باب المنظوم

(١) الغزل

ذكرنا في المجلد الأول حالة الغزل في العصر الأموي، وكثرة ما نجد فيه من لواعج الحب ولفحاته، وشكايات الصب وأناته، وزفرات العاشق وعبراته، وبينا أنواعه المتباينة التي قسمناها إلى أربعة أقسام:
  • (١)

    غزل إباحي: ويصح لنا أن نتخذ من عمر بن أبي ربيعة زعيمًا لهذا النوع الذي يجمع إلى وصف المرأة والتشبيب بها، معاني العبث والاستمتاع باللذة المادية مما ينفر منه الأدب الجاهلي، ومما حظره عليه الكثيرون من خلفاء الإسلام وأئمته. وقد كانت مكة والمدينة مسرحًا لهذا النوع في العصر الأموي. وقد شرحنا سبب ذلك في المجلد الأول فراجعه ثمة.

  • (٢)

    غزل عذري: وهو غزل الحب الصادق، والعواطف المتأججة، والنفس المتألمة المعناة، تلك النفس التي تجد لذتها في الكلف بمن تحب والتعلق بها والشعور بالسعادة في الفناء في حبها، حبًّا يملك عليه لبه ويعذب روحه ويفنى جسمه، كغزل جميل زعيم هذا النوع. وليس أدل على صدق حبه مما أثبتناه عن كتاب الأغاني إذ حاول أبوه أن يصرفه عن حبه وحاجه في ذلك أجمل محاجة، فكان من جميل ما كان مما تجده مفصلًا في هذا الباب.

  • (٣)

    غزل صناعي: بين هذا وذاك، همه الإجادة في الشعر من حيث هو شعر، لا في الحب من حيث هو حب، ولنا في كثير عزة زعيم لهذا النوع الثالث.

  • (٤)

    غزل قصصي: خلقه الرواة لأنهم رأوا ميل الناس إلى الغزل وإلى حياة القصف وما يتبع حياة القصف، فنظموا قصائد نحلوها لشعراء لا نستطيع أن نحتمل تبعة القول بوجودهم في الحياة، أو القول بأنهم أشخاص خياليون خلقهم الرواة، أو زادوا من عندهم مقطعات نسبوها لهم وأضافوها إلى شعرهم. وزعيما هذا النوع: قيس بن الملوح وليلاه، وقيس بن ذريح ولبناه.

وإيفاء بما وعدناك به نذكر زعيم كل نوع من هذه الأنواع مع ذكر ترجمته والمختار من شعره.

(١-١) الغزل الإباحي

عمر بن أبي ربيعة

راق عمر بن أبي ربيعة١ الناس وفاق نطراءه وبرعهم بسهولة الشعر وشدة الأسر، وحسن الوصف، ودقة المعنى، وصواب المصدر، والقصد للحاجة، واستنطاق الربع، وإنطاق القلب، وحسن العزاء، وخاطبة النساء، وعفة المقال، وقلة الانتقال، وإثبات المحجة، وترجيح الشك في موضع اليقين، وطلاوة الاعتذار، وفتح الغزل، ونهج العلل. وعطف المساءة على العذال، وحسن التفجع، وبخل المنازل، واختصار الخبر، وصدق الصفاء؛ إن قدح أورى، وإن اعتذر أبرا، وإن تشكى أشجى، وأقدم عن خبرة، ولم يعتذر بغرة، وأسر النوم، وغم الطير، وأغذ السير، وحير ماء الشباب، وسهل وقول، وقاس الهوى فأربى، وعصى وأخلى، وحالف بسمعه وطرفه، وأبرم نعت الرسل وحذر، وأعلن الحب وأسر، وبطن به وأظهر، وألح وأسف، وأنكح النوم، وجنى الحديث وضرب ظهره لبطنه، وأذل صعبه، وقنع بالرجاء من الوفاء، وأعلى قاتله، واستبكى عاذله، ونفض النوم، وأغلق رهن منى وأهدر قتلاه؛ وكان بعد هذا كله فصيحًا.
فمن سهولة شعره وشدة أسره٢ قوله:
فلما تواقفنا وسلمت أشرقت
وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا
تبالهن بالعرفان لما رأينني
وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا٣

ومن حسن وصفه قوله:

لها من الريم٤ عيناه ولفتته
ونخوة السابق المختال إذ صهلا

ومن دقة معناه وصواب مصدره قوله:

عوجا٥ نحي الطلل المحولا٦
والربع من أسماء والمنزلا
بسابغ البوباة٧ لم يعده
تقادم العهد بأن يؤهلا

ومن قصده للحاجة قوله:

أيها المنكح الثريا سهيلًا٨
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يماني

ومن استنطاقه الربع قوله:

سائلَا الربع بالبُليَّ٩ وقولا
هجت شوقًا لي الغداة طويلا
أين حي حلوك إذ أنت محفو
ف بهم آهل أراك جميلا
قال ساروا فأمعنوا واستقلوا١٠
وبرغمي ولو وجدت سبيلا
سئمونا وما سئمنا جوارًا
وأحبوا دماثة١١ وسهولا

قال إسحاق: أُنشد جرير هذه الأبيات فقال: إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه.

ومن إنطاقه القلب قوله:

قال لي فيها عتيق مقالا
فجرت مما يقول الدموع
قال لي ودع سليمى ودعها
فأجاب القلب: لا أستطيع

ومن حسن عزائه قوله:

أألحق إن دار الرباب تباعدت
أو انبت١٢ حبل أن قلبك طائر
أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا الـ
ـهوى واستمرت بالرجال١٣ المرائر
زع١٤ النفس واستبق الحياء فإنما
تباعد أوتدني الرباب المقادر
أمت حبها واجعل قديم وصالها
وعشرتها كمثل من لا تعاشر
وهبها كشيء لم يكن أو كنازح
به الدار أو من غيبته المقابر
وكالناس علقت الرباب فلا تكن
أحاديث من يبدو ومن هو حاضر١٥

وهذه الأبيات يرويها بعض أهل الحجاز لكثير، ويرويها الكوفيون للكميت بن معروف الأسدي، وذكر بعضها الزبير بن بكار عن ابن عبيدة لكثير في أخباره. ومن حسن غزله في مخاطبة النساء — قال مصعب الزبيري: وقد أجمع أهل بلدنا ممن له علم بالشعر أن هذه الأبيات أغزل ما سمعوا — قوله:

تقول غداة التقينا الرباب
أيا ذا أفلت أفول السماك
وكفت سوابق من عبرة
كما ارفض نظم ضعيف السلاك
فقلت لها من يطع في الصديـ
ـق أعداءه يجتنبه كذاك
أغرك أني عصيت الملا
م فيك وأن هوانا هواك
وألا أرى لذة في الحياة
تقر بها العين حتى أراك
فكان من الذنب لي عندكم
مكارمتي واتباعي رضاك
فليت الذي لام في حبكم
وفي أن تزاري بقرن١٦ وقاك
هموم الحياة وأسقامها
وإن كان حتف جهيز١٧ فداك

ومن عفة مقاله قوله:

طال ليلي واعتادني اليوم سقم
وأصابت مقاتل القلب نعم
حرة الوجه والشمائل والجو
هر تكليمها لمن نال غنم
وحديث بمثله تنزل العصـ١٨
ـم رخيم يشوب ذلك حلم
هكذا وصف ما بدا لي منها
ليس لي بالذي تغيب علم
إن تجودي أو تبخلي فبحمد
لست يا نعم فيها من يذم

ومن قلة انتقاله قوله:

أيها القائل غير الصواب
أمسك النصح وأقلل عتابي
واجتنبني واعلمن أن ستعصى
ولخير لك طول اجتنابي
إن تقل نصحًا فعن ظهر غش
دائم الغمر١٩ بعيد الذهاب
ليس بي عي بما قلت إني
عالم أفقه رجع الجواب
إنما قرة عيني هواها
فدع اللوم وكلني لما بي
لا تلمني في الرباب وأمست
عدلت٢٠ للنفس برد الشراب
هي والله الذي هو ربي
صادقًا أحلف غير الكذاب
أكرم الأحياء طرًا علينا
عند قرب منهم واجتناب
خاطبتني ساعة وهي تبكي
ثم عزت٢١ خلتي في الخطاب
وكفى بي مدرهًا لخصوم
لسواها عند حد تبابي٢٢

ومن إثباته الحجة قوله:

خليلي بعض اللوم لا ترحلا٢٣ به
رفيقكما حتى تقولا على علم
خليلي من يكلف بآخر كالذي
كلفت به يدمل٢٤ فؤادًا على سقم
خليلي ما كانت تصاب مقاتلي
ولا غرتي حتى وقعت على نعم
خليلي حتى لف حبلي٢٥ بخادع
موقًّى إذا يرمي صيود إذا يرمي
خليلي لو يرقى خليل من الهوى
رقيت بما يدني النوار٢٦ من العصم
خليلي إن باعدت لانت وإن ألن
تباعد فلم أنبل٢٧ بحرب ولا سلم

ومن ترجيحه الشك في موضع اليقين قوله:

نظرت إليها بالمحصب من منى
ولي نظر لولا التحرج عارم٢٨
فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة
بدت لك خلف السجف٢٩ أم أنت حالم
بعيدة٣٠ مهوى القرط إما لنوفل
أبوها وإما عبد شمس وهاشم
ومد عليها السجف يوم لقيتها
على عجل تباعها والخوادم
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا
عشية راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم٣١ بالضحى
عصاها ووجه لم تلحه٣٢ السمائم
نضار ترى فيه أساريع٣٣ مائه
صبيح تغاديه الأكف النواعم
إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها
تمايلن أو مالت بهن المآكم٣٤
طلبن الصبا حتى إذا ما أصبنه
نزعن وهن المسلمات الظوالم

ومن طلاوة اعتذاره قوله:

عاود القلب بعض ما قد شجاه
من حبيب أمسى هوانا هواه
يا لقومي فكيف أصبر عمن
لا ترى النفس طيب عيش سواه
أرسلت إذ رأت بعادي ألا
يقبلن بي محرشًا٣٥ إن أتاه
دون أن يسمع المقالة منا
وليطعني فإن عندي رضاه
لا تطع بي فدتك نفسي عدوًّا
لحديث على هواه افتراه
لا تطع بي من لو رآني وإيا
ك أسيري ضرورة ما عناه
ما ضراري نفسي بهجري من ليـ
ـس مسيئًا ولا بعيدًا ثراه٣٦
واجتنابي بيت الحبيب وما الخلـ
ـد بأشهى إلى من أن أراه

ومن نهجه العلل قوله:

وآية ذلك أن تسمعي
إذا جئتكم ناشدًا ينشد
فرحنا سراعًا وراح الهوى
دليلًا إليها بنا يقصد
فلما دنونا لجرس٣٧ النبا
ح والصوت، والحي لم يرقدوا
بعثنا لها باغيًا ناشدًا
وفي الحي بغية من ينشد

ومن فتحه الغزل قوله:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
فكن حجرًا من يابس الصخر جلمدا

ومن عطفه المساءة على العذال قوله:

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي
إن بي يا عتيق ما قد كفاني
لا تلمني وأنت زينتها لي
أنت مثل الشيطان للإنسان

ومن حسن تفجعه قوله:

هجرت الحبيب اليوم من غير ما اجترم
وقطعت من ذي ودك الحبل فانصرم
أطعت الوشاة الكاشحين ومن يطع
مقالة واش يقرع السن من ندم
أتاني رسول كنت أحسب أنه
شفيق علينا ناصح كالذي زعم
فلما تباثثنا٣٨ الحديث وصرحت
سرائره عن بعض ما كان قد كتم
تبين لي أن المحرش كاذب٣٩
فعندي لك العتبى على رغم من رغم
فملآن لمت النفس بعد الذي مضى
وبعد الذي آلت وآليت من قسم
ظلمت ولم تعتب وكان رسولها
إليك سريعًا بالرضا لك إذ ظلم

ومن تخيله المنازل قوله:

ألم تسأل الأطلال والمتربعا
ببطن حليات٤٠ دوارس بلقعا
إلى السرح٤١ من وادي المغمس٤٢ بدلت
معالمها وبلا ونكباء٤٣ زعزعا٤٤
فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعد ما
نكأن٤٥ فؤادًا كان قدمًا مفجعا

ومن اختصاره الخبر قوله:

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
غداة غد أم رائح فمهجر
بحاجة نفس لم تقل في جوابها
فتبلغ عذرًا والمقالة تعذر
أشارت بمدراها٤٦ وقالت لتربها
أهذا المغيري الذي كان يذكر
لئن كان إياه لقد حال بعدنا
عن العهد والإنسان قد يتغير

قال الزبير حدثني إسحاق الموصلي قال: قلت لأعرابي: ما معنى قول ابن أبي ربيعة:

بحاجة نفس لم تقل في جوابها٤٧
فتبلغ عذرًا والمقالة تعذر

فقال: قام كما جلس.

ومن صدقه الصفاء قوله:

كل وصل أمسى لديك لأنثى
غيرها وصلها إليها أداء
كل أنثى وإن دنت لوصال
أو نأت فهي للرباب الفداء

وقوله:

أحب لحبك من لم يكن
صفيًّا لنفسي ولا صاحبَا
وأبذل مالي لمرضاتكم
وأعتب٤٨ من جاءكم عاتبا
وأرغب في ود من لم أكن
إلى وده قبلكم راغبا
ولو سلك الناس في جانب
من الأرض واعتزلت جانبا
ليممت طيتها٤٩ إنني
أرى قربها العجب العاجبا

ومما قدح فيه فأورى قوله:

طال ليلي وتعناني٥٠ الطرب٥١
واعتراني طول هم ووصب٥٢
أرسلت أسماء في معتبة
عتبتها وهي أحلى من عتب
أن أتى منها رسول موهنًا
وجد الحي نيامًا فانقلب
ضرب الباب فلم يشعر به
أحد يفتح بابا إذ ضرب
قال: أيقاظ، ولكن حاجة
عرضت تكتم منا فاحتجب
ولعمدًا ردني، فاجتهدت
بيمين حلفة عند الغضب
يشهد الرحمن لا يجمعنا
سقف بيت رجبًا بعد رجب
قلت حلا فاقبلي معذرتي
ما كذا يجزي محب من أحب
إن كفي لك رهن بالرضا
فاقبلي يا هند، قالت: قد وجب

وقالوا: ومن شعره الذي اعتذر فيه فأبرأ قوله:

فالتقينا فرحبت حين سلمـ
ـت وكفت دمعًا من العين مارا٥٣
ثم قالت عن العتاب رأينا
منك عنا تجلدًا وازورارا٥٤
قلت كلا لاه٥٥ ابن عمك بل خفـ
ـنا أمورًا كنا بها أغمارا٥٦
فجعلنا الصدود لما خشينا
قالة الناس للهوى أستارا
ليس كالعهد إذ عهدت٥٧ ولكن
أوقد الناس بالنميمة نارا
فلذاك الإعراض عنك وما آ
ثر قلبي عليك أخرى اختيارا
ما أبالي إذا النوى قربتكم
فدنوتم من حل أو من سارا
فالليالي إذا نأيت طوال
وأراها إذا قربت قصارا

ومن تشكيه الذي أشجى فيه قوله:

لعمرك ما جاورت غمدان٥٨ طائعًا
وقصر شعوب٥٩ أن أكون به صبا
ولكن حمى أضرعتني٦٠ ثلاثة
مجرمة٦١ ثم استمرت بنا غبا٦٢
وحتى لو ان الخلد يعرض إن مشت
إلى الباب رجلي ما نقلت لها إربا٦٣
فإنك لو أبصرت يوم سويقة٦٤
مناخي وحبسي العيس دامية حدبا٦٥
ومصرع إخوان كأن أنينهم
أنين مكاكي٦٦ فارقت بلدًا خصبا
إذن لاقشعر الجلد منك صبابة
ولاستفرغت عيناك من عبرة سكبا

ومن إقدامه عن خبرة ولم يعتذر بغرة قوله:

صرمت وواصلت حتى عرفـ
ـت أين المصادر والمورد
وجربت من ذاك حتى عرفـ
ـت ما أتوقى وما أعمد

ومن أسره النوم قوله:

نام صحبي وبات نومي أسيرا
أرقب النجم موهنًا أن يغورا

ومن غمه الطير قوله:

فرحنا وقلنا للغلام اقض حاجة
لنا ثم أدركنا ولا تتغبر
سراعًا نغم٦٧ الطير إن سنحت لنا
وإن تلقنا الركبان لا نتخبر٦٨

تتغبر من قولهم: غبر فلان، أي لبث.

ومن إغذاذه٦٩ السير قوله:
قلت سيرا ولا تقيما ببصرى٧٠
وحفير٧١ فما أحب حفيرا
وإذا ما مررتما بمعان٧٢
فأقلا به الثواء وسيرا
إنما قصرنا٧٣ إذا حسر٧٤ السيـ
ـر بعيرًا أن نستجد بعيرا

ومن تحييره ماء الشباب قوله:

أبرزوها مثل المهاة تهادَى
بين خمس كواعب أتراب
ثم قالوا تحبها قلت بهرًا
عدد القطر والحصى والتراب
وهي مكنونة تحير منها
في أديم الخدين ماء الشباب

ومن تقويله وتسهيله قوله:

قالت على رقبة يومًا لجارتها
ما تأمرين فإن القلب قد تبلا٧٥
وهل لي اليوم من أخت مواخية
منكن أشكو إليها بعض ما فعلا
فراجعتها حصان٧٦ غير فاحشة
برجع قول ولب لم يكن خطلا٧٧
لا تذكري حبه حتى أراجعه
إني سأكفيكه إن لم أمت عجلا
فاقني٧٨ حياءك في ستر وفي كرم
فلست أول أنثى علقت رجلا

وأما ما قاس فيه الهوى فقوله:

وقربن أسباب الهوى لمتيم
يقيس ذراعًا كلما قسن إصبعا

ومن عصيانه وإخلائه قوله:

وأنص٧٩ المطي يتبعن بالركـ
ـب سراعًا نواعم الأظعان
فنصيد الغرير٨٠ من بقر الوحـ
ـش ونلهو بلذة الفتيان
في زمان لو كنت فيه ضجيعي
غير شك عرفت لي عصياني
وتقلبت في الفراش ولا تد
رين إلا الظنون أين مكاني

ومن محالفته بسمعه وطرفه قوله:

سمعي وطرفي حليفاها على جسدي
فكيف أصبر عن سمعي وعن بصري
لو طاوعاني على ألا أكلمها
إذن لقضيت من أوطارها وطري

ومن إبرامه نعت الرسل قوله:

فبعثت كاتمة الحديـ
ـث رفيقة بجوابها
وحشية إنسية
خراجة من بابها
فرقت فسهلت المعا
رض من سبيل نقابها

ومن تحذيره قوله:

لقد أرسلت جاريتي
وقلت لها خذي حذرك
وقولي في ملاطفة
لزينب نولي عمرك
فإن داويت ذا سقم
فأخزي الله من كفرك
فهزت رأسها عجبًا
وقالت من بذا أمرك
أهذا سحرك النسوا
ن، قد خبرنني خبرك
وقلن إذا قضى وطرًا
وأدرك حاجة هجرك

ومن إعلانه الحب وإسراره قوله:

شكوت إليها الحب أعلن بعضه
وأخفيت منه في الفؤاد عليلا

ومما أبطن فيه وأظهر قوله:

حبكم يا آل ليلى قاتلي
ظهر الحب بجسمي وبطن
ليس حب فوق ما أحببتكم
غير أن أقتل نفسي أو أجن

ومما ألح فيه وأسف قوله:

ليت حظي كطرفة العين منها
وكثير منها القليل المهنا
أو حديث على خلاء يسلي
ما يجن الفؤاد منها ومنا
كبرت رب نعمة منك يومًا
أن أراها قبل الممات ومنا

ومن إنكاحه النوم قوله:

حتى إذا ما الليل جن ظلامه
ونظرت غفلة كاشح أن يعقلا
واستنكح النوم الذين نخافهم
وسقى الكرى بوابهم فاستثقلا٨١
خرجت تأطر في الثياب كأنها
أيم يسيب على كثيب أهيلا٨٢

ومن جنيه الحديث قوله:

وجوار مساعفات على اللهـ
ـو مسرات باطن الأضغان
صيد للرجال يرشقن بالطر
ف حسان كخذل٨٣ الغزلان
قد دعاني وقد دعاهن للهـ
ـو شجون مهمة٨٤ الأشجان
فاجتنينا من الحديث ثمارًا
ما جنى مثلها لعمرك جاني

ومن ضربه الحديث ظهره لبطنه قوله:

في خلاء من الأنيس وأمن
فبثثنا غليلنا واشتفينا
وضربنا الحديث ظهرًا لبطن
وأتينا من أمرنا ما اشتهينا
فمكثنا بذاك عشر ليال
فقضينا ديوننا واقتضينا

ومن إذلاله صعب الحديث قوله:

فلما أفضنا في الهوى نستبينه
وعاد لنا صعب الحديث ذلولا
شكوت إليها الحب أظهر بعضه
وأخفيت منه في الفؤاد غليلا

ومن قناعته بالرجاء من الوفاء قوله:

فعدي نائلًا وإن لم تنيلي
إنه ينفع المحب الرجاء

قال الزبير: هذا أحسن من قول كثير:

ولست براض من خليل بنائل
قليل ولا أرضى له بقليل

ومن إعلائه قاتله قوله:

فبعثت جاريتي وقلت لها اذهبي
فاشكي إليها ما علمت وسلمي
قولي يقول تحرجي٨٥ في عاشق
كلف بكم حتى الممات متيم
ويقول إنك قد علمت بأنكم
أصبحتم يا بشر أوجه٨٦ ذى دم
فكي رهينته فإن لم تفعلي
فاعلي على قتل ابن عمك واسلمي
فتضاحكت عجبًا وقالت حقه
ألا يعلمنا بما لم نعلم
علمي به والله يغفر ذنبه
فيما بدا لي ذو هوى متقسم
طرف٨٧ ينازعه إلى الأدنى الهوى
ويبت خلة ذى الوصال الأقدم

ومن تنفيضه النوم قوله:

فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت
مصابيح شبت بالعشاء وأنور
وغاب قمير كنت أرجو غيوبه
وروح رعيان ونوم سمر٨٨
ونفضت عني النوم أقبلت مشية الـ
ـحباب وركني خشية القوم أزور٨٩

ومن إغلاقه رهن منى وإهداره قتلاه قوله:

فكم من قتيل ما يباء٩٠ به دم
ومن غلق٩١ رهنًا إذا لفَّه مِنَى
ومن مالئ عينيه من شيء غيره
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى٩٢
وكان بعد هذا كله فصيحًا شاعرًا مقولًا.٩٣

ومن شعره المشهور قوله:

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
غداة غد أم رائح فمهجر
لحاجة نفس لم تقل في جوابها
فتبلغ عذرًا والمقالة تعذر
أشارت بمدراها وقالت لأختها
أهذا المغيري الذي كان يذكر
فقالت نعم لا شك غير لونه
سرى الليل يطوي نصه٩٤ والتهجر
رأت رجلًا أما إذا الشمس عارضت
فيضحى وأما بالعشي فيخصر
أخا سفر جواب أرض تقاذفت
به فلوات فهو أشعث أغبر
قليلًا على ظهر المطية ظله
سوى ما نفى عنه الرداء المحبر٩٥
وأعجبها من عيشها ظل غرفة
وريان ملتف الحدائق أخضر
ووال كفاها كل شيء يهمها
فليست لشيء آخر الليل تسهر
وليلة ذي دوران٩٦ جشمنني السرى٩٧
وقد يجشم الهول المحب المغرر

ومن شعره قوله في فاطمة بنت محمد بن الأشعث الكندية:

تشط٩٨ غدًا دار جيراننا
وللدار بعد غد أبعد
إذا سلكت غمر٩٩ ذي كندة
مع الركب١٠٠ قصد لها الفرقد١٠١
وحث الحداة بها عيرها
سراعًا إذا ما ونت تطرد١٠٢
هنالك إما تعزى الفؤاد
وإما على إثرها تكمد
وليست ببدع إذا دارها
نأت والعزاء إذن أجلد
صرمت وواصلت حتى علمـ
ـت أين المصادر والمورد
وجربت من ذاك حتى عرفـ
ـت ما أتوقى وما أحمد
فلما دنونا لجرس١٠٣ النبا
ح والضوء والحي لم يرقدوا
نأينا عن الحي حتى إذا
تودع١٠٤ من نارها الموقد
وناموا بعثنا لها ناشدًا
وفي الحي بغية من ينشد
أتتنا١٠٥ تهادى على رقبة١٠٦
من الخوف أحشاؤها ترعد
تقول وتظهر وجدًا١٠٧ بنا
ووجدي وإن أظهرت أوجد
لمما شقائي تعلقتكم
وقد كان لي عنكم١٠٨ مقعد
وكفت سوابق من عبرة
على الخد جال١٠٩ بها الإثمد
فإن التي شيعتنا الغداة
مع الفجر قلبي بها مقصد١١٠

وشبب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحية في قصيدته التي يقول فيها:

يا خليلي من ملام دعاني
وألما الغداة بالأظعان
لا تلوما في آل زينب إن الـ
ـقلب رهن بآل زينب عانى
ما أرى ما بقيت أن أذكر المو
قف منها بالخيف١١١ إلا شجاني
لم تدع للنساء عندي حظًّا
غير ما قلت مازحًا بلساني
هي أهل الصفاء والود مني
وإليها الهوى فلا تعذلاني
حين قالت لأختها ولأخرى
من قطين١١٢ مولد: حدثاني
كيف لي اليوم أن أرى عمر المر
سل سرًّا في القول أن يلقاني
قالتا: نبتغي رسولًا إليه
ونميت الحديث بالكتمان
إن قلبي بعد الذي نلت منها
كالمعمى١١٣ عن سائر النسوان

وكان سبب ذكره لها أن ابن أبي عتيق ذكرها عنده يومًا فأطراها ووصف من عقلها وأدبها وجمالها ما شغل قلب عمر وأماله إليها، فقال فيها الشعر وشبب بها، فبلغ ذلك ابن أبي عتيق، فلامه فيه وقال له: أتنطق الشعر في ابنة عمي؟ فقال عمر:

لا تلمني عتيق حسبي الذي بي
إن بي يا عتيق ما قد كفاني
لا تلمني وأنت زينتها لي
أنت مثل الشيطان للإنسان
إن بي داخلًا من الحب قد أبـ
ـلى عظامي مكنونه وبراني
لو بعينيك يا عتيق نظرنا
ليلة السفح قرَّت العينان
إذ بدا الكشح والوشاح من الدر
وفصل فيه من المرجان١١٤
وقلى قلبي النساء سواها
بعد ما كان مغرمًا بالغواني
لم تدع للنساء عندي نصيبًا
غير ما قلت مازحًا بلساني

وأنشد ابن أبي عتيق قول عمر:

من١١٥ لسقيم يكتم الناس ما به
لزينب نجوى صدره والوساوس
أقول لمن يبغي الشفاء متى تجئ
بزينب تدرك بعض ما أنت لامس
فإنك إن لم تشف من سقمي بها
فإني من طلب الأطباء آيس
ولست بناس ليلة الدار مجلسًا
لزينب حتى يعلو الرأس رامس١١٦
خلاء بدت قمراؤه وتكشفت
دجنته وغاب من هو حارس
وما نلت منها محرمًا غير أننا
كلانا من الثوب المورد١١٧ لابس
نجيين نقضي اللهو في غير مأثم
وإن رغمت م الكاشحين المعاطس

قال: فقال ابن أبي عتيق: أمنا يسخر ابن أبي ربيعة؟ فأي محرم بقى! ثم أتى عمر فقال له: يا عمر، ألم تخبرني أنك ما أتيت حرامًا قط؟ قال: بلى، قال: فأخبرني عن قولك:

كلانا من الثوب المورد لابس

ما معناه؟ قال: والله لأخبرنك: خرجت أريد المسجد وخرجت زينب تريده، فالتقينا فاتعدنا لبعض الشعاب، فلما توسطنا الشعب أخذتنا السماء، فكرهت أن يرى بثيابها بلل المطر، فيقال لها: ألا استترت بسقائف المسجد إن كنت فيه! فأمرت غلماني فسترونا بكساء خز كان علي، فذلك حين أقول:

كلانا من اثْواب المطارف لابس

فقال له: ابن أبي عتيق: يا عاهر! هذا البيت يحتاج إلى حاضنة!

ومن جيد شعره قوله في زينب بنت موسى:

يا من لقلب متيم كلف
يهذي بخود١١٨ مريضة النظر
تمشي الهوينا إذا مشت فضلًا١١٩
وهي كمثل العسلوج١٢٠ في الشجر
ما زال طرفي يحار إذ برزت
حتى رأيت النقصان في بصري
أبصرتها ليلة ونسوتها
يمشين بين المقام والحجر
ما إن طمعنا بها ولا طمعت
حتى التقينا ليلًا على قدر١٢١
بيضًا حسانًا خرائدًا قطفًا١٢٢
يمشين هونًا كمشية البقر
قد فزن بالحسن والجمال معًا
وفزن رسلًا١٢٣ بالدل والخفر
ينصتن يومًا لها إذا نطقت
كيما يشرفنها على البشر
قالت لترب لها تحدثها
لنفسدن الطواف في عمر
قومي تصدي له ليعرفنا
ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها قد غمزته فأبى
ثم اسبطرت١٢٤ تسعى على أثري
من يسق بعد المنام ريقتها
يسق بمسك وبارد خصر١٢٥

وقوله فيها أيضًا:

ألمم بزينب إن البين قد أفدا١٢٦
قل الثواء لئن كان الرحيل غدا
قد حلفت ليلة الصورين١٢٧ جاهدة
وما على المرء إلا الحلف مجتهدا
لأختها ولأخرى من مناصفها١٢٨
لقد وجدت به فوق الذي وجدا
لو جمع الناس ثم اختير صفوهم
شخصًا من الناس لم أعدل به أحدا

ومن شعر عمر في تشوقه إلى مكة بعد أن خرج منها إلى اليمن قوله:

هيهات من أمة الوهاب منزلنا
إذا حللنا بسيف١٢٩ البحر من عدن
واحتل أهلك أجيادًا١٣٠ وليس لنا
إلا التذكر أو حظ من الجزن
لو أنها أبصرت بالجزع عبرته
من أن يغرد قمري على فنن
إذن رأت غير ما ظنت بصاحبها
وأيقنت أن لحجًا ليس من وطني
ما أنس لا أنس يوم الخيف١٣١ موقفها
وموقفي وكلانا ثم ذو شجن
وقولها للثريا وهي باكية
والدمع منها على الخدين ذو سنن١٣٢
بالله قولي له في غير معتبة
ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها
فما أخذت بترك الحج من ثمن

وقال أيضًا:

خليلي ما بال المطايا كأنما
نراها على الأدبار بالقوم تنكص١٣٣
وقد قطعت أعناقهن صبابة
فأنفسنا مما يلاقين شخص
وقد أتعب الحادي سراهن وانتحى
بهن فما يألو عجول مقلص١٣٤
يزدن بنا قربًا فيزداد شوقنا
إذا زاد طول العهد والبعد ينقص

ومن شعره قوله:

جرى ناصح بيني وبينها
فقربني يوم الحصاب١٣٥ إلى قتلي
فطارت بحد من فؤادي وقارنت
قرينتها حبل الصفاء إلى حبلي
فلما تواقفنا عرفت الذي بها
كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقلن لها هذا عشاء وأهلنا
قريب ألما تسأمي مركب البغل
فقالت فما شئتن قلن لها انزلي
فللأرض خير من وقوف على رحل
نجوم دراري١٣٦ تكنفن صورة
من البدر وافت غير هوج١٣٧ ولا عجل
فسلمت واستأنست خيفة أن يرى
عدو مقامي أو يرى كاشح فعلي
فقالت وأرخت جانب الستر إنما
معي فتكلم غير ذي رقبة أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقب
ولكن سري ليس يحمله مثلي
فلما اقتصرنا دونهن حديثنا
وهن طبيبات بحاجة ذي الشكل
عرفن الذي تهوى فقلن ائذني لنا
نطف ساعة في برد ليل وفي سهل
فقالت فلا تلبثن قلن تحدثي
أتيناك، وانسبن انسياب مها الرمل
فقمن وقد أفهمن ذا اللب أنما
أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي

وقد كان عمر حين أسن حلف ألا يقول بيت شعر إلا أعتق رقبة، فانصرف عمر إلى منزله يحدث نفسه، فجعلت جارية له تكلمه فلا يرد عليها جوابًا، فقالت له: إن لك لأمرًا، وأراك تريد أن تقول شعرًا، فقال:

تقول وليدتي لما رأتني
طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت شوقًا
وهاج لك الهوى داء دفينا
وكنت زعمت أنك ذو عزاء
إذا ما شئت فارقت القرينا
بربك هل أتاك لها رسول
فشاقك أم لقيت لها خدينا١٣٨
فقلت شكا إلي أخ محب
كبعض زماننا إذ تعلمينا
فقص علي ما يلقى بهند
فذكر بعض ما كنا نسينا
وذو الشوق القديم وإن تعزى
مشوق حين يلقى العاشقينا
وكم من خلة١٣٩ أعرضت عنها
لغير قلي وكنت بها ضنينا
أردت بعادها فصددت عنها
ولو جن الفؤاد بها جنونا

ثم دعا تسعة من رقيقه فأعتقهم بكل بيت واحدًا.

وله:

يقولون: إني لست أصدقك الهوى
وإني لا أرعاك حين أغيب
فما بال طرفي عف عما تساقطت
له أعين من معشر وقلوب
عشية لا يستنكف القوم أن يروا
سفاه امرئ ممن يقال لبيب
ولا فتنة من ناسك أو مضت١٤٠ له
بعين الصبا كسلى القيام لعوب
تروح يرجو أن تحط ذنوبه
فآب وقد زيدت عليه ذنوب
وما النسك أسلاني ولكن للهوى
على العين مني والفؤاد رقيب

وله:

ألم تسأل المنزل المقفرا
بيانًا فيكتم أو يخبرا
ذكرت به بعض ما قد شجاك
وحق لذي الشجو أن يذكرا
مبيت الحبيبين قد ظاهرا١٤١
كساء وبردين أن يمطرا
وممشى الثلاث به موهنًا
خرجن إلى زائر زورا
إلى مجلس من وراء القبا
ب سهل الربى طيب أعفرا١٤٢
غفلن عن الليل حتى بدت
تباشير من واضح أسفرا
فقمن يعفين آثارنا
بأكسية الخز أن تقفرا١٤٣
مهاتان شيعتا جؤذرًا١٤٤
أسيلًا مقلده١٤٥ أحورا
وقمن وقلن لو ان النها
ر مُدَّ له الليل فاستأخرا
قضينا به بعض أشجاننا
وكان الحديث به أجدرا

وله:

أفي رسم دار دمعك المترقرق١٤٦
سفاهًا! وما استنطاق ما ليس ينطق
بحيث التقى جمع١٤٧ وأقصى محسر١٤٨
معالمه كادت على العهد تخلق
ذكرت به ما قد مضى من زماننا
وذكرك رسم الدار مما يشوق
ليالي من دهر إذ الحي جيرة
وإذ هو مأهول الخميلة مؤنق
مقامًا لنا عند العشاء ومجلسًا
به لم يكدره علينا معوق١٤٩
وممشى فتاة بالكساء تكننا
به تحت عين١٥٠ برقها يتألق
يبل أعالي الثوب قطر وتحته
شعاع بدا يعشي العيون ويشرق
فأحسن شيء بدء أول ليلنا
وآخره حزن إذا نتفرق
وروي أن ليلى كانت جالسة في المسجد الحرام، فرأت عمر بن أبي ربيعة فوجهت إليه مولى لها فجاء به، فقالت له: يابن ربيعة، حتى متى لا تزال سادرًا١٥١ في حرم الله تشبب بالنساء وتشيد بذكرهن! أما تخاف الله! قال: دعيني من ذاك واسمعي ما قلت، قالت: وما قلت؟ فأنشدها الأبيات المذكورة، فقالت له القول الذي تقدم أنها أجابته به. قال: وقال: لها: اسمعي أيضًا ما قلت فيك، ثم أنشدها قوله:
أمن الرسم وأطلال الدمن
عاد لي وجدي وعاودت الحزن
إن حبي آل ليلى قاتلي
ظهر الحب بجسمي وبطن
يا أبا الحارث قلبي طائر
فأتمر أمر رشيد مؤتمن
التمس للقلب وصلًا عندها
إن خير الوصل ما ليس يمن١٥٢
علق القلب، وقد كان صحا
من بني بكر غزالًا قد شدن١٥٣
أحور المقلة كالبدر، إذا
قلد الدر فقلبي ممتحن١٥٤
ليس حب فوق ما أحببتكم
غير أن أقتل نفسي أو أجن
خلقت للقلب مني فتنة
هكذا يخلق معروض الفتن

وفيها يقول:

إن ليلى وقد بلغت المشيبا
لم تدع للنساء عندي نصيبا
هاجر بيتها لأنفي عنها
قول ذي العيب إن أراد عيوبا

وله في النوار وقد شغلت قلبه:

علق النوار فؤاده جهلا
وصبا فلم تترك له عقلا
وتعرضت لي في المسير فما
أمسى الفؤاد يرى لها مثلا
ما نعجة من وحش ذي بقر١٥٥
تغذو بسقط صريمة١٥٦ طفلا
بألذ منها إذ تقول لنا
وأردت كشف قناعها مهلا
دعنا فإنك لا مكارمة
تجزى ولست بواصل حبلا
وعليك من تبل الفؤاد وإن
أمسى لقلبك ذكره شغلا
فأجبتها إن المحب مكلف١٥٧
فدعي العتاب وأحدثي بذلا

اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه فتشوقن إليه وتمنينه، فقالت سكينة بنت الحسين عليهما السلام: أنا لكن به، فأرسلت إليه رسولًا وواعدته الصورين، وسمت له الليلة والوقت وواعدت صواحباتها، فوافاهن عمر على راحلته، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن، فقال لهن: والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله والصلاة في مسجده ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئًا، ثم انصرف إلى مكة وقال:

قالت سكينة والدموع ذوارف
منها على الخدين والجلباب١٥٨
ليت المغيري الذي لم أجزه
فيما أطال تصيدي وطلابي
كانت ترد لنا المنى أيامنا
إذ لا نلام على هوى وتصابي
خبرت ما قالت فبت كأنما
رمي الحشا بنوافذ النشاب١٥٩
أسكين ما ماء الفرات وطيبه
مني على ظمأ وفقد شراب
بألذ منك وإن نأيت وقلما
ترعى النساء أمانة الغياب

وقال فيها:

أحب لحبك من لم يكن
صفيا لنفسي ولا صاحبا
وأبذل نفسي لمرضاتكم
وأعتب١٦٠ من جاءكم عاتبا
وأرغب في ود من لم أكن
إلى وده قبلكم راغبا
ولو سلك الناس في جانب
من الأرض واعتزلت جانبا
ليممت طيتها، إنني
أرى قربها العجب العاجبا
فما ظبية من ظباء الأرا
ك تقرو١٦١ دميث١٦٢ الربى عاشبا
بأحسن منها غداة الغميم١٦٣
وقد أبدت الخد والحاجبا
غداة تقول على رقبة
لخادمها:١٦٤ يا احبسي الراكبا
فقالت لها: فيم هذا الكلام
وأبدت لها عابسًا قاطبا١٦٥
فقالت كريم أتى زائرًا
يمر بكم هكذا جانبا
شريفٌ أتى ربعَنا زائرًا
فأكرهُ رجعتَه خائبا

وقال في جاريته بغوم:

صرمت حبلك البغوم وصدت
عنك في غير ريبة أسماء
والغواني إذا رأينك كهلًا
كان فيهن عن هواك التواء
حبذا أنت يا بغوم وأسما
ء وعيص يكننا وخلاء
ولقد قلت ليلة الجزل لما
أخضلت ريطتي على السماء١٦٦
ليت شعري — وهل يردن ليت —
هل لهذا عند الرباب جزاء
كل وصل أمسى لدي لأنثى
غيرها وصلها إليها أداء
كل خلق وإن دنا لوصال
أو نأى فهو للرباب الفداء
فعدي نائلا وإن لم تنيلي
إنما ينفع المحب الرجاء

وكان يهوى حميدة جارية ابن تفاحة؛ وفيها يقول:

حمل القلب من حميدة ثقلا
إن في ذاك للفؤاد لشغلا
إن فعلت الذي سألت فقولي
حمد خيرًا وأتبعي القول فعلا
وصليني وأشهد الله أني
لست أصفى سواك ما عشت وصلا

وفيها يقول:

يا قلب هل لك عن حميدة زاجر
أم أنت مدكر الحياء فصابر
فالقلب من ذكري حميدة موجع
والدمع منحدر وعظمي فاتر
قد كنت أحسب أنني قبل الذي
فعلتْ على ما عند حمدة قادر
حتى بدا لي من حميدة خلتي
بين وكنت من الفراق أحاذر

وله في هند:

أربت١٦٧ إلى هند وتربين مرة
لها إذ تواقفنا بفرع المقطع
لتعريج يوم أو لتعريس١٦٨ ليلة
علينا بجمع الشمل قبل التصدع
فقلن لها لولا ارتقاب صحابة
لنا خلفنا عجبنا ولم نتورع
فقالت فتاة كنت أحسب أنها
مغفلة في مئزر لم تدرع١٦٩
لهن — وما شاورنها — ليس ما أرى
بحسن جزاء للحبيب المودع
فقلن لها لا شبَّ١٧٠ قرنك فافتحي
لنا باب١٧١ ما يخفى من الأمر نسمع

وله:

ليت هندًا أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما تجد١٧٢
واستبدت مرة واحدة
إنما العاجز من لا يستبد
ولقد قالت لجارات لها
ذات يوم وتعرت تبترد١٧٣
أكما ينعتني تبصرنني
عمركن الله أم لا يقتصد
فتهانفن١٧٤ وقد قلن لها
حسن في كل عين من تود
حسدًا حمله من أجلها
وقديمًا كان في الناس الحسد

وله:

يا من لقلب دنف مغرم
هام١٧٥ إلى هند ولم يظلم
هام إلى ريم١٧٦ هضيم الحشى
عذب الثنايا طيب المبسم
لم أحسب الشمس بليل بدت
قبلي لذي لحم ولا ذي دم١٧٧
قالت ألا إنك ذو ملة
يصرفك الأدنى عن الأقدم
قلت لها بل أنت معتلة
في الوصل يا هند لكي تصرمي

بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وكانت من أجمل أهل دهرها، وهي تريد الركن تستلمه، فبهت لما رآها ورأته، وعلمت أنها قد وقعت في نفسه، فبعثت إليه بجارية لها وقالت: قولي له: اتق الله ولا تقل هُجْرًا، فإن هذا مقام لا بد فيه مما رأيت؛ فقال للجارية: أقرئيها السلام وقولي لها: ابن عمك لا يقول إلا خيرًا؛ وقال فيها:

لعائشة ابنة التيمي عندي
حمى في القلب، لا يرعى حماها
يذكرني ابنة التيمي ظبي
يرود بروضة سهل رباها
فقلت له وكان يراع قلبي
فلم أر قط كاليوم اشتباها
سوى حمش١٧٨ بساقك مستبين
وأن شواك١٧٩ لم يشبه شواها
وأنك عاطل عار وليست
بعارية ولا عطل يداها
وأنك غير أفرع١٨٠ وهي تدلي
على المتنين أسحم١٨١ قد كساها
ولو قعدت ولم تكلف بود
سوى ما قد كلفت به كفاها
أظل إذا أكلمها كأني
أكلم حية غلبت رقاها
تبيت إلى بعد النوم تسري
وقد أمسيت لا أخشى سراها

وله:

إني وأول ما كلفت بحبها
عجب وهل في الحب من متعجب
نعت النساء فقلت لست بمبصر
شبهًا لها أبدًا ولا بمقرب
فمكثن حينًا ثم قلن توجهت
للحج، موعدها لقاء الأخشب١٨٢
أقبلت أنظر ما زعمن وقلن لي
والقلب بين مصدق ومكذب
فلقيتها تمشي بها بغلاتها
ترمي الجمار عشية في موكب
غراء يعشى الناظرين بياضها
حوراء في غلواء١٨٣ عيش معجب
إن التي من أرضها وسمائها
جلبت لحينك ليتها لم تجلب
وكان عمر بن أبي ربيعة يهوى كلثم بنت سعد المخزومية، فأرسل إليها رسولًا فضربتها وحلقتها وأحلفتها ألا تعاود؛ ثم أعادها ثانية ففعلت بها مثل ذلك، فتحاماها رسله؛ فابتاع أمة سوداء لطيفة رقيقة وأتى بها منزله فأحسن إليها وكساها وآنسها. وعرفها خبره وقال لها: إن أوصلت لي رقعة إلى كلثم فقرأتها فأنت حرة ولك معيشتك ما بقيت؛ فقالت: اكتب لي مكاتبة١٨٤ واكتب حاجتك في آخرها، ففعل ذلك، فأخذتها ومضت بها إلى باب كلثم فاستأذنت فخرجت إليها أمة لها فسألتها عن أمرها؛ فقالت: مكاتبة لبعض أهل مولاتك جئت أستعينها في مكاتبتي، وحادثتها وناشدتها حتى ملأت قلبها، فدخلت إلى كلثم وقالت: إن بالباب مكاتبة لم أر قط أجمل منها ولا أكمل ولا آدب؛ فقالت: ائذني لها، فدخلت، فقالت: من كاتبك؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة الفاسق! فاقرئي مكاتبتي، فمدت يدها لتأخذها فقالت لها: لي عليك عهد الله أن تقرئيها، فإن كان منك إلي شيء مما أحبه وإلا لم يلحقني منك مكروه؛ فعاهدتها وفطنت وأعطتها الكتاب، فإذا أوله:
من عاشق صب يسر الهوى
قد شفه الوجد إلى كلثم
رأتك عيني فدعاني الهوى
إليك للحين ولم أعلم
قتلتنا، يا حبذا أنتم
في غير ما جرم ولا مأثم
والله قد أنزل في وحيه
مبينًا في آيه المحكم
من يقتل النفس كذا ظالمًا
ولم يقدها نفسه يظلم
وأنت ثأري فتلافي دمي
ثم اجعليه نعمة تنعمي
وحكمي عدلًا يكن بيننا
أو أنت فيما بيننا فاحكمي
وجالسيني مجلسًا واحدًا
من غير ما عار ولا محرم
وخبريني ما الذي عندكم
بالله في قتل امرئ مسلم

فلما قرأت الشعر قالت لها: إنه خداع ملق وليس لما شكاه أصل؛ قالت: يا مولاتي، فما عليك من امتحانه؟ قالت: قد أذنت له وما زال حتى ظفر ببغيته! فقولي له: إذا كان المساء فليجلس في موضع كذا وكذا حتى يأتيه رسولي؛ فانصرفت الجارية فأخبرته فتأهب لها، فلما جاءه رسولها مضى معه حتى دخل إليها وقد تهيأت أجمل هيئة، وزينت نفسها ومجلسها وجلست له من وراء ستر، فسلم وجلس، فتركته حتى سكن ثم قالت له: أخبرني عنك يا فاسق! ألست القائل:

هلا ارعويت فترحمي صَبا
صديان لم تدعي له قلبا
جشم الزيارة في مودتكم
وأراد ألا ترهقي دنبا
ورجا مصالحة فكان لكم
سلمًا وكنت ترينه حربا
يا أيها المصفي مودته
من لا يراك مساميًا خطبا١٨٥
لا تجعلن أحدًا عليك إذا
أحببته وهويته ربا
وصل الحبيب إذا شغفت به
واطو الزيارة دونه غبا
فلذاك أحسن من مواظبة
ليست تزيدك عنده قربا
لا بل يملك عند دعوته
فيقول هاه١٨٦ وطالما لبى

ورأى عمر لبابة بنت عبد الله بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تطوف بالبيت فرأى أحسن خلق الله، فكاد عقله يذهب، فسأل عنها فأخبر بنسبها، فنسب بها وقال فيها:

ودع لبابة أن تترحلا
واسأل فإن قلاله١٨٧ أن تسألا
البث بعمرك ساعة وتأنها
فلعل ما بخلت به أن يبذلا
قال ائتمر١٨٨ ما شئت غير مخالف
فيما هويت فإننا لن نعجلا
لسنا نبالي حين تقضى حاجة
ما بات أو ظل المطي معقلا
حتى إذا ما الليل جن ظلامه
ورقبت غفلة كاشح أن يمحلا
خرجت تأطر١٨٩ في الثياب كأنها
أيم١٩٠ يسيب على كثيب أهيلا
رحبت حين رأيتها فتبسمت
لتحيتي لما رأتني مقبلا
وجلا القناع سحابة مشهورة
غراء تعشي الطرف أن يتأملا
فلبثت أرقيها بما لو عاقل١٩١
يرقى به ما اسطاع ألا ينزلا

وحجت رملة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية فقال فيها:

أصبح القلب في الحبال رهينا
مقصدًا يوم فارق الظاعنينا
عجلت حمة الفراق علينا
برحيل ولم نخف أن تبينا
لم يرعني إلا الفتاة وإلا
دمعها في الرداء سحًّا سنينا
ولقد قلت يوم مكة سرًّا
قبل وشك من بينكم نولينا
أنت أهوى العباد قربًا ودلًّا
لو تنيلين عاشقًا محزونا
قاده الطرف يوم مر إلى الحيـ
ـن جهارًا ولم يخف أن يحينا
فإذا نعجة تراعي نعاجًا
ومهًا بهج المناظر عينا
قلت من أنتم فصدت وقالت
أمبد١٩٢ سؤالك العالمينا
قلت بالله ذي الجلالة لما
أن تبلت الفؤاد أن تصدقينا
أي من تجمع المواسم قولي
وأبيني لنا ولا تكتمينا
نحن من ساكني العراق وكنا
قبله قاطنين مكة حينا
قد صدقناك إذ سألت فمن أنـ
ـت عسى أن يجر شأن شئونا
ونرى أننا عرفناك بالنعـ
ـت بظن وما قتلنا يقينا
بسواد الثنيتين ونعت
قد نراه لناظر مستبينا

وقال في الثريا وقد صرمته:

من رسولي إلى الثريا فإني
ضقت ذرعًا بهجرها والكتاب
سلبتني مجاجة،١٩٣ المسك عقلي
فسلوها ماذا أحل اغتصابي
وهي مكنونة تحير منها
في أديم الخدين ماء الشباب
أبرزوها مثل المهاة تهادى١٩٤
بين خمس كواعب أتراب
ثم قالوا تحبها قلت بهرًا
عدد القطر والحصى والتراب
أزهقت أم نوفل إذ دعتها
مهجتي،١٩٥ ما لقاتلي من متاب
حين قالت لها أجيبي فقالت
من دعاني قالت أبو الخطاب
فاستجابت عند الدعاء كما لبْـ
ـبَى رجال يرجون حسن الثواب

ومن شعره:

كتبت إليك من بلدي
كتاب موله كمد
كئيب واكف١٩٦ العينيـ
ـن بالحسرات منفرد
يؤرقه لهيب الشو
ق بين السحر١٩٧ والكبد
فيمسك قلبه بيد
ويمسح عينه بيد
لما تزوج سهيل بن عبد العزيز الثريا ونقلها إلى الشأم، بلغ عمر بن أبي ربيعة الخبر، فأتى المنزل الذي كانت الثريا تنزله، فوجدها قد رحلت منه يومئذ، فخرج في أثرها فلحقها على مرحلتين، وكانت قبل ذلك مهاجرته لأمر أنكرته عليه، فلما أدركهم نزل عن فرسه ودفعه إلى غلامه ومشى متنكرًا حتى مر بالخيمة، فعرفته الثريا وأثبتت١٩٨ حركته ومشيته، فقالت لحاضنتها:١٩٩ كلميه، فسلمت عليه وسألته عن حاله وعاتبته على ما بلغ الثريا عنه، فاعتذر وبكى، فبكت الثريا، فقالت: ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرحيل، فحادثها إلى وقت طلوع الفجر ثم ودعها وبكيا طويلًا، وقام فركب فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون،٢٠٠ ثم أتبعهم بصره حتى غابوا، وأنشأ يقول:
يا صاحبي قفا نستخبر الطللا
عن حال من حله بالأمس ما فعلا
فقال لي الربع لما أن وقفت به
إن الخليط أجد٢٠١ البين فاحتملا٢٠٢
وخادعتك النوى حتى رأيتهم
في الفجر يحتث حادي عيسهم زجلا٢٠٣
لما وقفنا نحييهم وقد صرخت
هواتف البين واستولت بهم أصلا٢٠٤
صدت بعادًا وقالت للتي معها
بالله لوميه في بعض الذي فعلا
وحدثيه بما حدثت واستمعي
ماذا يقول ولا تعيي٢٠٥ به جدلا
حتى يرى أن ما قال الوشاة له
فينا لديه إلينا كله نقلا
وعرفيه به كالهزل واحتفظي
في بعض معتبة أن تغضبي الرجلا
فإن عهدي به والله يحفظه
وإن أتى الذنب ممن يكره العذلا
لو عندنا اغتيب أو نيلت نقيصته
ما آب مغتابه من عندنا جذلا
قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطف٢٠٦
وليس يخفى على ذي اللب من هزلا
هذا أرادت به بخلا لأعذرها
وقد أرى أنها لن تعدم العللا
ما سمي القلب إلا من تقلبه
ولا الفؤاد فؤادًا غير أن عقلا٢٠٧
أما الحديث الذي قالت أتيت به
فما عبأت به إذ جاءني حولا
ما إن أطعت بها بالغيب قد علمت
مقالة الكاشح الواشي إذا محلا
إني لأرجعه فيها بسخطته
وقد يرى أنه قد غرني زللا

وهي قصيدة طويلة مذكورة في شعره.

وله:

هل تعرف الدار والأطلال والدمنا
زدن الفؤاد على علاته٢٠٨ حزنا
دار لأسماء قد كانت تحل بها
وأنت إذ ذالك قد كانت لكم وطنا
لم يحبب القلب شيئًا مثل حبكم
ولم تر العين شيئًا بعدكم حسنا
ما إن أبالي أدام الله قربكم
من كان شط من الأحياء أو ظعنا
فإن نأيتم أصاب القلب نأيكم
وإن دنت داركم كنتم لنا سكنا
إن تبخلي لا يسل القلب بخلكم
وإن تجودي فقد عنيتني زمنا
أمسى الفؤاد بكم يا هند مرتهنا
وأنت كنت الهوى والهم والوسنا
إذ تستبيك بمصقول عوارضه
ومقلتي جؤذر لم يعد أن شدنا

وقال:

أعبدة ما ينسى مودتك القلب
ولا هو يسليه رخاء ولا كرب
ولا قول واش كاشح ذي عداوة
ولا بعد دار إن نأيت ولا قرب
وما ذاك من نعمى لديك أصابها
ولكن حبًا ما يقاربه حب
فإن تقبلي يا عبد توبة تائب
يتب ثم لا يوجد له أبدًا ذنب
أذل لكم يا عبد فيما هويتم
وإني إذا ما رامني غيركم صعب
وأعذل نفسي في الهوى فتعوقني
ويأصرني قلب بكم كلف صب
وفي الصبر عمن لا يؤاتيك راحة
ولكنه لا صبر عندي ولا لب
وعبدة بيضاء المحاجر طفلة
منعمة تصبي الحليم وما تصبو
قطوف من الحور الأوانس بالضحى
متى تمش قيس الباع من بهرها تربو
فلست بناس يوم قالت لأربع
نواعم غر كلهن لها ترب
ألا ليت شعري فيم كان صدوده
أعلق أخرى! أم علي به عتب

وقال:

إن طيف الخيال حين ألما
هاج لي ذكرة وأحدث هما
جددي الوصل يا سكين وجودي
لمحب رحيله قد أحما
ليس بين الحياة والموت إلا
أن يردوا جمالهم فتزما
ولقد قلت مخيفًا لغريض
هل ترى ذلك الغزال الأحما
هل ترى فوقه من الناس شخصًا
أحسن اليوم صورة وأتما
إن تنيلي أعش بخير وإن لم
تبذلي الود مت بالهم غما

وله أيضًا:

أيا من كان لي بصرا وسمعًا
وكيف الصبر عن بصري وسمعي
وعمن حين يذكره فؤادي
يفيض كما يفيض الغرب دمعي
يقول العاذلون نأت فدعها
وذلك حين تهيامي وولعي
أأهجرها فأقعد لا أراها
وأقطعها وما همت بقطعي
وأصرم حبلها لمقال واش
وأفجعها وما همت بفجعي
وأقسم لو خلوت بهجر هند
لضاق بهجرها في النوم ذرعي

وهو القائل:

ما كنت أشعر إلا مذ عرفتكم
أن المضاجع تمسي تنبت الإبرا
لقد شقيت وكان الحين،٢٠٩ لي سببا
أن علق القلب قلبًا يشبه الحجرا
قد لمت قلبي فأعياني بواحدة
وقال لي لا تلمني وادفع القدرا
إن أكره الطرف يحسر دون غيركم
ولست أحسن إلا نحوك النظرا
قالوا صبوت فلم أكذب مقالتهم
وليس ينسى الصبا إن واله كبرا

وقال أيضًا:

ألا ليت قبري يوم تقضي منيتي
بتلك التي من بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كله
وليت حنوطي من مشاشك والدم
ألا ليت أم الفضل كانت قرينتي
هنا أو هنا في جنة أو جهنم

نظر عمر بن أبي ربيعة في الطواف إلى امرأة شريفة فرأى أحسن خلق الله صورة، فذهب عقله عليها وكلمها فلم تجبه؛ فقال فيها:

الريح تسحب أذيالها وتنشرها
يا ليتني كنت ممن تسحب الريح
كيما تجر بنا٢١٠ ذيلًا فتطرحنا
على التي دونها مغبرة٢١١ سوح٢١٢
أني بقربكم أم كيف لي بكم
هيهات ذلك ما أمست لنا روح
فليت ضعف الذي ألقى يكون بها
بل ليت ضعف الذي ألقى تباريح٢١٣
إحدى بنيات عمي دون منزلها
أرض بقيعاتها القيصوم٢١٤ والشيح

فبلغها شعره فجزعت منه، فقيل لها: اذكريه لزوجك، فإنه سينكر عليه قوله، فقالت: كلا والله لا أشكوه إلا إلى الله، ثم قالت: اللهم إن كان نوه باسمي ظالمًا فاجعله طعامًا للريح، فضرب الدهر من ضربه؛ ثم إنه غدا يومًا على فرس فهبت ريح فنزل فاستتر بسلمة، فعصفت الريح فخدشه غصن منها، فدمي وورم به ومات من ذلك.

(١-٢) الغزل العذري

جميل

قال نصيب مولى عبد العزيز بن مروان: قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالشعر، فقيل لي: الوليد بن سعيد الأشجعي، فوجدته بشعب سلع مع عبد الرحمن بن حسان وعبد الرحمن بن أزهر، فإنا لجلوس إذ طلع علينا رجل طويل بين المنكبين يقود راحلة عليها بزة حسنة، فقال عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن أزهر: يا أبا حبتر، هذا جميل٢١٥ فادعه لعله ينشدنا؛ فصاح به عبد الرحمن: هيا جميل؛ فالتفت فقال: من هذا؟ فقال: أنا عبد الرحمن بن أزهر؛ فقال: قد علمت أنه لا يجترئ علي إلا مثلك، فأتاه، فقال له: أنشدنا؛ فأنشدهم:
ونحن منعنا يوم أَوْلٍ نساءنا
ويوم أُفَيٍّ والأسنة ترعف٢١٦
يحب الغواني البيض ظل لوائنا
إذا ما أتانا الصارخ المتلهف
نسير أمام الناس والناس خلفنا
فإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
فأي معد كان فيء رماحه
كما قد أفأنا والمفاخر ينصف
وكنا إذا ما معشر نصبوا لنا
ومرت جواري طيرهم وتعيفوا٢١٧
وضعنا لهم صاع القصاص رهينة
بما سوف نوفيها إذا الناس طففوا٢١٨
إذا استبق الأقوام مجدًا وجدتنا
لنا معرفا مجد وللناس معرف

ثم قال له: أنشدنا هزجًا؛ قال: وما الهزج؟ لعله القصير! قال: نعم، فأنشده:

رسم دار وقفت في طلله
كدت أقضي الحياة من جلله٢١٩
موحشًا ما ترى به أحدًا
تنسج الريح ترب معتدله
وصريعًا بين الثمام ترقى
عازفات المدب في أسله
بين علياء رائش فبُلَيٍّ
فالغميم الذي إلى جبله
واقفًا في ديار أم جسير
من ضحى يومه إلى أصله
يا خليلي إن أم جسير
حين يدنو الضجيع من غلله٢٢٠
روضة ذات حنوة وخزامى
جاد فيها الربيع من سبله٢٢١
بينما نحن بالأراك معًا
إذ بدا راكب على جمله
فتأطرت٢٢٢ ثم قلت لها
أكرميه حييت في نزله
فظللنا بنعمة واتكأنا
وشربنا الحلال من قلله
قد أصون الحديث دون أخ
لا أخاف الأذاة من قبله
غير بغض له ولا ملق
غير أني أشحت٢٢٣ من وجله
وخليل صافيت مرتضيا
وخليل فارقت من ملله

ثم اقتاد راحتله موليًا؛ فقال ابن الأزهر: هذا أشعر أهل الإسلام؛ فقال ابن حسان: نعم والله وأشعر أهل الجاهلية، والله ما لأحد منهم مثل هجائه ولا نسيبه؛ فقال عبد الرحمن ابن الأزهر: صدقت.

قال محمد بن سلام: كان لكثير في النسيب حظ وافر، وجميل مقدم عليه وعلى أصحاب النسيب في النسيب، وكان جميل صادق الصبابة والعشق، ولم يكن كثير بعاشق ولكنه كان يتقول، وكان الناس يستحسنون بين كثير في النسيب، وهو:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل

ورأيت من يفضل عليه بيت جميل:

خليلي فيما عشتما هل رأيتما
قتيلًا بكى من حب قاتله قبلي

قيل إن بثينة واعدت جميلًا أن يلتقيا في بعض المواضع، فأتى لوعدها، وجاء أعرابي يستضيف القوم، فأنزلوه وقروه، فقال لهم: قد رأيت في بطن هذا الوادي ثلاثة نفر متفرقين متوارين في الشجر وأنا خائف عليكم أن يسلبوا بعض إبلكم، فعرفوا أنه جميل وصاحباه، فحرسوا بثينة ومنعوها من الوفاء بوعده، فلما أسفر له الصبح انصرف كئيبًا سيء الظن بها ورجع إلى أهله؛ فجعل نساء الحي يقرعنه بذلك ويقلن له: إنما حصلت منها على الباطل والكذب والغدر، وغيرها أولى بوصلك منها، كما أن غيرك يحظى بها؛ فقال في ذلك:

فأجبتها بالقول بعد تستر
حبي بثينة عن وصالك شاغلي
أبثين إنك قد ملكت فأسجحي٢٢٤
وخذي بحظك من كريم واصل
فلرب عارضة علينا وصلها
بالجد تخلطه بقول الهازل
لو كان في صدري كقدر قلامة
فضلًا وصلتك أو أتتك رسائلي
ويقلن إنك قد رضيت بباطل
منها فهل لك في اجتناب الباطل
ليزلن عنك هواي ثم يصلنني
وإذا هويت فما هواي بزائل
صادت فؤادي يا بثين حبالكم
يوم الحجون وأخطأتك حبائلي
منيتني فلويت ما منيتني
وجعلت عاجل ما وعدت كآجل
وتثاقلت لما رأت كلفي بها
أحبب إلي بذاك من متثاقل
وأطعت في عواذلًا فهجرتني
وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي
حاولنني لأبت حبل وصالكم
مني ولست وإن جهدن بفاعل
فرددتهن وقد سعين بهجركم
لما سعين له بأفوق ناصل٢٢٥
يعضضن من غيظ علي أناملًا
ووددت لو يعضضن صم جنادل
ويقلن إنك يا بثين بخيلة
نفسي فداؤك من ضنين باخل

وقال جميل في وعد بثينة بالتلاقي وتأخرها قصيدة أولها:

يا صاح عن بعض الملامة أقصر
إن المنى للقاء أم المسور

ومنها:

وكأن طارقها على علل الكرى
والنجم وهنًا قد دنا لتغور
يستاف٢٢٦ ريح مدامة معجونة
بذكى مسك أو سحيق العنبر

ومنها:

إني لأحفظ غيبكم ويسرني
إذ تذكرين بصالح أن تذكري
ويكون يوم لا أرى لك مرسلًا
أو نلتقي فيه علي كأشهر
يا ليتني ألقى المنية بغتة
إن كان يوم لقائكم لم يقدر
أو أستطيع تجلدًا عن ذكركم
فيفيق بعض صبابتي وتفكري

وفيه يقول:

لو قد تجن كما أجن من الهوى
لعذرت أو لظلمت إن لم تعذر
والله ما للقلب من علم بها
غير الظنون وغير قول المخبر
لا تحسبي أني هجرتك طائعًا
حدث لعمرك رائع أن تهجري
فلتبكين الباكيات وإن أبح
يومًا بسرك معلنًا لم أعذر
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت
يتبع صداي صداك بين الأقبر
إني إليك بما وعدت لناظر
نظر الفقير إلى الغنى المكثر
يعد الديون وليس ينجز موعدًا
هذا الغريم لنا وليس بمعسر
ما أنت والوعد الذي تعدينني
إلا كبرق سحابة لم تمطر
قلبي نصحت له فرد نصيحتي
فمتى هجرتيه فمنه تكثري

وقال في إخلافها إياه هذا الموعد:

ألا ليت ريعان الشباب جديد
ودهرًا تولى يا بثين يعود
فنغنى كما كنا نكون وأنتم
قريب وإذ ما تبذلين زهيد
وما أنس مِلْأشياء لا أنس قولها
وقد قربت نضوي٢٢٧ أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى
أتيتك فاعذرني فدتك جدود
خليلي ما أخفي من الوجد ظاهر
ودمعي بما قلت الغداة شهيد
ألا قد أرى والله أن رب عبرة
إذا الدار شطت بيننا ستزيد
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي
من الحب قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به
مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبًا
ولا حبها فيما يبيد يبيد
جزتك الجوازي يا بثين ملامة
إذا ما خليل بان وهو حميد
وقلت لها بيني وبينك فاعلمي
من الله ميثاق له وعهود
وقد كان حبيكم طريفًا وتالدًا
وما الحب إلا طارف وتليد
وإن عروض٢٢٨ الوصل بيني وبينها
وإن سهلته بالمنى لصعود
فأفنيت عيشي بانتظاري نوالها
وأبليت ذاك الدهر وهو جديد
فليت وشاة الناس بيني وبينها
يدوف لهم سمًّا طماطم سود٢٢٩
وليت لهم في كل ممسى وشارق
تضاعف أكبال لهم وقيود
ويحسب نسوان من الجهل أنني
إذا جئت إياهن كنت أريد
فأقسم طرفي بينهن فيستوي
وفي الصدر بون بينهن بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بوادي القرى إني إذا لسعيد
وهل أهبطن أرضًا تظل رياحها
لها بالثنايا القاويات٢٣٠ وئيد٢٣١
وهل ألقين سعدى من الدهر مرة
وما رث من حبل الصفاء جديد
وقد تلتقي الأهواء من بعد يأسة
وقد تطلب الحاجات وهي بعيد
وهل أزجرن حرفًا علاة شِمِلَّة
بخرق تباريها سواهم قود٢٣٢
على ظهر مرهوب كأن نشوزه
إذا جاز هلاك الطريق رقود
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب
وصدر كفاثور٢٣٣ اللجين وجيد٢٣٤
تزيف٢٣٥ كما زافت إلى سلفاتها
مباهية طيا الوشاح ميود
إذا جئتها يومًا من الدهر زائرًا
تعرض منقوض اليدين صدود
يصد ويغضي عن هواي ويجتني
ذنوبًا عليها إنه لعنود
فأصرمها خوفًا كأني مجانب
ويغفل عنا مرة فنعود
فمن يعط في الدنيا قرينًا كمثلها
فذلك في عيش الحياة رشيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها
ويحيا إذا فارقتها فيعود
يقولون جاهد يا جميل بغزوة
وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة
وكل قتيل بينهن شهيد
ومن كان في حبي بثينة يمتري
فبرقاء ذي ضال علي شهيد
ألم تعلمي يا أم ذي الودع أنني
أضاحك ذكراكم وأنت صلود
بعثت أمة لبثينة إلى أبيها وأخيها وقالت لهما: إن جميلًا عندها الليلة، فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالسًا منها حَجْرَة٢٣٦ يحدثها ويشكو لها بثه، ثم قال لها: يا بثينة، أرأيت ودي إياك وشغفي بك ألا تجزيننيه؟ قالت: بماذا؟ قال: بما يكون من المتحابين، فقالت له: يا جميل؟ أهذا تبغي! والله لقد كنت عندي بعيدًا منه؛ ولئن عاودت تعريضًا بريبة لا رأيت وجهي أبدًا! فضحك وقال: والله ما قلت هذا إلا لأعلم ما عندك فيه، ولو علمت أنك تجيبينني لعلمت أنك تجيبين غيري، ولو رأيت منك مساعدة لضربتك بسيفي هذا ما استمسك في يدي، ولو أطاعتني نفسي لهجرتك هجرة الأبد، أو ما سمعت قولي:
وإن لأرضى من بثينة بالذي
لو ابصره الواشي لقرت بلابله
بلا وبألا أستطيع وبالمنى
وبالأمل المرجو قد خاب آمله
وبالنظر العجلى وبالحول ينقضي
أواخره لا نلتقي وأوائله

فقال أبوها لأخيها: قم بنا، فما ينبغي لنا بعد اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها، فانصرفا وتركاهما.

ومن قول جميل:

إن المنازل هيجت أطرابي
واستعجمت آياتها بجوابي
قفزًا تلوح بذي اللجين كأنها
أنضاء رسم أو سطور كتاب
لما وقفت بها القلوص تبادرت
مني الدموع لفرقة الأحباب
وذكرت عصرًا يا بثينة شاقني
وذكرت أيامي وشرخ شبابي
لما نذر أهل بثينة دم جميل وأهدره لهم السلطان ضاقت الدنيا بجميل، فكان يصعد بالليل على قوز٢٣٧ رمل يتنسم الريح من نحو حي بثينة ويقول:
أيا ريح الشمال أما تريني
أهيم وأنني بادي النحول
هبي لي نسمة من ريح بثن
ومني بالهبوب إلى جميل
وقولي يا بثينة حسب نفسي
قليلك أو أقل من القليل

ومن قوله:

يقيك جميل كل سوء أما له
لديك حديث أو إليك رسول
وقد قلت في حبي لكم وصبابتي
محاسن شعر ذكرهن يطول
فإن لم يكن قولي رضاك فعلمي
هبوب الصبا يا بثن كيف أقول
فما غاب عن عيني خيالك لحظة
ولا زال عنها والخيال يزول

ومنه:

خليلي عوجا اليوم حتى تسلما
على عذبة الأنياب طيبة النشر
ألما بها ثم اشفعا لي وسلما
عليها سقاها الله من سائغ القطر
إذا ما دنت زدت اشتياقًا وإن نأت
جزعت لنأي الدار منها وللبعد
أبى القلب إلا حب بثنة لم يرد
سواها وحب القلب بثنة لا يجدي

وفيها يقول:

سلي الركب هل عجنا لمغناك مرة
صدور المطايا وهي موقرة تخدي٢٣٨
وهل فاضت العين الشروق بمائها
من اجلك حتى اخضل من دمعها بردي
وإني لأستجري لك الطير جاهدًا
لتجري بيمن من لقائك أو سعد
وإنى لأستبكي إذا الركب غردوا
بذكراك أن يحيا بك الركب إذ يخدي
فهل تجزيني أم عمرو بودها
فإن الذي أخفى بها فوق ما أبدي
وكل محب لم يزد فوق عهده
وقد زدتها في الحب مني على العهد

ومن قوله فيها:

لها في سواد القلب حب ومنعة
هي الموت أو كادت على الموت تشرف
وما ذكرتك النفس يا بثن مرة
من الدهر إلا كادت النفس تتلف
وإلا اعترتني زفرة واستكانة
وجاد لها سجل من العين يذرف
وما استطرفت نفسي حديثًا لخلة
أسر به إلا حديثُك أطرف

وأول هذه القصيدة:

أمن منزل فقز تعفت رسومه
شمال تغاديه ونكباء حرجف٢٣٩
فأصبح قفرًا بعد ما كان آهلًا
وجمل المنى تشتو به وتصيف
ظللت ومستن من الدمع هامل
من العين لما عجت بالدار ينزف
أمنصفتي جمل فتعدل بيننا
إذا حكمت والحاكم العدل ينصف
تعلقتها والجسم مني مصحح
فما زال ينمي حب جمل وأضعُف
إلى اليوم حتى سل جسمي وشفني
وأنكرت من نفسي الذي كنت أعرف
قناة من المران ما فوق حقوها٢٤٠
وما تحته منها نقًا يتقصف٢٤١
لها مقلتا ريم وجيد جداية٢٤٢
وكشح كطي السابرية أهيف
ولست بناس أهلها حين أقبلوا
وجالوا علينا بالسيوف وطوفوا
وقالوا جميل بات في الحي عندها
وقد جردوا أسيافهم ثم وقفوا
وفي البيت ليث الغاب لولا مخافة
على نفس جمل والإله لأرعفوا
هممت وقد كادت مرارًا تطلعت
إلى حربهم نفسي وفي الكف مرهف
وما سرني غير الذي كان منهم
ومني وقد جاءوا إلي وأوجفوا
فكم مرتج أمرًا أتيح له الردى
ومن خائف لم ينتقصه التخوف

ومنها:

أأن هتفت ورقاء ظلت سفاهة
تبكي على جمل لورقاء تهتف
فلو كان لي بالصرم يا صاح طاقة
صرمت ولكني عن الصرم أضعف
قيل: إن مروان طلب إلى جميل أن ينزل فيرجز٢٤٣ به، وهو يريد أن يمدحه، فنزل جميل فقال:
أنا جميل في السنام الأعظم
الفارع الناس الأعز الأكرم
أحمي ذماري ووجدت أقرمي٢٤٤
كانوا على غارب طود خضرم٢٤٥
أعيا على الناس فلم يهدم

فقال: عد عن هذا؛ فقال جميل:

لهفا على البيت المعدي لهفا
من بعد ما كان قد استكفا
ولو دعا الله ومد الكفا
لرجفت منه البلاد رجفا

وطلب ذلك إليه الوليد فقال:

أنا جميل في السنام من معد
في الذروة العلياء والركن الأشد
والبيت من سعد بن زيد والعدد
ما يبتغي الأعداء مني، ولقد
أضري بالشتم لساني ومرد
أقود من شئت وصعب لم أقد

فقال له الوليد: اركب لا حملك الله! وما مدح جميل أحدًا قط.

ومن قول جميل في مراجزة جواس بن قطبة، وكان ذلك بوادي القرى:

يا أم عبد الملك اصرميني
فبيني صرمي أو صليني
أبكي وما يدريك ما يبكيني
أبكي حذار أن تفارقيني
وتجعلي أبعد مني دوني
إن بني عمك أوعدوني
أن يقطعوا رأسي إذا لقوني
ويقتلوني ثم لا يدوني٢٤٦
كلا ورب البيت لو لقوني
شفعًا ووترًا لتواكلوني٢٤٧
قد علم الأعداء أن دوني
ضربًا كإيزاغ٢٤٨ المخاض الجون
ألا أسب القوم إذ سبوني
بلى وما مر على دفين
وسابحات بلوى الحجون
قد جربوني ثم جربوني
حتى إذا شابوا وشيبوني
أخزاهم الله ولا يخزوني
أشباه أعيار على معين
أحسسن حس أسد حرون
فهن يضرطن من اليقين
أنا جميل فتعرَّفوني
وما تقنعت فتنكروني
وما أعنيكم لتسألوني
أنمي إلى عادية طحون
ينشق عنها السيل ذو الشئون
غمر يزف٢٤٩ رجح السفين
ذو حدب٢٥٠ إذا يرى حجون٢٥١
تنحل أحقاد الرجال دوني

ومن قوله يمدح أخواله من جذام:

جذام سيوف الله في كل موطن
إذا أزمت٢٥٢ يوم اللقاء أزام
هم منعوا ما بين مصر فذي القرى
إلى الشأم من حل به وحرام
بضرب يزيل الهام عن سكناته
وطعن كإيزاغ المخاض تؤام
إذا قصرت يومًا أكف قبيلة
عن المجد نالته أكف جذام

اجتمع جميل وعمر بن أبي ربيعة بالأبطح، فأنشده جميل قصيدته:

لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي
بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلًا يا جميل وإنني
لأقسم ما بي عن بثينة من مهل
أحلمًا فقبل اليوم كان أوانه
أم اخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل
لقد أنكحوا حربي نبيهًا ظعينة
لطيفة طي البطن ذات شوى جزل
وكم قد رأينا ساعيًا بنميمة
لآخر لم يعمد بكف ولا رجل
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننا
جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة
إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها
ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي بها
ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
وقالت لأتراب لها لا زعانف
قصار ولا كس الثنايا ولا ثُعْلِ٢٥٣
إذا حميت شمس النهار اتقيتها
بأكسية الديباج والخز ذي الخمل
تداعين فاستعجمن مشيًا بذي الغضى
دبيب القطا الكدري في الدمث السهل
إذا ارتعن أو فزعن قمن حوالها
قيام بنات الماء٢٥٤ في جانب الضحل٢٥٥
أجدك لا ألقى بثينة مرة
من الدهر إلا خائفًا أو على رجل
خليلي فيما عشتما هل رأيتما
قتيلًا بكى من حب قاتله قبلي
أبيت مع الهلاك٢٥٦ ضيفًا لأهلها
وأهلي قريب موسعون ذوو فضل
ألا أيها البيت الذي حيل دونه
بنا أنت من بيتي وأهلك من أهلي
ثلاثة أبيات فبيت أحبه
وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي

وقال في هجرة هجرته إياها بثينة:

ألم تسأل الربع القواء فينطق
وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق٢٥٧
وقفت بها حتى تجلت عمايتي
ومل الوقوف الأرحبي٢٥٨ المنوق
تعز وإن كانت عليك كريمة
لعلك من رق لبثنة تعتق
لعمركم إن البعاد لشائقي
وبعض بعاد البين والنأي أشوق
لعلك محزون ومبد صبابة
ومظهر شكوى من أناس تفرقوا
وبيض غريرات تثنى خصورها
إذا قمن أعجاز ثقال وأسؤق
عزائز لم يلقين بؤس معيشة
يجن بهن الناظر المتنوق
وغلغلت من وجد إليهن بعد ما
سريت وأحشائي من الخوف تخفق
معي صارم قد أخلص القين صقله
له حين أغشيه الضريبة رونق
فلولا احتيالي ضقن ذرعًا بزائر
به من صبابات إليهن أولق٢٥٩
تسوك بقضبان الأراك مفلجا
يشعشع فيه الفارسي المروق
أبثنة للوصل الذي كان بيننا
نضا مثل ما ينضو الخضاب فيخلق
أبثنة ما تنأين إلا كأنني
بنجم الثريا ما نأيت معلق

قال الرشيد لإسحاق الموصلي: أنشدني أحسن ما تحب في عتاب محب وهو ظالم متعتب، فأنشده قول جميل:

رد الماء ما جادت بصفو ذنائبه
ودعه إذا خيضت بطرق٢٦٠ مشاربه
اعتاب من يحلو لدي عتابه
وأترك من لا أشتهي وأجانبه
ومن لذة الدنيا وإن كنت ظالمًا
عناقك مظلومًا وأنت تعاتبه

ومن قوله في زيارة له:

زورا بثينة فالحبيب مزور
إن الزيادة للمحب يسير
إن الترحل أن تلبس أمرنا
واعتاقنا قدر أحم بكور
إني عشية رحت وهي حزينة
تشكو إلي صبابة لصبور
وتقول بت عندي فديتك ليلة
أشكو إليك فإن ذاك يسير
غراء مبسام كأن حديثها
در تحدر نظمه منثور
مخطوطة٢٦١ المتنين مضمرة الحشى
ريا الروادف خلفها ممكور
لا حسنها حسن ولا كدلالها
دل ولا كوقارها توقير
إن اللسان بذكرها لموكل
والقلب صاد والخواطر صور
ولئن جزيت الود مني مثله
إني بذلك يا بثين جدير

وعذله فيها ابن عمه روق، فقال:

لقد لامني فيها أخ ذو قرابة
حبيب إليه في ملامته رشدي
وقال أفق حتى متى أنت هائم
ببثنة فيها قد تعيد وقد تبدي
فقلت له فيها قضى الله ما ترى
علي وهل فيما قضى الله من رد
فإن يك رشدًا حبها أو غواية
فقد جئته، ما كان مني على عمد
لقد لج ميثاق من الله بيننا
وليس لمن لم يوف لله من عهد
فلا وأبيها الخير ما خنت عهدها
ولا لي علم بالذي فعلت بعدي
وما زادها الواشون إلا كرامة
علي وما زالت مودتها عندي
أفي الناس أمثالي أحب فحالهم
كحالي أم أحببت من بينهم وحدي
وهل هكذا يلقى المحبون مثل ما
لقيت بها أم لم يجد أحد وجدي

وقال فيها:

خليلي عوجا اليوم حتى تسلما
على عذبة الأنياب طيبة النشر
ألما بها ثم اشفعا لي وسلما
عليها سقاها الله من سائغ القطر
وبوحا بذكري عند بثنة وانظرا
أترتاح يومًا أم تهش إلى ذكري
فإن تك لم تقطع قوى الود بيننا
ولم تنس ما أسلفت في سالف الدهر
فكيف٢٦٢ يرى منها اشتياق ولوعة
ببين وغرب من مدامعها يجري
وإن تك قد حالت عن العهد بعدنا
وأصغت إلى القول المؤنب والمزري
فسوف يرى منها صدود ولم تكن
— بنفسي — من أهل الخيانة والغدر
أعوذ بك اللهم أن تشحط النوى
ببثنة في أدنى حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما مت بيني وبينها
فيا حبذا موتي إذا جاورت قبري
عدمتك من حب أما منك راحة
وما بك عني من توان ولا فتر
ألا أيها الحب المبرح هل ترى
أخا كلف يغري بحب كما أغري
أجدك لا يبلى وقد بلى الهوى
ولا ينتهي حتى بثينة للزجر

ومن قوله فيها:

قفي تسل عنك النفس بالخطة التي
تطيلين تخويفي بها ووعيدي
فقد طالما من غير شكوى قبيحة
رضينا بحكم منك غير سديد

ومنه:

بثين سليني بعض مالي فإنما
يبين عند المال كل بخيل
فإني وتكرار الزيارة نحوكم
لبين يدى هجر بثين طويل
فيا ليت شعري هل تقولين بعدنا
إذا نحن أزمعنا غدًا لرحيل
ألا ليت أيامًا مضين رواجع
وليت النوى قد ساعدت بجميل

ومنه:

أتعجب أن طربت لصوت حاد
حدا بزلًا يسرن ببطن واد
فلا تعجب فإن الحب أمسى
لبثنة في السواد من الفؤاد

ومنه:

خليلي عوجا بالمحلة من جمل
وأترابها بين الأصيفر والخبل
نقف بمغان قد محا رسمها البلى
تعاقبها الأيام بالريح والوبل
فلو درج النمل الصغار بجلدها
لأندب أعلى جلدها مدرج النمل
وأحسن خلق الله جيدًا ومقلة
تشبه في النسوان بالشادن الطفل٢٦٣

ومن قوله:

أمنك سري يا بثن طيف تأوبا
هدوا فهاج القلب شوقًا وأنصبا
عجبت له أن زار في النوم مضجعي
ولو زارني مستيقظًا كان أعجبا

لما قدم جميل من الشأم بلغ بثينة خبره، فراسلته مع بعض نساء الحي تذكر شوقها إليه ووجدها به، وطلبها للحيلة في لقائه، وواعدته لموضع يلتقيان فيه، فسار إليها وحدثها طويلًا وأخبرها خبره بعدها، وقد كان أهلها رصدوها، فلما فقدوها تبعها أبوها وأخوها حتى هجما عليهما، فوثب جميل فانتضى سيفه وشد عليهما، فاتقياه بالحرب، وناشدته بثينة الله إلا انصرف، وقالت له: إن أقمت فضحتني، ولعل الحي يلحقونك، فأبى وقال: أنا مقيم وامضي أنت وليصنعوا ما أحبوا، فلم تزل تناشده حتى انصرف وقال في ذلك، وقد هجرته وانقطع التلاقي بينهما مدة:

هي البدر حسنًا والنساء كواكب
وشتان ما بين الكواكب والبدر
لقد فضلت حسنًا على الناس مثل ما
على ألف شهر فضلت ليلة القدر

وقال:

لقد خفت أن يغتالني الموت عنوة
وفي النفس حاجات إليك كما هيا
وإني لتثنيني الحفيظة كلما
لقيتك يومًا أن أبثك ما بيا
ألم تعلمي يا عذبة الريق أنني
أظل إذا لم أسق ريقك صاديًا

ورحل إلى مصر فأدركته بها منيته، فزعموا أنه قال حين حضرته الوفاة:

صدع النعي وما كنى بجميل
وثوى بمصر ثواء غير قفول
ولقد أجر الذيل في وادي القرى
نشوان بين مزارع ونخيل
قومي بثينة فاندبى بعويل
وابكي خليلك دون كل خليل

ولما أنشدت بثينة قول جميل قالت:

وإن سلوى عن جميل لساعة
من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر
إذا مت بأساء الحياة ولينها

وقال:

رحل الخليط جمالهم بسواد
وحدا على أثر البخيلة حادي
ما إن شعرت ولا سمعت ببينهم
حتى سمعت به الغراب ينادي
لما رأيت البين قلت لصاحبي
صدعت مصدعة القلوب فؤادي
بانوا وغودر في الديار متيم
كلف بذكرك يا بثينة صادي

وقال أيضًا:

خليلي هل في نظرة بعد توبة
أداوي بها قلبي علي فجور
إلى رجح الأكفال هيف خصورها
عذاب الثنايا ريقهن طهور
تذكرت من أضحت قرى اللد٢٦٤ دونه
وهضب لتيما والهضاب وعور
فظلت لعينيك اللجوجين عبرة
يهيجها برح الهوى فتمور
على أنني بالبرق من نحو أرضها
إذا قصرت عنه العيون بصير
وإني إذا ما الريح يومًا تنسمت
شآمية عاد العظام فتور
ألا يا غراب البين لونك شاحب
وأنت بروعات الفراق جدير
فإن كان حقًّا ما تقول فأصبحت
همومك شتى والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك فيهم
كما قد تراني بالحبيب أدور
وكيف بأعداء كأن عيونهم
إذا حان إتياني بثينة عور
فإني وإن أصبحت بالحب عالمًا
على ما بعيني من قذى لخبير

وله أيضًا:

فلو أرسلت يومًا بثينة تبتغي
يميني ولو عزت علي يميني
لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها
وقلت لها بعد اليمين سليني
سليني ما لي يابثين فإنما
يبين عند المال كل ضنين
فما لك لما خبر الناس أنني
أسأت بظهر الغيب لم تسليني
فأبلي عذرًا أو أجيء بشاهد
من الناس عدل أنهم ظلموني
ولست وإن عزت علي بقائل
لها بعد صرم يا بثين صليني
ونبئت قومًا فيك قد نذروا دمي
فليت الرجال الموعدين لقوني
إذا ما رأوني مقبلًا عن جنابة
يقولون من هذا وقد عرفوني

وله أيضًا:

تنادي آل بثنة بالرواح
وقد تركوا فؤادك غير صاح
فيا لك منظرًا ومسير ركب
شجاني حين أمعن في الفياح
ويا لك خلة ظفرت بعقلي
كما ظفر المقامر بالقداح
أريد صلاحها وتريد قتلي
فشتى بين قتلي والصلاح
لعمر أبيك لا تجدين عهدي
كعهدك في المودة والسماح
ولو أرسلت تستهدين نفسي
أتاك بها رسولك في سراح

وله أيضًا:

فإن يك جثماني بأرض سواكم
فإن فؤادي عندك الدهر أجمع
إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري
على صرمها ظلت لها النفس تشفع
وإن رمت نفسي كيف آتي لصرمها
ورمت صدودًا ظلت العين تدمع

وله أيضًا:

ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني
أظل إذا لم أسق ماءك صاديا
وما زلت بي يا بثن حتى لو انني
من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا
وددت على حب الحياة لو انها
يزاد لها في عمرها من حياتيا

وله أيضًا:

وقلت لها اعتللت بغير ذنب
وشر الناس ذو العلل البخيل
ففاتيني إلى حكم من اهلي
وأهلك لا يحيف ولا يميل
فقالت أبتغي حكمًا من اهلي
ولا يدري بنا الواشي المحول
فولينا الحكومة ذا سجوف
أخا دنيا له طرف كليل
فقلنا ما قضيت به رضينا
وأنت بما قضيت به كفيل
قضاؤك نافذ فاحكم علينا
بما تهوى ورأيك لا يفيل
فقلت له قُتلت بغير جرم
وغب الظلم مرتعه وبيل
فسل هذي متى تقضي ديوني
وهل يقضيك ذو العلل المطول
فقالت إن ذا كذب وبطل
وشر من خصومته طويل
أأقتله ومالي من سلاح
وما بي لو أقاتله حويل٢٦٥
ولم آخذ له مالًا فيلفي
له دين علي كما يقول
وعند أميرنا حكم وعدل
ورأي بعد ذلكم أصيل
فقال أميرنا هاتوا شهودا
فقلت شهيدنا الملك الجليل
فقال يمينها وبذاك أقضي
وكل قضائه حسن جميل
فبتت حلفة ما لي لديها
نقير أدعيه ولا فتيل
فقلت لها وقد غلب التعزي
أما يقضى لنا يا بثن سول
فقالت ثم زجت حاجبيها
أطلت ولست في شيء تطيل
فلا يجدنك الأعداء عندي
فتثكلني وإياك الثكول

وله أيضًا:

حلفت يمينًا يا بثينة صادقًا
فإن كنت فيها كاذبًا فعميت
إذا كان جلد غير جلدك مسني
وباشرني دون الشعار شريت٢٦٦
ولو أن راقي الموت يرقي جنازتي
بمنطقها في الناطقين حييت

وقال أيضًا:

فقد لان أيام الصبا ثم لم يكد
من الدهر شيء بعدهن يلين
ظعائن ما في قربهن لذي هوى
من الناس إلا شقوة وفتون
وواكلنه والهم ثم تركنه
وفي القلب من وجد بهن رهين
فواحسرتا إن حيل بيني وبينها
ويا حين نفسي كيف فيك تحين
فشيب روعات الفراق مفارقي
وأنشزن نفسي فوق حيث تكون
شهدت بأني لم تغير مودتي
وأني بكم حتى الممات ضنين
وأن فؤادي لا يلين إلى هوى
سواك وإن قالوا بلى سسيلين
وإني لأستغشي وما بي نعسة
لعل لقاء في المنام يكون
ولما علوت اللابتين تشوقت
قلوب إلى وادي القرى وعيون
كأن دموع العين يوم تحملت
بثينة يسقيها الرشاش معين
ورحن وقد ودعن عندي لبانة
لبثنة سر في الفؤاد كمين
كسرِّ الثرى لم يعلم الناس أنه
ثوى في قرار الأرض وهو دفين
فإن دام هذا الصرم منك فإنني
لأغبر هاري الجانبين رهين
لكيما يقول الناس مات ولم أهن
عليك ولم تنبت منك قرون

(١-٣) الغزل الصناعي

كثير

قال أبو الفرج قال محمد بن عبد العزيز: ما قصَّد القصيد ولا نعت الملوك مثل كثير.٢٦٧ وقال إبراهيم بن سعد: إني لأروي لكثير ثلاثين قصيدة لو رقي بها مجنون لأفاق، وكان بعض أصحاب الحديث يأتونه، وهو خبيث النفس، فيسألونه عن شعر كثير فتطيب نفسه ويحدثهم. وقال عبد الله بن أبي عبيدة: من لم يجمع من شعر كثير ثلاثين لامية فلم يجمع شعره. وكان ابن أبي عبيدة يملي شعره بثلاثين دينارًا. وسئل مصعب: من أشعر الناس؟ فقال: كثير بن أبي جمعة، وقال: هو أشعر من جرير والفرزدق والراعي وعامتهم، يعني الشعراء. ولم يدرك أحد في مديح الملوك ما أدرك كثير. وقال محمد بن سلام: كان كثير شاعر أهل الحجاز، وهو شاعر فحل ولكنه منقوص حظه بالعراق. وقال يونس النحوي: كثير أشعر أهل الإسلام، وكان ابن أبي حفصة يعجبه مذهبه في المديح جدًّا، ويقول: كان يستقصي المديح، وكان فيه مع جودة شعره خطل وعجب. وقال المسور بن عبد الملك: ما ضر من يروي شعر كثير وجميل ألا تكون عنده مغنيتان مطربتان.

وكان قصيرًا، قال الوقاصي: رأيت كثيرًا يطوف بالبيت، فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فكذبه. وكان إذا دخل على عبد العزيز بن مروان يقول: طأطئ رأسك لا يصبه السقف. وقال كثير: في أي شيء أعطى هؤلاء الأحوص عشرة آلاف دينار؟ قالوا: في قوله فيهم:

وما كان مالي طارفًا من تجارة
وما كان ميراثًا من المال متلدا
ولكن عطايا من إمام مبارك
ملا الأرض معروفًا وجودًا وسوددا

فقال كثير: إنه لضرع قبحه الله! ألا قال كما قلت:

دع عنك سلمى إذ فات مطلبها
واذكر خليليك من بني الحكم
وما أعطياني ولا سألتهما
ألا وإني لحاجزي كرمي
إني متى لا يكن نوالهما
عندي بما قد فعلت أحتشم
مبدي الرضا عنهما ومنصرف
عن بعض ما لو فعلت لم ألم
لا أنزر٢٦٨ النائل الخليل إذا
ما اعتل نزر الظئور لم ترم

وطلب من أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان أرضًا له يقال لها: غُرَّب، وقدم بين يدي طلبه تلك الأبيات:

جزتك الجوازي عن صديقك نضرة
وأدناك ربي في الرفيق المقرب
فإنك لا يعطى عليك ظلامة
عدو ولا تنأى عن المتقرب
وإنك ما تمنع فإنك مانع
بحق وما أعطيت لم تتعقب

فقال له: أترغب غربا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اكتبوها له، ففعلوا.

ونسب كثير لكثرة نسبيه بعزة الضمرية إليها، وعرف بها فقيل: كثير عزة، وهي عزة ابنة حميد بن وقاص. وكان ابتداء عشقه إياها أنه مر بنسوة من بني ضمرة ومعه جلب غنم، فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة، فقالت: يقلن لك النسوة: بعنا كبشًا من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع، فأعطاها كبشًا، وأعجبته، فلما رجع جاءته امرأة منهن بدارهمه؛ فقال: وأين الصبية التي أخذت مني الكبش؟ قالت: وما تصنع بها وهذه دراهمك؟ قال: لا آخذ دارهمي إلا ممن دفعت الكبش إليها، وخرج وهو يقول:

قضى كل ذي دين فوفي غريمه
وعزة ممطول معنى غريمها

فكان أول لقائه إياها. ثم قال فيها:

نظرت إليها نظرة وهي عاتق
على حين أن شبت وبان نهودها
وقد درعوها وهي ذات مؤصد٢٦٩
مجوب ولما يلبس الدرع ريدها
من الخفرات البيض ود جليسها
إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
نظرت إليها نظرة ما يسرني
بها حمر أنعام البلاد وسودها
وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها
أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

ثم أحبته بعد ذلك عزة أشد من حبة إياها.

قال محمد بن صالح الأسلمي: دخلت عزة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت؛ فقال لها: أأنت عزة كثير؟ فقالت: أنا عزة بنت حميد؛ قال: أنت التي يقول لك كثير:

لعزة نار ما تبوخ،٢٧٠ كأنها
إذا ما رمقناها من البعد كوكب

فما الذي أعجبه منك؟ قالت: كلا يا أمير المؤمنين، لقد كنت في عهده أحسن من النار في الليلة القرة. ويروى أنها قالت له: أعجبه مني ما أعجب المسلمين منك حين صيروك خليفة، وكانت له سن سوداء يخفيها، فضحك حتى بدت، فقالت له: هذا الذي أردت أن أبديه؛ فقال لها: هل تروين قوله:

وقد زعمت أني تغيرت بعدها
ومن ذا الذي يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالتي
عهدت ولم يخبر بسرك مخبر

قالت: لا أروي هذا، ولكني أروي قوله:

كأني أنادي صخرة حين أعرضت
من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحًا فما تلقاك إلا بخيلة
فمن مل منها ذلك الوصل ملت

فأمر بها، فأدخلت على عاتكة بنت يزيد؛ فقالت لها: أرأيت قول كثير:

قضى كل ذي دين فوفي غريمه
وعزة ممطول معنى غريمها

ما هذا الذي ذكره؟ قالت: قبلة وعدته إياها؛ قالت: أنجزيها وعلي إثمها.

ومما قال فيها:

خليلي هذا رسم عزة فاعقلا
قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
ولا موجعات القلب حتى تولت
فقد حلفت جهدًا بما نحرت له
قريش غداة المأزمين٢٧١ وصلت
أناديك ما حج ليحج وكبرت
بفيفا٢٧٢ غزال رفقة وأهلت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها
كناذرة نذرًا وفت فأحلت
فقلت لها يا عز كل مصيبة
إذا وطنت يومًا لها النفس ذلت
ولم يلق إنسان من الحب ميعة
تعم ولا غماء إلا تجلت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت
من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحًا٢٧٣ فما تلقاك إلا بخيلة
فمن مل منها ذلك الوصل ملت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها
وحلت تلاعًا لم تكن قبل حلت
فليت قلوصي عند عزة قيدت
بحبل ضعيف عز منها فضلت
وغودر في الحي المقيمين رحلها
وكان لها باغ سواي فبلت٢٧٤
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة
ورجل رمى فيها الزمان فشلت
وكنت كذات الظلع لما تحاملت
على ظلعها بعد العثار استقلت
أريد الثواء عندها وأظنها
إذا ما أطلنا عندها المكث ملت
فما انصفت، أما النساء فبغضت
إلي وأما بالنوال فضنت
يكلفها الغيران شتمى وما بها
هواني ولكن للميك استذلت
هنيئًا مريئًا غير داء مخامر
لعزة من أعراضنا ما استحلت
فوالله ما قاربت إلا تباعدت
بصرم ولا أكثرت إلا أقلت
فإن تكن العتبى٢٧٥ فأهلًا ومرحبا
وحقت لها العتبى لدنيا وقلت
وإن تكن الأخرى فإن وراءنا
منادح٢٧٦ لو سارت بها العيس كلت
خليلي إن الحاجبية طلحت٢٧٧
قلوصيكما وناقتي قد أكلت
فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت
بعاقبة أسبابه قد تولت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
لدينا ولا مقلية إن تقلت
ولكن أنيلي واذكري من مودة
لنا خلة كانت لديكم فطلت٢٧٨
فإني وإن صدت لمثن وصادق
عليها بما كانت إلينا أزلت٢٧٩
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى
ولا شامت إن نعل عزة زلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي
بعزة كانت غمرة فتجلت
فأصبحت قد أبللت٢٨٠ من دنف بها
كما أدنفت هيماء ثم استبلت
فوالله ثم الله ما حل قبلها
ولا بعدها من خلة حيث حلت
وما مر من يوم علي كيومها
وإن عظمت أيام أخرى وجلت
وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده
فلا القلب يسلاها ولا العين ملت
فيا عجبًا للقلب كيف اعترافه٢٨١
وللنفس لما وطنت كيف ذلت
وإني وتهيامي بعزة بعد ما
تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما
تبوأ منها للمقيل اضمحلت
كأني وإياها سحابة ممحل
رجاها فلما جاوزته استهلت
فإن سأل الواشون فيم هجرتها
فقل نفس حر سليت فتسلت
قال ابن سلام: كان كثير مدعيًا ولم يكن عاشقًا، وكان جميل صادق الصبابة والعشق. واختبرته عزة ذات مرة فوجدت علامة ذلك، وكانت منتقبة فأسفرت، فأبلس٢٨٢ ولم ينطق وبهت، فلما مضت أنشأ يقول:
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي
من السم خضخاض بماء الذرارح٢٨٣
فمت ولم تعلم علي خيانة
وكم طالب للربح ليس برابح
أبوء بذنبي، إنني قد ظلمتها
وإني بباقي سرها غير بائح

ومن قوله يمدح عمر بن عبد العزيز:

وليت فلم تشتم عليًّا ولم تخف
بريًّا ولم تتبع مقالة مجرم
وقلت فصدقت الذي قلت بالذي
فعلت فأضحى راضيًا كل مسلم
ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه
من الأود الباقي ثقاف المقوم
لقد لبست لبس الهلوك ببابها
تراءى لك الدنيا بكف ومعصم
وتومض أحيانًا بعين مريضة
وتبسم عن مثل الجمان المنظم
فأعرضت عنها مشمئزًا كأنما
سقتك مدوفًا٢٨٤ من سمام وعلقم
وقد كنت من أحبالها في ممنع
ومن بحرها من مزبد الجود مفعم
وما زلت سباقًا إلى كل غاية
صعدت بها أعلى البناء المقدم
فلما أتاك الملك عفوًا ولم يكن
لطالب دنيا بعده من تكلم
تركت الذي يفنى وإن كان مونقًا
وآثرت ما يبقى برأي مصمم
فأضررت بالفاني وشمرت للذي
أمامك في يوم من الهول مظلم
وما لك أن كنت الخليفة مانع
سوى الله من مال رغيب ولادم
سما لك هم في الفؤاد مؤرق
صعدت به أعلى المعالي بسلم
فما بين شرق الأرض والغرب كلها
مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني
بأخذ لدينار وأخذ لدرهم
ولا بسط كف لامرئ ظالم له
ولا السفك منه ظالمًا ملء محجم
فلو يستطيع المسلمون تقسموا
لك الشطر من أعمارهم غير ندم
فعشت به ما حج لله راكب
مغذ٢٨٥ مطيف بالمقام وزمزم
فأربح بها من صفقة لمبايع
وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم

ومن نسيبه بعزة لما أخرجت إلى مصر:

لعزة من أيام ذي الغصن شاقني
بضاحي قرار الروضتين رسوم
هي الدار وحشًا غير أن قد يحلها
ويغني بها شخص علي كريم
فما برسوم الدار لو كنت عالمًا
ولا بالتلاع المقويات٢٨٦ أهيم
سألت حكيمًا٢٨٧ أين شطت بها النوى
فخبرني ما لا أحب حكيم
أجدوا فأما آل عزة غدوة
فبانوا وأما واسط فمقيم
لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى
بغى سقمًا إني إذن لسقيم

ومنها:

ولست براء نحو مصر سحابة
وإن بعدت إلا قعدت أشيم
فقد يقعد النكس الدني عن الهوى
عزوفًا ويصبو المرء وهو كريم
وقال خليلي ما لها إذ لقيتها
غداة السنا فيها عليك وجوم٢٨٨
فقلت له إن المودة بيننا
على غير فحش والصفاء قديم
وإني وإن أعرضت عنها تجلدًا
على العهد فيما بيننا لمقيم
وإن زمانا فرق الدهر بيننا
وبينكم في صرفه لمشوم
أفي الحق هذا أن قلبك سالم
صحيح وقلبي في هواك سقيم
وأن بجسمي منك داء مخامرًا
وجسمك موفور عليك سليم
لعمرك ما أنصفتني في مودتي
ولكنني يا عز عنك حليم
فإما تريني اليوم أبدي جلادة
فإني لعمري تحت ذاك كليم
ولست ابنة الضمري منك بناقم
ذنوب العدى إني إذن لظلوم
وإني لذو وجد إذا عاد وصلها
وإني على ربي إذن لكريم

ومن نسيبه بها:

لعزة أطلال أبت أن تكلما
تهيج مغانيها الفؤاد المكلما
وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي
وأظهرن مني هيبة لا تجهما
يحاذرن مني غيرة قد عرفنها
قديمًا فما يضحكن إلا تبسما

ومنه:

خليلي عوجا منكما ساعة معي
على الربع نقض ساعة ونودع
ولا تعجلاني أن ألم بدمنة
لعزة لاحت لي ببيداء بلقع
وقولا لقلب قد سلا راجع الهوى
وللعين أذري من دموعك أو دعي
فلا عيش إلا مثل عيش مضى لنا
مصيفًا أقمنا فيه من بعد مربع

ومنه:

بليلى وجارات لليلى كأنها
نعاج الفلا تحدى بهن الأباعر
أمنقطع يا عز ما كان بيننا
وشاجرني يا عز فيك الشواجر
إذا قيل هذا بيت عزة قادني
إليه الهوى واستعجلتني البوادر
أصد وبي مثل الجنون لكي يرى
رواة الخنا أني لبيتك هاجر
ألا ليت حظي منك يا عز أنني
إذا بنت باع الصبر لي عنك تاجر

ومنه:

وما زلت من ليلى لدن طر شاربي
إلى اليوم أخفي حبها وأداجن
وأحمل في ليلى ضغائن معشر
وتحمل في ليلى علي الضغائن

ومنه:

وإني لأرعى قومها من جلالها
وإن أظهروا غشًّا نصحت لهم جهدي
ولو حاربوا قومي لكنت لقومها
صديقًا ولم أحمل على حربها حقدي

ومنه:

هلا سألت معالم الأطلال
بالجزع من حرض٢٨٩ وهن بوال
سقيًا لعزة خلة سقيًا لها
إذ نحن بالهضبات من أملال٢٩٠
إذ لا تكلمنا وكان كلامها
نفلًا نؤمله من الأنفال

ومنه:

ألا حييا ليلى أجد رحيلي
وآذن أصحابي غدًا بقفول٢٩١
تبدت له ليلى لتذهب عقله
وشاقتك أمُّ الصلت بعد ذهول
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
إذا ذكرت ليلى تغشتك عبرة
تعل بها العينان بعد نهول
وكم من خليل قال لي هل سألتها
فقلت له ليلى أضن خليل
وأبعده نيلًا وأوشكه٢٩٢ قلى
وإن سئلت عرفًا فشر مسول
حلفت برب الراقصات٢٩٣ إلى منى
خلال الملا يمددن كل جديل
تراها رفاقًا بينهن تفاوت
ويمددن بالإهلال كل أصيل٢٩٤
تواهقن٢٩٥ بالحجاج من بطن نخلة
ومن عزور والخبت خبت طفيل
بكل حرام خاشع متوجه
إلى الله يدعوه بكل نقيل٢٩٦
على كل مذعان٢٩٧ الرواح معيدة
ومخشية ألا تعيد هزيل
شوامذ٢٩٨ قد أرتجن دون أجنة
وهوج تبارى في الأزمة حول
يمين امرئ مستغلظ من ألية٢٩٩
ليكذب قيلا قد ألح بقيل
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم
بليلى ولا أرسلتهم برسول
فإن جاءك الواشون عني بكذبة
فروها ولم يأتوا لها بحويل٣٠٠
فلا تعجلي ياليل أن تتفهمي
بنصح أتى الواشون أم بحبول٣٠١
فإن طبت نفسًا بالعطاء فأجزلي
وخير العطا ياليل كل جزيل
وإلا فإجمال إلي فإنني
أحب من الأخلاق كل جميل
وإن تبذلي لي منك يومًا مودة
فقدما تخذت القرض عند بذول
وإن تبخلي ياليل عني فإنني
توكلني نفسي بكل بخيل
ولست براض من خليل بنائل
قليل ولا راض له بقليل
وليس خليلي بالملول ولا الذي
إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يديم وصاله
ويحفظ سرى عند كل دخيل٣٠٢
ولم أر من ليلى نوالًا أعده
ألا ربما طالبت غير منيل
يلومك في ليلى وعقلك عندها
رجال ولم تذهب لهم بعقول
يقولون ودع عنك ليلى ولا تهم
بقاطعة الأقران ذات حليل
فما نقعت٣٠٣ نفسي بما أمروا به
ولا عجت من أقوالهم بفتيل
تذكرت أترابًا٣٠٤ لعزة كالمها
حبين بليط ناعم وقبول
وكنت إذا لا قيتهن كأنني
مخالطة عقلي سلاف شمول
تأطرن٣٠٥ حتى قلت لسن بوارحًا
رجاء الأماني أن يقلن مقيلي
فأبدين لي من بينهن تجهمًا
وأخلفن ظني إذ ظننت وقيلي
فلأيًا٣٠٦ بلأي ما قضين لبانة
من الدار واستقللن بعد طويل
فلما رأى واستيقن البين صاحبي
دعا دعوة يا حبتر بن سلول
فقلت وأسررت الندامة ليتني
وكنت امرأ أغتش كل عذول
سلكت سبيل الرائحات عشية
مخارم٣٠٧ نصع أو سلكن سبيلي
فأسعدت نفسًا بالهوى قبل أن أرى
عوادي٣٠٨ نأي بيننا وشغول
ندمت على ما فاتني يوم بنتم
فيا حسرتا ألا يرين عويلي
كأن دموع العين واهية الكلى٣٠٩
وعت ماء غرب يوم ذاك سجيل
تكنفها خرق تواكلن خرزها
فأبجلنه والسير غير بجيل٣١٠
أقيمي فإن الغور يا عز بعدكم
إلي إذا ما بنت غير جميل
كفى حزنًا للعين أن رد طرفها
لعزة عير آذنت برحيل
وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكا
فقلت البكا أشفى إذن لغليلي
توليت محزونًا وقلت لصاحبي
أقاتلتي ليلى بغير قتيل
لعزة إذ يحتل بالخيف أهلها
فأوحش منها الخيف بعد حلول
وبدل منها بعد طول إقامة
تبعث نكباء٣١١ العشي جفول
لقد أكثر الواشون فينا وفيكم
ومال بنا الواشون كل مميل
وما زلت من ليلى لدن طر٣١٢ شاربي
إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل

وله:

إذا ما أراد الغزو لم تثن همه
حصان عليها نظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه
بكت فبكى مما شجاها قطينها٣١٣
ولم يثنه يوم الصبابة بثها
غداة استهلت بالدموع شئونها
ولكن مضى ذو مرة متثبت
بسنة حق واضح مستبينها

وله في مدح عبد الملك بن مروان:

أحاطت يداه بالخلافة بعد ما
أراد رجال آخرون اغتيالها
فما أسلموها عنوة عن مودة
ولكن بحد المشرفي استقالها
وكنت إذا نابتك يومًا ملمة
نبلت٣١٤ لها أبا الوليد نبالها
سموت فأدركت العلاء وإنما
يلقَّى عليات العلا من سما لها
وصلت فنالت كفك المجد كله
ولم تبلغ الأيدي السوامي مصالها

وله أيضًا:

أهاجك برق آخر الليل واصب
تضمنه فرش الجبا فالمسارب
يجر ويستأني نشاصًا٣١٥ كأنه
بغيقة حاد جلجل الصوت جالب
تألق واحمومى وخيم بالربا
أحم الذرى ذو هيدب متراكب
إذا حركته الريح أرزم٣١٦ جانب
بلا هزق٣١٧ منه وأومض جانب
كما أومضت بالعين ثم تبسمت
خريع٣١٨ بدا منها جبين وحاجب
يمج الندى لا يذكر السير أهله
ولا يرجع الماشي به وهو جادب

وله أيضًا:

سيهلك في الدنيا شفيق عليكم
إذا غاله من حادث الدهر غائله
ويخفي لكم حبًّا شديدًا ورهبة
وللناس أشغال وحبك شاغله
وحبك ينسيني من الشيء في يدي
ويذهلني عن كل شيء أزاوله
كريم يميت السر حتى كأنه
إذا استبحثوه عن حديثك جاهله
يود بأن يمسي سقيمًا لعلها
إذا سمعت عنه بشكوى تراسله
ويرتاح للمعروف في طلب العلا
لتحمد يومًا عند ليلى شمائله
فلو كنت في كبل٣١٩ وبحت بلوعتي
إليه لأنتْ رحمة لي سلاسله

وله أيضًا:

أقول لماء العين أمعن لعله
بما لا يرى من غائب الوجد يشهد
فلم أدر أن العين قبل فراقها
غداة الشبا من لاعج الوجد تجمد
ولم أر مثل العين ضلت بمائها
علي ولا مثلي على الدمع يحسد

وله أيضًا:

تسمع الرعد في المخيلة منها
مثل هزم الفروم٣٢٠ في الأشوال٣٢١
وترى البرق عارضًا مستطيرًا
مرح البلق جلن في الأجلال
أو مصابيح راهب في يفاع
سغم الزيت ساطعات الذبال

وله أيضًا:

فيا عز إن واش وشى بي عندكم
فلا تكرميه أن تقولي له أهلا
كما لو وشى واش بعزة عندنا
لقلنا تزحزح لا قريبًا ولا سهلا

(١-٤) الغزل القصصي

أخبار قيس بن الملوح (المجنون)٣٢٢

قال الأصفهاني عن محديثه عن ابن دأب قال: قلت لرجل من بني عامر: أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئًا؟ قال: أوقد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين! إنهم لكثير! فقلت: ليس هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات! بنو عامر أغلظ أكبادًا من ذاك، إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبها، السخيفة عقولها، الصعلة٣٢٣ رءوسها، فأما نزار فلا.
وقال الرياشي سمعت الأصمعي يقول: رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر، وابن القِرِّيَّة،٣٢٤ وإنما وضعهما الرواة.

وقال المدائني: المجنون المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر، ثم من بني عقيل، أحد بني نمير بن عامر بن عقيل، قال: ومنهم رجل آخر يقال له: مهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

وقال ابن الكلبي: حدثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له، وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه.

وعن حماد بن طالوت بن عباد: أنه سأل الأصمعي عنه، فقال: لم يكن مجنونًا، بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه، كان يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى، واسمه قيس ابن معاذ.

وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن اسمه قيس بن معاذ.

وذكر شعيب بن السكن عن يونس النحوي أن اسمه قيس بن الملوح، قال أبو عمرو الشيباني: وحدثني رجل من أهل اليمن أنه رآه ولقيه وسأله عن اسمه ونسبه، فذكر أنه قيس بن الملوح.

وذكر هشام بن محمد الكلبي أنه قيس بن الملوح، وحدث أن أباه مات قبل اختلاطه،٣٢٥ فعقر على قبره ناقته وقال في ذلك:
عقرت على قبر الملوح ناقتي
بذي السرح٣٢٦ لما أن جفاه الأقارب
وقلت لها كوني عقيرًا٣٢٧ فإنني
غدًا راجل أمشي وبالأمس راكب
فلا يبعدنك الله يابن مزاحم
فكل بكأس الموت لا شك شارب

وقال الأصمعي: سألت أعرابيًّا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري فقال: عن أيهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون، فعن أيهم تسأل؟ فقلت: عن الذي كان يشبب بليلى، فقال: كلهم كان يشبب بليلى، قلت: فأنشدني لبعضهم، فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون:

ألا أيها القلب الذي لج هائمًا
بليلى وليدًا لم تقطع تمائمه
أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى٣٢٨
لك اليوم أن تلقى طبيبًا تلائمه
أجدك لا تنسيك ليلى ملمة
تلم ولا عهد يطول تقادمه

قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليب المجنون:

ألا طالما لاعبت ليلى وقادني
إلى اللهو قلب للحسان تبوع
وطال امتراء٣٢٩ الشوق عيني كلما
نزفت دموعًا تستجد دموع
فقد طال إمساكي على الكبد التي
بها من هوى ليلى الغداة صدوع

قلت: فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت، فأنشدني لمهدي بن الملوح:

لو ان لك الدنيا وما عدلت به
سواها وليلى بائن عنك بينها٣٣٠
لكنت إلى ليلى فقيرًا وإنما
يقود إليها ود نفسك حينها

قلت له: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء، فقال: حسبك! فوالله إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم.

وقال الجاحظ: ما ترك الناس شعرًا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون، ولا شعرًا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح.

قال أبو الفرج: وأنا أذكر مما وقع إلي من أخباره جملًا مستحسنة، متبرئًا من العهدة فيها، فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرواة إلى غيره وينسبها من حكيت عنه إليه، وإذا قدمت هذه الشريطة برئت من عيب طاعن ومتتبع للعيوب.

أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعة من الرواة، ونسخت ما لم أسمعه من الروايات وجمعت ذلك في سياقة خبره ما اتسق ولم يختلف، فإذا اختلف نسبت كل رواية إلى راويها.

فمن أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي، قالا: حدثنا عمر بن شبة عن رجاله وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشيباني وابن دأب وهشام بن محمد الكلبي وإسحاق بن الجصاص وغيرهم من الرواة.

قال أبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة: كان المجنون يهوى ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أم مالك، وهما حينئذ صبيان، فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما، فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه، قال: ويدل على ذلك قوله:

تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة٣٣١
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

وقال ابن الكلبي: كان سبب عشق المجنون ليلى، أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمة وعليه حلتان من حلل الملوك، فمر بامرأة من قومه يقال لها: كريمة، وعندها جماعة نسوة يتحدثن، فيهن ليلى، فأعجبهن جماله وكماله، فدعونه إلى النزول والحديث، فنزل وجعل يحدثهن وأمر عبدًا له كان معه فعقر لهن ناقته، وظل يحدثهن بقية يومه، فبينا هو كذلك، إذ طلع عليهم فتى عليه بردة من برد الأعراب يقال له: «منازل» يسوق معزى له، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهن وأنشأ يقول:

أأعقر من جرا٣٣٢ كريمة ناقتي
ووصلي مفروش لوصل منازل
إذا جاء قعقعن الحلي ولم أكن
إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل
متى ما انتضلنا٣٣٣ بالسهام نضلته
وإن نرم رشقًا٣٣٤ عندها فهو ناضلي

قال: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرضًا لهن، فألفى ليلى قاعدة بفناء بيتها وقد علق حبه بقلبها وهويته، وعندها جويريات يتحدثن معها، فوقف بهن وسلم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ فقال:

إي لعمري، فنزل وفعل مثل ما فعله بالأمس، فأرادت أن تعلم، هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره، وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها، فبينا هي تحدثه، إذ أقبل فتى من الحي فدعته وسارته سرارًا طويلًا، ثم قالت له: انصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وانتقع لونه وشق عليه فعلها، فأنشأت تقول:

كلانا مظهر للناس بغضًا
وكل عند صاحبه مكين
تبلغنا العيون بما أردنا
وفي القلبين ثم هوى دفين

فلما سمع البيتين شهق شهقة شديدة وأغمي عليه، فمكث على ذلك ساعة، ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل مبلغ.

وعن أبي الهيثم العقيلي قال: لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها، خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيلي وبذل لها عشرًا من الإبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيروها بينكما، فمن اختارت تزوجته، ودخلوا إليها فقالوا: والله لئن لم تختاري وردًا لنمثلن بك، فقال المجنون:

ألا يا ليل إن ملكت فينا
خيارك فانظري لمن الخيار
ولا تستبدلي مني دنيًا
ولا برمًا٣٣٥ إذا حث القتار٣٣٦
يهرول في الصغير إذا رآه
وتعجزه ملمات كبار
فمثل تأيم منه نكاح
ومثل تمول منه افتقار

فاختارت وردًا فتزوجته على كره منها.

وقال:

أيا ويح من أمسى تخلس٣٣٧ عقله
فأصبح مذهوبًا به كل مذهب
خليًّا من الخلان إلا معذرا٣٣٨
يضاحكني من كان يهوى تجنبي
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت
روائع٣٣٩ عقلي من هوى متشعب
وقالوا صحيح ما به طيف جنة
ولا الهم إلا بافتراء التكذب
وشاهد وجدي دمع عيني وحبها
برى اللحم عن أحناء٣٤٠ عظمي ومنكبي
تجنبت ليلى أن يلج بك الهوى
وهيهات كان الحب قبل التجنب
ألا إنما غادرت يا أمَّ مالك
صدى٣٤١ أينما تذهب به الريح يذهب
فلم أرى ليلى بعد موقف ساعة
بخيف منى ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به
من البرد أطراف البنان المخضب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر
مع الصبح في أعقاب نجم مغرب

قال أبو الفرج: أنشدني الأخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب للمجنون:

فوالله ثم الله إني لدائب
أفكر ما ذنبي إليها وأعجب
ووالله ما أدري علام قتلتني
وأي أموري فيك ياليل أركب
أأقطع حبل الوصل فالموت دونه
أم اشرب رنقًا منكم ليس يشرب
أم اهرب حتى لا أرى لي مجاورًا
أم اصنع ماذا أم أبوح فأغلب
فأيهما يا ليل ما ترتضينه
فإني لمظلوم وإني لمعتب

وقال:

عرضت على قلبي العزاء فقال لي
من الآن فايأس لا أعزك من صبر
إذا بان من تهوى وأصبح نائيًا
فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى
فهيج أطراب٣٤٢ الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما
أطار بليلى طائرًا كان في صدري
دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه
وليلى بأرض عنه نازحة قفر

وقال:

أيا جبلي نعمان بالله خليا
سبيل الصبا يخلص إلي نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة
على كبد لم يبق إلا صميمها٣٤٣
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت
على نفس محزون تجلت همومها

وقال:

أيا حرجات٣٤٤ الحي حيث تحملوا
بذي سلم٣٤٥ لا جادكن ربيع
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى
بلين بلى لم تبلهن ربوع
ندمت على ما كان مني ندامة
كما يندم المغبون حين يبيع
فقدتك من نفس شعاع٣٤٦ فإنني
نهيتك عن هذا وأنت جميع٣٤٧
فقربت لي غير القريب وأشرفت٣٤٨
إليك ثنايا٣٤٩ ما لهن طلوع

وله:

يا صاحبي ألما بي بمنزلة
قد مر حين عليها أيما حين
إني أرى رجعات الحب تقتلني
وكان في بدئها ما كان يكفيني
لا خير في الحب ليست فيه قارعة
كأن صاحبها في نزع موتون٣٥٠
إن قال عذاله مهلًا فلان لهم
قال الهوى غير هذا القول يعنيني
ألقى من اليأس تارات فتقتلني
وللرجاء بشاشات فتحييني

وله:

أمستقبلي نفح الصبا ثم شائقي
ببرد ثنايا أمِّ حسان شائق
كأن على أنيابها الخمر شجها٣٥١
بماء الندى من آخر الليل عاتق٣٥٢
وما شمته إلا بعيني تفرسًا
كما شيم في أعلى السحابة بارق

وروى الأصمعي له قوله:

أخذت محاسن كل ما
ضنت محاسنه بحسنه
كاد الغزال يكونها
لولا الشوى ونشوز قرنه

قال: وهو القائل:

ولم أر ليلى بعد موقف ساعة
بخيف منى ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصى منها إذا قذفت به
من البرد أطراف البنان المخضب
فأصبحت من ليلى الغداة كناظر
مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
ألا إنما غادرت يا أم مالك
صدى أينما تذهب به الريح يذهب

وقال:

يقول أناس عل مجنون عامر
يروم سلوًّا قلت أنى لما بيا
وقد لامني في حب ليلى أقاربي
أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهل بيت عداوة
بنفسي ليلى من عدو وماليا
ولو كان في ليلى شذًا من خصومة
للويت أعناق المطي الملاويا٣٥٣

وقال:

ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعي
بليل ولا يجري بذلك طائر
بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت
بليلى ولكن ليس للطير زاجر
أزالت عن العهد الذي كان بيننا
بذي الأثل أم قد غيرتها المقادر
فوالله ما في القرب لي منك راحة
ولا البعد يسليني ولا أنا صابر
ووالله ما أدري بأية حيلة
وأي مرام أو خطار٣٥٤ أخاطر
وتالله إن الدهر في ذات بيننا
علي لها في كل حال لجائر
فلو كنت إذ أزمعت هجري تركتني
جميع٣٥٥ القوى والعقل مني وافر
ولكن أيامي بحقل٣٥٦ عنيزة
وبالرضم أيام جناها التجاور
وقد أصبح الود الذي كان بيننا
أماني نفس والمؤمل حائر
لعمري لقد رنقت٣٥٧ يا أم مالك
حياتي وساقتني إليك المقادر

وقال:

يا للرجال لهم بات يعروني
مستطرف وقديم كان يعنيني
على غريم مليء٣٥٨ غير ذي عدم٣٥٩
يأبى فيمطلني ديني ويلويني٣٦٠
لا يذكر البعض من ديني فينكره
ولا يحدثني أن سوف يقضيني
وما كشكري شكر لو يوافقني
ولا منى كمناه إذ يمنيني
أطعته وعصيت الناس كلهم
في أمره ثم يأبى فهو يعصيني
خيري لمن يبتغي خيري ويأمله
من دون شري وشري غير مأمون
وما أشارك في رأيي أخا ضعف٣٦١
ولا أقول أخي من لا يواتيني٣٦٢

وله:

ألا أيها البيت الذي لا أزوره
وإن حله شخص إلي حبيب
هجرتك إشفاقًا وزرتك خائفًا
وفيك علي الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلها
بيوم سرور في الزمان تئوب

وبلغ المجنون أن أهل ليلى يريدون نقلها إلى الثقفي فقال:

كأن القلب ليلة قيل يغدى
بليلى العامرية أو يراح
قطاة عزها شرك فباتت
تجاذبه وقد علق الجناح

فلما نقلت ليلى إلى الثقفي قال:

طربت وشاقتك الحمول٣٦٣ الدوافع
غداة دعا بالبين أسفع٣٦٤ نازع
شحا٣٦٥ فاه نعبًا٣٦٦ بالفراق كأنه
حريب٣٦٧ سليب نازح الدار جازع
فقلت ألا قد بين٣٦٨ الأمر فانصرف
فقد راعنا بالبين قبلك رائع
سقيت سموما من غراب فإنني
تبينت ما خبرت مذ أنت واقع
ألم تر أني لا محب ألومه
ولا ببديل بعدهم أنا قانع
ألم تر دار الحي في رونق الضحى
بحيث انحنت للهضبتين٣٦٩ الأجارع
وقد يتناءى الإلف من بعد ألفة
ويصدع ما بين الخليطين صادع
وكم من هوى٣٧٠ أو جيرة قد ألفتهم
زمانًا فلم يمنعهم البين مانع
كأني غداة البين ميت جوبة٣٧١
أخو ظمإ سدت عليه المشارع
تخلس٣٧٢ من أوشال٣٧٣ ماء صبابة
فلا الشرب مبذول ولا هو ناقع٣٧٤
وبيض تطلى بالعبير كأنها
نعاج الملا٣٧٥ جيبت٣٧٦ عليها البراقع
تحملن من وادي٣٧٧ الأراك فأومضت
لهن بأطراف العيون المدامع
فما٣٧٨ رمن ربع الدار حتى تشابهت
هجائنها٣٧٩ والجون منها الخواضع٣٨٠
وحتى حملن الحور٣٨١ من كل جانب
وخاضت سدول٣٨٢ الرقم منها الأكارع٣٨٣
فلما استوت تحت الخدور وقد جرى
عبير ومسك بالعرانين رادع٣٨٤
أشرن بأن حثوا الجمال فقد بدا
من الصيف يوم لافح الحر ماتع٣٨٥
فلما لحقنا بالحمول تباشرت
بنا مقصرات٣٨٦ غاب عنها المطامع
يعرضن بالدل المليح وإن يرد
جناهن مشغوف فهن موانع
فقلت لأصحابي ودمعي مسبل
وقد صدع الشمل المشتت صادع
أليلى بأبواب الخدور تعرضت
لعيني أم قرن من الشمس طالع
وروي أن أبا المجنون حج به ليدعو الله عز وجل في الموقف أن يعافيه، فسار ومعه ابن عمه زياد بن كعب بن مزاحم، فمر بحمامة تدعو٣٨٧ على أيكة فوقف يبكي، فقال له زياد: أي شيء هذا؟ ما يبكيك أيضًا؟ سر بنا نلحق الرفقة، فقال:
أأن هتفت يومًا بواد حمامة
بكيت ولم يعذرك بالجهل عاذر
دعت ساق،٣٨٨ حر بعد ما علت الضحى
فهاج لك الأحزان أن ناح طائر
تغني الضحى والصبح في مرجحنة٣٨٩
كثاف الأعالي تحتها الماء حائر٣٩٠
كأن لم يكن بالغيل،٣٩١ أو بطن أيكة٣٩٢
أو الجزع٣٩٣ من تول الأشاءة٣٩٤ حاضر
يقول زياد إذ رأى الحي هجروا٣٩٥
أرى الحي قد ساروا فهل أنت سائر
وإني وإن غال٣٩٦ التقادم حاجتي
ملم على أوطان ليلى فناظر
كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنمًا لأهلهما عند جبل في بلادهما يقال له التوباد،٣٩٧ فلما ذهب عقله وتوحش، كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعًا شديدًا واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم، فإذا ثاب إليه عقله رأى بلدًا لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم: بأبي أنتم، أين التوباد من أرض بني عامر؟ فيقال له: وأين أنت من أرض بني عامر! أنت بالشأم عليك بنجم كذا فأمه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن، فيرى بلادًا ينكرها وقومًا لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر، فيقولون: وأين أنت من أرض بني عامر! عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال في ذلك:
وأجهشت٣٩٨ للتوباد حين رأيته
وكبر للرحمن حين رآني
وأذريت دمع العين لما عرفته
ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له قد كان حولك جيرة
وعهدي بذاك الصرم منذ زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم
ومن ذا الذي يبقى على الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري غدًا
فراقك والحيان مجتمعان
سجالًا وتهتانًا٣٩٩ ووبلًا وديمة
وسحًّا وتسجامًا٤٠٠ إلى هملان٤٠١

وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحًا يصيح: يا ليلى في ليلة ظلماء أو توهم ذلك، فقال لبعض من معه: أما تسمع هذا الصوت؟ فقال: ما سمعت شيئًا، قال: بلى، والله هاتف يهتف بليلى، ثم أنشأ يقول:

أقول لأدنى صاحبي كليمة
أسرت من الأقصى أجب ذا المناديا
إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتني
أصانع رحلي٤٠٢ أن يملي حياليا
يمينًا إذا كانت يمينًا وإن تكن
شمالًا ينازعني الهوى عن شماليا

خطب ليلى صاحبة المجنون جماعة من قومها فكرهتهم، فخطبها رجل من ثقيف موسر فرضيته، وكان جميلًا فتزوجها وخرج بها، فقال المجنون في ذلك:

ألا إن ليلى كالمنيحة٤٠٣ أصبحت
تقطع إلا من ثقيف حبالها
فقد حبسوها محبس البدن وابتغى
بها الربح أقوام تساحت٤٠٤ مالها
خليلي هل من حيلة تعلمانها
يدني لنا تكليم ليلى احتيالها
فإن أنتما لم تعلماها فلستما
بأول باغ حاجة لا ينالها
كأن مع الركب الذين اغتدوا بها
غمامة صيف زعزعتها شمالها
نظرت بمفضى سيل جوشن٤٠٥ إذ غدوا
تخب بأطراف المخارم٤٠٦ آلها
بشافية الأحزان هيج شوقها
مجامعة الألَّاف ثم زيالها
إذا التفتت من خلفها وهي تعتلي
بها العيس جلى عبرة العين حالها

وله:

وأحبس عنك النفس والنفس صبة
بذكراك والممشى إليك قريب
مخافة أن تسعى الوشاة بظنة
وأحرسكم أن يستريب مريب
فقد جعلت نفسي — وأنت اجترمته
وكنت أعز الناس — عنك تطيب
فلو شئت لم أغضب عليك ولم يزل
لك الدهر مني ما حييت نصيب
أما والذي يبلو السرائر كلها
ويعلم ما تبدي به وتغيب
لقد كنت ممن تصطفي النفس خلة
لها دون خلان الصفاء حجوب

قيس بن ذريح٤٠٧

من شعر قيس:

يقولون لبنى فتنة كنت قبلها
بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي
وأقررت عين الشامت المتخلق
وددت وبيت الله أني عصيتهم
وحملت في رضوانها كل موبق
وكلفت خوض البحر والبحر زاخر
أبيت على أثباج موج مغرق
كأني أرى الناس المحبين بعدها
عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكر عيني بعدها كل منظر
ويكره سمعي بعدها كل منطق

وخرج قيس في فتية من قومه واعتل على أبيه بالصيد، فأتى بلاد لبنى، فجعل يتوقع أن يراها أو يرى من يرسل إليها، فاشتغل الفتيان بالصيد، فلما قضوا وطرهم منه رجعوا إليه وهو واقف، فقالوا له: قد عرفنا ما أردت بإخراجنا معك وأنك لم ترد الصيد وإنما أردت لقاء لبنى وقد تعذر عليك، فانصرف الآن؛ فقال:

وما حائمات حمن يومًا وليلة
على الماء يغشين العصي حواني
عوافي لا يصدرن عنه لوجهة
ولا هن من برد الحياض دواني
يرين حباب الماء والموت دونه
فهن لأصوات السقاة رواني
بأجهد مني حر شوق ولوعة
عليك ولكن العدو عداني
خليلي إني ميت أو مكلم
لبينى بسري فامضيا وذراني
أنل حاجتي وحدي ويا رب حاجة
قضيت على هول وخوف جنان
فإني أحق الناس ألا تحاورا
وتطرحا من لو يشاء شفاني
ومن قادني للموت حتى إذا صفت
مشاربه السم الذعاف سقاني

فأقاموا معه حتى لقيها.

لما ألح ذريح على ابنه قيس في طلاق لبنى فأبى ذلك قيس، طرح ذريح نفسه في الرمضاء وقال: لا والله لا أريم هذا الموضع حتى أموت أو يخليها، فجاءه قومه من كل ناحية فعظموا عليه الأمر وذكروه بالله وقالوا: أتفعل هذا بأبيك وأمك! إن مات شيخك على هذه الحال كنت معينًا عليه وشريكًا في قتله، ففارق لبنى على رغم أنفه وقلة صبره وبكاء منه حتى بكى لهما من حضرهما؛ وأنشأ يقول:

أقول لخلتي في غير جرم
ألا بيني، بنفسي أنت، بيني
فوالله العظيم لنزع نفسي
وقطع الرجل مني واليمين
أحب إلي يا لبنى فراقًا
فبكي للفراق وأسعديني
ظلمتك بالطلاق بغير جرم
فقد أذهبت آخرتي وديني

قال: فلما سمعت بذلك لبنى بكت بكاء شديدًا، وأنشأت تقول:

رحلت إليه من بلدي وأهلي
فجازاني جزاء الخائنينا
فمن راني فلا يغتر بعدي
بحلو القول أو يبلو الدفينا

فلما انقضت عدتها وأرادت الشخوص إلى أهلها أتيت براحلة لتحمل عليها، فلما رأى ذلك قيس داخله أمر عظيم واشتد لهفه، وأنشأ يقول:

بانت لبينى فأنت اليوم متبول
وإنك اليوم بعد الحزم مخبول
فأصبحت عنك لبنى اليوم نازحة
ودل لبنى — لها الخيرات — معسول
هل ترجعن نوى لبنى بعاقبة
كما عهدت ليالي العشق مقبول
وقد أراني بلبنى حق مقتنع
والشمل مجتمع والحبل موصول
فصرت من حب لبنى حين أذكرها
القلب مرتهن والعقل مدخول
أصبحت من حبِّ لبنى بل تذكُّرها
في كربة ففؤادي اليوم مشغول
والجسم مني منهوك لفرقتها
يبريه طول سقام فهو منحول
كأنني يوم ولت ما تكلمني
أخو هيام مصاب القلب مسلول
أستودع الله لبنى إذ تفارقني
عن غير طوع وأمر الشيخ مفعول

ثم ارتحلت لبنى، فجعل قيس يقبل موضع رجليها من الأرض وحول خبائها، فلما رأى ذلك قومه أقبلوا على أبيه بالعذل واللوم، فقال ذريح لما رأى حاله تلك: قد جنيت عليك يا بني؛ فقال له قيس: قد كنت أخبرك أني مجنون بها فلم ترض إلا بقتلي، فالله حسبك وحسب أمي. وأقبل قومه يعذلونه في تقبيل التراب، فأنشأ يقول:

فما حبي لطيب تراب أرض
ولكن حب من وطئ الترابا
فهذا فعل شيخينا جميعًا
أرادا لي البلية والعذابا

وله قصيدة طويلة في تطليقه لبنى يقول فيها:

فواكبدي وعاودني رداعي٤٠٨
وكان فراق لبنى كالجداع٤٠٩
تكنفني الوشاة فأزعجوني
فيا لله للواشي المطاع
فأصبحت الغداة ألوم نفسي
على شيء وليس بمستطاع
كمغبون يعض على يديه
تبين غبنه بعد البياع
بدار مضيعة تركتك لبنى
كذاك الحين يهدي للمضاع
وقد عشنا نلذ العيش حينًا
لو ان الدهر للإنسان واعي
ولكن الجميع إلى افتراق
وأسباب الحتوف لها دواعي

واجتمع إليه نسوة فأطلن الجلوس عنده وحادثنه وهو ساه عنهن، ثم نادى: يا لبنى، فقلن له: ما لك ويحك؟ فقال: خدرت رجلي ويقال: إن دعاء الإنسان باسم أحب الناس إليه يذهب خدر الرجل، فناديتها لذلك. وقال:

إذا خدرت رجلي تذكرت من لها
فناديت لبنى باسمها ودعوت
دعوت التي لو أن نفسي تطيعني
لفارقتها من حبها وقضيت
برت نبلها للصيد لبنى وريشت
وريشت أخرى مثلها وبريت
فلما رمتني أقصدتني بسهمها
وأخطأتها بالسهم حين رميت
وفارقت لبنى ضلة فكأنني
قربت إلى العيوق٤١٠ ثم هويت
فيا ليت أني مت قبل فراقها
وهل ترجعن فوت القضية ليت
فصرت وشيخي كالذي عثرت به
غداة الوغى بين العداة كميت
فقامت ولم تضرر هزالًا سوية
وفارسها تحت السنابك ميت
فإن يك تهيامي بلبنى غواية
فقد يا ذريح بن الحباب غويت
فلا أنت ما أملت في رأيته
ولا أنا لبنى والحياة حويت
فوطن لهلكي منك نفسًا فإنني
كأنك بي قد يا ذريح قضيت

ومرض قيس، فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويحدثنه أو يعلق بعضهن، ففعلن ذلك، ودخل إليه طبيب ليداويه والفتيات معه، فلما اجتمعن عنده جعلن يحادثنه وأطلن السؤال عن سبب علته، فقال:

تعلق روحي روحها قبل خلقنا
ومن بعد ما كنا نطافًا وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميًا
وليس إذا متنا بمنصرم العهد
ولكنه باق على كل حادث
وزائرنا في ظلمة القبر واللحد

فقال له الطبيب: إن مما يسليك عنها أن تتذكر ما فيها من المساوئ والمعايب، فإن النفس تنبو حينئذ وتسلو ويخف ما بها.

فلما طال على قيس ما به أشار قومه على أبيه بأن يزوجه امرأة جميلة فلعله يسلو بها عن لبنى، فدعاه إلى ذلك فأباه وقال:

لقد خفت ألا تقنع النفس بعدها
بشيء من الدنيا وإن كان مقنعًا
وأزجر عنها النفس إذ حيل دونها
وتأبى إليها النفس إلا تطلعا
ولما تزوجت لبنى بآخر أتى موضع خبائها فنزل عن راحلته وجعل يتمعك٤١١ موضعها ويمرغ خده على ترابها ويبكي أحر بكاء ثم قال:
إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا
إلى الله فقد الوالدين يتيم
يتيم جفاه الأقربون فجسمه
نحيل وعهد الوالدين قديم
بكت دارهم من نأيهم فتهللت
دموعي فأي الجازعين ألوم
أمستعبر يبكي من الشوق والهوى
أم اخر يبكي شجوه ويهيم
تهيضني من حب لبنى علائق
وأصناف حب هولهن عظيم
ومن يتعلق حب لبنى فؤاده
يمت أو يعش ما عاش وهو كليم
فإني وإن أجمعت عنك تجلدًا
على العهد فيما بيننا لمقيم
وإن زمانًا شتت الشمل بيننا
وبينكم فيه العدا لمشوم
أفي الحق هذا أن قلبك فارع
صحيح وقلبي في هواك سقيم

وقال في رحيل لبنى عن وطنها وانتقالها إلى زوجها بالمدينة وهو مقيم في حيها:

بانت لبينى فهاج القلب من بانا
وكان ما وعدت مطلا وليانا٤١٢
وأخلفتك منى قد كنت تأملها
فأصبح القلب بعد البين حيرانا
الله يدري وما يدري به أحد
ماذا أجمجم من ذكراك أحيانا
يا أكمل الناس من قرن إلى قدم
وأحسن الناس ذا ثوب وعريانا
نعم الضجيع بعيد النوم تجلبه
إليك ممتلئًا نومًا ويقظانا
لا بارك الله فيمن كان يحسبكم
إلا على العهد حتى كان ما كانا
حتى استفقت أخيرًا بعد ما نكحت
فبت للشوق أذري الدمع تهتانا
إن تصرمي الحبل أو تمسي مفارقة
فالدهر يحدث للإنسان ألوانا
وما أرى مثلكم في الناس من بشر
فقد رأيت به حيًّا ونسوانا

وشكا أبو لبنى لمعاوية تعرض قيس لابنته بعد طلاقها، فكتب معاوية إلى الأمير يهدر دمه إن ألم بها، وأن يشتد في ذلك؛ فكتب مروان في ذلك إلى صاحب الماء الذي ينزله أبو لبنى كتابًا وكيدًا، ووجهت لبنى رسولًا إلى قيس تعلمه ما جرى وتحذره؛ وبلغ أباه الخبر، فعاتبه وتجهمه، وقال له: انتهى بك الأمر إلى أن يهدر السلطان دمك؛ فقال:

فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها
مقالة واش أو وعيد أمير
فلن يمنعوا عيني من دائم البكا
ولن يذهبوا ما قد أجن ضميري
إلى الله أشكو من ألاقي من الهوى
ومن حرق تعتادني وزفير
ومن حرق للحب في باطن الحشى
وليل طويل الحزن غير قصير
سأبكي على نفسي بعين غزيرة
بكاء حزين في الوثاق أسير
وكنا جميعًا قبل أن يظهر الهوى
بأنعم حالى غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لهم
بطون الهوى مقلوبة لظهور
لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا
ولكنما الدنيا متاع غرور

وقال في إهدار معاوية دمه إن هو زارها:

إن تك لبنى قد أتى دون قربها
حجاب منيع ما إليه سبيل
فإن نسيم الجو يجمع بيننا
ونبصر قرن الشمس حين تزول
وأرواحنا بالليل في الحي تلتقي
ونعلم أيًا بالنهار نقيل
وتجمعنا الأرض القرار وفوقنا
سماء نرى فيها النجوم تجول
إلى أن يعود الدهر سلمًا وتنقضي
ترات بغاها عندنا وذحول٤١٣

ولما انصرف الناس من الحج مرض قيس مرضًا شديدًا فلم يأته رسولها عائدًا، فقال:

ألبنى لقد حلت عليك مصيبتي
غداة غد إذ حل ما أتوقع
تمنينني نيلًا وتلوينني قلى
فنفسي شوقًا كل يوم تقطع
وقلبك قط لا يلين لما يرى
فوا كبدي قد طال هذا التضرع
ألومك في شأني وأنت مليمة
لعمري وأجفى للمحب وأقطع
أخبرت أني فيك ميت حسرتي
فما فاض من عينيك للوجد مدمع
ولكن لعمري قد بكيتك جاهدًا
وإن كان دائي كله منك أجمع
صييحة جاء العائدات يعدنني
فظلت علي العائدات تفجع
فقائلة جئنا إليه وقد قضى
وقائلة لا بل تركناه ينزع
فما غشيت عينيك من ذاك عبرة
وعيني على ما بي بذكراك تدمع
إذا أنت لم تبكي علي جنازة
لديك فلا تبكي غدًا حين أرفع

ومن شعره قوله:

أتبكي على لبنى وأنت تركتها
وكنت عليها بالملا٤١٤ أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت
علي فللدنيا بطون وأظهر
لقد كان فيها للأمانة موضع
وللكف مرتاد وللعين منظر
وللحائم العطشان ري بريقها
وللمرح المختال خمر ومسكر
كأني لها أرجوحة بين أحبل
إذا ذكرة منها على القلب تخطر

وقوله:

لقد عذبتني يا حب لبنى
فقع إما بموت أو حياة
فإن الموت أروح من حياة
تدوم على التباعد والشتات
وقال الأقربون تعز عنها
فقلت لهم إذا حانت وفاتي

وقالت له لبنى: أنشدني ما قلت في علتك، فأنشدها قوله:

أعالج من نفسي بقايا حشاشة
على رمق والعائدات تعود
فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها
كما هش للثدي الدرور وليد
أجيب بلبنى من دعاني تجلدًا
وبي زفرات تنجلي وتعود
تعيد إلى روحي الحياة وإنني
بنفسي لو عاينتني لأجود

وفيها يقول:

ألا ليت أيامًا مضين تعود
فإن عدن يومًا إنني لسعيد
سقى دار لبنى حيث حلت وخيمت
من الأرض منهل الغمام رعيد
على كل حال إن دنت أو تباعدت
فإن تدن منا فالدنو مزيد
فلا اليأس يسليني ولا القرب نافعي
ولبنى منوع ما تكاد تجود
كأني من لبنى سليم مسهد
يظل على أيدي الرجال يميد
رمتني لبينى في الفؤاد بسهمها
وسهم لبينى للفؤاد صيود
سلا كل ذي شجو علمت مكانه
وقلبي للبنى ما حييت ودود
وقائلة قد مات أو هو ميت
وللنفس مني أن تفيض رصيد

وعاتبته على تزوجه، فحلف أنه لم ينظر إليها ملء عينيه، ثم قال:

ولقد أردت الصبر عنك فعاقني
علق بقلبي من هواك قديم
يبقى على حدث الزمان وريبه
وعلى جفائك إنه لكريم
فصرمته وصححت وهو بدائه
شتان بين مصحح وسقيم
وأريته زمنًا فعاذ بحلمه
إن المحب عن الحبيب حليم

فلم يزل معها يحدثها ويشكو إليها حتى أمسى، فانصرفت ووعدته الرجوع إليه من غد فلم ترجع، وشاع خبره، فلم ترسل إليه رسولًا، فكتب هذين البيتين:

بنفسي من قلبي له الدهر ذاكر
ومن هو عني معرض القلب صابر
ومن حبه يزداد عندي جدة
وحبي لديه مخلق العهد داثر

وقال ابن أبي عتيق لقيس يومًا: أنشدني أحر ما قلت في لبنى؛ فأنشده:

وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعل لقاء في المنام يكون
تحدثني الأحلام أني أراكم
فيا ليت أحلام المنام يقين
شهدت بأني لم أحل عن مودة
وأني بكم لو تعلمين ضنين
وأن فؤادي لا يلين إلى هوى
سواك وإن قالوا بلى سيلين

وقال عبد الملك بن عبد العزيز: أنشدت أبا السائب المخزومي قول قيس:

أحبك أصنافًا من الحب لم أجد
لها مثلًا في سائر الناس يوصف
فمنهن حب للحبيب ورحمة
بمعرفتي منه بما يتكلف
ومنهن ألا يعرض الدهر ذكرها
على القلب إلا كادت النفس تتلف
وحب بدا بالجسم والله ظاهر
وحب لدى نفسي من الروح ألطف
وقصيدة٤١٥ قيس العينية من جيد شعره وهي:
عفا سرف من أهله فسراوع
فجنبا أريك فالتلاع الدوافع٤١٦
فغيقة فالأخياف أخياف ظبية
بها من لبينى مخرف ومرابع٤١٧
لعل لبينى أن يحم لقاؤها
ببعض البلاد إن ما حم٤١٨ واقع
بجزع٤١٩ من الوادي خلاء أنيسه
عفا وتخطته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا
بظهر الصفا الصلد الشقوق الشوائع٤٢٠
تمنيت أن تلقى لبيناك، والمنى
تعاصيك أحيانًا وحينًا تطاوع
وما من حبيب وامق لحبيبه
ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجع
وطار غراب البين وانشقت العصا٤٢١
ببين كما شق الأديم الصوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي
أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
وإنك لو أبلغتها قيلك اسملي
طوت حزنًا وارفض٤٢٢ منها المدامع
أتبكي على لبنى وأنت تركتها
وكنت كآت غيه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شيء ندامة
إذا نزعته من يديك النوازع
فليس لأمر حاول الله جمعه
مشت٤٢٣ ولا ما فرق الله جامع
كأنك لم تغنه إذا لم تلاقها
وإن تلقها فالقلب راض وقانع
فيا قلب خبرني، إذا شطت٤٢٤ النوى
بلبنى وصدت عنك، ما أنت صانع
أتصبر للبين المشت مع الجوى
أم أنت امرؤ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت لبينى بهاجع
إذا ما استقلت بالنيام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى
ضجيع الأسى فيه نكاس روادع٤٢٥
فلا خير في الدنيا إذا لم تواتنا
لبينى ولم يجمع لنا الشمل جامع
أليست لبينى تحت سقف يكنها
وإياي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا٤٢٦
ونبصر ضوء الصبح والفجر ساطع
تطأ تحت رجليها بساطًا٤٢٧ وبعضه
أطاه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن تمسي بخير وإن يكن
بها الحدث الغادي ترعني الروائع٤٢٨
كأنك بدع لم تر الناس قبلها
ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة
بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم
على كبدي منه كلوم صوادع
وأعجل للإشفاق حتى يشفني
مخافة شحط الدار والشمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم
ليرجعني يومًا عليك الرواجع
فيا قلب صبرًا واعترافًا٤٢٩ لما ترى
ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه
من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها
وللبين غم ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به
جوى حرق قد ضمنتها الأضالع
أبائنة لبنى ولم تقطع المدى
بوصل ولا صرم فييأس طامع
يظل نهار الوالهين نهاره
وتهدنه٤٣٠ في النائمين المضاجع
سواي فليلى من نهاري وإنما
تقسم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تعطف النوى
لما حملته بينهن الأضالع
له وجبات٤٣١ إثر لبنى كأنها
شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا
لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني بالليل والهم جامع
وقد نشأت في القلب منك مودة
كما نشأت في الراحتين الأصابع
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم
ألا كل أمر حم لا بد واقع
هما برحا بي معولين كلاهما
فؤاد وعين ماقها٤٣٢ الدهر دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشية
فموعدنا قرن من الشمس طالع
وللحب آيات تبين بالفتى
شحوب وتعرى من يديه الأشاجع٤٣٣
وما كل ما منتك نفسك خاليًا
تلاقي ولا كل الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كل وجهة
فحن كما حن الظؤار السواجع٤٣٤
وجانب قرب الناس يخلو بهمه
وعاوده فيها هيام مراجع
أراك اجتنبت الحي من غير بغضة
ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأن بلاد الله ما لم تكن بها
وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقع
وهل جزع من وشك بينك نافع
أحال علي الدهر من كل جانب
ودامت ولم تقلع علي الفواجع
فمن كان محزونًا غدًا لفراقنا
فمِلآن فليبكي لما هو واقع

(١-٥) الشعر السياسي

أوضحنا لك في المجلد الأول ما لاستعمال الشعر من أثر في كثير من الحركات السياسية واستحثاث العزمات وإنهاض الهمم في الانقلابات الاجتماعية، وبينا ميزة استعمال الشعر في الأغراض السياسية في عصر الدولة الأموية، وذكرنا عدة أمثلة تبين ما وصل إليه هذا النوع الطريف، ووعدناك بذكر قصيدة النعمان بن بشير في هذا الباب. وها هي ذي:

النعمان بن بشير٤٣٥

قال أبو الفرج الأصفهاني: لما كثر الهجاء بين عبد الرحمن بن حسان وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي وتفاحشا، كتب معاوية إلى سعيد بن العاصي، وهو عامله على المدينة، أن يجلد كل واحد منهما مائة سوط، وكان ابن حسان صديقًا لسعيد وما مدح أحدًا غيره قط، فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه، فأمسك عنهما؛ ثم ولي مروان، فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مائة سوط ولم يضرب أخاه، فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشأم، وكان كبيرًا أثيرًا٤٣٦ مكينًا عند معاوية، قال:
ليت شعري أغائب أنت بالشا
م خليلي أم راقد نعمان
أية ما يكن فقد يرجع الغا
ئب يومًا ويوقظ الوسنان
إن عمرًا وعامرًا أبوينا
وحرامًا قدمًا على العهد كانوا
أفهم مانعوك أم قلة الكتـ
ـاب أم أنت عاتب غضبان
أم جفاء أم أعوزتك القراطـ
ـيس أم امري به عليك هوان
يوم أنبئت أن ساقي رضت
وأتتكم بذلك الركبان
ثم قالوا إن ابن عمك في بلـ
ـوى أمور أتى بها الحدثان
فنسيت الأرحام والود والصحـ
ـبة فيما أتت به الأزمان
إنما الرمح فاعلمن قناة
أو كبعض العيدان لولا السنان

قال أبو الفرج الأصبهاني:

دخل النعمان بن بشير على معاوية لما هجا الأخطل الأنصار، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:

معاوي إلا تعطنا الحق تعترف
لحى الأزد مشدودًا عليها العمائم
أيشتمنا عبد الأراقم٤٣٧ ضلة
وماذا الذي تجدي عليك الأراقم
فما لي ثأر دون قطع لسانه
فدونك من يرضيه عنك الدراهم
وراع رويدًا لا تسمنا دنية
لعلك في غب الحوادث نادم
متى تلق منا عصبة خزرجية
أو الأوس يومًا تخترمك المخارم
وتلقاك خيل كالقطا مستطيرة
شماطيط٤٣٨ أرسال عليها الشكائم٤٣٩
يسومها العمران: عمرو بن عامر
وعمران حتى تستباح المحارم
ويبدو من الخود العزيزة حجلها
وتبيض من هول السيوف المقادم
فتطلب شعب الصدع بعد التئامه
فتغريه فالآن والأمر سالم
وإلا فثوبي لأمة تبعية
تواريث آبائي وأبيض صارم
وأسمر خطي كأن كعوبه
نوى القسب فيها لهذمي خثارم
فإن كنت لم تشهد ببدر وقيعة
أذلت قريشًا والأنوف رواغم
فسائل بنا حيي لؤي بن غالب
وأنت بما يخفى من الأمر عالم
ألم تتبدر يوم بدر سيوفنا
وليلك عما ناب قومك قاتم
ضربناكم حتى تفرق جمعكم
وطارت أكف منكم وجماجم
وعاذت على البيت الحرام عرائس
وأنت على خوف عليك التمائم
وعضت قريش بالأنامل بغضة
ومن قبل ما عضت عليك الأداهم
فكنا لها في كل أمر نكيده
مكان الشجا والأمر فيه تفاقم
فما إن رمى رام فأوهى صفاتنا
ولا ضامنا يومًا من الدهر ضائم
وإني لأغضي عن أمور كثيرة
سترقى بها يومًا إليك السلالم
أصانع فيها عبد شمس وإنني
لتلك التي في النفس مني أكاتم
فما أنت والأمر الذي لست أهله
ولكن ولي الحق والأمر هاشم
إليهم يصير الأمر بعد شتاته
فمن لك بالأمر الذي هو لازم
بهم شرع الله الهدى فاهتدى بهم
ومنهم له هاد إمام وخاتم

فلما بلغت القصيدة معاوية أمر بدفع الأخطل إليه ليقطع لسانه، فاستجار بيزيد ابن معاوية، فمنعه منه، وأرضى النعمان حتى كف عنه.

وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه: لما ضرب مروان بن الحكم عبد الرحمن ابن حسان الحد، ولم يضرب أخاه حين تهاجيا وتقاذفا، كتب عبد الرحمن إلى النعمان ابن بشير يشكو إليه، فدخل إلى معاوية، وأنشأ يقول:

يابن أبي سفيان ما مثلنا
جار عليه ملك أو أمير
اذكر بنا مقدم أفراسنا
بالحنو إذ أنت إلينا فقير
واذكر غداة الساعدي الذي
آثركم بالأمر فيها بشير
فاحذر عليهم مثل بدر وقد
مر بكم يوم ببدر عمير
إن ابن حسان له ثائر
فأعطه الحق تصح الصدور
ومثل أيام لنا شتتت
ملكًا لكم أمرك فيها صغير
أما ترى الأزد وأشياعها
تجول خزرًا كاظمات تزير
يصول حولي منهم معشر
إن صلت صالوا وهم لي نصير
يأبى لنا الضيم فلا يعتلي
عز منيع وعديد كثير
وعنصر في عز جرثومة
عادية تنقل عنها الصخور

هوامش

(١) هو أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي المخزومي، أشعر قريش وأرق أصحاب الغزل، وأوصف الشعراء لأحوال النساء.
ولد بالمدينة ليلة مات عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، وكانت أمه نصرانية، وكان أبوه تاجرًا موسرًا، وعاملًا لرسول الله وللخلفاء الثلاثة من بعده، فشب في نعيم وترف، وقال الشعر صغيرًا، وسلك فيه طريق الغزل، ووصف أحوال النساء وتزاورهن ومداعبة بعضهن البعض، وما يعتدن قوله من الكلام، مما يتوقر الشعراء الفحول عن الخوض فيه، ولذلك لم يحفلوا بشعره وعدوه من هذيان خلعاء المدينة، فما زال يعالج الشعر والشعر ينقاد له، حتى ملك ناصيته، وقبض على زمامه، وبز الشعراء، وقال رائيته المشهورة على طريقته المبتكرة وهي التي أولها:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
غداة غد أم رائح فمهجر
والتي قال فيها جرير حين سمعها: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.
ثم استطار شره في التشبيب بالنساء: من يعرفها ومن لا يعرفها، وتعرض للمحصنات المتعففات من نساء قومه ومن غيرهن، فوقعن منه في بلاء عظيم وصرن يخفن الخروج إلى الحج لأنه كان يتلقاهن بمكة، ويترقب خروجهن للطواف والسعي ويصفهن وهن محرمات. وحلمت عليه رجالات قريش لمكانة نسبه منهم ولترقب توبته وإقلاعه، فلما تمادى في أمره وشبب ببنات السادات والخلفاء، غضب عليه عمر بن عبد العزيز ونفاه إلى دهلك: (وهي جزيرة أمام مدينة مصوع)، ثم رأى ابن أبي ربيعة أن يكفر عن سيئاته بالتوبة والجهاد فعزا في البحر فاحترقت السفينة التي كان فيها واحترق هو أيضًا سنة ٩٣ﻫ، وقد اقتبسنا تصدير بحثنا عنه عن أبي الفرج الأصفهاني، وتجد ترجمته مطولة في الأغاني ج١ ص٦١–٢٤٨ (طبعة دار الكتب المصرية) والشعر والشعراء ص٣٤٨ وابن خلكان (ج١ ص٧٨٣) والدميري (ج١ ص٣٢٦) والعقد الفريد (ج٣ ص١٣٢) وله ديوان مطبوع في ليبزج سنة ١٨٩٣ وفي مصر سنة ١٣١١ ومنه نسختان خطيتان بدار الكتب المصرية.
(٢) المراد من شدة الأسر هنا إحكام النسج ومتانة التركيب.
(٣) أكل: أعيا، وأوضع: أسرع في السير.
(٤) الرئم: الظبي.
(٥) عوجا: قفا.
(٦) المحول والمحيل: الذي أتت عليه أحوال كثيرة فغيرته.
(٧) البوباة: الفلاة واسم لصحراء بأرض تهامة إذا خرجت من أعالي وداي النخلة اليمانية وهي بلاد بني سعد بن بكر بن هوازن. (معجم البلدان لياقوت).
(٨) هي الثريا ابنة عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية. تزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه ونقلها إلى مصر فقال عمر هذا الشعر.
(٩) البلي — بضم وفتح وياء مشددة: تل قصير أسفل حاذة بينها وبين ذات عرق (ياقوت).
(١٠) استقلوا: واصلوا السير وجدوا في الارتحال.
(١١) يقال: دمثت الأرض دماثة: سهلت ولانت.
(١٢) انبت: انقطع.
(١٣) المراد أن الرجال قد أفاقوا واستحكمت عزائمهم وهو يريد أن يسلو سلوهم.
(١٤) زع النفس، أي ازجرها وكفها عن هواها.
(١٥) أي من يقيم في البدو والحضر.
(١٦) المراد به قرن المنازل، وكثيرًا ما يذكره في شعره.
(١٧) جهيز: سريع.
(١٨) العصم: جمع أعصم وهو من الظباء والوعول ما في ذراعيه بياض، وهي تعتصم غالبًا بقنن الجبال.
(١٩) الغمر (بكسر الغين): الحقد والغل. والغمر (بفتح الغين): الماء الكثير، وكلا المعنيين يحتمله البيت.
(٢٠) عدلت: ساوت.
(٢١) أي غلبتني صديقتي في الخطاب، قال تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ.
(٢٢) يريد: حسبي غالبًا لكل خصم سواها إلى حد هلاكي.
(٢٣) يقال: رحل فلان فلانًا بما يكره، والمراد أنه يثقله بإسماعه إياه.
(٢٤) يدمل: يطوي. قال في اللسان: ويقال: ادمل القوم، أي اطوهم على ما فيهم.
(٢٥) يكني بهذا عن الوقوع في شركها.
(٢٦) النوار: النافرة من الظباء.
(٢٧) لم أنبل: لم أصب، أو لم أحسن الرمي.
(٢٨) عارم: حاد.
(٢٩) السجف: الستر.
(٣٠) كناية عن طول العنق، وبه فسر في المثل السائر (طبعة بولاق ص٣٨).
(٣١) البهم: جمع بهمة، وهي الصغير من أولاد الضأن والمعز والبقر.
(٣٢) لم تلحه: لم تغيره.
(٣٣) أساريع الماء: طرائقه. والمراد أنه يترقرق فيه ماء الشباب.
(٣٤) المآكم: جمع مأكمة وهي العجيزة.
(٣٥) المحرش: المغري، من التحريش وهو الإغراء والإفساد.
(٣٦) الثرى: الخير.
(٣٧) الجرس: الصوت.
(٣٨) بث الحديث: إفشاؤه.
(٣٩) المحرش: المغري، يقال: حرش بين القوم: أفسد بينهم.
(٤٠) حليات (بضم الحاء المهملة وفتح اللام وتشديد الياء): اسم موضع ذكره البكري وياقوت ولم يبيناه، ولعله موضع قرب مكة بقرينة ذكره مع المغمس الوارد في البيت بعده.
(٤١) السرح: موضع.
(٤٢) المغمس (بتشديد الميم وفتحها كما في ياقوت، وضبطه البكري في معجمه بكسر الميم وتشديدها): موضع قرب مكة في طريق الطائف، مات فيه أبو رغال وقبره يرجم لأنه كان دليل أبرهة صاحب الفيل.
(٤٣) النكباء: الريح التي تنكب عن مهاب الرياح.
(٤٤) يقال: ريح زعزع، أي شديدة، وكذلك زعزاع وزعزوع.
(٤٥) يقال: نكأ الجرح: قشره قبل أن يلتئم.
(٤٦) المدري والمدارة: حديدة يحك بها الرأس.
(٤٧) أي هي في غاية من السر لا يجاب عليها إذا سئل عنها، والإعذار: نفي العذر.
(٤٨) يقال: أعتبه إذا أعطاه العتبى وأرضاه.
(٤٩) طيتها: ناحيتها وقصدها.
(٥٠) تعناني: أوقعني في العناء.
(٥١) الطرب: خفة تعتري الإنسان عند شدة الفرح أو الحزن والهم.
(٥٢) الموهن: نحو من نصف الليل.
(٥٣) مار: جرى وسال.
(٥٤) الإزورار: الإعراض.
(٥٥) لاه بمعنى لله.
(٥٦) الغمر (بضم الغين وفتحها مع سكون الميم، وفتحتين، وبفتح فكسر): الغر الجاهل الذي لم يجرب الأمور.
(٥٧) أي ليس الأمر كما تعهدين من قبل.
(٥٨) غمدان: قصر باليمن بناه «يشرخ بن يحصب».
(٥٩) قصر شعوب: قصر عال مرتفع باليمن.
(٦٠) أضرعتني: أضعفتني وأذلتني.
(٦١) مجرمة كمعظمة: تامة، يريد ثلاثة أحوال كاملة.
(٦٢) الغب من الحمى: ما تأخذ يومًا وتدع يومًا.
(٦٣) أي ما حركت له عضوًا.
(٦٤) سويقة: موضع.
(٦٥) حدبا جمع حدباء، وأصل الحدب: ما ارتفع من الأرض، يريد أنه أعياها السير فهي دامية متقوسة الظهور هزالا.
(٦٦) المكاكي: جمع مكاء، وهو طير يشبه القبرة إلا أن في جناحيه بلقا، وهو حسن الصوت في تغريده.
(٦٧) لعله يريد: نحزنها بالسبق، أو نبهرها ونغلبها، من قولهم: غم القمر النجوم: بهرها وكاد يستر ضوءها.
(٦٨) التخبر: السؤال عن الخبر.
(٦٩) أغذ السير وأغذ فيه: أسرع.
(٧٠) بصرى: بلد بالشأم.
(٧١) حفير: نهر بالأردن ببلاد الشأم.
(٧٢) معان: مدينة في طرف بادية الشأم تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء.
(٧٣) قصرنا، أي قصارانا وغايتنا.
(٧٤) حسر السير بعيرًا: أجهده وأعياه.
(٧٥) المتبول: من أسقمه الهوى وغلبه الحب على أمره.
(٧٦) حصان: عفيفة.
(٧٧) الخطل: الفاسد المضطرب.
(٧٨) اقني حياءك: الزميه.
(٧٩) نص المطي: استخراج أقصى ما عندها من السير.
(٨٠) الغرير: الغافل.
(٨١) يقال: أثقله النوم فهو مستثقل بصيغة المفعول.
(٨٢) تأطر أصله تتأطر فحذفت إحدى تاءيه ومعناه تثنى. والأيم: الأفعى. ويسيب: يمشي. والكثيب الأهيل: الرمل المنهال.
(٨٣) الخذل: جمع خاذل وهي الظبية تتخلف عن صواحباتها أو أولادها.
(٨٤) أي مثيرة الأشجان.
(٨٥) أي كفي عن الحرج والإثم.
(٨٦) أي أحق إنسان آخذ منه بدمي.
(٨٧) الطرف: من لا يثبت على امرأة ولا صاحب.
(٨٨) روح من الرواح وهو وقت العشي. والرعيان: جمع راع كالرعاة والرعاء والرعاء. ونوم الرجل تنويمًا: مبالغة في نام.
(٨٩) الحباب: الحية. وأزور كأحسن: مائل من زور يزور إذا مال.
(٩٠) يقال: أباء القاتل بالقتيل: قتله به، والمراد هنا: فكم من قتيل يطل دمه ولا يؤخذ له بثأر.
(٩١) يقال: غلق الرهن في يد المرتهن يغلق علقًا: لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط. يريد: وكم من قلوب أسيرة لا يقدر أصحابها على افتكاكها.
(٩٢) الدمى: جمع دمية وهي الصورة المنقشة من العاج ونحوه.
(٩٣) المقول: الحسن القول المفصح المبين.
(٩٤) نص السرى: إسراعه، وأصله حث الدابة واستخراج أقصى ما عندها من السير.
(٩٥) المحبر: المزين المحسن.
(٩٦) ذو دوران — بفتح أوله وبعد الواو راء مهملة وآخره نون: موضع بين قديد والجحفة (ياقوت).
(٩٧) أي كلفتني السير ليلًا.
(٩٨) تشط: تبعد.
(٩٩) غمر ذي كندة: موضع وراء وحرة بينه وبين مكة مسيرة يومين.
(١٠٠) كذا في ديوانه، وفي الأغاني «الصبح».
(١٠١) الفرقد: نجمان في السماء من نجوم الدب الأصغر وهي في الشمال، ويقال لهما: الفرقد بالإفراد، والفرقدان بالتثنية. ولعله يريد أنها تسير جهته، لأن العراق التي تقصده في الشمال الشرقي من مكة.
(١٠٢) الحداة: جمع حاد وأصله المغني للأبل لتنشط في السير، وقد يراد به الزاجر والسائق. والعير: الإبل، ولا واحد له من لفظه. وونت: ضعفت وتباطأت. وتطرد: تساق.
(١٠٣) الجرس: الصوت.
(١٠٤) تودع: سكنت ناره وانطفأت.
(١٠٥) تتهادى: تمشي في تمايل وسكون.
(١٠٦) الرقبة: التحفظ والفرق.
(١٠٧) الوجد: الشغف والشوق الشديد.
(١٠٨) المراد: قد كان لي غنى عن حبكم.
(١٠٩) الإثمد: حجر للكحل وأجوده بأصبهان.
(١١٠) أقصده: رماه بسهم فقتله.
(١١١) الخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل. قال ابن سيدة: وخيف مكة موضع فيها عند منى، سمي بذلك لانحداره عن الغلظ وارتفاعه عن السيل.
(١١٢) القطين: الخدم والأتباع والحشم، والمولد من العبيد والإماء: من ولد بين العرب ونشأ مع أولادهم.
(١١٣) كذا في الأغاني. وفي ديوانه «كالمعنى» أي المأسور المحبوس عن غيرها.
(١١٤) الكشح: ما بين الحجبة — وهي رأس الورك الذي يشرف على الخاصرة — إلى الإبط. والوشاح: شبه قلادة ينسج من أديم عريض يرصع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقيها.
(١١٥) هذا البيت دخل عليه الخرم وهو حذف الفاء من فعولن.
(١١٦) الرامس: الدافن في الرمس وهو القبر.
(١١٧) المورد: الذي صبغ على لون الورد.
(١١٨) الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة ما لم تصر نصفًا، والنصف: المرأة بين الحدثة والمسنة.
(١١٩) الفضل بضمتين: المختالة التي تفضل من ذيلها. ويروى: «قطفًا» والمراد به تقارب الخطو.
(١٢٠) العسلوج: الغصن اللين الأخضر.
(١٢١) على قدر: على غير موعد. والوجه فيه أن التقاءهما كأنه مقدر في الأزل لا علم له به ولا سعى إليه، كما قيل:
جاء الخلافة أو كانت له قدرًا
كما أتى ربه موسى على قدر
(١٢٢) جمع قطوف وهي البطيئة في السير.
(١٢٣) الرسل بالكسر: الرفق والتؤدة. والخفر: شدة الاستحياء.
(١٢٤) اسبطرت: أسرعت.
(١٢٥) الخصر: البارد.
(١٢٦) أفد كفرح: عجل وأسرع.
(١٢٧) الصوران: موضع بالمدينة بالبقيع، وقد ذكره ياقوت واستشهد بالبيت.
(١٢٨) المنصف كمنبر ومقعد: الخادم، والأنثى بالهاء، جمعه مناصف.
(١٢٩) سيف البحر: ساحله.
(١٣٠) أجياد: موضع بمكة، سمى بذلك لأن تبعًا لما قدم مكة ربط خيله فيه فسمي بذلك، وهما موضعان: أجياد الكبير وأجياد الصغير.
(١٣١) الخيف: موضع بمنى وبه سمي مسجد الخيف.
(١٣٢) ذو سنن: ذو طرائق.
(١٣٣) تنكص: ترجع وتولى وتحجم.
(١٣٤) مقلص: مشمر جاد في السير.
(١٣٥) الحصاب كالمحصب: موضع رمي الجمار.
(١٣٦) دراري ممنوعة من الصرف وتؤنث لضرورة الشعر.
(١٣٧) هوج: جمع هوجاء وهي المتعجلة في السير كأن بها هوجًا وحمقًا.
(١٣٨) الخدين: الصديق الذي يخادنك فيكون معك في كل أمر ظاهر وباطن، ومنه خدن الجارية: محدثها، وكان العرب في الجاهلية لا يمتنعون من خدن يحدث الجارية فجاء الإسلام بهدمه. وفي التنزيل العزيز: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ إلى قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ الآية.
(١٣٩) الخلة: الخليلة.
(١٤٠) أومضت له: سارقته النظر.
(١٤١) يقال: ظاهر بين الثوبين إذا لبس أحدهما على الآخر.
(١٤٢) أعفر: ذي رمل أحمر.
(١٤٣) يقال: قفر الأثر قفرًا: اقتفاره وتبعه.
(١٤٤) الجؤذر (بضم أوله وضم الذال وفتحها): ولد البقرة. والربرب القطيع من بقر الوحش وقيل من الظباء، ولا واحد له من لفظه.
(١٤٥) المقلد: موضع القلادة، ويراد به الجيد.
(١٤٦) ترقرق الدمع: سال.
(١٤٧) جمع، هي المزدلفة.
(١٤٨) محسر: موضع بين منى والمزدلفة.
(١٤٩) معوق: عائق ومانع.
(١٥٠) العين: السحاب.
(١٥١) السادر: الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع.
(١٥٢) كذا في الديوان، ومعناه ما ليس يقطع، ومنه قوله تعالى: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ.
(١٥٣) شدن: شب وترعرع.
(١٥٤) ممتحن: واقع في محنة.
(١٥٥) ذو بقر: موضع.
(١٥٦) سقط الصريمة: منتهاها. والصريمة: الرملة المنصرمة من الرمال ذات الشجر.
(١٥٧) مكلف: لهج بالحب، يقال: كلف بالشيء كلفًا، أي لهج به فهو كلف ومكلف، والأبيات من الكامل الأحذ، وهو ما حذف من عروضه وضربه الوتد المجموع «علن» من «متفاعلن». وقد جاء عروض هذا البيت تامًا على خلاف بقية الأبيات، وظاهر أن حذف الوتد في اصطلاح علماء العروض علة، والعلة إذا لحقت بعروض أو ضرب لزم استعمالها في سائر الأبيات ولو قال: (فأجبتها إني بكم كلف) لخلت القصيدة من هذا العيب.
(١٥٨) الجلباب: القميص أو هو الخمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
(١٥٩) النشاب: النبل.
(١٦٠) أعتب: أزال سبب العتب، فالهمزة للسلب. والمعنى أعذر.
(١٦١) قراه يقروه: تتبعه.
(١٦٢) دميث الربى: سهلها ولينها.
(١٦٣) الغميم كأمير: موضع بين مكة والمدينة.
(١٦٤) الخادم: واحد الخدم غلامًا كان أو جارية.
(١٦٥) قاطبًا من القطوب: وهو تزوي ما بين العينين من العبوس.
(١٦٦) الجزل: موضع قرب مكة. وأخضل: بل. والريطة: ملاءة كلها نسج واحدة وقطعة واحدة.
(١٦٧) يقال: أرب بكذا: كلف به، وأرب إلى كذا: احتاج إليه. ولعل المراد: دعاني الشوق إليهن.
(١٦٨) التعريس: قيل هو نزول القوم في السفر آخر الليل يستريحون قليلًا ثم يرحلون مع الصبح. وقيل: هو النزول أول الليل. وقيل: النزول في أي وقت كان من ليل أو نهار. والمراد هنا: لإقامة يوم أو لإقامة ليلة.
(١٦٩) لم تدرع: لم تلبس الدرع، يقال: درعت الصبية إذا ألبست الدرع، والدرع: جبة مشقوقة المقدم.
(١٧٠) قال الأصمعي: يقال أشبه الله وأشب الله قرنه بمعنى واحد (وهو الدعاء له بأن يشب ويكبر)، والقرن زيادة في الكلام اﻫ. والقرن: الضفيرة. والمراد التعجب من حديثها كما يقال في هذا المقام: قاتلك الله.
(١٧١) البابة: الوجه والطريق، قال: تميم بن مقبل:
بني عامر ما تأمرون بشاعر
تخير بابات الكتاب هجائيا
أي تخير هجائي من وجوه الكتاب، كما فسره صاحب اللسان وللبابة معان أخرى لا بأس من إيرادها وهي: القبيل والنوع كما قال الجاحظ في «كتاب الحيوان» ج٢ ص٤٥: «فليس الديك من بابة الكلب لأنه إن ساوره قتله قتلًا ذريعًا» وقال أيضًا في ج٧ ص٤٣: «وقد أيقنا أنهما ليسا من بابته». وقال في كتاب البخلاء ص٤٥، ١٤٣: «أنت من ذي البابة … وأما سائر حديث هذا الرجل فهو من هذه البابة». ومثل ذلك في نفح الطيب ج١ ص٥٥٩ طبع ليدن، ج١ ص٣٩٨ طبع بولاق سنة ١٢٧٩ﻫ قول القاضي محمد بن بشير الأندلسي:
إنما أزرى بقدري أنني
لست من بابة أهل البلد
وإذا قال الناس: «من بابتي» فمعناه من الوجه الذي أريده ويصلح لي. والشرط ومثله ما في «تاج العروس»: هذا بابته أي شرطه. والغاية ويستعمل ذلك في الحساب والحدود. وفي «شفاء الغليل» أنهم يقولون للعب خيال الظل بابة فيقولون: بابات خيال الظل، وعلى ذلك قول ابن إياس المؤرخ المصري: فكانو مثل بابات خيال الظل فشيء يجيء وشيء يروح (بدائع الزهور في وقائع الدهور ج١ ص٣٤٧. ويجوز أن يسمى به كل فصل من فصول التمثيل المسماة الآن فصول الرواية. (انظر كتاب التاج للجاحظ ص٣٨ و٣٩).
(١٧٢) وجد به يجد وجدًا: أحبه حبًّا شديدًا، ووجد عليه يوجد وجدا: حزن.
(١٧٣) تبترد: تغتسل بالماء البارد.
(١٧٤) كذا في الكامل للمبرد طبعة ليبزج ص٥٩٤ وهي رواية جيدة. والتهانف كالاهناف والمهانفة: ضحك فيه فتور كضحك المستهزئ. وفي الأغاني والديوان: «فتضاحكن». وقد رجحنا الرواية الأولى لأنها تؤدي تمام المعنى المراد.
(١٧٥) هام تتعدى بالباء وقد ضمنت هنا معنى صبا ولهذا تعدت بإلى.
(١٧٦) كذا في الأغاني، وفي ديوانه: «رئم» بالهمز. والرئم: الظبي الأبيض الخالص البياض، وقيل ولد الظبي، يهمز ولا يهمز.
(١٧٧) كذا في الأغاني، وبين هذا البيت والذي قبله في ديوانه:
كالشمس بالأسعد إذ أشرقت
في يوم دجن بارد مقتم
يريد بالأسعد هنا سعود النجوم، وهي عشرة: أربعة منها في برج الجدي والدلو ينزلها القمر وهي سعد الذابح وسعد بلع وسعد الأخبية وسعد السعود وهو كوكب منفرد نير. وأما الستة التي ليست من المنازل فسعد ناشرة وسعد الملك وسعد البهام وسعد الهمام وسعد البارع وسعد مطر. وكل سعد من هذه الستة كوكبان بين كل كوكبين في رأى العين قدر ذراع وهي متناسقة. وأما سعد الأخبية فثلاثة أنجم كأنها أثافي ورابع تحت واحد منهن. انظر المرتضى والمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية للإمام العيني المطبوع بهامش الخزانة ج١ ص٥٨ في الكلام على البيت:
إذا دبران منك يومًا لقيته
أؤمل أن ألقاك غدوًا بأسعد
وقال في اللسان في مادة «سعد» بعد أن ذكر هذه السعود: فأحسن ما تكون الشمس والقمر والنجوم في أيامها لأنك لا ترى فيها غبرة، وقد ذكرها النابغة الذبياني فقال:
قامت تراءي بين سجفي كلة
كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
وقد ضبط خطأ في اللسان بفتح العين. وقال:
بيضاء كالشمس وافت يوم أسعدها
لم تؤذ أهلًا ولم تفحش على جار
(١٧٨) الحمش: دقة الساقين.
(١٧٩) الشوى: الأطراف.
(١٨٠) الأفرع: طويل شعر الرأس.
(١٨١) الأسحم: الأسود، يريد به الشعر.
(١٨٢) الأخشب: مفرد الأخشبين وهما جبلان بمكة أحدهما أبو قبيس والآخر قعيقعان، ويقال: هما أبو قبيس والجبل الأحمر المشرف هنالك، وقد تفرد هذه التثنية فيقال لكل واحد منهما: الأخشب، قال ساعدة بن جؤية:
ومقامهن إذا حبسن بمأزم
ضيق ألف وصدهن الأخشب
(١٨٣) في غلواء عيش: في أنضره وأرغده.
(١٨٤) المكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه منجمًا (مسقطًا) فإذا أداه صار حرًّا، وسميت كذلك لأنه يكتب على نفسه لمولاه ثمنه، ومولاه يكتب له عليه عتقه.
(١٨٥) الخطب: الخاطب.
(١٨٦) وهاه: كلمة وعيد، وحرك لضرورة الشعر، وقد روي البيت في ديوانه:
لا بل يملك ثم تدعو باسمه
فيقول هاه وطالما لبى
(١٨٧) القلال كغراب وسحاب: القليل.
(١٨٨) ائتمر ما شئت: افعل ما شئت فإننا لا نعصي لك أمرًا.
(١٨٩) تأطر: محذوفة إحدى تاءيه، أي تتثنى.
(١٩٠) الأيم: الحية.
(١٩١) يقال: عقل الوعل يعقل عقولا: امتنع في الجبل، وبه سمى الوعل عاقلًا على حد التسمية بالصفة، ومنه المثل: «إنما هو كبارح الأروى قليلًا ما يرى». والأروى: جمع أروية وهي تيوس الجبل البرية.
(١٩٢) قال في اللسان مادة بدد بعد أن أورد هذا الشطر: «معناه أمقسم أنت سؤالك على الناس واحدًا واحدًا حتى تعمهم». من البداد وهو أن يبد المال القوم فيقسم بينهم، وأبدهم المال والعطاء: فرقه فيهم، والمراد: لماذا تسألنا! ألك حق السؤال على جميع الناس! أو معناه: «أأنت ملزم سؤالك الناس، من قولهم: ما لك منه بد»؛ والمراد: أأنت ملزمنا الإجابة عن سؤالك! إنا لا نجيبك.
(١٩٣) مجاجة المسك، يريد بذلك وصفها بطيب ريقها وبأنه كالمسك.
(١٩٤) تهادى، يريد يهدي بعضها بعضًا في مشيتها (الكامل للمبرد طبع ليبزج ص٣٧٩).
(١٩٥) في الكامل للمبرد طبع ليبزج ص٣٧٩: أزهقت: أبطلت وأذهبت قال الله عز وجل: فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ا.ﻫ. يريد: أذهبت أم نوفل نفسي إذ دعت الثريا لوصالي فلم تجبها.
(١٩٦) يقال: وكفت العين: سالت دموعها.
(١٩٧) السحر: الرئة.
(١٩٨) أي عرفتهما حق المعرفة.
(١٩٩) لحاضنتها: لمربيتها.
(٢٠٠) يرحلون يشدون على إبلهم الرحال.
(٢٠١) أجد البين: اعتزمه.
(٢٠٢) احتمل: ارتحل.
(٢٠٣) النوى: الفراق والبعد. ويحتث: يسوق. وزجلًا: رافعًا صوته في حداء الإبل لتسرع في السير، وأصل الزجل الجلبة ورفع الصوت وخص به التطريب، وأنشد سيبويه في وصف حمار وحش:
له زجل كأنه صوت حاد
إذا طلب الوسيقة أو زمير
وذكره في باب ما يحتمل الشعر من استباحة الضرورة، وهي هنا حذف الواو المبينة لحركة الهاء في قوله: كأنه. والوسيقة: أنثاه التي يضمها ويجمعها، من وسقت الشيء: جمعته.
(٢٠٤) في ديوانه:
لما وقفنا نحييهم وقد شحطت
نعامة البين فاستولت بهم أصلا
وشطحت نعامة البين: ارتحلوا وفرقهم البين، وفي اللسان مادة نعم وشال: يقال للقوم إذا ارتحلوا عن منزلهم أو تفرقوا: قد خفت نعامتهم وشالت نعامتهم، والأصل: جمع أصيل وهو العشي وقيل هو مفرد، أنشد ثعلب:
وتمذرت نفسي لذاك ولم أزل
بدلا نهاري كله حتى الأصل
فقوله: بدلا نهاري كله، يدل على أن الأصل ها هنا واحد.
(٢٠٥) لا تعني به جدلا: لا تعجزي في مجادلته.
(٢٠٦) اللطف لغة في اللطف.
(٢٠٧) قال في اللسان: والتفؤد: التوقد، والفؤاد: القلب لتفؤده وتوقده. وقال في القاموس وشرحه: والتفؤد: التحرق والتوقد، ومنه الفؤاد للقلب، لأن عقل الفؤاد للمعلومات نتيجة اشتغاله وتوقده وتحركه وجولته فيها حتى يمحصها، ويميز الصحيح من الفاسد والحق من الباطل.
(٢٠٨) كذا في ديوانه وفي الأغاني ج١ ص٢٧٩ «على ما عنده».
(٢٠٩) الحين: المحنة.
(٢١٠) هذا أحد الوجهين في الفعل الواقع بعد كيما: الرفع على أن ما كافة لها عن العمل، والنصب على أن ما زائدة وكي عاملة فيما بعدها، وقد روي بالوجهين:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
يرجى الفتى كيما يضر وينفع
(٢١١) مغبرة، يريد بها الفلاة المجدبة.
(٢١٢) سوح: جمع ساحة وهي الفضاء.
(٢١٣) تباريح الشوق: توهجه، قال السيد محمد مرتضى: قال شيخنا وهو من الجموع التي لا مفرد لها وقيل: مفرده تبريح واستعمله المحدثون وليس يثبت.
(٢١٤) قال في اللسان: القيصوم: ما طال من العشب، ثم قال: والقيصوم من نبات السهل قال أبو حنيفة: القيصوم من الذكور ومن الأمرار وهو طيب الرائحة من رياحين البر وورقه هدب وله نورة صفراء وهي تنهض على ساق وتطول.
(٢١٥) هو جميل بن عبد الله بن معمر من عذرة، وكان شاعرًا فصيحًا مقدمًا جامعًا للشعر والرواية. اشتهر بحبه بثينة ابنة عمه، ولذلك عرف بجميل بثينة، وكانا يقيمان في وادي القرى، وكان أول عهده بها وهي صغيرة. ومن أوائل نظمه فيها قوله:
وأول ما قاد المودة بيننا
بوادي بغيض يا بثين سباب
وقلت لها قولًا فجاءت بمثله
لكل كلام يا بثين جواب
ولم يكن يراها حتى صارت شابة، فأخذ ينظم القصائد فيها حتى اشتهر أمره. واتفق مرة أن توبة بن الحمير صاحب ليلى مر ببني عذرة فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه وجميل حاضر فثارت الغيرة في قلب جميل، فقال لتوبة: من أنت؟ قال: أنا توبة بن الحمير، قال: هل لك في الصراع: قال: ذلك إليك؛ فأعطته بثينة ملاءة حمراء فأنزر بها، ثم صارعه فصرعه جميل. ثم قال: هل لك في النضال؟ قال: نعم، فناضله فنضله جميل. ثم قال: هل لك في السباق؟ قال: نعم. فسابقه فسبقه جميل. فقال له توبة: يا هذا، إنما تفعل ذلك بريح الجالسة، ولكن اهبط بنا الوادي، فهبط، فصرعه توبة ونضله وسبقه.
وكان عند بثينة ما عند جميل، ولما رأت مناضلته عنها زادت شغفًا به، ولكنهما لم يكونا يجتمعان إلا خلسة على موعد، ولم يكن جميل يخلو من الرقباء، لكنهم لم يستطيعوا رميه بريبة. وأخباره معها كثيرة لا يسعها هذا المقام. ولم يزل يجتمع بها سرًا عن أهلها، فألحوا بالشكوى منه إلى العامل، ففر إلى اليمن حتى عزل العامل، وانتجع أهل بثينة الشام، فرحل جميل إليهم، فترصدوه وشكوه إلى عشيرته، فعنفه أهله وهددوه، فانقطع عنها، وأخيرًا لجأ إلى مصر، وعاملها عبد العزيز بن مروان، فأحسن وفادته، ومرض هناك ومات. وكان طويل القامة عريض بين المنكبين جميل الخلقة حسن البزة، توفي سنة ٨٢ﻫ.
ولجميل ديوان شعر كبير كان مشهورًا في أيام ابن خلكان ولم نقف على خبره، ولكن منه أشعارًا مجموعة في كتاب منه نسخة خطية في مكتبة براين.
انظر الكلام على جميل في الأغاني ج٧ ص٧٧ وج١ ص٨٠ وابن خلكان ج١ ص١١٥ وخزانة الأدب ج١ ص١٩١ والشعر والشعراء ص٢٦٠.
(٢١٦) ترعف: تقطر دمًا.
(٢١٧) تعيفوا: من العيافة، وهي زجر الطير والاعتبار بأسمائها ومساقطها وأصواتها، فيتسعد أو يتشاءم.
(٢١٨) التطفف: نقص الكيل.
(٢١٩) من أجله.
(٢٢٠) الغلل: جمع غلة، وهي ما يتوارى فيه أو شعار تحت الثوب.
(٢٢١) السبل: المطر.
(٢٢٢) تأطرت: ملت.
(٢٢٣) أشاح: حذر وخاف.
(٢٢٤) أسجحي: أحسني العفو.
(٢٢٥) الأفوق: السهم الذي كسر فوقه، وهو مشق رأس السهم حيث يقع الوتر، وناصل: لا نصل فيه.
(٢٢٦) يستاف: يشم.
(٢٢٧) النضو: المهزول من الإبل وغيرها.
(٢٢٨) العروض: الطريق في عرض الجبل في مضيق، يريد الطريف إلى وصلها.
(٢٢٩) يدوف: يخلط. وطماطم: جمع طمطم وهو من في لسانه عجمة، وأراد بالطماطم هنا: الموالي.
(٢٣٠) القاويات: الخاليات.
(٢٣١) الوئيد: الصوت العالي الشديد.
(٢٣٢) الحرف: الناقة الضامرة الصلبة. والعلاة: المشرفة الصلبة. والشملة: السريعة. والخرق: الأرض الواسعة. والساهمة: الناقة الضامرة.
(٢٣٣) الفائور: الخوان من رخام أو فضة أو ذهب.
(٢٣٤) في البيت إقواء، وهو اختلاف حركة الروي بالرفع والكسر.
(٢٣٥) زاف: تبختر.
(٢٣٦) أي ناحية.
(٢٣٧) القوز: المستدير من الرمل، وقال الأزهري: إنه الكثيب المشرف.
(٢٣٨) موقرة: محملة الوقر وهو الحمل. وخدى البعير يخدي: أسرع وزج بقوائمه.
(٢٣٩) الحرجف: الريح الباردة الشديدة الهبوب.
(٢٤٠) الحقو: الخصر.
(٢٤١) يتقصف: يتهيل ويتقطع بعضه عن بعض.
(٢٤٢) الجداية: الغزالة، والسابري: ثوب من أجود الثياب منسوب إلى سابور على غير قياس.
(٢٤٣) يرجز به: ينشده أرجوزة.
(٢٤٤) أقرم: جمع قرم (بالفتح) وهو السيد العظيم.
(٢٤٥) خضرم: عظيم.
(٢٤٦) يدوني: من الدية وهي ما يعطى لولي القتيل من المال بدل النفس.
(٢٤٧) تواكلوني: تركوني.
(٢٤٨) أوزغت الناقة ببولها: رمت به دفعة دفعة. ومنه الطعنة توزغ بالدم أي ترمي به كذلك.
(٢٤٩) يزف: يجعلها تسرع.
(٢٥٠) ذو حدب: ذو موج.
(٢٥١) حجون: معوج.
(٢٥٢) أزمت: اشتدت.
(٢٥٣) الكسس محركة: قصر الأسنان أو صغرها أو لصوقها بسنوخها، وثعلت سنه ولثته فهي ثعلاء: تراكبت أسنانها.
(٢٥٤) بنات الماء: ما يألف الماء من السمك والطير والضفادع (انظر المضاف والمضاف إليه).
(٢٥٥) الضحل: الماء القليل على الأرض لا عمق له.
(٢٥٦) الهلاك: الصعاليك.
(٢٥٧) السملق: القاع الصفصف.
(٢٥٨) الأرحبي: الفحل النجيب نسبة إلى أرحب وهي قبيلة من همدان تنسب إليها النجائب الأرحبية. والمنوق: المحسن المزين.
(٢٥٩) أولق: جنون.
(٢٦٠) الطرق: الماء الذي خوضته الإبل وبولت فيه وبعرت.
(٢٦١) مخطوطة المتنين: ممدودتها. والممكورة: المطوية الخلق.
(٢٦٢) هكذا وردت «فكيف» ولعلها فسوف ليستقيم بها السياق.
(٢٦٣) الطفل: الرخص الناعم من كل شيء.
(٢٦٤) اللد بالضم والتشديد: قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين.
(٢٦٥) الحويل: القوة والحذق والقدرة على التصرف.
(٢٦٦) يقال: شرى جلده: خرج عليه الشرى، وهو بثور صغار حمر حكاكة مكربة تحدث دفعة واحدة غالبًا وتشتد ليلًا لبخار حار يثور في البدن دفعة.
(٢٦٧) هو كثير بن عبد الرحمن بن خزاعة، ويعرف بكثير عزة، نسبة إلى عشيقته التي كان يشبب بها. وكان يدخل على عبد الملك وينشده، وكان رافضيًّا شديد التعصب لآل أبي طالب، وكان عبد الملك يعرف ذلك فيه فلا ينكره، فإذا أراد أن يصدقه بشيء حلفه بعلي. وكان له صديق اسمه خندق الأسدي، شديد التشيع مثله، وبلغ من جرأة خندق هذا أنه وقف مرة في الموسم والناس مزدحمون وقال: «أيها الناس، إنكم على غير حق، قد تركتم بيت نبيكم والحق لهم وهم الأئمة» فوثب عليه الناس، فضربوه ورموه حتى قتلوه، ودفن خندق بقنونا، فقال إذ ذاك كثير يرثيه:
أصادرة حجاج كعب ومالك
على كل عجلي ضامر البطن محنق
بمرثية فيها ثناء محبر
لأزهر من أولاد معرق
والقصيدة طويلة. أما معشوقته عزة فهي بنت حميد بن وقاص من ضمرة، وكانت من أجمل النساء وآدبهن وأعقلهن. ويقال إنه لم ير لها وجهًا إلا أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها. وعاتبه بعض أهلها فقالوا: «قد شهرت نفسك وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك» فقال: «إني لا أذكرها بما تكرهون».
واتفق خروجهم إلى مصر في عام الجلاء، فتبعهم على راحلته فزجروه فأبى إلا أن يلحقهم، فتربص له بعضهم في بعض الطريق وقبضوا عليه وجعلوه في جيفة حمار وربطوها عليه فمر به صديقه خندق فأطلقه وألحقه ببلاده. وكان كثير دميمًا قليلًا أحمر أقيشر عظيم الهامة قبيحًا. وأكثر أشعاره في عزة هذه. توفي سنة ١٠٥ﻫ، وأخباره كثيرة تجدها في الأغاني (ج١١ ص٤٦) و(ج٨ ص٢٧) و(ج٧ ص٧٨) والشعر والشعراء (ص٣١٦) وابن خلكان (ج١ ص٤٣٣) والعقد الفريد (ج١ ص١١٥ و٢٠٣) وخزانة الأدب (ج٢ ص٣٨١) وله ديوان شرحه أبو عبد الله الرشيدي منه نسخة خطية في الاسكوريال.
(٢٦٨) يقول: لا ألح عليه بالمسألة، يقال: نزرته أنزره إذا ألححت عليه. والظئور: العاطفة على أولاد غيرها. ولم ترم: لم ترأم.
(٢٦٩) مؤصد: ألبس الأصدة (بالضم) وهي قميص صغير يلبس تحت الثوب. والمجوب: القميص ذو الجيب. والرئد (يهمز ولا يهمز): الترب.
(٢٧٠) تبوخ: تخمد.
(٢٧١) المأزمان: بين عرفة والمزدلفة.
(٢٧٢) فيفا غزال: بمكة حيث ينزل الناس فيها إلى الأبطح. وأناديك: أجالسك، مأخوذ من الندى والنادي جميعًا وهما المجلس.
(٢٧٣) الصفوح: المعرضة.
(٢٧٤) بلت: ذهبت.
(٢٧٥) العتبى: الإعتاب، يقال: عاتبني فلان فأعتبته إذا نزعت عما عاتبك عليه، والعتبى الاسم والإعتاب المصدر.
(٢٧٦) المنادح: المفاوز.
(٢٧٧) الطليح: المعنى الذي سقط من الأعياء.
(٢٧٨) طلت: هدرت.
(٢٧٩) أزلت: اصطنعت.
(٢٨٠) يقال: بل من مرضه وأبل واستبل إذا برأ. والهيماء: التي أصابها داء الهيام، وهو داء يصيب الإبل من ماء تشربه مستنقعًا فتهم في الأرض لا ترعى.
(٢٨١) اعترافه: اصطباره، يقال: نزلت به مصيبة فوجد عروفًا، أي صبورًا.
(٢٨٢) أبلس: انكسر وحزن.
(٢٨٣) الذراح: دويبة حمراء منقطة بسواد تطير، وهي من السموم القاتلة، والذرارح جمعه. والخضخاض: نفط أسود لا خثورة فيه تهنأ به الإبل الجرب.
(٢٨٤) مدوفًا: مخلوطًا، داف الدواء والزعفران يدوفه: خلطه.
(٢٨٥) مغذ: مسرع.
(٢٨٦) أقوت الدار: خلت من ساكنها.
(٢٨٧) هو أبو السائب بن حكيم.
(٢٨٨) وجم: سكت على غيظ.
(٢٨٩) حرض: واد من وادي قناة، من المدينة على ميلين.
(٢٩٠) أراد ملل، وهو منزل على طريق المدينة من مكة.
(٢٩١) قفول: رجوع.
(٢٩٢) أوشكه: أسرعه. والقلى: البغض.
(٢٩٣) الراقصات: الإبل، والملا: الفضاء، والجديل: زمام مجدول أي مضفور.
(٢٩٤) الأصيل: العشي.
(٢٩٥) تواهقن: تبارين، وبطن نخلة: بستان بني عامر، وعزور: ثنية الجحفة. والخبت، المطمئن من الأرض. وطفيل: موضع.
(٢٩٦) النقيل: الطريق.
(٢٩٧) المذعان: المذللة. ومعيدة: قد عاودت السفر.
(٢٩٨) الشوامذ: الشائلات الأذناب، وأرتجن: أغلقن أرحامهن على أولادهن. والحول: جمع حائل وهي التي لا تلقح.
(٢٩٩) الألية: اليمين.
(٣٠٠) فروها من الفرية، يقال فرى يفري. والحوال: المحاولة.
(٣٠١) الحبول: الدواهي.
(٣٠٢) الدخيل: الذي ينسب إلى قوم وليس منهم.
(٣٠٣) أي ما رويت.
(٣٠٤) الأتراب: الأقران. والليط: اللون وهو الجلد أيضًا.
(٣٠٥) تأطرن: تلبثن، وأصل التأطر: التعطف.
(٣٠٦) اللأي: البطء. واللبانة: الحاجة.
(٣٠٧) المخارم: جمع مخرم وهو منقطع أنف الجبل. ونصع: جبل أسود بين الصفراء وينبع.
(٣٠٨) العوادي: الصوارف.
(٣٠٩) الكلي: جمع كلية وهي الرقعة تكون في أصل عروة المزاد. والغرب: الدلو العظيمة. وسجيل: ضخم.
(٣١٠) خرق: جمع خرقاء وهي التي لا تحسن العمل. وأبجلته: أوسعته. والبجيل الغليظ، يريد أنهن أغلظن الإشفى وأدققن السير.
(٣١١) النكاباء: الريح التي تهب بين مهبي ريحين، والجفول: التي تذهب التراب.
(٣١٢) طرور الشارب: نباته.
(٣١٣) القطين: الخدم.
(٣١٤) نبلت: أعددت.
(٣١٥) النشاص: السحاب المرتفع بعضه فوق بعض.
(٣١٦) أرزم: صوَّت.
(٣١٧) الهزق: شدة صوت الرعد.
(٣١٨) خريع: امرأة حسناء.
(٣١٩) كبل: قيد شديد.
(٣٢٠) القروم: الفحول التي أعفيت من الحمل عليها وتركت للفحلة.
(٣٢١) الأشوال: الإبل التي مضى على حملها أو وضعها سبعة أشهر فارتفع ضرعها وجف لبنها.
(٣٢٢) هو قيس بن الملوح، ويقال: ابن معاذ بن مزاحم من بني عامر بن صعصعة، ويعرف بمجنون ليلى، نسبة إلى ليلى التي كان يتعشقها وهو مشهور، ولكن بعض أهل النقد من علماء الشعر يرون أن قصته موضوعة، وضعها رجل من بني أمية كان يحب ابنة عم له ويكره أن يظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يظنها الناس للمجنون، وقد زاد الناس فيه بعدئذ. ويؤيد ذلك كثيرًا مما ينسب إليه من الأشعار رويت لغيره، فقصته إذا من قبيل الشعر التمثيلي (درام) الذي يراد به تمثيل بعض الفضائل. وهي تمثيل العشق مع التعفف، أو لعل لها أصلًا قليلًا وزاد فيه الرواة كما فعلوا بقصة عنترة التي تمثل الشجاعة والعشق، وعلى كل حال فإن بين الأشعار المنسوبة إلى المجنون طائفة تمثل شعائر المحبين كما هي على طبيعتها. وأخبار المجنون في الأغاني (ج١ ص١٦٧) والشعر والشعراء (ص٣٥٥) وخزانة الأدب (ج٢ ص١٧٠).
(٣٢٣) الصعلة: صغر الرأس.
(٣٢٤) هو أيوب ابن زيد بن قيس والقرِّية أمه قتله الحجاج لاتهامه بالميل لابن الأشعث.
(٣٢٥) يقال: اختلط عقله إذا تغير وفسد.
(٣٢٦) ذو السرح: واد بأرض نجد.
(٣٢٧) عقيرًا، أي معقورة، وأصل العقر: قطع القوائم ثم أطلق بمعنى النحر. قال ابن الأثير: كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى أي ينحرونها ويقولون: إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته. وإنما أطلق العقر على النحر لأنهم كانوا إذا أرادوا نحر البعير عقروه لئلا يشرد عند النحر. ا.ﻫ. من اللسان مادة عقر.
(٣٢٨) أنى: حان وقرب.
(٣٢٩) الامتراء: الاستدراء.
(٣٣٠) بينها هنا معناه وصلها لأنه من أسماء الأضداد، يطلق على الوصل والفراق.
(٣٣١) الذؤابة: شعر الناصية.
(٣٣٢) أي من أجل، يقال: فعلت ذلك من جراك أي من أجلك ومما أنشد على هذا:
أمن جرا بني أسد عضبتم
ولو شئتم لكان لكم جوار
(٣٣٣) أي ترامينا بالسهام، ونضلته: غلبته.
(٣٣٤) الرشق: رمي أهل النضال ما معهم من السهام في جهة واحدة.
(٣٣٥) البرم: الثقيل.
(٣٣٦) القتار: ريح اللحم المشوي.
(٣٣٧) تخلس: سلب.
(٣٣٨) هو المقصر الذي لا عذر له ولكنه يتكلف العذر، ومنه قوله تعالى: وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ.
(٣٣٩) الروائع: جمع رائعة، أي مرتاعة.
(٣٤٠) الأحناء: جمع حنو وهو كل شيء فيه اعوجاج كعظم الحجاج (العظم الذي ينبت عليه الحاجب) واللحي والضلع.
(٣٤١) الصدى: الجسد من الآدمي بعد موته، ويطلق على الرجل النحيف الجسد، كما أنه يطلق على الصوت الذي يسمعه المصوت عقب صياحه راجعًا إليه من نحو الجبل والبناء المرتفع.
(٣٤٢) الأطراب: جمع طرب وهو خفة تعتري الشخص من شدة الفرح أو الحزن.
(٣٤٣) صميمها: أصلها.
(٣٤٤) الحرجات: جمع حرجة وهي الغيضة، وسميت بذلك لضيقها، وقيل: الشجر الملتف، وهي أيضًا الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها الآكلة وهي ما رعي من المال.
(٣٤٥) ذو سلم: موضع بالحجاز.
(٣٤٦) يقال: نفس شعاع إذا انتشر رأيها فلم تتجه لأمر جزم.
(٣٤٧) الجميع: ضد المتفرق.
(٣٤٨) أشرفت: ظهرت وارتفعت.
(٣٤٩) الثنايا: جمع ثنية، وهي الطريقة في الجبل، وقيل: هي العقبة، وقيل: هي الطريق العالي فيه، يريد أن الوصول إلى ليلى صعب لا يستطيعه.
(٣٥٠) الموتون: المضروب على الوتين، وهو عرق معلق بنياط القلب.
(٣٥١) شجها: مزجها.
(٣٥٢) العاتق: البكر التي لم تبن عن أهلها، والظاهر أنها ليست مرادة هنا وأن كلمة «عاتق» محرفة عن «غابق» وهو الساقي في الغبوق أي العشي.
(٣٥٣) الملاوي: جمع ملوي وهو مصدر ميمي من لوى بمعنى خلف.
(٣٥٤) الخطار: مصدر من خاطر بمعنى راهن.
(٣٥٥) جميع: مجتمع.
(٣٥٦) الحقل: المزرعة ويطلق على الموضع البكر الذي لم يزرع فيه قط. وعنيزة: موضع بين البصرة ومكة. والرضم: موضع على ستة أميال من زبالة، وزبالة: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة.
(٣٥٧) رنقت: كدرت، والترنيق كما يطلق على التكدير يطلق على ضده الذي هو التصفية.
(٣٥٨) مليء بالهمز أي ثقة غني. قال صاحب اللسان: وقد أولع فيه الناس بترك الهمز وتشديد الياء.
(٣٥٩) عدم أي فقر ومثله العدم بضم العين وسكون الدال. قال صاحب اللسان: إذا ضممت أوله خففت فقلت: العدم وإذا فتحت أوله ثقلت فقلت: العدم.
(٣٦٠) يلويني: يمطلني، يقال: لواه دينه وبدينه: مطله.
(٣٦١) الضعف هكذا بالتحريك: لغة في الضعف بالفتح والسكون. ويستعمل في ضعف الرأي والعقل، وأنشد عليه ابن الأعرابي هذا البيت. ويستعمل في ضعف الجسم وأنشد عليه:
ومن يلق خيرًا يغمز الدهر عظمه
على ضعف من حاله وفتور
(٣٦٢) يواتيني: يساعدني.
(٣٦٣) الحمول في الأصل: الهوادج واحدها حمل ثم اتسع فيها وصارت تستعمل في الإبل التي عليها الهوادج. والدوافع: المندفعة في السير.
(٣٦٤) كذا في أغلب النسخ وتزيين الأسواق. وفي ب، س: «أسحم» والأسفع والأسحم معناهما واحد وهو الأسود. والنازع: المسرع. والمراد بالأسفع النازع «الغراب».
(٣٦٥) شحا فاه يشحوه ويشحاه: فتحه.
(٣٦٦) نعبًا: صياحًا وتصويتًا.
(٣٦٧) الحريب: من سلب حريبته وهي ماله الذي يقوم به أمره.
(٣٦٨) بين بمنعى تبين، ومنه المثل: «قد بين الصبح لذي عينين».
(٣٦٩) الهضبتان: مثنى هضبة وهي الرابية أو الجبل المنبسط على الأرض أو الجبل المخلوق من صخرة واحدة، والأجارع: جمع أجرع، والأجرع كالجرعاء: الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل أو الرملة السهلة المستوية أو القطعة من الرمل لا تنبت شيئًا (انظر اللسان في مادتي هضب وجرع).
(٣٧٠) الهوى بمعنى المهوي وهو المحبوب، ومنه قول الشاعر:
هواي مع الركب اليمانين مصعد
جنيب وجثماني بمكة موثق
(٣٧١) الجوبة: فضاء أملس سهل بين أرضين.
(٣٧٢) تخلس الشيء: انتهبه وأخذه خلسة.
(٣٧٣) الأوشال: جمع وشل وهو الماء القليل. والصبابة: بقية الماء تبقى في الإناء والسقاء.
(٣٧٤) هو من نقع بمعنى روى.
(٣٧٥) الملا: الصحراء.
(٣٧٦) أي قطعت.
(٣٧٧) هو واد قرب مكة.
(٣٧٨) معناه ما برحن. يقال: ما رام المكان أي ما برحه.
(٣٧٩) الهجائن: الإبل البيضاء الكريمة واحدها هجان. والجون: جمع جون بفتح الجيم وهو الأسود المشرب بحمرة، ويطلق على الأسود اليحمومي وعلى الأبيض فهو من أسماء الأضداد.
(٣٨٠) الخواضع: الإبل وإنما يقال لها خواضع لأنها تخضع أعناقها حين يجد بها السير، قال جرير: ولقد ذكرتك والمطي خواضع وكأنهن قطا فلاة مجهل.
(٣٨١) الحور: جمع حوارء وهي البيضاء أو من في عينها حور وهو شدة سواد المقلة في شدة بياضها.
(٣٨٢) السدول: جمع سديل وهو ما يجلل به الهودج من الثياب.
(٣٨٣) الأكارع: جمع أكرع والأكرع جمع كراع، أو الأكارع كما يقول سيبويه جمع كراع على غير قياس. والكراع من الإنسان: ما دون الركبة إلى الكعب، ومن الدابة قوامها مطلقًا.
(٣٨٤) المراد بالرادع هنا المردوع به الجسد أو الثوب وهو العبير والمسك. وأصل الردع اللطخ بالطيب والزعرفان، يقال: قميص رادع ومردوع أي فيه أثر الطيب والزعفران، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «لم ينه عن شيء من الأدوية إلا عن المزعفرة التي تردع الجلد» أي تنفض صبغها عليها.
(٣٨٥) المانع: الطويل.
(٣٨٦) مقصرات: جمع مقصرة أي داخلة في القصر وهو العشي، يقال: أتيته قصرًا أي عشيًَا، وأقصرنا أي دخلنا في قصر العشي، كما تقول أمسينا من المساء من أعصرت الجارية إذا بلغت عصر شبابها، أو من أعصرت أي دخلت في العصر (انظر لسان العرب مادة قصر).
(٣٨٧) تدعو: تصوت وتنوح.
(٣٨٨) ساق حر: أصله صوت القماري ويطلق على الذكر من القماري تسمية له باسم صوته وهو المراد هنا (انظر اللسان مادتي سوق وحر).
(٣٨٩) المرجحنة: المهتزة المتمايلة.
(٣٩٠) حائر: متردد.
(٣٩١) الغيل: اسم لعدة مواضع والظاهر أن المراد هنا واد لبني جعدة وهم قوم المجنون.
(٣٩٢) الأيكة الغيضة الملتفة بالأشجار ولم نجد في الكتب التي بأيدينا «أيكة» ولا «بطن أيكة» اسما لموضع خاص كما هو المناسب للسياق.
(٣٩٣) الجزع: منعطف الوادي، ولعله هنا اسم لموضع خاص وقد يكون جزع بني جماز وهو واد باليمامة.
(٣٩٤) الأشاءة: موضع باليمامة فيه نخيل، ولعل كلمة «تول» محرفة عن «تال» والتال: صغار النخل واحدته تالة.
(٣٩٥) هجروا: ساروا في وقت الهاجرة.
(٣٩٦) غال الشيء: ذهب به.
(٣٩٧) التوباد (بالدال المهملة) وهو الموافق لما في معجم ما استعجم للبكري إذ قال في ضبطه: هو بفتح أوله وباء معجمة بواحدة ودال مهملة وأنشد عليه:
وأجهشت للتوباد حين رأيته
… … … …
وضبطه ياقوت بالذال المعجمة فقال في معجمه: «توباذ» بالفتح ثم السكون والباء موحدة وآخره ذال معجمة: جبل بنجد.
(٣٩٨) أجهشت: تهيأت للبكاء.
(٣٩٩) يقال: هتنت السماء تهتن هتنًا وتهتانًا أي صبت.
(٤٠٠) يقال: سجمت السحابة مطرها تسجيمًا وتسجامًا إذا صبته.
(٤٠١) الهملان: فيض العين بالدموع.
(٤٠٢) الرحل: ما يوضع على البعير للركوب ثم يعبر به عن البعير.
(٤٠٣) المنيحة في الأصل: الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلًا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن، ثم كثر استعمالها في كل موهوب.
(٤٠٤) يقال أسحت ماله: استأصله وأفسده، ومال مسحوت ومسحت أي مذهب. وأسحتت تجارته: خبثت وحرمت، ولم نجد في كتب اللغة «تساحت» على وزن تفاعل من هذه المادة.
(٤٠٥) لم نجد في بلاد العرب ما يسمى جوشن إلا جبلًا في غربي حلب.
(٤٠٦) المخارم (بالراء المهملة): جمع مخرم وهو الطريق في الجبل أو الرمل.
(٤٠٧) هو قيس بن ذريح الكناني من ليث بن بكر، كان منزل قومه بظاهر المدينة. مر لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة فرأى لبنى بنت الحباب الكعبية، وكانت فتاة جميلة، فعلقها، فطلبها من أبيه فمنعه إياها لمكانه من الثروة، وكان يريد أن يزوجه من بنات عمومته حتى يحفظ تراثه في أهله، فطار لب قيس وتقسمت نفسه وذهب، فاستشفع بأخيه من الرضاع، الحسين بن علي، فوجد ما أحب وتزوجها ومكثا زمنًا ولم يعقبا، وشغل قيسًا حب لبنى عن مواساة أمه فاضطغنت على زوجه وسعت بها عند أبيه متخذة عدم الولد سلمًا ترقى به إلى شرها، فطلب إليه أبوه أن يطلقها فأبى، فما زال به بالوعد والوعيد حتى أجابه إلى طلبته، وكان في ذلك القضاء الأخير على ما لقيس من حظ وعقل في هذه الحياة ولم ينتفع بتزويجه غيرها، وطارت نفسه شعاعًا وذهب على وجهه يتنسم أخبار لبنى ويمرغ خده في آثارها، وبقي طول حياته يساقط من نفسه على شعره غير عابئ بشقاء بدنه وإهدار دمه حتى لفظ النفس الأخير. وأخبار قيس كثيرة في الأغاني (ج٨ ص١١٢) والشعر والشعراء (ص٣٩٩) وله ديوان مشروح، ومنه نسخة في مكتبة الإسكوريال وغيرها في برلين.
(٤٠٨) الرادع: النكس، وهو رجوع المرض.
(٤٠٩) الجداع: الموت.
(٤١٠) هو نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.
(٤١١) يتمعك: يتمرغ في التراب.
(٤١٢) الليان: اللي والمطل، قال أبو الهيثم: لم يجئ من المصادر على فعلان إلا ليان.
(٤١٣) ذحول: جمع ذحل وهو الثأر.
(٤١٤) الملا: موضع.
(٤١٥) وردت هذه القصيدة برمتها في كتاب الأمالي لأبي علي القالي (ج٢ ص٣١٤–٣١٨ طبعة دار الكتب المصرية).
(٤١٦) سرف وسراوع وأريك: مواضع، والتلاع واحدتها تلعة وهي مسيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي. والدوافع: جمع دافعة وهي التي تدفع الماء.
(٤١٧) أخياف ظبية: موضع. والمخوف: المنزل الذي يقام فيه في الخريف. والمرابع: جمع مربع وهو الموضع الذي يقام فيه في الربيع.
(٤١٨) حم: قدر.
(٤١٩) جزع الوادي: منعطفه. وعفا: درس. والخوادع واحدها خادعة وهي التي لا تنام، يقال: خدعت عينه تخدع إذا لم تنم، وأتيناهم بعد ما خدعت العين.
(٤٢٠) الصفا: الصخر. والصلد: الصلب الذي إذا أصابه شيء صلد أي صوت. والشوائع: جمع شائعة وهي الظاهرة.
(٤٢١) أي تفرقت الجماعة.
(٤٢٢) ارفض: سال ولا يكون إلا سيالًا مع تفرق.
(٤٢٣) مشت: مفرق.
(٤٢٤) شطت: بعدت.
(٤٢٥) المستشعر: الذي لبس الشعار وهو الثوب الذي يلي الجسد. والجوى: الهوى الباطن، والأسى: الحزن. ونكاس: جمع نكس بالضم. وروادع، جمع رادعة وهي التي تردعه عن الحركة والتصرف.
(٤٢٦) دجا: ألبس بظلمته كل شيء.
(٤٢٧) البساط: ما بسط من الفرش.
(٤٢٨) ترعني: تفزعني.
(٤٢٩) اعترف: ذل وانقاد.
(٤٣٠) تهدنه: تسكنه.
(٤٣١) وجبات: خفقات.
(٤٣٢) المأق من العين: الجانب الذي يلي الأنف.
(٤٣٣) الأشاجع: عروق ظاهر الكف.
(٤٣٤) الظؤار: جمع ظئر وهي التي عطفت على ولد غيرها، والسواجع: جمع ساجعة وهي التي تمد حنينها على جهة واحدة.
(٤٣٥) هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري، من الخزرج أهل يثرب، لكنه ساير معاوية، فكان معه في واقعة صفين، ولم يكن مع معاوية في تلك الواقعة من الأنصار سواه. وقد اجتذبه بسخائه ودهائه وكان يراعي جانبه، وكثيرًا ما سمع توسطه للأنصار عنده. وعاش النعمان المذكور إلى خلافة مروان بن الحكم، وكان يتولى حمص، فلما أفضت الخلافة إلى مروان دعا إلى ابن الزبير وخالف على مروان بعد قتل الضحاك، فلم يجبه أهل حمص إلى ذلك، فهرب منهم فتبعوه وأدركوه وقتلوه. وكان على مسايرته بني أمية شديد التعصب للأنصار، ولذلك عندما علم بقصيدة الأخطل في الطعن عليهم رد عليه. والنعمان بن بشير من العريقين في الشعر خلفًا عن سلف فإن جده وأباه وعمه وأولاده وأحفاده كلهم شعراء. وهو أول مولود ولد في الإسلام من الأنصار، وآخر من ولي الكوفة لمعاوية بن أبي سفيان. وله ديوان مطبوع في الهند. توفي سنة ٦٥ﻫ. وترى أخبار النعمان بن بشير في الأغاني (ج١٤ ص١١٩) وأمالي القالي (ج٣ ص٨) والعقد الفريد (ج٣ ص١١٢ طبع مصر سنة ١٣٠٥ﻫ) وفي سيرة ابن هشام وابن خلكان وابن الأثير وغيرها.
(٤٣٦) أثيرًا: مكرمًا.
(٤٣٧) الأراقم: حي من بني تغلب.
(٤٣٨) شماطيط: متفرقة.
(٤٣٩) الشكائم: جمع شكيمة وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤