عالم غريب … في المركز السري

التصق بالحائط، وهو يُصوِّب مسدسه في انتظار أن يخرج أحد، إلا أن أحدًا لم يظهر. تقدم بسرعة من أحد الأبواب، وألقى قنبلة دخان. مرت دقيقة قبل أن تغرق الغرفة في اللون الأخضر، تقدم إلى الداخل، وتوقف فجأة في ذهول. لقد كانت هذه غرفة الاتصالات. في لمحة، كان قد استطاع أن يُلم بكل شيء. كانت هناك أجهزة تليفونات خاصة، تُسجِّل المكالمات الخارجية، ضغط زرًّا فيها، وبدأ يسمع. كانت إحدى المكالمات من «طوكيو». كانت البداية كالآتي: «جاك بيلي» يتحدث.

أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين، يُخبرهم أن الغرفة التي يريدونها قد وقعت. وأن عليهم أن يتجمعوا عند النقطة «ص». في نفس الوقت، كان يؤمن دخول الغرفة خوفًا من أي هجوم. فكر لحظة: إن إغلاق الغرفة بالإشعاع السري سوف يكون أحسن، مع الانضمام للمعركة الدائرة مع العصابة.

وفي لحظة قرَّر قراره، ثم ثبَّت جهاز الأشعة على فُوَّهة مسدسه، وقفز بسرعة إلى الخارج، ضغط زناد المسدس، فبدأ الباب يتحرك حتى أُغلق تمامًا. قال لنفسه: الآن لا يستطيع أحد فتح الباب إلا عن طريق الشياطين.

وبسرعة وضع علامة الشياطين على الباب، حتى لا يتوه عنها، ضغط جهاز البوصلة الذي يحمله، فتحرك المؤشر إلى اتجاه محدد. عرَف أن الشياطين في نفس الاتجاه. تحرك بسرعة. كانت أصوات الطلقات تُدوِّي … ظل يقترب، لكن فجأة سمع من يناديه همسًا. توقف لحظة.

جاءه الصوت مرة أخرى: إنني على بعد ثلاث خُطوات منك.

نظر بجواره فرأى «أحمد» انضم إليه.

همس «أحمد»: إن «جاك بيلي» في الغرفة المجاورة.

قال «رشيد»: أي «جاك بيلي»؟

همس «أحمد» مبتسمًا: كثيرون.

ثم أضاف بعد لحظة: يبدو أنهم يلبسون قناعًا واحدًا.

قال «رشيد»: هل نقوم بهجوم؟

رد «أحمد»: عندما يصل بقية الشياطين …

ظلا في مكانهما غير أن رسالة شفرية وصلت إلى «أحمد». كان جهاز الاستقبال الدقيق يصدر إشعاعًا، فبدأ يتلقى الرسالة. وعرف أنها من «ريما». كانت الرسالة تقول: «٢ – ١٨ – ٨» وقفة «٣ – ٦ – ٢٤ – ٢٩ – ١٥» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٠ – ٢٩ – ٢٣ – ٢٤» وقفة «٤ – ٢٤» وقفة «١ – ٢٣ – ٢١ – ٢ – ١٥» وقفة «١٨ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «٢٤ – ٨ – ٢٩ – ١٠» وقفة «٢٤ – ٢٧ – ١ – ١٢ – ١٢ – ٢٦» وقفة «١ – ٢٨ – ٢٣ – ٢٩ – ٢٢ – ٣ – ١٠ – ٢٧ – ٢٥ – ٢٩ – ٣» وقفة «١ – ٢٣ – ٨ – ٢١ – ٢٩ – ٢١ – ٢٦» انتهى.

وكانت ترجمة الرسالة: «بعد تحميض الفيلم، تم القبض على مدير مؤسسة الإلكترونيات الدقيقة.»

انتهى «أحمد» من ترجمة الرسالة، فعلت وجهَه ابتسامةٌ راضية، وقال: لقد وضعنا أيديَنا على بداية الخيط، إن العصابة تستخدم المواطنين الكبار في الشركات والبنوك لتحقيق أغراضها.

وصل بقية الشياطين، الآن يقف الأربعة معًا: «أحمد» و«قيس» و«رشيد» و«عثمان».

قال «أحمد»: إن خُطَّة الهجوم الأخيرة تبدأ الآن على هذه الغرفة التي نقف خارجها، إنها تمثل غرفة القيادة، والسيطرة عليها تعني السيطرة على المركز كله.

كان «رشيد» لا يزال يُمسك مسدسه بجهاز الإشعاع. تقدَّم وصوَّب المسدس إلى الغرفة، فبدأ الباب ينفتح، في نفس اللحظة التي ألقى «عثمان» و«قيس» بقنبلتَي دخان. مرت دقيقة، ثم بدأ اللون الأخضر يملأ الغرفة.

وقال «أحمد» بصوت آمر: انتظر لحظة.

إلا أن أحدًا لم يخرج، فأطلق دفعة طلقات في سقف الغرفة، حتى لا يصيب أحدًا. لكن لم تكن هناك أي حركة، نظر إلى «رشيد» وتحدث إليه بلغة الشياطين. صوَّب «رشيد» مسدسه إلى جدار الغرفة، فانشق نصفين، وظهرت الغرفة كاملة. كانت دهشة الشياطين كبيرة؛ إن الغرفة ليس بها أحد.

قال «أحمد» بسرعة: لا بد أنهم اختفَوا عن طريق أرضية الغرفة، فالجدران ليس لها اتصال بأماكن أخرى.

أسرع الشياطين إلى الداخل. لم يكن يظهر شيء في أرضية الغرفة، فهي ﺑ «الموكيت» الأزرق، غير أن عين «أحمد» النافذة تمامًا استطاعت أن تقع على خط لا يكاد يظهر، كان يبدو وكأنه جزء في «الموكيت»، أسرع بعينيه وراء الخط الذي كان ينتهي عند الجدار، حيث كان زر الإضاءة، ضغط عليه بسرعة ضغطتَين متتاليتَين، فانشقت أرضية الغرفة عن سُلَّم جانبي، ينتهي عند صالة متوسطة الحجم، أسرع الشياطين عن طريق السلم إلى أسفل، وعندما أصبحوا داخل الصالة، فُتحَت فجأة عدة أبواب، وظهرت مجموعة من الرجال متشابهي الملامح، إلا أن ذلك لم يكن مُهمًّا الآن؛ ففي لمح البصر كانت قد بدأت المعركة.

قفز «أحمد» في الهواء، وضرب رجُلَين معًا، فاصطدما بعددٍ منهم، وفقدوا السيطرة على الموقف. في نفس الوقت كان الشياطين قد بدءوا الاشتباك، سدَّد «عثمان» ضربة إلى الرجل الذي أمامه، في نفس الوقت الذي كانت فيه قدمه قد اندفعت في عنف لتطيح بآخر، أما «رشيد» فقد كانت ضرباته تنزل كالصاعقة فوق أقرب رجل إليه.

فجأة، رأى «أحمد» أحدهم ينزل بسكين لامعة في ظهر «قيس» الذي كان يشتبك مع آخر. وفي لمح البصر كان قد قذف بمسدسه بقوة فأطاح السكين من يد الرجل، ولم يترك له فرصة، فقد قفز بسرعة إليه، وسدد له لكمةً قوية، ثم التقط مسدسه الذي كان قد وقع.

كان «قيس» قد انتهى من الرجل الذي اشتبك معه، فأستدار يرقُب «أحمد» الذي كان قد قفز خارجًا من المكان. لقد كانت هناك خدعة. إن الأبواب كانت تأخذ طريقها إلى الانغلاق. وفي لمح البصر كان «قيس» خارجًا أيضًا. وفي سرعة، كانت الأشعة السرية توقف عمل الأبواب.

إلا أن هذه لم تكن النهاية. لقد كانت هناك بدايات أخرى. كان هناك دبيب أقدام خافتة، وكأنه طنين النحل.

أنصت «أحمد» قليلًا ثم همس: هناك هجوم جديد.

كان يرقب نهاية المعركة الداخلية بين «رشيد» و«عثمان» … ومن تبقَّى من الرجال … وكان الاثنان يسيطران على الموقف تمامًا.

فكَّر قليلًا وقال: استعد، علينا بتجهيز قنابل التخدير.

أسرع يُخرج من جيبه قنبلتَين، لا تزيد حجم الواحدة عن «بلية» صغيرة، وفعل «قيس» نفس الشيء.

أنصت «أحمد» مرة أخرى، ثم همس: ألقِ القنابل.

وبسرعة، دحرج «قيس» قنبلتَين كما فعَل «أحمد»، ولم تمضِ لحظة، حتى كان الدخان المخدر ينساب من القنابل الأربع.

ومرة أخرى، انفتحَت عدَّةُ أبواب وظهرت مجموعة غريبة من الكلاب المتوحشة، حتى إن «عثمان» صرخ من الداخل وهو يُسدِّد لكمةً لآخر رجل أمامه: احذرا الكلاب!

إلا أن الكلاب لم تستطع أن تتقدم خطوة واحدة؛ فقد فعَل الدخان المخدر فِعله، وتهاوت الكلاب الواحد بعد الآخر.

لم ينشغل الشياطين بها.

قال «رشيد» بعد أن انتهى من معركته: علينا بغرفة الاتصالات، إن كل المعلومات هناك.

وفي لمح البصر، كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى حيث أشار «رشيد» … إلا أن العصابة لم تكن قد استسلمت. لقد كانت هناك اشتباكات أخرى، عندما اقترب الشياطين من غرفة الاتصالات، كانت هناك مجموعة من الرجال، تقف خارجها، وهي تحاول فتحها. اختفى الشياطين وهم يرقبون ما يحدث.

كان الشياطين يعرفون أنه لا يمكن فتح الغرفة إلا إذا تم نسفها، لأن الأشعة السرية لا يمكن التغلب عليها بالطريقة العادية. في نفس الوقت، كانت دهشة الشياطين كبيرة، لقد كان هناك أكثر من «جاك بيلي» يقفون بين الرجال.

أسرع «أحمد» بإرسال رسالة موجزة إلى رقم «صفر». في نفس الوقت الذي قال فيه «جاك بيلي»: لا بد من نسف الغرفة، إن كل المعلومات التي لدينا مسجلة داخلها.

رد «جاك بيلي» آخر: إن نسفها يعني القضاء على كل المعلومات.

كانت المحاولات لا تزال تجري أمام الغرفة المهمة.

اقترح «جاك بيلي» ثالث أن يتم فتح فجوةٍ في السقف.

وعندما تحرك بعض الرجال، لتنفيذ ما أشار إليه، كان الشياطين قد تراصوا كالسد أمامهم. وقف الجميع ينظرون في دهشة. إن الشياطين الأربعة، كانوا يلبسون قناعًا واحدًا فيبدون وكأنهم إنسان مكرر. لقد اقترح «أحمد» الخدعة عندما أرسل إلى الشياطين بتنفيذ الخُطة «ل».

همس «جاك بيلي»: من هؤلاء؟ لا بد أنهم شياطين، أو شيطان واحد … يلبس أربعة أقنعة.

ابتسم «أحمد» وقال: عزيزي «جاك بيلي» ينبغي أن تستسلم، لقد التقينا في «نجاساكي»، وها نحن نلتقي مرة أخرى في «دالاس»، أليست هذه نهاية طبيعية؟

ولم يرد «جاك بيلي» …

تقدَّم «أحمد» في حذر منهم، ثم أمسك بالقناع ونزعَه عن وجه «جاك بيلي». ظهر رجل عجوز متهدم الملامح.

قال «أحمد»: لا أظن أن «جاك بيلي» الآخر … قد تقدم في السن.

وقبل أن يتقدم من الآخر، كان صوت يتردد في المركز كله: استسلموا، وإلا نسفنا المركز جميعه!

رد «أحمد» من خلال اللاسلكي الذي يحمله: إن الأمور على ما يُرام، لقد انتهى كل شيء.

وفي لحظة كانت شرطة الولايات المتحدة قد ظهرت، يتقدمها ضابط كبير، ابتسم، وهو ينظر إلى الشياطين، ثم قال: تهنئتي، لقد قضيتم على واحدة من أشد الحروب ضراوةً، فهي حرب المعلومات التي تضر باقتصاد العالم كله.

وعندما كان الشياطين يغادرون المركز، كانت رسالة قد وصلت من رقم «صفر» يقول فيها: «إن الشياطين قادرون دائمًا على محاصرة الشر. لقد أديتم عملًا جليلًا، الاجتماع غدًا، فهناك مهمة سريعة.»

عندما قرأ الشياطين الرسالة ضحكوا؛ لأنهم كانوا يفكرون في المغامرة الجديدة التي كانوا يظنون أنها سوف تتأخر بعض الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤