الفصل الخامس عشر

دانكن يقابل دبًّا

واصل الدب زمجرته، ثم راح يتدحرج فوق أرضية الكهف.

تقدم زعيم القبيلة للأمام وطلب من باقي الفتيات اللاتي يعتنين بالفتاة المريضة الانصراف.

قال للفتاة المريضة: «دعي هذا الرجل يساعدك.» ثم التفت إلى دانكن وقال: «سأتركك هنا، وأثق أنك ستفعل ما بوسعك لمداواتها.»

وجد دانكن نفسه وحيدًا مع الدب والفتاة المريضة المسكينة. اقترب الدب منه وجسده يهتز بالكامل. نظر دانكن حوله سريعًا بحثًا عن طريق للهرب، لكن لم يكن هناك مكان للهرب. هز الدب نفسه بقوة حتى إن دانكن لم يستطع التفكير فيما عليه فعله. وبعد ذلك سقط رأس الدب! لقد كان لباسًا تنكريًّا؛ كان هوكاي يرتدي فراء دب!

صاح دانكن: «يا إلهي! ماذا تفعل بحقك؟»

قال هوكاي: «تركت الجنرال وتشينجاتشجوك في كوخ عتيق مصنوع من فراء حيوان القندس، وهم في أمان من رجال الهيرون. ثم شققت طريقي أنا وأنكس إلى المعسكر الآخر، هل رأيته؟»

أجاب دانكن: «أجل، لقد قبضوا عليه. سيقتلونه غدًا، الأمر غاية في الخطورة!»

قال هوكاي: «آه، توقعت ذلك، لذا جئت إلى هنا. لا أستطيع أبدًا تركه يواجه ذلك المصير المشئوم.»

سأله دانكن: «ماذا حدث؟»

أجاب هوكاي: «ابتعد أنكس كثيرًا ولم أستطع مواكبته؛ كان سريعًا للغاية. وبعد ذلك اشتبك مع أحد رجال الهيرون، رجل جبان فر من المعركة، وقاد أنكس إلى كمين!»

قال دانكن: «لقد دفع ثمنًا غاليًا لركضه السريع. لكن كيف عثرت على هذا اللباس التنكري؟»

ضحك هوكاي وقال: «التقيت مصادفة بأحد رجال الهيرون كان يرتدي هذا للاحتفال. قيدته وأخذت منه ذلك الفراء لأستطيع المجيء للبحث عنك، ونتمكن معًا من إنقاذ أنكس وأليس.»

قال دانكن: «حسنًا، أنت تقلد الدب جيدًا!»

رد هوكاي: «من يستطيع أن يعيش في الغابات وقتًا طويلًا دون أن يتعلم كيف يتحرك الدب؟! هل حالفك الحظ في العثور على أليس؟»

هز دانكن رأسه وأجاب: «لقد فتشت كل الأكواخ في القرية ولم أجد لها أثرًا. توقعت أنها ستكون هنا.»

قال هوكاي: «سمعت ما قاله ديفيد؟ قال إنها تنتظرك.»

قال دانكن: «حسبته يتحدث عن هذه الفتاة المسكينة.» وأشار إلى الفتاة الراقدة فوق السرير.

قال هوكاي وهو يرتدي رأس الدب ثانية: «ربما، لكن هناك طريقة واحدة لنكتشف ماذا كان يقصد. سأتنكر في هيئة الدب ثانية، وسأتسلق لأعلى لأرى ما يمكنني اكتشافه.»

تسلق هوكاي جدران الكهف، كما تفعل الدببة. واستغرق بعض الوقت في التسلق، لكن عندما وصل إلى الأعلى نظر حوله جيدًا.

همس هوكاي: «أليس هنا، هناك باب آخر خلفك. إنها توجد خلف ذلك الباب.»

خطا دانكن نحو الأمام.

وأردف هوكاي: «أستطيع التحدث إليها، لكنني أخشى ترويعها إذا رأتني وأنا متنكر كالدب.» ثم ضحك وقال: «لا شك أنك أيضًا لا تبدو وسيمًا وأنت متنكر هكذا.»

سأله دانكن: «هل أبدو مخيفًا لهذه الدرجة؟»

أجابه هوكاي: «يمكنك أن تخيف ذئبًا على الأرجح. انظر، هناك ينبوع مياه، يمكنك غسل وجهك بالماء أولًا.»

استغرق دانكن عدة دقائق لإزالة تنكره، ثم أسرع عبر الممر إلى الباب الآخر. وفي غضون ذلك، تفحص هوكاي المخبأ السري لقبيلة الهيرون بحثًا عن مخرج آخر. وفي النهاية وصل دانكن إلى آخر غرفة داخل الكهف وفتح الباب الخشبي.

قالت أليس: «دانكن!»

أجابها: «أليس!»

قالت: «علمت أنكم ستأتون لإنقاذي! لكنك جئت وحدك؟»

أخبرها دانكن أنه جاء برفقة هوكاي وصاحبيه من الموهيكان لإنقاذها. قال لها: «علينا الآن أن نخرج من هنا، لكن لا بد أن تكوني غاية في الشجاعة. فكري في أبيك، وكم سيسعد برؤيتك.»

كانا يتحدثان بهدوء حين شعر دانكن بأحد يربت على كتفه، فالتفت، فرأى ماجوا يقف خلفه!

قالت أليس: «ماذا تريد؟» وطوت ذراعيها أمام صدرها. دفع دانكن نفسه أمامها وحدق في وجه ماجوا. في البداية، لم يتحرك أحد، ثم تحرك ماجوا خلف دانكن وأغلق الباب. لن يكون هناك مهرب.

قال دانكن: «بإمكانك احتجازنا رغمًا عنا، لكننا سنثأر منك. ستموت، على يدي!»

ضحك ماجوا وقال: «هل ستغضب كثيرًا غدًا عندما نعاقبك مع أنكس؟»

استدار ماجوا وكاد أن يغادر الغرفة حين أوقفته صرخة عالية. علم ماجوا أنها خدعة؛ فقد رأى ذلك الزي التنكري عدة مرات من قبل، لكن عندما حاول المرور من جانب الدب أطلق الدب صرخة غاضبة عالية أخرى. وقف الدب على رجليه الخلفيتين وحرك مخالبه الأمامية.

قال ماجوا: «خدع حمقاء، اذهب واعبث مع الأطفال.»

قفز الدب للأمام وأمسك بماجوا. وتصرف دانكن بسرعة وجلب حبلًا من الكهف وقيده به. أخذ ماجوا يقاومهما، لكن دون جدوى، فقد أحكم هوكاي ودانكن وثاقه جيدًا بالحبل.

خلع هوكاي سريعًا ملابس الدب، وعندما رآه ماجوا قال: «أنت!»

سأل هوكاي: «كيف دخل إلى هنا، أنا لم أره.» أشار دانكن إلى باب من خلفهم.

قال هوكاي: «أحضر أليس، علينا أن نرحل. سنخرج من ذلك الطريق ومنه إلى الغابة.»

قال دانكن: «لكن هذا الطريق خطير للغاية! ثم انظر.» وأشار إلى أليس التي فقدت الوعي، «إنها ليست بخير.»

قال هوكاي: «دثرها في هذه البطاطين، ستضطر إلى حملها. ليس أمامنا وقت لنهدره.»

حاول هوكاي ودانكن فتح الباب الذي دخل منه ماجوا، لكنه لم يتحرك ولو قليلًا.

سأل دانكن: «ماذا سنفعل الآن؟»

قال هوكاي: «علينا أن نسلك الطريق الذي جئنا منه.»

قال دانكن: «لكن زعيم القبيلة سيكون هناك، وسيسأل عن الفتاة المريضة.»

قال هوكاي: «عليك خداعه. أستطيع مغادرة الكهف وأنا متنكر.»

أومأ دانكن برأسه، واتجها نحو الممر المؤدي إلى الخارج. وضع هوكاي رأس الدب مرة أخرى وخرج من الكهف، ووجدا حشدًا من الناس يقفون بالخارج.

صاح زعيم القبيلة: «كيف حال الفتاة؟»

أجابه دانكن: «لقد طردت الروح الشريرة من جسدها، وهي عالقة الآن على الجدران، لكن علينا أن نحملها أنا والدب بعيدًا عن هنا. نحن بحاجة إلى أعشاب من الغابة لمساعدتها على الشفاء.»

قال الزعيم: «أجل، اذهب، سأدخل وأحارب الأرواح الشريرة الموجودة على جدران الكهف.»

صاح دانكن: «كلا، هل ترغب في أن تدخل هذه الأرواح إلى جسدك؟ هذا ما سوف يحدث إذا دخلت إلى الكهف. لا بد أن تنتظر هنا حتى تخرج الأرواح، وبعد ذلك يمكنك محاربتها.»

أومأ الزعيم برأسه وقال: «هذه نصيحة رائعة.»

وقف الرجال والنساء بجانب مدخل الكهف واستعدوا لمحاربة الأرواح الشريرة. وأومأ دانكن برأسه، ثم بدأ يركض بعيدًا بين الحشد، لكنه لم يعد إلى القرية. بل تبع هوكاي حول الأكواخ ومنها إلى الغابة.

أيقظ هواء الليل البارد أليس، وأخبرت دانكن أنها بحالة جيدة تسمح لها بالسير. وفي نهاية المطاف وصلوا إلى طريق، قال هوكاي: «هذا الطريق سيقودكما إلى جدول، سر على امتداد ضفته الشمالية، ثم اعبر الجبل واتجه نحو مخيمات قبيلة ديلاوير. قد يأخذونكما أسرى، لكنني أثق أن كورا محتجزة هناك. يمكننا أن نأتي لإنقاذكم ما إن نحرر أنكس. اذهب سريعًا الآن.»

وبينما كان دانكن وأليس ينطلقان في طريقهما التفت دانكن إلى هوكاي وقال: «حفظك الله يا هوكاي، وشكرًا لك!»

لوح لهما هوكاي بيده وتسلل إلى القرية مرة أخرى، ومر بكوخ غير مكتمل البناء، رأى أنه مكان اختباء جيد، فتسلل داخله. فوجئ هوكاي بديفيد داخل الكوخ يجلس فوق كومة من أوراق الشجر. وعندما رأى ديفيد الدب صرخ.

قال هوكاي: «ديفيد، إنه أنا هوكاي.»

سأله ديفيد: «هـ … هـ … هل تحولت إلى دب؟»

قال هوكاي: «إنه لباس تنكري. هل رأيت أنكس؟»

أجابه ديفيد: «لقد قيدوه بالحبال.»

سأله هوكاي: «هل تستطيع إرشادي إلى المكان الذي يحتجزونه به؟»

أومأ ديفيد برأسه إيجابًا.

قال هوكاي: «هيا بنا إذن!»

كانت الخيمة التي يوجد بها أنكس في منتصف القرية. تسلل هوكاي وهو متنكر في هيئة دب مباشرة بين الأكواخ، لكن الدخول إلى الخيمة أو الخروج منها كان أمرًا شديد الصعوبة. رأى المحاربون الأربعة الذين يحرسون الخيمة الدب، لكنهم لم يغادروا أماكنهم. زمجر هوكاي، وخطا ديفيد نحوهم.

قال ديفيد: «يرغب الدب في رؤية الأسير.»

لم يتحرك الحراس رغم ذلك. وزمجر هوكاي مرة أخرى ولوح بذراعه. قال ديفيد مرة أخرى: «ألم تسمعوني؟ الدب القوي يود رؤية الأسير؟»

في نهاية الأمر سمح الحراس لديفيد وهوكاي بالدخول إلى الكهف. كان أنكس جالسًا في ركن بعيد، ويداه ورجلاه مقيدة. انتصب واقفًا عندما رأى الدب، ورجع بظهره إلى الجدار، فأطلق هوكاي صافرة خافتة، فعرف أنكس أنه ليس دبًّا حقيقيًّا.

قال: «هوكاي!»

قال هوكاي لديفيد: «اقطع الحبال»، ففعل ديفيد ذلك سريعًا. وبينما كان ديفيد يحل وثاق أنكس خلع هوكاي ملابسه التنكرية.

قال أنكس: «انتظر، كيف سنخرج من هنا؟ ألن يكون من الأفضل أن تظل متنكرًا في هيئة دب؟»

فكر هوكاي لحظة ثم قال: «أجل، سأذهب إلى الخارج لجذب انتباههم، وفي غضون ذلك تتسلل أنت والعازف إلى الخارج.»

لكن عندما أمسك بزيه التنكري، عدل عن رأيه وقال: «كلا، تنكر أنت في هيئة الدب يا أنكس، وأنا سأتنكر في زي العازف. ديفيد، هل أنت شجاع بدرجة كافية لتبقى هنا وتجعلهم يظنون أنك أنكس، لدقيقة واحدة على الأقل؟»

أومأ ديفيد برأسه قائلًا: «أجل، بالطبع.»

وعندما غادر هوكاي كان ينفخ في الصافرة ويحرك ذراعيه مع الموسيقى، وسار في أثره أنكس، الذي كان متنكرًا في صورة دب، ولم يعرهما الحراس انتباهًا.

كان هوكاي وأنكس عند حدود الغابة عندما سمعوا الصيحة الأولى. قال هوكاي: «لقد اكتشفوا أنك لست بالداخل يا أنكس! هيا بنا!»

خلع هوكاي وأنكس ملابسهما التنكرية وانطلقا داخل الغابة. وعندما بدأ الحراس في الصياح خرج ما يزيد عن مئتي رجل مستعدين للقتال من أكواخهم من كل اتجاه بالقرية. وسرعان ما علم الجميع أن أنكس هرب، وامتلأت الخيمة الرئيسية بأناس يتساءلون عما سيحدث بعد ذلك.

صدرت الأوامر لبعض الشباب بتفتيش القرية سريعًا. وأحضر حارسان ديفيد إلى خيمة زعيم القبيلة. واكتشفوا أيضًا بحلول ذلك الوقت أن دانكن لم يداو الفتاة المريضة، وعثروا على ماجوا مقيدًا داخل الكهف.

وبعد أن اجتمع المحاربون كافة داخل الخيمة الرئيسية، تقدم ماجوا وتحدث: «لقد هرب الموهيكاني! من فعل ذلك؟»

قال زعيم القبيلة ذو الشعر الأشيب: «لا بد أنه هوكاي. المحاربون يقتفون أثره.»

صاح أهل القرية في غضب. وأرسل زعيم القبيلة المزيد من الرجال لاقتفاء أثر أنكس وهوكاي، فيما أمر ماجوا بعض الجواسيس بالذهاب إلى قرية ديلاوير وتفقد الأمر هناك. انطلق المحاربون في كل الاتجاهات، وعاد الآخرون إلى أكواخهم لنيل قسط من الراحة، إذ سيُستدعون قريبًا.

وقبل أن تشرق الشمس تمامًا دخل عشرون محاربًا كوخ ماجوا. كانوا مستعدين للقتال، ونهض ماجوا وسار إلى الخارج. اصطف الرجال خلفه، وشقوا طريقهم نحو الجدول الصغير.

مر ماجوا ورجاله بالماء دون أن يلحظوا وجود حيوان قندس يراقب تحركاتهم بدقة. كان ذلك القندس تشينجاتشجوك. راقب تشينجاتشجوك، من تحت فراء القندس الذي يحتمي داخله، كل خطوة يتخذها ماجوا ورجاله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤