الفصل العاشر

الحالة الأدبية في صدر عصر بني العباس

(١) توطئة

أسلفنا لك القول في الحالة الأدبية في عصر بني أمية التي كانت في الواقع، إلى جانب ما بيَّناه لك من اختلافها عن العصر الجاهلي، قريبة في جملتها من غضاضة البدو وخشونة المدر، فلم تتسع لها الأغراض ولم تنفرج لها الجوانب إلا بقدر ما تنطبق عليه جزيرة العرب وبادية الشام من الأفكار والأخيلة، وما تُوحي به غياض دمشق ونَبَرات معبدٍ من صفاء الفكر ووضوحه، وجلاء المعنى واقترابه، لا يبالي القومُ الإمعانَ في الآراء البعيدة والأفكار الدقيقة، وإنما كان همهم، كما يقول الرواة، أن تجود ألفاظهم، وتجلَّ تراكيبهم.

وفي الحقيقة أنهم قد اقتعدوا في ذلك من البلاغة ذروتها، وبلغوا من الجزالة غايتها، فكان الرجل منهم يضع لسانه حيث أراد ومتى شاء، وحسبك أن تنظر إلى ما جاء به زياد وعبد الملك والحجاج، وما أرسله جرير والأخطل والفرزدق؛ لتعرف أين كان القوم من البلاغة، وكيف تملكوا أعنتها في أيديهم، فلما جاءت دولة العباسيين وقامت أركانها على سواعد العجم، ودلف إليها السُّريان واليهود والفرس، وضمتهم الدولة إلى أحضانها، وأفرجت لهم بين ذراعيها، وأنزلتهم في كثير من أمور الدولة وشئونها، وأجرت عليهم من الأرزاق والخيرات، وتقدموا لها بتراث آبائهم وعصارة قرائح علمائهم، وحولوا ميراثهم إلى ميراثها؛ أفادت لغة العرب، وامتزجت المدنية الساميَّة بالآرية، واتسعت دائرة المعارف، وتشعبت أغراض اللغة، وشمَّر كلُّ ذي فضل في تدوين العلوم واستنباط أحكامها، ووضع الفنون واصطلاحاتها، وترتيب الدواوين ومراسيمها، وترجموا كتب الحكمة والمنطق، وازدهرت الآداب ازدهار الفتاء والقوة، فانتظمت رخاء الدنيا وسعادة الإنسان، وازَّينتْ بالحجج الحكمية والبراهين العقلية، وتولَّى كِبرُ ذلك بشار وابن المقفع وأبو نواس وأضرابهم، وأدخلوا إليها الجديد عن طريق المجاز والقياس والاشتقاق، ولم يتحرَّجوا من استعمال الألفاظ الأعجمية في أسماء الألوان والآنية والفرش، وتأنَّقوا في صوغ العبارات وإحكامها، حتى مال بعضهم إلى السجع والازدواج، ومن أمثلة ذلك ما كتبه أبو شراعة إلى سعيد بن مسلمٍ إذ يقول: «أَستَنسِئُ الله أجلَك، وأستعيذه من الآفات لك، وأستعينه على شكر ما وهب من النعمة فيك؛ إنه لذلك وليٌّ، وبه مليٌّ. أتاني غلامك المليح قده، السعيد بملكك جدُّه، بكتاب قرأته، غير مستكره اللفظ ولا مُزوَّرٍ عن القصد، ينطق بحكمتك، ويُبينُ عن فضلك.»

وجملة القول أن اللغة قد تجدَّد إهابُها، وانفرجت شعابُها، ونوِّعت أساليبُها بما دخل عليها من نعيم الدولة وترف الحضارة، وما احتوته من العلوم والفنون، حتى كانت سيدة لغات العالم جميعًا.

(٢) الخطابة والخطباء

كانت الداعية إلى الخطابة في العصر العباسي قوية متوافرة بليغة، كانت قوية لأن طبيعة الانقلابات السياسية الخطيرة، والدعوات المذهبية الحادة، والثورات الاجتماعية العنيفة من شأنها خلق مجالات التكلم، وتقوية الملكات الخطابية وتنميتها وزيادة ثروتها، والعمل على صقلها وبلاغتها، وكانت متوافرة لتعدد موضوعاتها وتشعب مناحيها، ولانكباب الدعاة والنفعيين عليها لانتهاز أمثال تلك المواقف، وكانت بليغة لقرب العصر العباسي من عصر البلاغة الإسلامية الأموية من ناحية الحرارة والتشيع إلى بني العباس، وقوة المحاجَّة في إنكار ما انتهكه الأُمويون من حُرمات الدين، ولتعدُّد أسباب التفاضل بين آل العباس والعلويين.

وإن نظرة تحليلية إلى خطبة المنصور التي خطبها حينما أخذ عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته، تعزز قولنا وتؤيد حكمنا، قال: يا أهل خراسان، أنتم شيعتنا وأنصارنا وأهل دولتنا، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا من هو خير منا، وإن أهل بيتي هؤلاء من ولد علي بن أبي طالب تركناهم، والله الذي لا إله إلا هو، والخلافةَ فلم نعرِض لهم فيما بقليل لا وبكثير، فقام فيها علي بن أبي طالب فتلطَّخ وحكم عليه الحكمانِ، فافترقت عنه الأمة، واختلفت عليه الكلمة، ثم وثبت عليه شيعته وأنصاره وأصحابه وبطانته وثقاته فقتلوه، ثم قام من بعده الحسن بن علي، فوالله ما كان فيها برجل! قد عُرِضتْ عليه الأموال فقبلها، فدسَّ إليه معاوية: إني أجعلك ولي عهدي من بعدي، فخدَعه فانسلخ له مما كان فيه وسلَّمه إليه، فأقبل على النساء يتزوَّج في كل يوم واحدة فيطلقها غدًا، فلم يزل على ذلك حتى مات على فراشه، ثم قام من بعده الحسين بن علي فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة، أهل الشقاق والنفاق والإغراق في الفتن، أهل هذه المدرة السوداء — وأشار إلى الكوفة — فوالله ما هي بحرب فأُحاربها، ولا سلم فأُسالمها، فرَّق الله بيني وبينها، فخذلوه وأسلموه حتى قتل، ثم قام من بعده زيد بن علي فخدعه أهل الكوفة وغرُّوه، فلما أخرجوه وأظهروه أسلموه، وكان قد أتى محمد بن علي فناشده في الخروج، وسأله ألا يقبل أقاويل أهل الكوفة وقال له: إنا نجد في بعض علمنا أن بعض أهل بيتنا يصلب بالكوفة، وأنا أخاف أن تكون ذلك المصلوب، وناشده عمي داود بن علي وحذره غدر أهل الكوفة، فلم يقبل وتمَّ على خروجه؛ فقُتل وصُلب بالكُناسة،١ ثم وثَب علينا بنو أمية فأماتوا شرفنا وأذلوا عزنا، والله ما كانت لهم عندنا ترةٌ يطلبونها، وما كان ذلك كله إلا فيهم، وبسبب خروجهم عليهم، فنفونا من البلاد، فصرنا مرة بالطائف، ومرة بالشام، ومرة بالشراة حتى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارًا، فأحيا شرفنا وعزَّنا بكم أهل خراسان، ودمغ بحقكم أهلَ الباطل، وأظهر حقنا، وأصار إلينا ميراثنا عن نبينا ، فقرَّ الحق مقره، وأظهر مناره، وأعزَّ أنصاره، وقُطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين، فلما استقرت الأمورَ فينا على قرارها من فضل الله فيها، وحكمه العادل لنا؛ وثبوا علينا ظلمًا وحسدًا منهم لنا، وبغيًا لما فضلنا الله به عليهم وأكرمنا به من خلافته وميراث نبيه .
جهلًا عليًّ وجُبنًا عن عدوِّهم
لبئست الخَلَّتان الجهل والجبن

فإني، والله يا أهل خراسان، ما أتيتُ من هذا الأمر ما أتيتُ بجهالة؛ بلغني عنهم بعض السقم والتعرُّم، وقد دسست لهم رجلًا فقلتُ: قُم يا فلان، قم يا فلان، فخذ معك من المال كذا، وحذوتُ لهم مثالًا يعملون عليه، فخرجوا حتى أتوهم بالمدينة فدسُّوا إليهم تلك الأموال، فوالله ما بقي منهم شيخ ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا بايعهم بيعة استحللتُ بها دماءهم وأموالهم، وحلَّت لي عند ذلك بنقضهم بيعتي، وطلبهم الفتنة، والتماسهم الخروج عليَّ، فلا يرون أني أتيتُ ذلك على غير يقين. ثم نزل وهو يتلو على درج المنبر هذه الآية: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا في شَكٍّ مُّرِيبٍ.

ولقد يُلاحظ على الخطابة العباسية اتِّسامُها بطابع النعرة الدينية لمباهاتهم بصلتهم من النبي، كما يُلاحظ عليها اللغة «الأتوقراطية» التي لا تختلف في شيء عن لغة باباوات رومة في العصور الوسطى، ولغة الملوك الذين يدينون بنظرية «حقوق الملك المقدسة»، وأنهم ورثة الله في أرضه ومُمثِّلوه بين خلقه.

خطبة للمنصور الخليفة العباسي

خطب في مكة فقال:

أيها الناس، إنما أنا سطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته، وأُعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قُفلًا إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليها أقفلني، فارغبوا إلى الله وسلُوه في هذا اليوم الشريف الذي وهَب لكم من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا أن يوفقني للرشاد والصواب، وأن يلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

خطبة للخليفة المهدي

الحمد لله الذي ارتضى الحمد لنفسه، ورضِيَ به من خلقه، أحمده على آلائه، وأُمجِّدُه لبلائه، وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه توكلَ راضٍ بقضائه وصابرٍ لبلائه. أوصيكم، عباد الله، بتقوى الله؛ فإن الاقتصار عليها سلامة، والترك لها ندامة، وأحثكم على إجلال عظمته، وتوقير كبريائه وقدرته، والانتهاء إلى ما يقرب من رحمته، وينجي من سخطه، ويُنال به ما لديه من كريم الثواب، وجزيل المآب. فاجتنبوا ما خوفكم الله من شديد العقاب، وأليم العذاب، ووعيد الحساب، يوم تُوقفون بين يدي الجبار، وتُعرضُون فيه على النار، يوم لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وبنيه؛ لكل امرئٍ يومئذٍ شأن يغنيه، يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ منهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ منهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ، يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ؛ فإن الدنيا دار غرور وبلاء وشرور واضمحلال، وزوال وتقلب وانتقال، قد أفنت من كان قبلكم، وهي عائدة عليكم وعلى من بعدكم، مَن ركَن إليها صرعته، ومن وثق بها خانته، ومن أمَّلها كذَّبته، ومن رجاها خذلته، عزُّها ذلٌّ، وغناها فقر، والسعيد من تركها، والشقي من آثرها، والمغبون فيها من باع حظه من دار آخرته بها. فالله الله عبادَ الله، والتوبة مقبولة، والرحمة مبسوطة، وبادروا بالأعمال الزكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يُؤخذ بالكَظَم، وتندموا فلا تنالون الندم يومَ حسرة وتأسف وكآبة وتلهُّف. يوم ليس كالأيام، وموقف ضنك المقام.

خطبة لهارون الرشيد

الحمد لله الذي نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقًّا، ونتوكل عليه مُفوِّضين إليه. أوصيكم عباد الله بتقوى الله؛ فإن في التقوى تكفير السيئات، وتضعيف الحسنات، وفوزًا بالجنة ونجاة من النار، وأُحذِّركم يومًا تشخص فيه الأبصار، وتبلى فيه الأسرار، يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاقي ويوم التنادي، يوم لا يُستعتب من سيئة ولا يُزداد في حسنة، يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ. حصِّنوا إيمانكم بالأمانة، ودينكم بالورع، وصلاتكم بالزكاة، وإياكم والأمانيَّ؛ فقد غرَّت وأرْدَت وأوبقت كثيرًا حتى أكذبتهم مناياهم، فتناوشوا التوبة من مكان بعيد، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، فرَغِب ربكم عن الأمثال والوعد، وقدَّم إليكم الوعيد، وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالي جيلًا فجيلًا، وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم، ومن بين أظهركم، لا تدفعون عنهم ولا تحولون دونهم، فزالت عنهم الدنيا، وانقطعت بهم الأسباب، فأسلَمتهم إلى أعمالهم عند الموقف والحساب: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.

وإن نظرة عَجلَى إلى النُّخب الصغيرة التي اخترناها لك عن المنصور والمهدي والرشيد تعطيك فكرة صحيحة؛ بأنا لم نعدُ لباب الصواب فيما ذهبنا إليه من «أتوقراطيتها» و«بابويتها» في طبيعة منحاها، وطلاوتها وبلاغتها في مبناها.

•••

على أن الخطابة العباسية لم تستمر على القوة التي كانت عليها في صدر تلك الدولة حينما استقرت ورسخَت، إذ فترت عند ذلك الدواعي، وهدأت الدوافع، وأخذت حالتها في الاضمحلال لاشتداد اختلاط العرب بالأعجام، ولأن الشخصيات البارزة في الدولة كانت، في الغالب، من الفرس وغيرهم من الموالي الذين لم تنجرد ألسنتهم بالخطابة لما يصيبها أحيانًا من لكنة العي، وحصر العجمة وإن سمَت معلوماتهم، وارتقت في البلاغة أساليبهم.

وربما كان من المعقول أن نقول: إن الخطابة في العصر العباسي كانت بوجه عام أقل منها في العصر الأموي من ناحية البلاغة والأسلوب، مع وجود بعض خطباء مصاقع لا يقلون عن إخوانهم الأمويين بلاغة واقتدارًا، بيد أنها كانت متعددة الأبواب؛ لتشعب ما بيَّناه لك من الوجوه والمناحي.

(٣) الكتابة

جرت الكتابة في العهد الأول من عصر العباسيين على ما كانت عليه عند بني أمية من جودة اللفظ، ومتانة الأسلوب، وجلاء المعنى، ووضوح القصد وبساطته، فلم يكن القوم ليمعنوا في التصوُّر والتفكير، أو ينظروا إلى السماء فيستوحوها، أو إلى الطبيعة فيستنطقوها، أو يستشفُّوا ما وراء العالم، فإن الأفكار كانت لا تزال سهلة يرمون فيها عن حاضر البديهة وعفو الخاطر، فلم يشاركوا الحكماء في تفكيرهم، ولا المناطقة في حججهم، إذا استثنينا نفرًا قليلًا أمثال ابن المقفع، وإنما كانوا يدورون حول ما ترك آباؤهم من بيت بديع، أو مثل سائر، أو حكمة رائعة، أو فكرة سامية، أو معنًى يصل إلى القلب بلا استئذان، وأوغلُوا في ذلك حتى صاروا فصحاء الناس وأمراء البيان، فكان الأديب منهم يرسل الرسالة أمام مقصده، فتعمل في النفوس ما لا تعمله الأَسنَّة والرماح، وناهيك بما كانت تفعله تلك الرسائل في نفوس القوم.

فلما حَفَلَتْ بغداد، وأقبلت الدنيا، واتَّسع السلطان وامتدت أطرافه، وضمت الدولة إلى أحضانها أبناء الفرس والسُّريان، وكانوا يحملون تراث آبائهم وطُرف علمائهم، وأوسع الخلائف رحابَهم لكل ذي فضل من رجال الدولة، وعرفوا للعلم مَقامه فرفعوه، وللأدب صولته فأكرموه، وقربوا العلماء والأدباء، وعقدوا مجالس للمناظرة والمنادمة، كما سنبين لك، وأكبَّ الناس على العلم والتأليف والترجمة، وتكشَّف كل ذلك عن علوم وفنون لا عهد للعربية بها، فنقلوا إليها الطب والسياسة والحكمة والفلك والمنطق والتنجيم، وألَّف المسلمون في الفقه والنحو والحديث والتفسير، كان لكل ذلك أثره في أخيلة الكُتَّاب، وأَسَلات الأقلام، ووحي القرائح، فتعددت الأغراض، ونُوِّعت الأساليب، ومال الكتاب إلى السهولة في العبارة، والتأنق في اللفظ، والجودة في الرصف، وأطالوا في المقدمات، ونوعوا البدء والختام والألقاب والدعاء، ومالوا إلى الغلو والمبالغة، وهاك مثلًا ما كتب ابن سيابة إلى يحيى بن خالد من رسالة يقول فيها: «للأصيد الجواد، الواري الزناد، الماجد الأجداد، الوزير الفاضل، الأشم البازل، اللباب الحُلاحل، من المُستكين المستجير، البائس الضرير، فإني أحمد الله ذا العزة القدير، إليك وإلى الصغير والكبير، بالرحمة العامة، والبركة التامة. أما بعد، فاغنم واسلم واعلم، إن كنت تعلم، أن من يَرحم يُرحم، ومن يَحرم يُحرم، ومن يُحسن يَغنم، ومن يصنع المعروف لا يعدَم، قد سبق إليَّ تغضبُّك عليَّ، واطِّراحك لي، وغفلتُك عني بما لا أقوم له ولا أقعد، ولا أنتبه ولا أرقد، فلست بحيٍّ صحيح ولا بميت مستريح؛ فررتُ بعدَ الله منك إليك، وتحمَّلت بك عليك …»

أما الإطناب في الكتابة، فكان صفة غالبة في كل ما شمل بيعة أو عهدًا أو احتجاجًا أو انتصارًا، أو تقريرًا لمذهب أو استهواء، أو دفعًا لشبهة، أو طلبًا لنعمة، أو ما يقوم نضالًا، أو ما يدعو نزالًا. وستجد طرفًا من رسائل القوم في ذلك العصر الزاهي الزاهر في باب المنثور بالكتاب الثاني من المجلد الثاني.

وقد بالغوا في تمداح ممدوحهم وذم مذمومهم، وحسبك من ذلك أن ترى ما دار بين المنصور العباسي والنفس الزكية؛ فقد جاء مما كتبه الأول قوله: «أما بعد، فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جُلُّ فخرك بالنساء؛ لتُضلَّ به الجفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء، وقد جعل العمَّ أبًا، وبدأ به على الوالد الأدنى، فقال جل ثناؤه عن نبيه عليه السلام: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، ولقد علمتَ أن الله تبارك وتعالى بعث محمدًا وعمومته أربعة، فأجابه اثنان أحدهما أبي، وكفر به اثنان أحدهما أبوك. فأمَّا ما ذكرت من النساء وقراباتهن، فلو أُعطين على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب، ولكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه …»

غير أن ذلك لم يكن ليمنع أن الميل إلى الإيجاز له في نفوس القوم مقامه، وفي قلوب البلغاء عزُّه وسلطانه، لا سيما ما كان من قبيل التوقيع من أمير أو وزير أو ذي جاه وسلطان، فقد رُفع إلى المنصور شكاةٌ من أهل الكوفة لاعوجاج في عاملهم، فوقَّع عليها: «كيفما تكونوا يولَّ عليكم»، وكتب جعفر إلى عامل شُكي له منه: «قد كثر شاكوك وقلَّ شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت.»

وقد أجمع الرواة أن الحال قد بقيت على ذلك من المتانة وحسن الإشارة، ولطف المدخل، وفراهة المعنى، وحسن الابتداع، حتى خلف من بعدهم خلفٌ ضعفت فيهم ملكة اللغة، وأعوزهم البيان، فمالوا إلى الألفاظ وصناعتها، والأسجاع «وزخرفتها»، وبقيت الكتابة تتقلب في أكفهم وتدور حول نفسها حتى مال رأسها مع رأس العباسيين في القرن السابع الهجري.

(٤) مجالس الخلفاء والمناظرة

للخلفاء العباسيين — بحكم طبيعة دعوتهم السياسية واستفحال أمر المدنية في أيامهم — مجالسُ حافلةٌ بالأدباء والشعراء والمُغنين والمُنادمين قد أُترعت بذكرها كتب الآداب، واستوعَبَ الشيء الكثير منها أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه.

وكانوا يُجلُّون العلماء كما بيَّنا لك في موقف الرشيد مع أبي معاوية الضرير، ويعتنون بالشعر واللغة، ويحرصون على تعليم أولادهم بوساطة نخبة من رجالات عصرهم، فالمنصور ضم الشرقي بن القطامي إلى ابنه المهدي، وأوصاه أن يعلمه أخبار العرب ومكارم الأخلاق وقراءة الأشعار، والرشيد عهد بتعليم ابنه الأمين إلى الأحمر النحوي ثم الكسائي، وعهد بتأديب المأمون إلى اليزيدي وسيبويه وغيرهما، وللرشيد وصية يقال إنه أوصى بها الأحمرَ حينما عهِد إليه بتأديب الأمين، ونحن نثبتها هنا لتقف منها على نوع التربية التي كان يتطلبها خلفاء ذلك العصر لأبنائهم، ولأنها تدل في الوقت نفسه على مبلغ التحول الذي وصلت إليه المدنية العربية في العصر العباسي، وكيف استفادت من نظم اليونان والفرس وغيرهم ممن وقف العرب على آرائهم ومؤلفاتهم.

أما الوصية فهي:

يا أحمر، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعلِّمه السنن، وبصِّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تَمُرَّنَّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها، من غير أن تُحزنه فتُميت ذهنه، ولا تُمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما؛ فعليك بالشدة والغلظة.

وكانوا يعنون بالمسائل اللغوية واللفظية عناية عظيمة، كما كانوا يعنون أيَّما عناية بحفظ الأشعار وروايتها، ويعتبرون عدم حفظها مصيبة وكارثة، فقد روى الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: لما مات جعفر المنصور بن الأكبر، مشى المنصور في جنازته من المدينة إلى مقابر قريش ومشى الناس أجمعون معه حتى دفنه، ثم انصرف إلى قصره، ثم أقبل على الربيع فقال: يا ربيع، انظر مَن في أهلى ينشدني:

أمن المنون وريبها تتوجَّع

حتى أتسلَّى بها عن مصيبتي، قال الربيع: فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور، فسألتهم عنها، فلم يكن فيهم أحد يحفظها، فرجعت فأخبرته فقال: والله لمصيبتي بأهل بيتي ألا يكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلة رغبتهم في الأدب، أعظمُ وأشدُّ عليَّ من مصيبتي بابني، ثم قال: انظر هل في القواد والعوام من الجند من يعرفها، فإني أحبُّ أن أسمعها من إنسان ينشدها. فخرجتُ فاعترضتُ الناس فلم أجد أحدًا ينشدها إلا شيخًا كبيرًا مُؤدبًا قد انصرف من موضع تأديبه، فسألته: هل تحفظ شيئًا من الشعر؟ فقال: نعم، شعر أبي ذؤيب، فقلت: أنشدني. فابتدأ هذه القصيدة العينية، فقلت له: أنت بغيتي، ثم أوصلته إلى المنصور، فاستنشده إياها، ثم أجازه بمائة درهم.

•••

أما التحول العظيم الذي حصل في أبهاء «صالونات» الخلفاء الخاصة بالمنادمة، فالحديث عنه يطول، وحسبك في ذلك ما يدلي به إسحاق بن إبراهيم، أحد المعاصرين العباسيين، فإنه يحدثك بما ينقع الغُلَّة؛ إذ قد سئل عن أحوال الأمويين في الشراب واللهو فتكلم بإيجاز عن حالتهم، وسئل عن العباسيين فوصف وأجاد، وصور وأفاد، قال:

أما معاوية ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان وهشام ومروان بن محمد، فكان بينهم وبين الندماء ستار، وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة إذا طرب للمَغْنَى والتذَّه، حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه ويرقص ويتجرد حيث لا يراه إلا خواصُّ جواريه، إلا أنه كان إذا ارتفع من خلف الستار صوت أو نعيرُ طربٍ أو رقصٌ أو حركة بزفير تُجاوز المقدار، قال صاحب الستار: حسبُك يا جارية كُفِّي! انتهي! أَقصِري! يُوهم الندماء أن الفاعل لذلك بعض الجواري، فأما الباقون من خلفاء بني أمية فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا ويتجردوا ويحضروا عُراة بحضرة الخُلعاء والمُغنِّين، ومع ذلك لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء والتجرُّد ما يُباليان ما صنَعا.

قلت: فعمر بن عبد العزيز؟ قال: ما طنَّ في سمعه حرف غناء منذ أفضت الخلافة إليه إلى أن فارق الدنيا، فأما قبلها، وهو أمير المدينة، فكان يسمع الغناء ولا يَظهَر منه إلا الأمر الجميل، وكان ربما صفَّق بيديه، وربما تمرَّغ على فراشه وضرب برجليه وطرِب، فأما أن يخرج عن مقدار السرور إلى السخف فلا.

قلت: فخلفاؤنا (خلفاء بني العباس)؟ قال: كان أبو العباس في أول أيامه يظهر للندماء ثم احتجب عنهم بعد سنة — أشار بذلك عليه أسيد بن عبد الله الخزاعي — وكان يطرب ويبتهج ويصيح من وراء الستار: «أحسنت والله! أعِدْ هذا الصوت»، فيُعاد له مرارًا، فيقول في كلها: «أحسنتَ»، وكانت فيه فضيلة لا تجدها في أحد؛ كان لا يحضره نديم ولا مغنٍّ ولا مُلهٍ فينصرف إلا بصلة أو كُسوة قلَّت أو كثرت، وكان لا يؤخر إحسان محسن لغدٍ، ويقول: «العجب ممن يفرح إنسانًا فيتعجَّل السرور، ويجعل ثواب من سره تسويفًا وعِدَة.» فكان في كل يوم وليلة يقعد فيه لشغله لا ينصرف أحد ممن حضره إلا مسرورًا، ولم يكن هذا لعربيٍّ ولا عجميٍّ قبلَه، غير أنه يحكى عن بَهَرامَ جُور ما يُقارب هذا.

فأما أبو جعفر المنصور فلم يكن يظهر لنديم قط، ولا رآه أحد يشرب غير الماء، وكان بينه وبين الستار عشرون ذراعًا، وبين الستار والندماء مثلها، فإذا غناه المغني فأطربه حرَّكت الستار بعض الجواري، فاطَّلع إليه الخادم صاحب الستار فيقول: قل له: «أحسنت! بارك الله فيك»، وربما أراد أن يُصفِّق بيديه، فيقوم عن مجلسه ويدخل بعض حجر نسائه فيكون ذاك هناك، وكان لا يثيب أحدًا من ندمائه وغيرهم درهمًا فيكون له رَسْمًا في ديوان، ولم يُقطِع أحدًا ممن كان يضاف إلى مُلهيةٍ أو ضحكٍ أو هزلِ موضعَ قدمٍ من الأرض، وكان يحفظ كل ما أعطى واحدًا منهم عشر سنين ويحسبه ويذكره له.

وكان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء مُتشبِّهًا بالمنصور نحوًا من سنة، ثم ظهر لهم، فأشار عليهم أبو عون بأن يحتجب عنهم، فقال: «إليك عني يا جاهل! إنما اللذة في مشاهدة السرور، وفي الدنوِّ ممَّن سرَّني، فأما من وراء وراء فما خيرُها ولذَّتها؟ ولو لم يكن في الظهور للندماء والإخوان إلا أني أُعطيهم من السرور بمشاهدتي مثل الذي يعطونني من فوائدهم لجعلت لهم في ذلك حظًّا مُوفَّرًا.» وكان كثير العطايا يواترها، قل مَن حضَره إلا أغناه، وكان لين العريكة، سهل الشريعة، لذيذ المنادمة، قصير المناومة، لا يمل نديمًا ولا يتركه إلا عن ضرورة، قطيع الخنا، صبورًا على الجلوس، ضاحك السن، قليل الأذى والبذاء.

وكان الهادي شكس الأخلاق، صعب المرام، قليل الإغضاء، سيئ الظن، قل من توقَّاه وعرف أخلاقه إلا أغناه، وما كان شيء أبغض إليه من ابتدائه بسؤال، وكان يأمر للمغني بالمال الخطير الجزيل فيقول: «لا يعطيني بعدها شيئًا.» فيعطيه بعد أيام مثل تلك العطية.

ويقال: إنه قال يومًا وعنده ابن جامع وإبراهيم الموصلي ومعاذ بن الطبيب، وكان أول يوم دخل عليه معاذ، وكان حاذقًا بالأغاني عارفًا بها: مَن أطربني اليوم منكم فله حُكمُه! فغناه ابن جامع غناء لم يحركه، وكان إبراهيم قد فهِم غرضه فغناه:

سليمى أجمَعَت بَيْنًا
فأين تقولُها أيْنَا؟

فطرب حتى قام عن مجلسه ورفع صوته وقال: «أعِدْ بالله وبحياتي!» فأعاد فقال: «أنت صاحبي فاحتكِمْ»، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، حائط عبد الملك بن مروان وعينه الخرَّارة بالمدينة، قال: فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان، ثم قال: «يا ابن اللخناء! أردت أن تَسمعَ العامةُ أنك أطربتني، وأني حكَّمتُك فأقطعتُك، أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك وفكرك لضربتُ الذي فيه عيناك»، ثم سكت هنيهة، قال إبراهيم: فرأيتُ ملك الموت قائمًا بيني وبينه ينتظر أمره، ثم دعا إبراهيم الحراني فقال: «خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال؛ فليأخذ منه ما شاء»، فأخذ الحراني بيدي حتى دخل بي بيت المال، فقال: كم تأخذ؟ فقلت: مائة بدرة، فقال: دعني أؤامره، قلت: فآخذ تسعين، قال: حتى أؤامره، قلت: فثمانين، قال: لا؛ فأبى إلا أن يؤامره، فعرفت غرضه فقلت له: آخذ سبعين لي، ولك ثلاثون، قال: شأنك، قال: فانصرفتُ بسبعين ألفًا، وانصرف ملك الموت عن الدار.

قال: وكان الرشيد في أخلاق أبي جعفر المنصور يتمثلها كلها إلا في العطايا والصلات والخلع، فإنه كان يقفو فعل أبي العباس والمهدي، ومَن خبَّرك أنه رآه قط وهو يشرب إلا الماء فكذبه، وكان لا يحضر شربه إلا خاص جواريه، وربما طرب للغناء فتحرك حركة بين الحركتين في القلة والكثرة.

وهو من بين خلفاء بني العباس من جعل للمغنين مراتب وطبقات، على نحو ما وضعهم أردشير بن بابك وأنوشِرْوان، فكان إبراهيم الموصلي وإسماعيل أبو القاسم بن جامع وزلزل منصور الضارب في الطبقة الأولى، وكان زلزل يضرب، ويُغنِّي هذان عليه.

والطبقة الثانية: سليم بن سلَّام «أبو عبيد الله الكوفي» وعمرو الغزال ومن أشبههما.

والطبقة الثالثة: أصحاب المعازف والصنج والطنابير، وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزهم وصلاتهم، وكان إذا وصل واحدًا من الطبقة الأولى بالمال الكثير الخطير جعل لصاحبيه اللذين معه في الطبقة نصيبًا منه، وجعل للطبقتين اللتين تليانه منه أيضًا نصيبًا، وإذا وُصِل أحد من الطبقتين الأخريين بصلة لم يقبل واحد من الطبقة العليا منه درهمًا، ولا يجترئ أن يعرض ذلك عليه.

قال: فسأل الرشيد يومًا برصومًا الزامر، فقال له: يا إسحاق، ما تقول في ابن جامع؟ فحرك رأسه وقال: خمرُ قُطْرَبُّلَ٢ يَعقِل الرِّجل ويُذهب العَقْل، قال: فما تقول في إبراهيم الموصلي؟ قال: بستان فيه خوخ وكمثرى وتفاح وشوك وخرنوب، قال: فما تقول في سُليم بن سلام؟ فقال: ما أحسن خضابه! قال: فما تقول في عمرو الغزَّال؟ قال: ما أحسن بنانه! قال: وكان منصور زلزل من أحسن وأحذق من برأ الله بالجس، فكان إذا جسَّ العود فلو سمعه الأحنفُ ومن تحالَم في دهره كله لم يملكْ أن يطرَبَ.
قال إبراهيم: فغنيت يومًا على ضربه فخطَّأني، فقلت لصاحب الستار: هو والله أخطأ، قال: فرفَع الستار ثم قال: يقول لك أمير المؤمنين: أنت والله أخطأت! فحمي زلزلٌ وقال: يا إبراهيم، تخطئني! فوالله ما فتح أحد من المُغنِّين فاه بغير لفظ إلا عرفت غرضه، فكيف أُخطَّأ وهذه حالي؟! فأدَّاها صاحب الستار، فقال الرشيد: قل له: صدقت، أنت كما وصفت نفسك، وكذب إبراهيمُ وأخطَأَ، قال إبراهيم: فغمَّني ذلك، فقلتُ لصاحب الستار: أبلغ أمير المؤمنين سيدي ومولاي، أن بفارس رجلًا، يقال له سنيد، لم يخلق الله أضرب منه بعود، ولا أحسن مجسًّا، وإنْ بعث إليه أمير المؤمنين فحمله عرَف فضلَه، وتغنَّيت على ضربه، فإن زَلْزلاً٣ يكايدني مكايدة القُصَّاص والقرَّادين، قال: فوجه الرشيد إلى الفارسي فحُمل على البريد، فأقلق ذلك زلزلًا وغمَّه، فلما قدِم الفارسي؛ أحضرنا وأخذنا مجالسنا وجاءوا بالعيدان قد سُوِّيت — وكذلك كان يفعل في مجلس الخلافة ليس يُدفَع إلى أحد عوده فيحتاج إلى أن يُحرِّكه؛ لأنها قد سُوِّيت وعُلِّقت مثالثُها مشاكِلة للزِّيَرة على الدقَّة والغلظ — قال: فلما وُضِع عودُ الفارسي في يديه نظر إليه منصور زلزل فأسفر وجهه وأشرق لونه، فضرَب وتغنَّى عليه إبراهيم، ثم قال صاحب الستار لزلزل: يا منصور، اضرِبْ! قال: فلما جسَّ العود ما تمالك الفارسي أن وثب من مجلسه بغير إذنٍ حتى قبَّل رأس زلزل وأطرافه، وقال: مِثلُك، جعلتُ فداك، لا يُمتهن ويُستعمل، مِثلُك يُعبدُ، فعجب الرشيد من قوله، وعرف فضيلة زلزل على الفارسي، فأمر له بصلةٍ وردَّه إلى بلده.

وكان منصور زلزل من أسخى الناس وأكرمهم؛ نزل بين ظهراني قوم وقد كان يحل لهم أخذ الزكاة، فما مات حتى وجبت عليهم الزكاة.

وكان إسحاق برصومًا في الطبقة الثانية، قال: فطرب الرشيد يومًا لزَمْره، فقال له صاحب الستار: يا إسحاق، ازمُر على غناء ابن جامع، قال: لا أفعل، قال: يقول لك أمير المؤمنين ولا تفعل! قال: إن كنت أزمُرُ على الطبقة العليا رُفعتُ إليها، فأما أن أكون في الطبقة الثانية وأزمر على الأولى فلا أفعل، فقال الرشيد لصاحب الستار: ارفعه إلى الطبقة الأولى، فإذا قمتُ فادفع البساط الذي في مجلسهم إليه، فرفع إسحاق إلى الطبقة العالية وأخذ البساط، وكان يساوي ألفي دينار، فلما حمله إلى منزله استبشرت به أمه وأخواته، وكانت أمه نبطية لكناء، فخرج برصومًا عن منزله لبعض حاجاته وجاء نساء جيرانه يهنئن أمه بما خُصَّ به دون أصحابه ويدعون لها، فأخذت سكينًا وجعلت تقطع لكل من دخل عليها قطعة من البساط حتى أتت على أكثره، فجاء برصومًا فإذا البساط قد تقسم بالسكاكين، فقال: ويلك ما صنعت؟! قالت: لم أدر، ظننتُ أنه كذا يقسم، فحدَّث الرشيد بذلك فضحك ووهب له آخر.

وزعم سعيد بن وهب أن إبراهيم الموصلي غنَّى أمير المؤمنين هارون صوتًا فكاد يطير طربًا، فاستعاد عامَّة ليله وقال: ما رأيت صوتًا يجمع السخاء والطرب وجودة الصنعة والخفةَ غير هذا الصوت، فأقبل إبراهيم فقال: يا أمير المؤمنين، لو وهب لك إنسان مائة ألف درهم أو لو وجدت مائة ألف درهم مطروحة، كنتَ أسرَّ بها أو بهذا الصوت؟ قال: والله لأنا أسرُّ بهذا الصوت مني بألف ألف وألف ألف، قال: فلو فقدت من بيت مالك مائة ألف كان أشد عليك، أو لو فقدتَ هذا الصوت وفاتك هذا السرور؟ قال: بل ألف ألف وألف ألف أهون عليَّ، قال: فلمَ لا تهب مائة ألف أو مائتي ألف لمن أتاك بشيءٍ فَقْدُ ألفي ألف أهون عليك منه؟ فأمر له بمائتي ألف درهم.

•••

امتاز العصر العباسي بتقدم مجالس المناظرة ورونقها وتنظيمها وقيد المناقشات فيها، وقد يكون من المفيد إعطاؤك صورة صحيحة للمناظرة وعظمها، واهتمامهم بتزويق عبارتها، وطلاوة أساليبها، وبلاغة تراكيبها، وملاحظة قوة الحجة فيها، بأن ننقل إليك مشاورة المهدي لأهل بيته، وهي — إن صحَّت — تعتبر أثرًا أدبيًا له قيمته وخطره، وأثرًا سياسيًّا لمناقشات القوم السياسية، ولتضمنها خططًا ونصائح لا يزيد عليها إلا تلك النصائح التي تضمنها كتاب طاهر بن الحسين القائد المأموني لابنه عبد الله — وستراه في موضعه من باب المنثور بالكتاب الثالث في المجلد الثالث من هذا الكتاب — أما المشاورة فستجدها في الكتاب الثاني من المجلد الثاني.

(٥) الشعر

لا يُقدِّس العرب من علوم الحياة وفنونها شيئًا أكثر من تقديسهم الشعر الذي استودعوه أفكارهم وأخبارهم، وحفظوا به فخرهم ومناسبهم، وساقوا به الجيوش والجحافل، فدكَّت عروشًا وأبادت ممالك، وضمنوه من أخلاقهم وعاداتهم وشئون حياتهم ما جعله مكان فخرهم ومفزع أمرهم، فكنت تجد العربي يسمع البيت من الشعر فيترنح ترنح النشوان، ويثور حتى كأنه جبل نار، وكثيرًا ما سجدوا أمامه لمكانه من نفوسهم، وقد روى الأصمعي وغيره من ذلك شيئًا كثيرًا.

وقد بقيت للشعر هذه المكانة في كل عصوره العربية، ولم ينل منه أن دولة العباسيين قامت على سواعد الفرس، وحلوا منها مكان الصدور والحكام، فإن الخلفاء والسادة وجمهرة الأمراء والأدباء كانوا يحملون فوق أكتافهم رءوسًا عربية حفظوا فيها تراث آبائهم ومفاخر أجدادهم، وأقبلوا على الشعر وإنشاده، وكانوا هم أنفسهم يقرضون الشعر. وإليك ما جاء في عيون الأخبار عن المنصور قال: كان عمرو بن عبيد إذا رأى المنصور يطوف حول الكعبة في قرطين يقول: إن يرد الله بأمة محمد خيرًا يولِّ أمرَها هذا الشاب من بني هاشم — وكان له صديقًا — فلما دخل عليه بعد الخلافة وكلَّمه وأراد الانصراف، قال: يا أبا عثمان، سَلْ حاجتك، قال: حاجتي ألا تبعث إليَّ حتى آتيك، وألا تعطيني حتى أسألك، ثم نهض فقال المنصور:

كلهم ماشي رُوَيد
كلهم خاتل صيد
غير عمرو بن عُبيد

فلما مات عمرو رثاه المنصور فقال:

صلى الإله عليك من متوسِّد
قبرًا مررت به على حران
قبر تضمن مؤمنًا متحنِّفًا
صدق الإله ودان بالقرآن
وإذا الرجال تنازعوا في سُنة
فصل الحديث بحكمة وبيان
فلَوَ انَّ هذا الدهر أبقى صالحًا
أبقى لنا حيًّا أبا عثمان

ولقد أحضروا لأبنائهم المؤدبين يقفونهم على الشعر واستظهاره، وجلسوا للشعراء مجالس أثابوا فيها وأعطوا ووهبوا من المنح ما وهبوا؛ روى الفضل بن الربيع أن مروان بن أبي حفصة دخل على المهدي، بعد وفاة معن بن زائدة الشيباني، في جماعة من الشعراء فيهم سلم الخاسر وغيره، فأنشد مديحًا فيه، فقال له: ومن أنت؟ قال: شاعرُك يا أمير المؤمنين وعبدُك مروان بن أبي حفصة، فقال له المهدي: ألست القائل:

أقمنا باليمامة بعد مَعْن
مُقامًا لا نريد به زوالا
وقلنا أين نرحل بعد مَعْن
وقد ذهب النوالُ فلا نوالا

قد ذهب النوال فيما زعمت، فلم جئت تطلب نوالنا؟! لا شيء لك عندنا، جُرُّوا برجله. فجروا برجله حتى أُخرِج، فلما كان من العام المقبل تلطَّف حتى دخل مع الشعراء فمثَل بين يديه وأنشد:

طرقَتْك زائرةً فحَيِّ خيالَها
بيضاء تخلط بالجمال دلالها
قادت فؤادك فاستقاد ومثلها
قاد القلوب إلى الصَّبا فأمالها

قال: فأنصت له الناس حتى بلغ قوله:

هل تطمسون من السماء نجومها
بأكفكم أو تسترون هلالها؟
أو تجحدون مقالةً عن ربكم
جبريل بلَّغها النبي فقالها؟
شهدتْ من الأنفال آخرُ آية
بتراثهم فأردتمو إبطالها

قال: فرأيت المهدي قد زحف من صدر مُصلَّاه حتى صار على البساط إعجابًا بما سمع، ثم قال: كم هي؟ قال: مائة بيت. فأمر له بمائة ألف درهم.

هذه القصة وأمثالها وقعت لكثير من الأمراء والوزراء الذين عرفوا للشعر منزلته، فاستعانوا به على أغراضهم السياسية، كما كان الأمويون يستعينون به فيها، وحسبك أن نقول لك: إنهم استعملوه في المفاخرة، وفي إثارة العصبية واستحقاق الخلافة، وفي الهجاء والتحريض، فقد دخل سديف على عبد الله بن علي العباسي وعنده جماعة من بني أمية فأنشده قوله:

لا يغرَّنك ما ترى من أناس
إن تحت الضلوع داء دويًّا
فضع السيف وارفع السوط حتى
لا ترى فوق ظهرها أمويًّا

فأمر عبد الله فذهبت أرواحهم هباء.

وكثيرًا ما كانوا يستشفعون بالشعر والشعراء، ويحتالون به على قضاء حاجاتهم، ويقدمونه أمامهم لمخاطبة الملوك والأمراء عند الغضب، فقد رووا أن الرشيد عند رجوعه من حرب الروم أتاه كتاب، وهو في الطريق، من ملك الروم «نقفور» يفيد نقضَ الصلح الذي عقد معه، فهاب القوم إخبار الرشيد وامتنعوا عن مكاشفته، وقدموا لمكالمته من الشعراء الحجاجَ بن يوسف التميمي وإسماعيلَ بن القاسم أبا العتاهية وغيرهما، فأنشده الحجاج بن يوسف:

نقض الذي أعطيته نقفورُ
وعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه
غُنمٌ أتاك به الإله كبير
فلقد تباشرت الرعية أن أتي
بالنقض عنه وافدٌ وبشير
ورجَتْ يمينك أن تُعجِّل غزوة
تشفي النفوس مكانُها مذكور
أعطاك جزيته وطأطأ خده
حذر الصوارم والردى محذور
فأجرته من وقعها وكأنها
بأكفنا شُعل الضرام تطير
وصرفت بالطول العساكر قافلًا
عنه وجارك آمن مسرور
نقفور إنك حين تغدر أن نأى
عنك الإمام لجاهل مغرور
أظننت حين غدرت أنك مفلت؟
هَبِلتك أمك ما ظننتَ غرور
ألقاك حَينُك في زواخر بحره
فطَمتْ عليك من الإمام بحور
إن الإمام على اقتسارك قادر
قربت ديارك أم نأت بك دور
ليس الإمام وإن غفلنا غافلًا
عما يسوس بحزمه ويدير
ملك تجرد للجهاد بنفسه
فعدوُّه أبدًا به مقهور
يا من يريد رضا الإله بسعيه
والله لا يخفى عليه ضمير
لا نصح ينفع من يغُشُّ إمامه
والنصح من نصحائه مشكور
نُصحُ الإمام على الأنام فريضة
ولأهلها كفارة وطهور

فكر الرشيد راجعًا في أشد محنة وأغلظ كلفة حتى أناخ بفنائه، فلم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد، فقال أبو العتاهية:

ألا نادت هرقلة بالخراب
من الملك الموفق بالصواب
غدا هارون يُرعد بالمنايا
ويُبرق بالمذكِّرة القضاب
ورايات يحل النصر فيها
تمر كأنها قطع السحاب
أمير المؤمنين ظفرت فاسلم
وأبشر بالغنيمة والإياب

وكان الشعراء يلعبون دورًا هامًّا في الحياة الحزبية، وحسبك أن تعلم أن للخلفاء شعراء اختصوا بهم كأبي دلامة، وحمَّاد عجرد، وبشار بن برد، ومروان بن أبي حفصة، وسلم الخاسر، وأبي نواس، ومنصور النمري وغيرهم.

وللبرامكة شعراء أمثال: أبان بن عبد الحميد، وابن مناذر، والرقاشي وغيرهم، ولسائر الأمراء شعراء، وهناك شعراء لم يكتسبوا بالشعر كصالح بن عبد القدوس، وشعراء للشيعة كالسيد الحميري، وسليمان قتة، ودعبل، وشعراء لم يتحضروا كربيعة الرقي وكلثوم بن عمرو العتابي وغيرهم. وإنا نحيلك هنا إلى ما أثبتناه لك من منظوم العصر العباسي في الكتاب الثاني من المجلد الثاني.

وجماع المقال أن الشعر العباسي قد تضمن فنونًا عديدة، ولكنه لا يحتج به في اللغة كالأموي مثلًا؛ لأن النقدة في الشعر والأدب جعلوا حدَّهم بشارًا ولم يتعدوه؛ بسبب تفشي اللحن واستفحال اختلاط الأعجام بالعرب.

على أن الشعراء العباسيين قد تفننوا في أنواعه أيما تفنن من قول في المهاجاة إلى قول في الأخلاف، إلى مُلَح إلى تضرُّع إلى وصفٍ إلى هَجْو الخلفاء برضاهم إلى مدحهم.

وعلى الجملة فقد استعملوه في كل غرض من أغراض الحياة من مُفاخرة وخمريات وزهريات ورثاء، كما أن منهم من ذكر الوقائع العربية في شعره، فأثرى الشعراء وأترفوا، وحسبك أن تعلم أن سلمًا الخاسر خلف ثروة مقدارها ٥٠٠٠٠ دينار، ١٥٠٠٠٠٠ درهم غير الضِّياع، ومثله مروان بن أبي حفصة وغيرهما. وسكن الشعراء الآطام والقصور، واقتنوا الأنف الحسَّانة من الحدائق وشاهقات الدور، واستخدموا الجواري والغلمان، وأمعنوا في شهواتهم ولذاتهم، وتنعموا بحطام الدنيا ومرافهها، فسهُلت ألفاظُهم، ورقَّت طباعهم، وقل اقتضابهم، وحاولوا الخروج على الطريقة القديمة، وأرادوا أن يستبدلوا الخمر وساقيها من الدار وبانيها، وتقدم في ذلك النواسي يحمل علمهم فقال:

صفة الطلول بلاغة القدم
فاجعل صفاتك لابنة الكرم

وقد بالغ في ذلك حتى سجنه الخليفة وأخذ عليه ألا يذكر الخمر في شعره، فقال:

أَعِر شعرك الأطلال والمنزل القفرا
فقد طالما أزرى به نعتك الخمرا
دعاني إلى نعت الطلول مسلَّط
تضيق ذراعي أن أردَّ له أمرًا
فسمعًا أمير المؤمنين وطاعة
وإن كنت قد جشَّمتني مركبًا وعْرا

ونهج كثير من الشعراء نهج أبي نواس وركبوا مركبه، وإن كان للطريقة القديمة محبوها حتى الآن.

•••

هذا الترف الذي شمل القوم — يضاف إليه اختلاطهم بالأعاجم وما كان لهم في ذلك الوقت من حرية في التصور والتفكير — جعلهم يفتحون في اللغة العربية فتحًا جديدًا يتناولون فيه أفكار الفرس واليونان فيدخلونها في أشعارهم وآثارهم، وتمتد أيديهم إلى كثير من اللفظ الأعجمي يصورون ما جاد به النعيم، وما استلزمته الحضارة، فيقول أبو نواس في ذلك:

وذات خدٍّ مُوردْ
قُوهيَّة المتجردْ
تأمَّل العين منها
محاسنًا ليس تنفد
فبعضها قد تناهى
وبعضها يتولد
والحسن في كل عضو
منها مُعادٌ مُردَّد

ولم يقفوا عند هذا، بل وصفوا مناظر الطبيعة ورغد العيش ونعيمه، وصحبة الإخوان، وغناء القيان، ومصايد الوحش والطير، ومجالس الأنس والسرور، وابتدعوا كثيرًا من المعاني الجديدة كقول بشار:

يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانًا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم
الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

وقال أبو تمام:

وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طِيب عَرْف العُود

بقيت هنالك أمور جديرة بالاهتمام كان يصح أن نقف عندها قليلًا، فقد بالغوا في الوصف، وفتحوا باب القصص، وتغزلوا بالغلمان، ولكن المقام يضيق عن ذلك.

هوامش

(١) الكُناسة بالضَّمِّ: محلة بالكوفة.
(٢) قطربل — بالضم ثم السكون ثم فتح الراء، وباء موحدة مشددة مضمومة ولام: اسم قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر، وما زالت متنزهًا للبطالين وحانةً للخمارين، وقد أكثر الشعراء من ذكرها. انظر: ياقوت في «قطربل».
(٣) كذا ضبطه صاحب القاموس «كفدفد»، وضبطه ابن خلكان «كهدهد».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤