مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

أقدم هذا الكتاب إلى القُرَّاء، فكرة لا مسرحية، ومشكلة قديمة لا رواية ذات تمهيد وقمة وحل؛ المواقف فيها قائمة للدفاع عن فكرة بعينها، فلا يأخذنَّ عليَّ المشتغلون بالمسرح أنني لم أراعِ الفن المسرحي كاملًا في مواقفي، ولم أعمد إلى أن تثير نهاية هذه المواقف الشكوك والتخمينات فيما قد يحدث في الموقف الذي يليه، بل ضحيَّتُ بكل هذا لأجلوَ الفكرة التي كتبتُ من أجلها المسرحية كلها، وكثيرًا ما كنت أتوقف في مفرق الطريقين بين إظهار الفكرة ومراعاة المسرح؛ فلا يطول بيَ التوقف، بل كنت أسير قُدُمًا في الطريق الذي يوضح الفكرة التي أكتب لها.

كان هذا فيما يتصل بالمسرحية ذاتها، أما فيما يتعلق بأشخاصها فقد قصدتُ إلى الدقة في تصويرهم، بحيث لا تلتوي مني الشخصية، ولا تنماع، حتى إذا تحولت الشخصية من طريق إلى طريق، بيَّنتُ — قدر الجهد — أسباب هذا التحول ودوافعه. ولا شك أن تحليل الشخصيات التي أردت بها القصة، كان ضمن الأهداف التي قصدتُ إليها من الكتابة.

والقصة في مجموعها خيالية كما سيتضح للقارئ، وهذا يوسع لي أن أرسم من الشخصيات ما يحلو لي، ملتزمًا — بطبيعة الحال — القيود الطبيعية، فقد يرى قارئ — مثلًا — أن شخصية مجدي شخصية مثالية لا توجد في القرن العشرين، بينما أرى أنا أنها تمثل المثالية العملية التي تسود الفلسفة الأخلاقية في القرن العشرين. وعلى كل حال هل هناك ما يمنعنا من الأمل في وجود مثلها؟! وإني في هذا أسير مع القائلين: إن وظيفة الكاتب هي أن يرسم الشخصيات تنبض بالنبضات الإنسانية التي نعرفها، وليس حتمًا على الكاتب أن يختار شخصياته من واقع الحياة نفسها، بل له أن يضفيَ عليها من آماله ونظرياته ما يريد.

وقد اخترتُ لأسلوب الكتابة اللغة العربية البسيطة، لعل المتحاملين على اللغة العربية يخففون الوطأة بعض الشيء، فهي لغة تستطيع أن تصل إلى الجميع، إذا حاول الكُتَّاب أن يصلوا بها إلى العامة وصلوا، وإذا كان هذا يكلفهم بعض الجُهد، فلا بد للكُتَّاب أن يجهدوا ما داموا قد اختاروا لأنفسهم مهنةً لا راحة فيها.

على أن اللغة العربية — والحمد لله — سوف تبقى على الزمان مهما يحاول الزمان أن يغضَّ منها، فالكاتب باللغة العامية في مصر يكتب لمصر فقط، بل لعله يكتب للقاهرة وحدها، أما الكاتب باللغة العربية فالعالم العربي كله يستطيع أن يقرأ له ويفهم عنه، وإن الجمال الذي تُضفيه لغة القرآن على الكتابة لتتقاصر دونه كل اللغات العامية في العالم، ومهما يقل القائلون فإن الناحية الجمالية في الفن كانت وما زالت وسوف تظل من أهم مقومات الفنون.

ثروت

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤