشَأ المقاومة من مُعتقدات الطلاب في أنفسهم كمتعلمين، فالأمر ليس مسألة اعتراض الطلاب على واجبٍ دراسيٍّ أو سياسة أو توقع جديد في حدِّ ذاته، وإنما هو خوف من أن يكونوا عاجِزين عن تنفيذ ما طُلِبَ منهم تأديته.

(١-٣) أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تتضمَّن وقوع خسائر

يلاحظ كلوس (١٩٩٤)، الذي يُوضِّح تفصيلًا مقاومةَ الطلاب للتنمية الفكرية، أنه كلما انتقلت من مستوًى معيَّن للفهم إلى مستوًى آخر، فإنَّ ثمة شيئًا يُفقَد، وشيئًا يُنسَى، وكتب يقول: «يجب علينا، كمعلِّمين، أن نتذكَّر أن النمو يخلق الشعور بالخسارة لدى الطلاب، خسارة حالة اليقين التي تدعمُهم وتُمثِّل لهم ملاذًا في عالم يزداد تعقيدًا وإرْباكًا» (ص١٥٥).

يستطيع معظمنا أن يتذكر مراحل من رحلتنا نحو النُّضج، حين أدركنا في النهاية أن الأمر كان بأيدينا؛ أي إنه يجب علينا أن نتخذ القرارات بأنفسنا، أتذكَّر حديثي مع أبي ذات مرة عما كان يَبدو قرارًا مهمًّا ومبهمًا للغاية، سألته عما ينبغي لي فعله، فقال لي إنه قد يُقدِّم لي النصيحة ويشاركني رأيه، ولكن يتعيَّن عليَّ أنا الاختيار. أتذكر بكائي بعد أن وضعتُ سماعة الهاتف، كان من الأسهل كثيرًا أن يُخبرني والدي بما عليَّ فعله.

تأخذ أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم الطلاب إلى مستوًى جديد من المسئولية؛ فيَصيرون مسئولين عما يَحدث بعد ذلك وما لا يحدث. كتَب أحد طلابي في دفتر يومياته قائلًا: «في هذه المادة، مصيرك في يدَيك تمامًا. كنتُ أظنُّ أنه ينبغي أن يروق لي ذلك، ولكنَّ هذا لم يحدُث، إنني أفتقد شعور اتخاذ القرارات بالنيابة عني.» فالقاعات الدراسية التي يتخذُ فيها المعلمون جميع القرارات هي أماكن أكثر أمانًا وبساطةً، ولعل الطلاب يتفهَّمون من الناحية الفكرية أن الأساليب الجديدة تُعزِّز تنمية مهاراتهم الشخصية، إلا أن الشعور بالخسارة هو شعور عاطفي يأخذ شكل المقاومة من جانب الطلاب.

(١-٤) بعض الطلاب غير مُستعدِّين لبعض أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم

يتناول الفصل التاسع المشكلات المُعقَّدة الخاصة بالتطوير، بما فيها المشكلات الخاصة بكيف نُعدُّ الطلاب لتحمُّل تزايد حجم المسئولية، والتحلي بالاستقلالية، ثم ندفعهم نحو ذلك. إنَّنا نبدأ من نقطة الصفر تقريبًا مع الكثير من الطلاب؛ فهم مُتعلِّمون اتكاليُّون للغاية، وعدد كبير من الأنشطة والواجبات الدراسية والسياسات المذكورة هنا وفي مواضع أخرى بالأدبيات التربوية يتطلَّب مستوًى مُعيَّنًا من النُّضج الفكري، ربما لا يتحلى به الطلاب بكل بساطة. إننا لا نبدأ في إطعام الصغار أطعمةً صلبة قبل أن يكونوا مُستعدِّين لذلك، فإذا فعلنا ذلك قبل الأوان سنَندم عادةً، وهذا هو الحال مع الطلاب الذين لا يألفون هذا الأسلوب في التدريس؛ ومِن ثمَّ، يُقاومون هذا الأسلوب متحجِّجين عادةً بأنهم لا يَستطيعون القيام بما نطلبه منهم. والأمر يتطلب التحلي بالحكمة لتمييز ما إذا كانت المقاومة اعتراضًا على بذْل المزيد من الجهد، أم نابعة من الخوف، أم الشعور بالخسارة، أم أنها بمنزلة اعتراض مبرَّر لشيء لم يستعدَّ الطلاب بعد للتعامل معه. ويَستعرض الفصل التاسع المشكلات التطورية المرتبطة بأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، ويَقترح أنشطة تُمثِّل نقاط انطلاق جيدة للبدء من عندها عندما لا يكون الطلاب قد بلغوا مرحلة المتعلمين الناضجين من الناحية الفكرية.

(٢) إدراك المقاومة

أحيانًا تكون اعتراضات الطلاب واضحة جدًّا بحيث لا يمكن إغفالها، ولكن في أحيان أخرى يُعبِّر الطلاب عن المقاومة بطرق لا تبدو بالضرورة أشبه بالاعتراضات على هذه الأساليب؛ فعلى سبيل المثال، طلابي لا يقولون إنهم مُعترضون على واجب دراسي معين، وإنما يُركِّزون انتباههم على التفاصيل، ويطرحون سؤالًا تلو الآخر، أسئلة سهلة، بل أراها من وجهة نظري أسئلة عبثية، وعادةً ما يُصاحب ذلك تعليقات منهم مفادها أنه لم يُطلَب منهم من قبل القيام بمثل هذه الأمور.

لقد حدَّد كيرني وبلاكس عدة أنواع مختلفة للمُقاومة، وأثبتا انتشار مقاومة الطلاب على نطاق واسع لجوانب كثيرة من عملية التدريس (انظر المصدر المنشور عام ١٩٩٢، الذي لخَّص عدة دراسات لهما). ولم تقتصر دراستهما على مقاومة أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، وإنما أوضحتِ الأنواع الثلاثة التي حدَّداها للمقاومة كيف تبدو مقاومة أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم عادةً:

(٢-١) المقاومة السلبية الصامتة

عادةً ما يظهر هذا النوع من المقاومة على هيئة شعور غامر بلامبالاة وافتقار للحماسة، كما وصفتُ في موضع سابق من هذا الفصل. أنا، مثلًا، أُقدِّم نشاطًا جماعيًّا قصيرًا داخل قاعة الدراسة، وبعد أن أظنَّ أن الجميع يستوعبون ما عليهم إنجازه، أقول لهم: «حسنًا، انطلقوا وكوِّنوا مجموعات، ليَجتمع كلٌّ منكم مع ثلاثة أو أربعة من الزملاء الآخرين.» لقد فعلتُ ذلك في محاضرات لم أجد فيها أيَّة استجابة ملحوظة على الإطلاق؛ حيث يَجلس الطلاب وحسب ينظرون إليَّ، ثم ينظرون إلى الساعة، أو يَنظرون خارج النافذة. «أريدكم أن تُكوِّنوا مجموعات … من فضلكم اجلسوا على كراسيكم في دائرة، وتأكَّدوا من أنَّ كل فرد في المجموعة يعرف الآخَرين جيدًّا.» وربما يَلقى هذا الطلب أقل استجابة ممكنة على مستوى «الكم والكيف»؛ فبعض الطلاب يشرعون في تبادل النظرات فيما بينهم، طارحين سؤالًا صامتًا في تردد: «أتُريد الانضمام إلى مجموعة؟» ورغم ذلك، لا أحد يُحرِّك كرسيَّه. في تلك اللحظة، أتجوَّل داخل قاعة الدراسة مبتسمةً في مرح، غير مُدركة ظاهريًّا لهذه الاستجابة البعيدة تمامًا عن الحماسة، وبالتأكيد غير مُتهيِّبة لها، وأقول لهم: «اجتمعوا، اجتمعوا، هيا يا شباب، أين المجموعة؟ حسنًا، قرِّبوا كراسيكم … أترغبون أن أكوِّن لكم بعض المجموعات؟»

غير أنَّ رسالتهم واضحة تمامًا: «لا نريد أن ننضمَّ إلى مجموعات.» ولكن لم يُعبِّر أحد صراحة عن هذه المقاومة، ثمة نسبة أقل من المخاطرة عند توصيل الرسالة بطرق غير لفظية، فإذا سأل المُعلم أحد الطلاب سؤالًا مباشرًا على غرار: «ما المشكلة، يا فريد؟» فقد يأتي الردُّ على هيئة إنكار شفهي صريح بقوله: «لا توجد مشكلة، سأنضمُّ إلى هؤلاء الشباب.» والمقاومة السلبية بمنزلة طريقة للاعتراض دون تَحمُّل المسئولية تجاه القيام بذلك، وهذا يضع المعلمين أمام تحدٍّ من نوع خاص؛ لأن بإمكان الطلاب أن يَدَّعوا عدم وجود اعتراضات.

بالإضافة إلى هذه الحالة من اللامبالاة والافتقار للحماسة، تظهَر المُقاومة السلبية في أشكال أخرى؛ مثل الأعذار والمُبرِّرات. لا يفعل الطلاب ما يطلبه منهم المعلم، ولكن بدلًا من أن يُعبِّروا عن شعورهم، يقدمون الأعذار والمبرِّرات، مثل: «كان لديَّ اختباران آخران.» «اضطررت للعمل لساعات إضافية.» أو ربما لا يذعن الطلاب، ولكنهم يتظاهرون بالطاعة؛ حيث تجدُهم يكوِّنون مجموعة ويُدردشون في ودٍّ عن أي شيء ما عدا المهمة المطلوبة منهم، أو لعلَّ الطلاب يُقاومون في سلبية عن طريق رفض المشاركة، وقد يَكونون على أتم الاستعداد داخل قاعة الدراسة، ولكنَّهم يَرفضون طرح الأسئلة أو الإجابة عنها، ولا يَرغبون في إجراء تواصل بصري مع المعلم. وبالنسبة إلى المقاومة السلبية، تتَّضح الاعتراضات عن طريق السلوكيات، باعتبارها النقيض للتعبيرات اللفظية؛ أي نوعية التصرفات التي يُمكن للطلاب إنكارها أو تفسيرها على عكس ما كان يُقصَد بها إذا ما سُئلوا عنها مباشرةً.

(٢-٢) الطاعة الشكلية

إذا تجاهَل المعلمون المقاومة السلبية للطلاب، وتظاهَروا بأنهم لم يفهموا الرسالة، فإنَّ الطلاب عادةً ما يُخاطرون ويُقاومون عن طريق تنفيذ المَهمَّة على نحو سيئ، أو تنفيذها بهمة فاترة، أو تنفيذها بسرعة بالغة جدًّا، خاصةً إذا ما ظنُّوا أنهم ربما ينصرفون قبل موعد انتهاء المحاضرة. وعلى الرغم من أنني لستُ متأكِّدةً من قدرة الطلاب على إدراك السبب وراء تصرُّفاتهم، فإنَّ طريقة تفكيرهم في الأمر تسير على هذا النحو: «إذا أدَّينا عملًا دون المستوى، أو أدَّينا بالكاد ما تُريده المعلمة، بالكاد وحسب، فربما تفهم من تلقاء نفسها أن هذا الأمر لا يؤتي ثماره معَنا، ولن تحاول تكراره مرة أخرى.» ليس من السهل دومًا أن تفهم ما إذا كان هذا النوع من ردود الأفعال ردَّ فعل صادرًا من طلاب ليس لديهم خبرة في العمل الجماعي أو لا يتمتَّعون بمستوًى جيد من مهارات العمل الجماعي، ومِن ثَمَّ لا يعرفون كيف يُنفِّذون المهمة على نحو جيد، أم أنه شكل آخر من أشكال المقاومة. أحيانًا أعتقد أنه مزيج من الأمرين.

كما تظهر الطاعة الشكلية نفسها بعدة طرق أخرى؛ فربما يَحضر الطلاب المحاضرة وهم على أتمِّ استعداد لها، ولكنهم لا يُريدون أن يكشفوا الغطاء عما يَعرفونه بالفعل؛ فتجدُهم يُتمتِمون بثلاث كلمات ردًّا على سؤال خادع ذي إجابة مفتوحة، ويُؤدُّون جزءًا من الواجب المنزلي، ولكن لا يُؤدُّونه كله، وربما يكون الطالب ذكيًّا للغاية ويتمتَّع بالقُدرات، ولكنَّه يقاوم من خلال بذل أقل مجهود فقط. وأحيانًا تأتي الطاعة الشكلية على هيئة الاستغراق في التفاصيل الإجرائية، كطرح الأسئلة التي لا تَنتهي بخصوص ما تُريد منا أن نفعله، أو مُناقشة أساليب بديلة، أو طرح أسئلة تفسيرية. يُطيع الطلاب المعلم عن طريق التركيز على المهمَّة، ولكنَّهم يَعترضون عن طريق الإفراط في مناقشة المهمَّة، ورغم ذلك، من المهمِّ أن نضع في الاعتبار التمييز بين ما إذا كانت المناقشة المُتواصلة لأحد الواجبات الدراسية تُمثِّل شكلًا من أشكال المقاومة، أم ما إذا كان الواجب الدراسي محيرًا وغير واضح بالفعل. والمعلمون الذين يتَّسمون بالحكمة لا يعتمدون على الافتراضات، بل إنهم يسعون للحصول على المزيد من التقييمات من جانب الطلاب.

(٢-٣) المقاومة الصريحة

الخبر السارُّ بخصوص المقاومة الصريحة هو أنك لستَ مضطرًّا إلى التساؤل عما إذا كان هذا التصرف بمنزلة مقاومة أم لا؛ فالرسالة واضحة، وعادةً ما يتمُّ توصيلها بقدر من الانفعال، وأحيانًا بالكثير من الانفعالات. وفي أفضل السيناريوهات الممكنة، يمرُّ عليك الطالب المستاء أثناء ساعات العمل في مكتبك ليُعبِّر عن اعتراضاته، غير أن أفضل هذه السيناريوهات لا يَحدث عادةً، وهذا هو الخبر السيئ بخصوص المقاومة الصريحة؛ حيث تجد الطلاب يُعبِّرون صراحة عن هذه المقاومة داخل قاعة الدراسة، ويُصرِّحون بها في وقت لا تتوقَّعه، ويَبعثون برسالتهم دون قدر كبير من التزيين، فتسمَع منهم اعتراضات كهذه: «لا يتوقَّع المعلمون الآخرون منا أن نتبع هذه الطريقة في العمل.» «لماذا نضطر إلى التفكير في الإجابة؛ فأنت تعرف الإجابة. لماذا لا تُخبرنا بها وحسب؟» وربما يكون الطلاب الكبار، الذين يدفعون مصاريف تعليمهم الخاص، على درجة بالغة من العند والتعنُّت عندما يُطلَب منهم العمل مع مجموعة من الطلاب الأصغر سنًّا، الذين يَبلغون من العمر ثمانية عشر عامًا مثلًا. كما قال لي أحدهم ذات مرة أمام باقي الفرقة الدراسية: «أنا لا أعرف الكثير عن هذا الموضوع، ولكني أعرف أنه ليس لديَّ وقت للجلوس مع حفنة من الأطفال الذين يَعرفون قدرًا أقل منِّي عن هذا الموضوع.» أو تسمع اعتراضات، كالتعليق الذي سمعه أحد زملائي من طالب لديه: «إننا نعرف السبب وراء إجبارك لنا على العمل الجماعي؛ فهذا يوم من الأيام التي لا يكون لديك وقت فيها للتحضير قبل المحاضرة.» أو رسالة البريد الإلكتروني التي تلقاها أحد الزملاء الآخَرين، التي جاء بها هذا الاعتراض: «عليكَ أن تفهم أن معظم الطلاب يتعلمون على نحو أفضل حين يُلقي المعلمون المحاضرات، وفرقتنا الدراسية ليست استثناءً من القاعدة.»

يوجد رد جيد جدًّا على كل هذه الاعتراضات، ولكنه لا يخطر على بالنا دومًا في اللحظة التي يُعبِّر فيها أحد الطلاب الساخطين عن اعتراضٍ يوحي بأننا ربما لا نقوم بما يعتقد الطلاب أنه يجب علينا القيام به. إن تبنِّي توجه دفاعي في هذه المواقف هو رد فعل طبيعي للغاية، ورغم أن الهجمات تبدو ذات طابع شخصي، فإنها ليست كذلك؛ فالمُقاومة تَعتمد على أسباب لا تتعلق بالمعلم، كما أوضحنا في القسم السابق، ومِن شأن فهم كلٍّ من الأسباب وراء المقاومة والأشكال التي تظهر بها هذه المقاومة أن يَجعلنا نستعدُّ للتفكير في ردود الأفعال، ومن ثمَّ، نبحث عن إجابات تُساعد الطلاب على التعامل مع مقاومتهم.

(٣) طرق التغلب على المقاومة

أفضل طريقة للتعامل مع المقاومة هي التواصُل؛ أي إجراء حوار حرٍّ ومفتوح بين جميع الأشخاص المعنيِّين: أفرادًا وجماعات على حدٍّ سواء. وفيما يلي، أَصِف أربع طرق للتواصُل اللازم، وأقترح أن التعامل مع المقاوَمة يكون في أفضل صوره عندما يَستعين المعلمون بكل هذه الاستراتيجيات الخاصة بالتواصل، ومن المهمِّ أن نتذكَّر أن التغلب على المقاومة ليس مهمة يُنجزها المعلمون من أجل الطلاب، وإنما هي مهمة يعملون عليها لمساعدة الطلاب على إنجازها بأنفسِهم.

(٣-١) تَواصَل بوضوح، وعلى نحو متكرِّر، بخصوص السبب وراء استخدام أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم

يُفسِّر المعلمون، الذين يتبعون هذه الأساليب، السببَ التعليمي وراء ما يطلبون من الطلاب تأديته، إنهم لا يفترضون أن الأسباب الكامنة أو الفوائد المتوقَّعة من تأدية واجب دراسي أو نشاط ما واضحة بالنسبة إلى الطلاب. وقد تعلَّم مُعظمُنا، من واقع التجارب الشاقة، أن الأمر ليس كذلك؛ فعادةً لا يَقضي الطلاب المزيد من الوقت (أو لا يقضون وقتًا على الإطلاق) في التفكير في السبب الأساسي وراء الأنشطة أو الواجبات الدراسية أو السياسات المتَّعبة لدراسة المادة. إنهم عُرضة أكثر للتركيز على التقديرات الدراسية والمَخاوف الأخرى، مثل محاولة فهم ما يُريده هذا المعلم، لا السبب وراء رغبته في ذلك.

علاوة على ذلك، لا يُفسِّر المعلمون عادةً السبب وراء ما يَطلبونه من الطلاب، وقد يَندهشون من الجهد الذي يجب عليهم بذلُه داخل القاعات الدراسية التي تُطبِّق هذه الأساليب. فلا يجب شرح السبب وراء الواجبات الدراسية الجديدة، والأنشطة غير المألوفة، والسياسات المختلفة بطريقة منطقية وموضوعية وحسب، كما يفعل المعلمون عادةً، بل يجب أن تُقدَّم بطريقة مقنعة أيضًا، يجب أن يحاول المعلمون أن «يُقنعوا» الطلاب بالفكرة، أو على الأقل يُقدِّموا الأسباب الوجيهة والمُقنعة لتأدية واجبٍ منزليٍّ، أو نشاط، أو اتِّباع سياسة كهذه.

بالإضافة إلى الجهود المبذولة للإقناع، ثمة محاولات غير دفاعية لتَبرير أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، تعليقات على غرار: «كلانا يُريد الشيء نفسه؛ مقرَّر دراسي يستحق كل مليم دفعتموه من أجل دراسته. هدفي هو أن أُقدِّم مقرَّرًا دراسيًّا يُشجِّع على التَّعلُّم، أقصد قدرًا كبيرًا من التَّعلُّم العميق، ذلك النوع الذي نربطه بالفهم، وأريدكم أن تكونوا متعلِّمين مثقَّفين.» «أجل، أنتم مُحقُّون. ما أطلبه هو المزيد من العمل للطلاب، وقد يكون الأمر أسهل لو ضربتُ لكم الأمثلة، ولكن كيف سيُعدُّكم ذلك للمستقبل، حين لا أكون معكم وتكونون في حاجة إلى أمثلة توضيحية؟»

يجري كذلك توصيل عدد من الرسائل برزانة وهدوء، وهي رسائل وثيقة الصلة بالموضوع، وتُدافع عن هذا الأسلوب في التدريس، على سبيل المثال: «كما تعلمون، لستُ مهتمًّا بشدة بما إذا كان هذا المقرَّر الدراسي، أو هذا الواجب الدراسي، أو هذا النشاط يروق لكم أم لا. إنني أهتم بما أطلب منكم القيام به، وبالطريقة التي يُؤثِّر بها هذا المقرر الدراسي على الجهود التي تبذلونها من أجل التَّعلُّم. هل تستوعبون هذه المادة العلمية؟» «كلا، لن أسمح لكم بالانسحاب من مجموعاتكم الخاصة؛ ففي معظم السياقات المهنية، لا يُعرَض علينا اختيار مَن نعمل معهم، بل إننا نُكلَّف بالعمل مع فِرَق ومجموعات ولجان، ويُتوقَّع منا إنجاز عمل مُثمر مع أشخاص لا نعرفهم، وأحيانًا لا يروقون لنا.» وسواء أكانت الرسائل هدفها الإقناع أم التبرير أم الدفاع، فإنها جميعًا تدور حول توضيح الأسباب.

ولكن للأسف، لعلَّك لاحظتَ أنني عرضتُ توًّا نموذجًا آخر لأسلوب التدريس المعتمِد على التلقين؛ فأنا أدرك أنني أُلقِّن الطلاب حين أحاول إفهامهم السبب الرئيسي لأول مرة، وفي وقتٍ لاحق، بدأتُ أطرَح الأسئلة على الطلاب، بدلًا من تلقينهم، وكانت ردود الطلاب أقل تبصرةً وإلهامًا مما كنتُ أتوقع، فكنتُ أطرح عليهم سؤالًا: «في رأيكم، لماذا يطلب معلم من طلابه أن يُقيِّموا مشاركتهم الخاصة؟» وجاءت الردود: «لأنكِ لا تريدين أن نلومك على التقديرات السيئة.» «لأنَّ لديكِ عددًا كبيرًا جدًّا من المهام الأخرى، وتحتاجين إلى المساعدة.» «لأننا نروقُ لكِ وترغبين في منحنا قدرًا من السيطرة.» «لأنه شيء ممتع مُتعلِّق بالمشاركة.» شعرت بالحيرة: أينبغي لي العودة إلى تلقينهم الأسباب؟ في أغلب الوقت، لم أفعل هذا، إلا أنني كنتُ ألجأ للجانب السلبي كبديل، وأعطي بضع درجات إضافية لمن يستطيع أن يفكر في الأسباب ويطرحها. ويظلُّ السبب الرئيسي وراء ما نجعل الطلاب يقومون به غامضًا ما لم نُحفِّزهم على استكشاف الأسباب والبحث عنها وسط أشياء أخرى.

(٣-٢) وصِّل الرسائل التي تشجِّع وتدعم بإيجابية

من واقع خبرتي، المقاومة التي تَنشأ من الحقيقة القائلة بأن أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تتطلب المزيد من العمل هو أسهل اعتراض يمكن للطلاب أن يتغلَّبوا عليه، فإذا توقف الطلاب لبرهة، وفكروا في الأمر، يمكنهم أن يُدركوا السبب المنطقيَّ؛ أي التحلي بالقدرة على تحديد الأجزاء المهمة فيما يقرءون، أو ما المحتمل أن يأتي في الاختبار، أو ما الأمثلة التي تُوضِّح النظرية، أو لماذا يحتاجون إلى حلِّ المشكلات. ويكون الطلاب أسرع اقتناعًا إذا لم تدفع شكواهم المتكرِّرة المعلم إلى تلقينهم بما يحتاجون إلى معرفته. أما المقاومة الأكثر إلحاحًا وصعوبة من حيث التعامل معها فتقوم على التوتُّر والخوف؛ أي الشعور بالضيق والانزعاج جراء طلب تنفيذ مهام جديدة أو تنفيذ مهام مألوفة ولكن بطريقة مختلفة.

يقف المعلمون، باعتبارهم ميسرين لعملية التَّعلُّم، إلى جوار الطلاب، ويُقدِّمون لهم كلمات الدعم والتشجيع؛ على غرار: «أعلم أن هذا يُمثِّل ضغطًا بالنسبة لكم، ولكني لم أكن لأطلب منكم تأدية هذا الواجب الدراسي لو أنَّني لا أظن أن بإمكانكم التعامل معه. يُمكنكم أن تفهموا المهمة بأنفسكم.» «إن ارتكاب الأخطاء والشعور بالإحباط هما عنصران مهمان في عملية التَّعلُّم. لاحِظوا ما يُمكنكم تعلمه منهما.»

وإلى جانب هذه الرسائل التشجيعية، عليكَ أن تُقدِّم الدعم الإيجابي عندما يكون مُستحَقًّا. بالتأكيد لا يكون الدعم مُستحقًّا عند الثناء بطريقة مضلِّلة على السلوكيات أو التصرفات أو الاسهامات التي لا تستحقُّ الإشادة. وهو مُستحَقٌّ حتى عندما يكون ما حقَّق نجاحًا، أو سار على نحو صحيح، أو أوفى بمعايير رفيعة المستوى، هو مجرد جزء صغير من المشروع الإجمالي. في الواقع، تزداد الحاجة إلى الإشادة والثناء في تلك الظروف التي لا بد أن يكون فيها قدر كبير من التقييم سلبيًّا.

ومن أجل إقناع الطلاب ومساعدتهم في التغلب على المقاومة التي يَشعُرون بها، يجب أن يَعتمد تشجيع المعلم على إيمان راسخ ومُطلَق بقُدرة الطلاب على التَّعلُّم والتوصُّل إلى الاستنتاجات بأنفسهم، والتحوُّل إلى متعلمين راشدين يتسمون بالاستقلالية. بالطبع، ليس جميع الطلاب أهلًا للتحدِّي؛ ففي القاعات الدراسية التي يُتَّبَع فيها التدريس المُتمركِز حول المتعلم، لا يزال بعض الطلاب يَرتكبون الأخطاء الفادحة، ويرسُبون، بل يُشعروننا بالإحباط أيضًا، إلا أن هذا الواقع لا ينبغي أن يُزعزع إيماننا بقدرة معظم الطلاب على التَّعلُّم جيدًا حين نستعين بهذه الأساليب الخاصة بالتدريس. ومن الأسهل كثيرًا أن نُقدِّم للطلاب نوعية التشجيع والدعم التي يحتاجون إليها، عندما تؤمن حقًّا وصدقًا بأن هذه الأساليب تُساعدهم على أن يصيروا متعلمين أفضل.

(٣-٣) اطلبْ من الطلاب تقييم خبراتهم التعليمية بانتظام

يتم التغلُّب على المقاومة عندما يُمنَح الطلاب فرصًا للحديث عنها، دعهم يُثيرون التساؤلات ويُعبِّرون عن المَخاوف عندما يُكلَّفون بواجب دراسي جديد. أجِب عن أسئلتهم بهدوء وتأنٍّ. ومع بدء العمل على مشروع دراسي، اطلُب من الطلاب أن يتحدَّثوا عن طريقة سير الأمور معهم، سواء أكان ذلك عن طريق الحوار على شبكة الإنترنت أو داخل قاعة الدراسة. إذا كانوا بحاجة إلى التنفيس عن مَشاعرهم، دعهم يفعلون ذلك. بعد ذلك، ركِّز النقاش على ما يمكن فعله إزاء هذه الإحباطات. اطرح عليهم هذا السؤال: هل توجد تغييرات يمكن إجراؤها في اللحظة الراهنة قد تجعل من المشروع تجربةً تعليمية ذات نفع أكبر؟ ربما تكون بعض اقتراحاتهم غير قابلة للتطبيق، إلا أن أفكارهم تستحقُّ أن نضعها في اعتبارنا.

في النهاية، وبعد الانتهاء من إنجاز المشروع أو النشاط أو الواجب الدراسي، حدِّد موعدًا لإجراء مناقشات تقييمية وتصحيحية. هذه المناقشات تفيد الطلاب والمعلمين، وأُوصي بعقدها بعد الانتهاء من المشروع مباشرة، بدلًا من الانتظار حتى نهاية دراسة المادة؛ فالتجارب حاضرة في ذهن الجميع، ويكون الطلاب في هذه الفترة متحمِّسين للحديث أكثر من أي وقت لاحق. وربما يكون التقييم مكتوبًا، فإذا كان كذلك، فإنَّ الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة تكشف المزيد مقارنةً بالأسئلة التي تطلب من الطلاب تقييم التجارب الدراسية بكلمة أو درجة واحدة وحسب. والمقصود بالأسئلة المفتوحة أسئلة مثل: ما الذي أتي ثماره على نحوٍ جيِّد؟ ما الذي يحتاج إلى التغيير؟

إنني أُفضِّل عقد هذه النوعيات من النقاشات التقييمية داخل قاعة الدراسة؛ حيث يتوافر للطلاب فرصة لتقديم التقييم (وهذه النقطة طرحتُها بالكامل في الفصل السابع مؤيدةً إياها)، وهي جزء من تَحمُّل المسئولية تجاه ما يحدث داخل قاعة الدراسة. فكلُّ فرد داخل قاعة الدراسة شارك في التجربة؛ ومن ثمَّ فلنتحدَّث عن مدى تأثير هذه التجربة على الجهود المبذولة لتَعلُّم المحتوى، وما تعلمناه عن عمليات التَّعلُّم عن طريق إنجاز العمل بهذه الطريقة. ومن أجل إضفاء المصداقية على النقاش، يُمكنك أن تُسند لإحدى المجموعات الطلابية مهمَّة تقييم المشروع، فربما يَبتكرون ويُجرون استبيانًا أو مقابلة شخصية مع الزملاء الآخرين. إنَّ عرضهم للنتائج هو ما يبدأ النقاش على مستوى الفرقة الدراسية بأكملها، وكثيرًا ما يُقلِّل الحديث عن تجاربهم مع تنفيذ مشروعٍ ما الاعتراضَ على الواجبات الدراسية والأنشطة التالية.

هذه المحادَثات لا تفيد الطلاب وحسب، بل إنها ذات قيمة بالنسبة إلى المعلمين كذلك. وهذه المحادثات تتسم بالصعوبة فقط إذا ما خُضتها مفترضًا أنك صمَّمت تجربة تعليمية شبه مثالية. ومن الأفضل أن تُفكِّر في أي أسلوب خاص بالتدريس المُتمركِز حول المتعلم باعتباره عملًا مستمرًّا؛ أي عملًا تتوقَّع أن يتطور ويتغير بمرور الزمن، واستجابةً لتقييم الطلاب. عليك أيضًا أن تكون مستعدًّا للتعامل مع التقييمات التي لا يتمُّ تقديمها دومًا على نحو بنَّاء. وكما ناقشنا بالفعل في عدة مواضع مختلفة من هذا الكتاب، فإنَّ تعلم تقديم تقييم مفيد هي مهارة تُنمَّى بالممارسة. ومن المفيد أيضًا أن يكون لديك فكرة عن طريقة استجابتك للمُقترحات التي لا يُمكنك تطبيقها، مثل المقترحات التي تخلُّ بالأهداف التعليمية الخاصة بالنشاط، وإذا قرَّرتَ عدم إجراء تغيير يقترحه الطلاب، فسيُقدِّرون لك اطِّلاعهم على السبب. إنك ترغب في خوض هذه المحادَثات على أمل أن تسمع بعض الأفكار الجيدة حقًّا، وستجد على الأرجح بعضًا من هذه الأفكار.

عندما يَستجيب المعلمون لتقييمات الطلاب على نحو إيجابي، وعندما يُجرون التغييرات بناءً على ذلك، فإنَّ هذا يُحفِّز الطلاب بعدة طرق؛ أولًا: هذا يُشجِّعهم على تقديم المزيد من التقييمات. ثانيًا: يزيد من إحساسهم بالمسئولية تجاه ما يحدث داخل قاعة الدراسة. إنَّ طلب مساهماتهم والاستعانة بها يقدم دليلًا قاطعًا على أن المعلمين يسمحون للطلاب بأخذ قرارات بخصوص الطريقة التي ستُنجَز بها الأعمال المهمَّة داخل قاعة الدراسة. وفي تلك المرحلة، يكون للطلاب مصلحة شخصية في إنجاح ما نُحاول القيام به. وفي النهاية، تُعدُّ الفرصة للتفكير في تصميم الخبرات التعليمية وإعادة تصميم الطلاب للمرحلة التي سيقومون فيها بتصميم خبراتهم التعليمية الخاصة.

(٣-٤) قاوم مقاومتهم

يستطيع الطلاب البائسون والمتذمِّرون والشكاءون أن يُثيروا حنَقَ المعلمين بكل سهولة، وهذا جزء من خطة الطلاب، سواء أكانوا يفعلون ذلك بوعي أم من دون وعي؛ حيث إنهم يُرهقون المعلم، ويُشاهدونه يتراجع عن قراراته ويَنزل على رغبتهم. وإذا ما فعل ذلك، فإنهم يَكتشفون أن المقاومة تجدي نفعًا، ومن ثم يُمكنك أن تتوقع تزايد هذه المقاومة؛ فالمقاومة تتضاءل عندما تُقاومها، ويُمكنك أن تُخفِّف حدَّة استجابتك الصارمة، عن طريق اتباع استراتيجيات التواصُل المقترحة في هذا القسم.

إذا لم تَسِر الأمور كما خططت لها بالنسبة إلى واجب دراسي جديد أو نشاط جديد أو سياسة جديدة، وتسبَّب ذلك في الكثير من الشكاوى، فمِن المُغري أن تستسلم لرغبة الطلاب. ومع ذلك، إذا كنتَ ترغب في مساعدتهم في التغلب على مقاومتهم، فعليك أن تَلتزم بتنفيذ الخطة. هذا لا يعني أنك لا تستطيع إجراء تعديلات أو أي تغييرات بسيطة. إنَّ الإذعان لرغبات الطلاب يَحدُث، عندما يحدث خلل في السمات الخاصة بما تحاول دفع الطلاب إلى إنجازه وفقًا لأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم؛ أي عندما لا يُضطرُّون إلى التفكير في الإجابات، والعمل في مجموعات، وتوفير التقييمات بعضهم مع بعض، واتخاذ القرارات بخصوص ما يُفْترض عليهم إنجازه وما إلى ذلك.

ولعلك ترغب في التراجع والإذعان لرغبة الطلاب، وقد اتخذتَ قرارًا بالفعل بأنك لن تَستعين مطلقًا بهذا النشاط مرة أخرى، ولكن بمجرد بدء هذا النشاط داخل قاعة الدراسة، فثمَّة فائدة في مواصَلة العمل رغم صعوبته والمضي قدمًا بثقة نحو إنجازه. لا يجب عليك التظاهر بأن كل شيء يسير على خير ما يُرام في حين أنه ليس كذلك، ولكن ثقتك تَستند إلى النظريات والأبحاث التي تُثبت فاعلية هذه الأساليب، وإلى قدرتك على مساعدة الطلاب في «إصلاح»، أو على الأقلِّ تحسين، تلك الجوانب الخاصة بالواجب الدراسي أو النشاط أو السياسة، التي يراها الطلاب مُحبِطة أو صعبة.

وبالوضع في الاعتبار حقيقة مقاومة الطلاب، لا أظنُّ أن بإمكانك تجربة أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم بهمة فاترة، ولا يُمكنك أن تتردَّد فيما تفعل، فهذا يصبُّ الوقود على نيران المقاومة فحسب، ولعلَّك تشعر برغبة في التراجع والعودة إلى طريقة تدريس أكثر أمانًا وتعقُّلًا، ولكن عندما تعمل مع الطلاب، فكلُّ ما ينبغي لك أن تُظهره لهم هو التزامك الصارم حيال أهداف التدريس المُتمركِز حول المتعلم، ومن ثمَّ يَستشعرون العزم والإصرار في تصرُّفاتك، ويتراجعون عن مقاومتهم.

وبينما أنت في خضمِّ التعامل مع مقاومة الطلاب، اعلم أنك لست وحدك، لقد كان هذا هو رد الفعل في الكثير من قاعات الدراسة، ولقد رأى معظمنا أيضًا تراجُع حدة المقاومة، بل وأحيانًا اختفاءها تمامًا، وستسعد بما سيحلُّ محلها. ومثلما لا يستطيع مَن التزم منَّا بأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم العودة إلى الطريقة التي كان يُدرِّس بها من قبل، يشعر الطلاب أيضًا بأنهم لم يَعودوا يرغبون في التَّعلُّم بالطريقة التي اعتادوها من قبل. ويشعرون بالحنَق والغضب في قاعات الدراسة التي لا تُوفِّر لهم الاختيار، أو التركيز على التَّعلُّم، أو تحمل المسئولية أو الاستقلالية. أتذكَّر ذات يوم أنني كنتُ أُلقي خطبة قصيرة (أو هذا ما ظننته)، وكان بإمكاني ملاحظة أن الطلاب يَنظر بعضهم إلى بعض، ثم رأيتُ أحدهم يرفع يده في تردد قائلًا: «دكتورة وايمر، لدينا الكثير من العمل لنُنجزه في مجموعاتنا، أليس ما تُخبريننا به يُغطِّيه الجزء الخاص بالقراءات؟» شعرتُ بالاستياء قليلًا؛ كنتُ أظنُّ أنني أضيف بعض الأفكار المُلهمة الجديدة، ولكن كان حريًّا بي أن أشعر بالبهجة والسعادة الغامرة.

(٤) مقاومة أعضاء هيئات التدريس

للأسف، لا يمكن اختتام هذا الفصل بهذه النهاية السعيدة؛ فبعض الزملاء والإداريين يتشكَّكون في أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، ولا يَسهُل تفنيد مقاومتهم عن طريق التواصل الصريح. وكما هي الحال مع الطلاب، تبدأ نقطة الانطلاق بتحليل الأسس التي ترتكز عليها مقاومتهم. على أي أساس يَعترضون؟ ومع الوضع في الاعتبار هذه الأسُس، فإنه يمكن استكشاف طُرق التعامل مع مقاومتهم واعتراضاتهم.

(٤-١) أسباب مقاومة أعضاء هيئات التدريس

يقاوم بعض الزملاء هذه الأساليب؛ لأنهم يَرون أنها تُمثِّل تهديدًا شديد الخطورة؛ إذ يَختبر التدريس المُتمركِز حول المتعلم قدرات المعلم على عدة مستويات مختلفة؛ فهذا الأسلوب من التدريس يتعامل مع المشكلات الخاصة بالسلطة والنفوذ، ويَستبعد الاعتماد الحصْريَّ على المعرفة التخصصية الوثيقة بالمحتوى، وينتقل بالمعلمين إلى نطاق غير مألوف خاصٍّ بالتدريس القائم على تنمية مهارات التَّعلُّم، ويُثير تساؤلات حول ممارسات التدريس واسعة الانتشار. وكما هي الحال مع الطلاب، تُفسِّر المشكلات التطويرية جزءًا من مقاومة أعضاء هيئات التدريس، فليس كل المعلمين على استعداد لاستخدام هذه الأساليب، بل ومن المحتمَل أن بعضهم لن يكونوا على استعداد لذلك مطلقًا.

ومع ذلك، يُمكِنك أن تتيقَّن من أنه حين يَذكر الزملاء أسباب اعتراضاتهم على هذه الأساليب، فإنَّهم لن يُخبروك بمعارضتهم لاستخدامها؛ لأنهم يرونها تهديدًا، أو بالأحرى يرونها مُربكة على المستوى الشخصي. وتقريبًا لن يعترف أي شخص أكاديمي يكنُّ لنفسه الاحترام بمثل هذا السبب العاطفي، وربما غير العقلاني أيضًا؛ ومن ثمَّ ستضطرُّ إلى تحديد ذلك الأمر بنفسك. هل هذا الزميل يُعارض أفكار التدريس المُتمركِز حول المتعلم ذاتها؟ أم أنه يُعارض هذه الأساليب لأنها تَنطوي على مخاطر لم يستعدَّ لخوضها بعد؟

ويُقاوم زملاء آخَرون هذه الأساليب للتدريس لأسباب موضوعية أخرى؛ إذ يُساورهم القلق بشأن ما قد تُحقِّقه هذه الأساليب، على سبيل المثال: احتمالية تقليل حجم محتوى المواد الدراسية، والسماح للطلاب بوضع سياسات المادة الدراسية وقواعدها، وتخصيص وقت المحاضرة لتنمية مهارات التَّعلُّم، وتقليل عدد القواعد والشروط الإجبارية، ومنح الطلاب دورًا في أنشطة التقييم الذاتي وتقييم الأقران. في نظر كثيرٍ من أعضاء هيئات التدريس، هذه الأفكار ثورية تمامًا، وتُثير الكثير من الأسئلة المنطقية. وكما هي الحال مع الطلاب، هذه مُقاومة لها أسبابها الوجيهة؛ فهؤلاء الزملاء يَطرحون أسئلةً لها إجابات، وطرحُهم إياها يوفر الفرصة لاطِّلاع الآخرين على المُميزات الخاصة بالتدريس المُتمركِز حول المتعلم وربما إقناعهم بها.

(٤-٢) التعامل مع مقاومة أعضاء هيئات التدريس

يبدأ الردُّ على مقاومة الزملاء بأن تكون مستعدًّا؛ أقصد أن تعرف شيئًا عن الأسس المعرفية النظرية والتجريبية والعملية التي تقوم عليها هذه الأفكار الخاصة بالتدريس والتَّعلُّم. إنَّ الأسئلة التي يطرحها من يُقاومون هذا النوع من التدريس يُمكن الإجابة عنها، وثمة أمورٌ كثيرة مذكورة في مواضع أخرى من هذا الكتاب، ومُرتبطة بالاعتراضات التي تُثار باستمرارٍ في هذا الصدد. إذا كانت المقاوَمة منبعُها الخوف، إذَن فربما لا تُؤتي الحُجج المنطقية والأسباب الجيدة والأدلة والبراهين ثمارَها في هذا المقام. وفي تلك المواقف، يَجدُر بك أن تشرح أفضل الأسباب، ثم تتوقَّف عند هذا الحد، على أن تُبقي بعض الاستراتيجيات في ذهنك على سبيل الاحتياط.

كن واعيًا بالسياسات والقواعد: قد يكون أعضاء هيئات التدريس مثاليِّين جدًّا؛ فبمجرَّد أن يقتنعوا أن الحقَّ في صفهم، يُقْدِمون على الأمر بشجاعة والتزام، مثلما كان يفعل فرسان العصور الوسطى. فإذا كنتَ متمرِّسًا ومُتفرِّغًا ومُتحمِّسًا لخوض الصراعات امْضِ قدمًا، وجادل من يُقاومون هذا الأسلوب للتدريس، ولكن إن لم تكن كذلك فلا تتجاهل الحقائق الخاصة بمَوقفك فيما يتعلَّق بالسياسات والقواعد. وإذا لم تكن مُعيَّنًا بمنصب أستاذ مُتفرِّغ فلن تكون مدرِّسًا يستطيع تطبيق هذا الأُسلوب للتدريس في هذه المؤسسة التعليمية. وإذا انتهى بك المطاف بخلافٍ مع رئيس قسمك فربما لا تأتي علاوة الاستِحقاق (على افتراض أن مثل هذه الأمور لا تزال قائمة) بالقدر الذي تتوقَّعه. إنَّ الحرية الأكاديمية لشيء رائع، إلا أننا لا نزال نعيش ونعمل، ويجب أن نحيا، في ظلِّ مؤسسات تحكُمها سياسات وقواعد صارمة.
لا تُحاول دفع الجماهير نحو التغيير بالإجبار: هذه تنويعة ثانية لفكرة كونك واعيًا بالسياسات والقواعد، سيكون الملتزمون منا بهذه الأساليب التزامًا صارمًا أول مَنْ يُخبرك بأننا بحاجة إلى المزيد من أعضاء هيئات التدريس الذين يتبعون هذا الأسلوب في التدريس. تَسير وتيرة التغيير ببطء على نحو محبط، إلا أن تعقُّب أساليب التدريس التي يتبعها الآخرون بحماسة شديدة ليس بأمر يُنصَح به؛ فهو عادةً يجعل المعارضين أكثر مقاومةً للفكرة، ويضرُّ بالدعوة إلى اتِّباع هذا الأسلوب. والمبدأ الذي أوضحناه في التعامل مع الطلاب؛ أقصد أنك لا تَستطيع أن تتعلَّم أي شيء بالنيابة عن الطلاب، يُمكن تطبيقه هنا. فبالمثْل، لا يُمكنك أن تُحسِّن من أسلوب تدريس معلم آخَر، بل يجب أن يكون هذا المعلم على استعداد للقيام بذلك بنفسه.

من الرائع أن نحظَى برفقة عندما نشرَع في اتِّباع طريقة جديدة لإنجاز المهام؛ فوجود الآخَرين يُساعد في تبرير قرار إجراء هذه التغييرات. ومع ذلك، أحيانًا تنشأ الحاجة إلى جعل الآخَرين يفعلون ما نفعله من عدم ثقتنا في أنفسنا ووجود أسئلة عالقة في أذهاننا بلا إجابات. ادرس دوافعك وراء الرغبة في جعل الآخَرين يَتبنَّون هذه الأساليب؛ فأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم ليست «صحيحةً» لأن الكثير من الناس يستعينون بها، وإنما هي «صحيحة»؛ لأنها تعتمد على أدلة عملية ونظرية وتجريبية، ومن ثم، لا تسعى لصحبة الآخرين من أجل السبب الخطأ. إنَّ محاولة دفعهم إلى التغيير يَقتطع من وقت الجهود اللازمة للاستعانة بهذه الأساليب بفاعلية.

استفِد من استقلالية قاعتك الدراسية: لا يُعَدُّ عنصر الاستقلالية الذي تتميز به قاعاتنا الدراسية ذا فائدة دومًا، ولكنه ذو فائدة في هذه الحالة فعلًا، فما تفعله داخل قاعة الدراسة هو أمر يعود إليك تمامًا. حتى وإن كان المناخ السائد داخل مؤسَّستك التعليمية لا يدعم التدريس المُتمركِز حول المتعلم، فليس من المرجَّح أن يثنيك أحد عن تجربة بعض هذه الأساليب. لستَ مضطرًّا إلى وضع لافته على باب مكتبك تُفصح عما تفعله، بل افعلها وحسب! أنا لا أنصح بالخداع أو التضليل، لكن ليس هناك حاجة إلى المُجاهَرة بما تفعل، لا سيما إذا كان المُحيطون بك يتساءلون عن أسباب تغيير الأسلوب الذي كنتَ تتبعه في التدريس من قبل.
أثبتْ تأثير أساليبك: الأدلة والبراهين العملية تُقنع الزملاء والإداريِّين على نحو أفضل من الحديث النظري. لا تُخبرهم بما تُحقِّقه هذه الأساليب، بل اجمع الحقائق التي تُثبت ذلك، وفي هذا المقام، أنا لا أُشير إلى بيانات التقييم الذي يتمُّ في نهاية دراسة المادة. لا تزال معظم المؤسسات التعليمية تستعين بنماذج تقوم على أساليب التدريس التلقيني المُتمركِز حول المعلم. وتَحتوي هذه النماذج على بنود غير ذات صلة، وتفتقر إلى بنود أخرى يجدر أن تُجمَع على أساسها التقييمات. وتفرض الكثير من المؤسسات التعليمية استخدام نموذج معيَّن؛ ومن ثَمَّ لا يستطيع المُحاضرون أن يختاروا استبدال شيء آخر بها، فإذا كان الأمر كذلك، فمِن الضروري أكثر أن يجمع المعلمون البيانات التي تُثبت تأثير هذه الأساليب.

ربما يشمل ذلك الإثبات نماذج من عمل الطلاب، بما في ذلك اختبارات وأبحاث ومشروعات تمَّ إنجازها، ويمكن الاستعانة بمجموعة من الأعمال الخاصة بطالب بعينه؛ لتوضيح التقدُّم المُحرَز، وربما يتضمَّن الإثبات أيضًا استطلاعات رأي تَطلُب من الطلاب أن يُسجِّلوا إلى أي مدًى أثَّرت الجوانب الخاصة بهذا الأسلوب للتدريس في جهودهم المبذولة للتَّعلُّم، وربما يكون الإثبات دراسة تُقارن بين أداء الطالب في أجزاء تدريس المادة بالأسلوب المُتمركِز حول المتعلم وأداء الآخَرين في نفس الأجزاء بأسلوب مُتمركز أكثر حول المعلم.

ومن المُهمِّ أن تتذكَّر أن إثبات تأثير الأساليب الجديدة هو أمر مُهمٌّ لسببين؛ حيث إنَّ النقاش يُركِّز هنا على جمع الأدلة التي يمكن استخدامها للرد على مقاومة الزملاء، أي إقناع الآخرين (بمن فيهم الإداريين) بأنها طريقة مَشْرُوعَة وفعالة للتدريس. وربما تكون هذه نوعية البيانات التي يحتاج إليها المعلمون لفهم التأثير الخاص بنشاط أو واجب دراسي أو أسلوب معيَّن، أو ربما لا تكون كذلك. وإذا كان الهدف هو مزيد من التطوير لواجب دراسي أو نشاط أو نوع آخَر من الخبرات التعليمية، فإنَّ المُعلِّمين يُحقِّقون أقصى استفادة من التقييم المفصَّل والمحدَّد والوصفي من جانب الطلاب. ينبغي أن تُؤخذ القرارات الخاصة بنوعية البيانات التي يتمُّ جمعها في ضوء السبب الذي تُجمَع من أجله هذه البيانات.

ابحث عن زملاء يُشاركونك أسلوب التفكير نفسه: ربما لا يوجد أحد في القسم الذي تعمل به يُجرِّب هذه الأساليب التدريسية، ولكن ثمة احتمالات جيدة جدًّا أنك لست الوحيد الذي يستخدمُها داخل مؤسَّستك التعليمية. وخارج مؤسَّستك التعليمية، يوجد الكثير من أعضاء هيئات التدريس الذين يُجرِّبون هذا النوع من الاستراتيجيات التعليمية المذكورة في هذا الكتاب. لعلهم لا يَصفون دومًا ما يفعلونه بكونه تدريسًا مُتمركزًا حول المتعلم، ولكنهم يستعينون باستراتيجيات تُركِّز أكثر على التَّعلُّم، والكثيرون منهم يسعدون جدًّا بمناقشة ما يفعلونه وكيف يجدي نفعًا.

ثمة أشياء كثيرة جدًّا يمكن تعلمها من الزملاء ومعهم، ولا يجب أن يكون هؤلاء الزملاء زملاء في نفس تخصُّصك الدراسي. بالتأكيد، توجد مشكلات مرتبطة بمحتوى تخصُّص دراسي معيَّن، ولكن يوجد أيضًا الكثير من الجوانب الخاصة بالتدريس المُتمركِز حول المُتعلِّم، تتجاوز حدود التخصُّصات الدراسية، وتُعدُّ المقاومة أحد هذه الجوانب. وربما يَحظى زملاء من أقسام أخرى بوجهة النظر اللازمة للتعامل مع المقاوَمة من جانب زملاء القسم، فربما يكون لديهم أفكار عن جمع البيانات لإثبات التأثير وتوثيقه. ثمَّة أنواع عديدة من الأسباب التي تجعلك تبحث عن زملاء يُشارِكونك أسلوب التفكير نفسه في أي مكان قد يكونون فيه.

•••

في الختام، من المفيد أن تُفكِّر بإيجابية في المقاومة: ما الذي يمكن تعلمه حين يقاوم الطلاب أو الزملاء؟ فالاعتراضات التي يُثيرها الآخَرون تُحفِّزنا على متابعة ما نفعله عن كثب، وعلى التساؤل عن الأسباب، وقد تكون المقاومة بمنزلة قوًى تُحفِّزنا على مواصلة دراسة النظريات، وإجراء الأبحاث وتَعلُّم المزيد عما يُقصَد بكون الأسلوب متمركزًا حول المتعلم، واستِكشاف السبب وراء تغير تجارب التَّعلُّم الخاصة بالطلاب من جراء اتباع هذه الطريقة في التدريس، يُمكِّننا أن نتعلم كيف نرد بفاعلية على مقاومة الطلاب، ويلاحظ معظمنا أن هذه المقاومة تتراجَع حين يَعتاد الطلاب على أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، وعادةً ما تختفي مُعارضتهم قبل معارضة زملائنا بوقت طويل. وبمجرَّد أن يكون الطلاب على استعداد للمُشاركة فلن يسمَحوا لك بالتراجع، بل سيُواصلون دفعك للمضيِّ قدمًا، تاركًا خلفك اعتراضات الزملاء ومقاومتهم لتُغطيها دوامة من الغبار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤