تختخ يهرب

اقترب الثلاثة من «تختخ» و«حنجل» فأدرك «تختخ» أن شيئًا مفزعًا سيحدث، ولعل الرجلين يبحثان عن «حنجل» حتى لا يتحدث بأسرار عصابة «كندوز». فكر «تختخ» بسرعة ماذا سيحدث إذا أمسكه الرجلان واكتشفا حقيقته. ولحسن الحظ أطفأت السينما أنوارها مرة أخرى قبل أن يصل الرجلان إليهما. انتهز «تختخ» فرصة الإظلام المفاجئ، ثم انحنى تحت الكراسي، وأخذ يزحف مسرعًا على الأرض في اتجاه باب الخروج.

سمع «تختخ» صوت الرجلين في الظلام، ولكنه كان قد وصل إلى الباب، وقبل أن يتمكنا من العودة، كان قد وصل إلى الشارع، وأطلق ساقيه للريح.

ظل «تختخ» يجري حتى وصل إلى محطة «باب الحديد» ووجد أتوبيس حلوان يستعد للتحرك، فقفز فيه، وانحشر بين الركاب.

مضى الأتوبيس مسرعًا، وبدأت أعصاب «تختخ» تهدأ شيئًا فشيئًا، وأفكاره تصفو. فلما اقترب الأتوبيس من المعادي، كان قد كوَّن فكرة واضحة عما حدث للأمير «كريم».

نزل «تختخ» من الأتوبيس، واتجه فورًا إلى منزله، ومن باب الحديقة دخل، ثم دخل من الباب الخلفي للبيت، واتجه فورًا إلى غرفته فخلع ثياب تنكره، ثم دخل الحمام، فأخذ حمامًا ساخنًا.

كان «تختخ» متعبًا؛ فهو لم ينَم طوال ليلة أمس، فقرَّر أن ينام ساعةً واحدة، ثم يتصل بعد ذلك بالأصدقاء، وفعلًا أسلم عينَيْه للنوم على فراشه وذهب في سبات عميق.

في تلك الأثناء كان بقية المغامرين الخمسة «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» في غاية القلق على «تختخ» لأنه لم يعُد في الليل، وقد اتصلوا بمنزله بضع مرات فلم يرد أحد.

بلغت الساعة الخامسة بعد الظهر دون أن يظهر «تختخ» فقال «محب»: أقترح أن نبلغ المفتش «سامي» باختفاء «تختخ» فسوف يستطيع العثور عليه بواسطة أجهزته.

ردت «نوسة»: قبل أن نتصل بالمفتش، تعالوا نجرب مرةً أخرى الاتصال بمنزل «تختخ» تليفونيًّا، لعله يكون قد عاد.

أسرعت «لوزة» إلى التليفون، وأدارَت القرص بأرقام تليفون «تختخ» الذي تحفظه جيدًا، وأخذت تستمع إلى الجرس وهو يدق في الجانب الآخر من الخط … تررن … تررن … تررن … ظل الجرس يدق بضع مرات دون أن يجيب أحد، فأحست «لوزة» بقلبها يخفق بشدة، وبدا لها أن «تختخ» قد أصابه مكروه.

استيقظ «تختخ» على صوت التليفون، فأخذ يفتح عينيه ويغلقهما وهو يحس بالدنيا تدور حوله، وبدا له أن الجرس يأتي من مكان بعيد … بعيد … ولكنه استعاد توازنه في النهاية، وغادر الفراش إلى التليفون، ولكنه لم يكد يصل إليه حتى توقَّف الدق، وسكت الجرس، وعاد الهدوء يشمل المنزل، كان «تختخ» جائعًا فذهب إلى المطبخ يبحث عن شيء يأكله، وكانت الشغالة التي عندهم قد انتهزت فرصة غياب والده ووالدته، فذهبت لزيارة أسرتها فلم يكن هناك أحدٌ في البيت … وتذكر «زنجر»، فأسرع إلى الحديقة وبيده بعض الطعام فوجده يجلس حزينًا في كشكه الخشبي الصغير. ولم يكد «زنجر» يرى صاحبه، حتى أخذ يقفز، وينبح، ففتح له «تختخ» الباب، واستقبله بالأحضان.

بعد أن انتهى «زنجر» من طعامه خرج الاثنان معًا، واتجها إلى منزل «عاطف»؛ فقد أحس «تختخ» أن «زنجر» يريد أن يتمشى بعد أن ظل محبوسًا يومًا كاملًا.

كانت مفاجأة مدهشة للأصدقاء عندما فتحوا الباب، ووجدوا «تختخ» أمامهم! وقفوا جميعًا، وأسرعوا إليه كأنه عاد لتوه من عالم آخر وصاحَت «لوزة»: «تختخ» ماذا حدث في الدنيا حتى تتغيَّب كل هذه المدة؟ لقد كِدْنا نتصل بالمفتش ونطلب منه البحث عنك.

صافح «تختخ» الأصدقاء ثم جلس، وأخذ ينظر إليهم بهدوء ثم قال: لقد مررت بمغامرة رهيبة … ولكن الوقت لا يسمح لي بالحديث عنها … المهم الآن أن أضع أمامكم المعلومات والحقائق التي حصلت عليها ثم نتفق على ما نفعله.

وقصَّ عليهم «تختخ» ما سمعه من «حنجل» وقال ﻟ «عاطف»: إن عثورك عن الزرار الفضي كان المفتاح الذي هداني إلى كل شيء، ولولا هذا الزرار لما استطعت الوصول إلى شيء.

قالت «نوسة»: إن هذه المعلومات تدلُّ على أن «حنجل» والأمير شخصٌ واحد وأن الأمير يحب حياة المغامرات؛ لهذا ترك المعسكر، وانطلق مع القرداتية ليحيا الحياة التي يفضلها، لقد قرأت كثيرًا عن مغامرات من هذا النوع.

قال «تختخ»: آسف يا «نوسة»؛ فهذا غير صحيح …

قال الأصدقاء جميعًا في نفَس واحد: وما رأيك أنت يا «تختخ»؟

قال «تختخ»: رأيي هو أن الأمير «كريم» الذي كان في المعسكر لم يكن هو الأمير الحقيقي … وذلك لعدة أسباب؛ منها ما قاله لنا صديقه «فؤاد» من أن تصرفات الأمير كانت مختلفةً في المعسكر عمَّا كانت عليه في المدرسة؛ فقد كان في المدرسة هادئًا ولطيفًا، وأصبح في المعسكر شرسًا وسخيفًا، ومن غير المعقول أن يتغير الإنسان بين يومٍ وليلة من حالٍ إلى حال … والسبب الثاني أن تصرفات «حنجل» لم تكن تصرفات أمير مطلقًا، فهو بذيء اللسان، وحركاته وكلماته كلها تدل على أنه عاش عمره كله بين اللصوص والقرداتية.

قالت «لوزة» فجأة: لقد فهمت كل شيء!

قال «تختخ» مبتسمًا: ماذا فهمتِ يا «لوزة»؟

لوزة: لقد خطفت عصابة «كندوز» الأمير الحقيقي قبل أن يذهب إلى المعسكر … ووضعَت «حنجل» الذي يشبهه مكانه في المعسكر.

قال «تختخ»: برافو يا «لوزة»، هذا هو الحل الصحيح.

عاطف: ولكن لماذا وضعت «حنجل» مكان الأمير ما دامت العصابة قد خطفت الأمير؟

تختخ: هذا سؤال معقول جدًّا … وتفسيره أن العصابة وضعت «حنجل» مكان الأمير حتى لا يبدأ رجال الشرطة في البحث عن الأمير إلا بعد فترة طويلة تكون فيها العصابة قد أبعدت الأمير خارج البلاد … فإذا اتضح أن «حنجل» ليس هو الأمير فلن يحدث شيء … ما دامت العصابة قد نفذت خطتها وخطفت الأمير الحقيقي.

محب: وهناك سؤال لا يقل أهمية عن هذا السؤال … هو لماذا خطفت العصابة الأمير؟ إذا كانت ستطلب فدية، فلماذا لم تطلبها حتى الآن؟

تختخ: من الواضح يا «محب» أن العصابة لم تخطف الأمير لتطلب فدية، ولكنها خطفته لأسباب سياسية.

لوزة: وما معنى الأسباب السياسية يا «تختخ»؟

عاطف: أنتِ دائمًا تسألين أسئلة سخيفة، أسباب سياسية تعني أسبابًا تتعلَّق بالسياسة.

تختخ: وهل هذا تفسير يا «عاطف» إن «لوزة» تسأل أهم سؤال في الموضوع كله … فالأسباب السياسية هي التي ستدلنا على من الذي أوصى بخطف الأمير.

سكت «تختخ» قليلًا ثم عاد يقول: لقد قرأت في الصحف أن هناك خلافات بين الأمير الحالي وشقيقه على الإمارة؛ لأن الأمير يريد أن يتولى ابنه الأمير «كريم» عرش الإمارة بعده، بينما شقيقه يريد أن يتولى المُلك بعده، فصاحب المصلحة في اختفاء الأمير الصغير «كريم» هو شقيق الأمير الكبير.

عاطف: وكيف تم خطف الأمير «كريم»، ووضع القرداتي «حنجل» مكانه؟

تختخ: هذا ما ستكشف عنه الساعات أو الأيام القادمة، وإذا كان الأمير «كريم» ما زال حيًّا، فسوف نسمع منه القصة كاملة.

في هذه اللحظة دخل الأشقاء الثلاثة؛ «جلال» و«سعد» و«سعيد» وكان «سعيد» ما زال يمضغ اللبانة.

رحَّب بهم «تختخ» قائلًا: أهلًا بالمغامرين الثلاثة، ولولا الأخ «أبو لبانة» لما استطعنا الحصول على المعلومات التي ستدلنا على الأمير.

قال «جلال» بإعجاب شديد: هل وجدت الأمير يا «تختخ»؟

رد «تختخ» ضاحكًا: ليس بعد، ولكننا غدًا سوف نقوم بمغامرةٍ من أخطر مغامراتنا، وقد نعثر على الأمير، وقد نقع في يد عصابة رهيبة.

جلال: أريد أن آتي معكم يا «تختخ»، فمنذ مدة طويلة لم أشترك معكم في مغامرات.

تختخ: يمكنك أن تأتي معنا، المهم أن تكون قادرًا على قيادة الدراجة مسافة طويلة؛ فسوف نذهب إلى وادي حوف حيث أتصوَّر أن الأمير هناك في أحد كهوف الجبل، أو في قصر … وقد لا يكون موجودًا على الإطلاق.

محب: ولماذا لا نبلغ المفتش «سامي»؟

تختخ: إن ما فعلناه حتى الآن هو مجرد استنتاجات، وقد لا يكون الأمير موجودًا، وعلى كل حال سوف نستطلع الأمر غدًا، فإذا تأكدنا أن الأمير موجود هناك، سنبلغ المفتش «سامي» فورًا!

وافترق الأصدقاء وعاد «تختخ» إلى منزله، وعاد «جلال» هو و«سعد» و«سعيد» إلى منزل عمهم الشاويش «فرقع». وكان «جلال» يفكر في طريقة للحصول على دراجة ليركبها مع الأصدقاء إلى «وادي حوف». ولم يكن معه نقود تكفي لاستئجار دراجة طول النهار، وهكذا قرر أن يرجو من عمه الشاويش «فرقع» أن يعيره دراجته.

استقر «جلال» على هذا الرأي، وظل في انتظار عمه حتى حضر من القسم، يبدو عليه الضيق والتعب فقال له «جلال»: أرجو يا عمي أن تسمح لي باستعارة دراجتك غدًا لأنني سأذهب في رحلة هامة.

التفت الشاويش إلى جلال في غضب صائحًا: أعيرك دراجتي … ألا تعرف أيها الأبله أن هذه دراجة رسمية … استلمتها عهدة من الحكومة، وإذا ضاع منها أي شيء أو فُقدت قدموني لمحكمة عسكرية! إن الدراجة مثل البندقية سلاح من أسلحة الشرطة.

سكت «جلال» مندهشًا لثورة عمه المفاجئة، وظن أن المسألة انتهَتْ عند هذا الحد، ولكن الشاويش عاود الصياح قائلًا: وأي مشوار مهم هذا الذي سوف تذهب فيه؟ لعلك ستشترك مع هؤلاء الأولاد في مغامرة حمقاء من المغامرات التي يقومون بها.

زادت دهشة «جلال» لأن عمه اكتشف هذه الحقيقة بسرعة، فأخذ ينظر إليه في خوف، فصاح الشاويش: قل لي حالًا أين سيذهبون غدًا؟ هل عثروا على مكان الأمير؟

حاول «جلال» أن يخفي المعلومات التي يعرفها ولكنه لم يستطع أمام غضب عمه إلا أن يقول له المكان الذي سيتوجه إليه الأصدقاء في اليوم التالي، فقال الشاويش، وقد عاوده الهدوء وابتسم: إذن فهم يريدون العثور على الأمير قبلي، سوف أسبقهم!

ونام الشاويش وهو يحلم بمغامرةٍ كبيرةٍ يعثر فيها على الأمير، ويكسب رضا المفتش «سامي» وشهرة واسعة عندما تنشر الصحف صورته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤