حرب جديدة … يدخلها الشياطين لأول مرة

عندما دقَّت الساعة العاشرة تمامًا، كان الشياطين قد استقروا في مقاعدهم في قاعة الاجتماعات داخل المقر السري، غير أن «أحمد» و«باسم» لم يكونا بينهم. نظر الشياطين إلى بعضهم وإلى الكرسيَّين الخاليَين، لكن لم تكدْ تمرُّ ثلاث دقائق حتى دخل «أحمد» وخلفه مباشرة دخل «باسم». كان الاثنان يبتسمان. ألقى «أحمد» تحية الصباح على المجموعة، ثم أخذ مكانه، وفعل «باسم» مثله، وما إن استقرَّا في مكانَيهما، حتى جاء صوت رقم «صفر» يُهنِّئهما بسلامة الوصول. مرت دقائق، كانت القاعة صامتة تمامًا، وكانت أعين الشياطين تتطلع بين كل لحظة وأخرى إلى حيث توجد الخريطة الإلكترونية، لكنها لم تكن قد أُضيئت بعد. ولم تمرَّ دقائق حتى كان صوت أقدام رقم «صفر» قد بدأ يتردَّد، فعرف الشياطين أنه في الطريق إليهم. بعد دقيقتين كان صوت رقم «صفر» يقول: إننا أمام حرب جديدة.

سكت بعد أن قال الكلمات الأربع، وبدأ صوت أوراق تُقلَّب يأتي إلى الشياطين، فعرَفوا أنها تقارير العملاء في جميع أنحاء العالم.

قال رقم «صفر»: إن «جاك بيلي» واحد من عصابةٍ كبيرة تعمل في كل مكان، خصوصًا في الدول صاحبة الاختراعات الحديثة، واليابان واحدةٌ منها، وازدواجُ شخصية «جاك بيلي» هو نوعٌ من التمويه؛ لتحقيقِ الحصول على ما تريده العصابة، وهذه مسألة تَكرَّرت قبل ذلك.

سكت لحظةً ثم أضاف: إن الحرب الجديدة هي حرب المعلومات.

مرت دقائق صامتة تمامًا. كان رقم «صفر» قد صمت حتى يعطيَ الفرصة للشياطين ليستعدوا نفسيًّا لما سيقول. أضاف بعد قليل: إن تقارير العملاء في أمريكا تقول: إن كبرى الشركات الأمريكية تُنفق في العام الواحد أكثر من ١٢ ألف مليون دولار، لاتخاذ إجراءات أمن لحماية أسرارها المهمة، فالسرقة لم تعُدْ مقصورةً على الأموال والذهب والأشخاص. إن المعلومات أيضًا أصبحَت هدفًا مهمًّا للعصابات الكبيرة الآن.

توقف لحظة، ثم قال: إن إحدى شركات المياه الغازية رفعت قضية ضد شركة منافسة؛ لأنها سطَت على خُطط الإنتاج الخاصة بها. أيضًا رفعَت إحدى الشركات المنتجة للسيارات قضيةً ضد شركة أخرى لأنها تتجسس على أحدث موديل، كانت الشركة قد بدأَت في تنفيذه لطرحه في الأسواق، كذلك رفعت إحدى شركات الديكور قضيةً ضد شركة منافسة؛ لأنها حاولت أن تسطوَ على نوعٍ معين من الطلاء تستخدمه الشركة.

كانت المعلومات التي يقولها رقم «صفر» جديدة على الشياطين، فلم يكن أحد منهم يتصور أن تصل المنافسة بين الشركات الكبرى إلى هذه الدرجة.

قال رقم «صفر»: إن هذه الأعمال التي تخرج عن حدود الأخلاق والمنافسة الشريفة دفعَت إحدى شركات الكمبيوتر لأن تُنتج أجهزة، كل جهاز منها يختلف عن الآخر في طريقة البرمجة — أي وضع البرامج — حتى يتأكد كل عميل لديها أنه لا يمكن لأحدٍ أن يتجسس على الكمبيوتر الخاص به، وهذه مسألة تُكلِّف كثيرًا طبعًا.

مرة أخرى، سكت رقم «صفر» قليلًا، كان صوت أوراقه يصل إلى الشياطين الذين كانوا يترقَّبون ما يقول، كانوا يشعرون بالسعادة؛ لأن هذه مغامرة جديدة عليهم. إن هؤلاء الذين يسرقون المعلومات لا بد وأن يكونوا على قدْرٍ كبيرٍ من الذكاء، لكن في نفس الوقت، لا بُدَّ أن هناك أجهزة تحميهم.

جاء صوت رقم «صفر» يقول: من خلال التقارير التي أرسلها العملاء، وقعت حتى الآن ١٧٢ حادثة سرقة معلومات.

سكت لحظة ثم أضاف: إن حادثًا طريفًا وفريدًا قد وقع ضمن هذه الأحداث؛ أحد المطاعم الشهيرة، والذي له شهرة خاصة في نوعٍ مُعيَّن من الأكل، وضَع توليفة هذا النوع في خِزانة خاصة، بعد أن طبع الطريقة في كُتيِّب. هذه الخزانة لا تُفتَح إلا عن طريق الكمبيوتر، فهذه التوليفة تضم ١١ نوعًا من التوابل، وهو يخشى أن يسرقها مطعم آخر. الطريف أن الطريقة سُرقَت أيضًا، بالرغم من وجود الخزانة المُغلَقة والمعقدة، وبالرغم أيضًا من وجود الكمبيوتر.

نظر الشياطين إلى بعضهم مبتسمين، فحتى طريقة تجهيز الطعام وطهوه تتعرض للسرقة، وليست فقط الأموال أو المعلومات الحربية. كان رقم «صفر» قد توقَّف عن الكلام، لأنه يعرف أن الحادثة الطريفة تستحق أن يضحك منها الشياطين.

قال بعد لحظات: إن سرقة المعلومات يقوم بها فرع في عصابة «سادة العالم» هو فرع المعلومات، وحسب التقارير والدراسات التي أجريناها، عرَفنا أن فرع العصابة يقع في ولاية «تكساس» الأمريكية، وبالذات في مدينة «دالاس»، وهو لا يعمل داخل أمريكا فقط، إن أعماله تنتشر على اتساع العالم كله، فالجهة التي تريد أن تشتريَ المعلومات، يقوم هو بسرقتها وبيعها لحسابها، نظير مبالغ ضخمة، فعندما تكون إحدى شركات صناعة السيارات مُقبِلة على طرح سيارة معينة في السوق، فإن ذلك يتكلف ملايين الدولارات، وعندما تقوم الشركة المنافسة بطرح نفس السيارة قبلها، فإنها تُعرِّض الشركة الأصلية لخسارة ضخمة، في الوقت الذي تُحقِّق فيه الشركة الثانية أرباحًا ضخمة أيضًا؛ ولهذا يرتفع سعر المعلومات المسروقة.

توقف رقم «صفر» عدَّة لحظات قبل أن يقول: إن المركز الخاص بالمعلومات في «دالاس» مُجهَّز تجهيزًا خاصًّا للتجسس ونقل المعلومات، بجوار أنه يقع في منطقة مراعٍ نائية، وأنتم تعرفون قوة عصابة «سادة العالم»، لكنكم في نفس الوقت، تُحقِّقون عليها انتصارات دائمة.

فجأة أُضيئت الخريطة الإلكترونية، فاتجهت أنظار الشياطين إليها. كانت الخريطة للولايات المتحدة الأمريكية وقد تحدَّدت الولايات على الخريطة. اختفت الخريطة بعد لحظات، ثم ظهرت ولاية «تكساس» وولايات أخرى حولها. كانت الولاية تبدو متسعةَ الأطراف أكثر من غيرها، يحدُّها من الشرق ولاية «لويزيانا» وولاية «أركنساس»، ومن الجنوب ولاية «أوكلاهوما»، وفي الغرب ولاية «نيومكسيكو»، أما في الجنوب فتُطلُّ على خليج «المكسيك» والمكسيك ذاتها، وكانت مدينة «دالاس» — التي تُعتبر من أشهر المدن الأمريكية — تقع قرب الطرَف الشمالي الشرقي للولاية، فهي قريبة من «أركنساس» و«أوكلاهما» و«لويزيانا» أيضًا.

كان صمت رقم «صفر» فرصة، ليلم الشياطين بالمكان الذي يطيرون إليه، وحيث تدور مغامرتهم الجديدة.

فجأة جاء صوت رقم «صفر»: إن الشكوى قد ارتفعَت في كل مكان في العالم، وباتت المؤسسات الصناعية الكبرى في خطَر، تتهددها هذه الحرب الجديدة التي يمكن أن تقضيَ عليها، إن مهمة الشياطين هي في النهاية مهمة بالغةُ الخطورة؛ لأنها سوف تُنقذ العالم من قُدراته على التقدم، فكيف يُمكن أن يحميَ الإنسان مُبتكراته إذا كانت هذه المبتكرات سوف تكون محلًّا للسرقة، حيث يعيش ناس على حساب ناس آخرين؟!

سكت لحظة ثم قال: إنني في انتظار أسئلتكم، وأمامكم الوقت لتجهزوا أنفسكم للانطلاق، وهذه المهمة الجديدة سوف يتصدَّى لها «أحمد» و«قيس» و«ريما» و«رشيد» و«عثمان».

صمت رقم «صفر» في انتظار أسئلة الشياطين الذين لا يسألون أبدًا؛ لأنهم يستطيعون من خلال أقل المعلومات أن يبدءوا مغامرتهم.

مرت دقائق، ثم جاء صوت رقم «صفر» يقول: أتمنى لكم التوفيق.

سمع الشياطين صوت الأوراق، ثم صوت أقدام رقم «صفر» وهي تبتعد شيئًا فشيئًا، حتى اختفت تمامًا.

مرت لحظات قبل أن يقف الشياطين وهم يغادرون قاعة الاجتماعات في طريقهم إلى حجراتهم.

في الطريق همس «أحمد» للمجموعة: سوف نتحرك في خلال نصف ساعة.

علَت الدهشة وجهَ «ريما» وقالت: نصف ساعة؟! إنه وقت طويل!

ابتسم قائلًا: لا بأس، إن هذا موعد مناسب لتحرُّكنا من المقر السري، ووصولنا إلى «دالاس».

استمر الشياطين في طريقهم إلى حجراتهم، إلا «أحمد» الذي أخذَ طريقَه إلى مكتبة المقر. كان يريد أن يعرف معلوماتٍ أكثر عن ولاية «تكساس»، فمن يدري، قد تكون المغامرة على اتساع الولاية كلها. في مكتبة المقر غذى الكمبيوتر بالمعلومات التي يريدها، وفي لحظة كانت المعلومات تظهر على شاشة، جلس أمامها يقرأ، ويُدوِّن بعض الملاحظات، كانت الملاحظات التي دونها:

من أشهر المدن الصناعية الأمريكية، خصوصًا بعد اكتشاف البترول عام ١٩٠١، مساحتها ٦٩٢ ألفًا و٣٠٨ كيلومترات، تزرع القطن والقمح، ويُعتبر القطن محصولها الرئيسي، صناعة الطائرات، والمنسوجات، والورق، المراعي والخيول، جرائم، عصابات، الولاية هي رقم ٢٨ بين الولايات اﻟ ٥٠.

ظل يقرأ لمدة ثلث ساعة، ودوَّن طرق المواصلات البرية والجوية إليها، وفكَّر قليلًا: عصابات، جرائم.

ابتسم وهو يتذكَّر أفلام «الكاوبوي» التي شاهد كثيرًا منها، نظر في ساعة يده، كانت هناك خمس دقائق فقط، ثم تلتقي المجموعة في منطقة السيارات حيث ينطلقون منها، أسرع إلى حجرته، فجمع ما يريده، ثم اتجه مباشرةً إلى المِصعَد الذي نزل به إلى الدَّور الخامس تحت الأرض حيث توجد منطقة السيارات.

كان هناك «قيس» و«ريما» و«عثمان» و«رشيد» وقد استقروا داخل السيارة، أخذ مكانه بينهم، فانطلقت السيارة بسرعة متوسطة، وعندما تجاوزت المكان، كانت البوابات الصخرية للمقر السري تُفتح في صوتٍ مكتوم، وعندما تجاوزتها السيارة، أُغلقَت من جديد … وفي الخلاء الذي يُحيط بالمقر السري وحيث توجد مناطق الألغام والإنذار، كان الطريق الأسفلتي الأسود يتعرَّج كثعبانٍ ضخم، بينما كانت السيارة تقطعه في سرعة البرق.

لم يكن أحد من الشياطين يتحدث، كانوا قد استغرقوا في تأمُّل الفضاء المحيط بهم، مع الموسيقى الهادئة التي تتردَّد في فراغ السيارة.

فجأة قالت «ريما»: متى نكون في «دالاس»؟

ابتسم «أحمد» وقال: ربما مع الغروب … نكون هناك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤