مفاجأة مثيرة

في صباح اليوم التالي، وفي العاشرة تمامًا الْتقى المفتش و«تختخ» و«لوزة» في موعدهم أمام الفندق، ثم صعدوا سلالم المدخل واتجهوا إلى موظَّف الاستقبال، حيث كشف له المفتش «سامي» عن شخصيته وطلب الاطلاع على سجل النزلاء.

وفي غرفة مدير الفندق جلس المفتش يقرأ الأسماء التي نزلت بالفندق خلال الأسبوع الأخير كله … كان العدد ضخمًا يزيد على مائتَي شخص … مزيج كبير من السياح من جميع أنحاء العالم … ومن البلاد العربية … وبينما كان المفتش يقرأ كل اسم ووظيفته … والمكان الذي حضر منه … لاحظ «تختخ» أن هناك ثلاثة رجال مصريين قد نزلوا في الفندق صباح نزول «بونجا» و«ناندا»، وأن هؤلاء الرجال قد طلبوا حجز أربع غرف، منها غرفة لزميل لهم لم يكن قد حضر بعد.

قال «تختخ»: إن هؤلاء الرجال الثلاثة يُثيرون الشبهة!

المفتش: لماذا يا «تختخ»؟

تختخ: إن وظائفهم التي قرأتها تبعث على التساؤل … إنهم جميعًا مندوبو مبيعات … ولست أُصدِّق أن مندوب المبيعات يُمكن أن يكون قادرًا على دفع أجرة غرفة في هذا الفندق … وهم جميعًا من القاهرة، فما معنى أن ينزل شخص يعيش في القاهرة وله منزل فيها في فندق «شيراتون» … إلَّا إذا كان وراء ذلك شيء غير عادي، بالإضافة إلى أنهم نزلوا في الدور الحادي عشر حيث كانت تنزل الفتاة، وفي نفس اليوم.

المفتش: استنتاج معقول.

لوزة: المهم … هل هؤلاء الرجال ما زالوا في الفندق أم غادروه؟

نظر مدير الفندق في السجل ثم قال: إنهم ما زالوا هنا.

المفتش: في هذه الحالة يمكن فورًا مقابلتهم والحديث إليهم …

وجمع المفتش رجال الأمن في الفندق، وطلب منهم الإسراع بمحاصرة أبواب الخروج … وأسرع الرجال لتنفيذ الأمر، وأسرع المفتش «سامي» و«تختخ» و«لوزة» إلى صالة الفندق ووقفوا ينظرون في الداخلين والخارجين … في حين أن رجال الأمن يسألون الخارجين عن أسمائهم ووظائفهم.

المفتش: لعل هؤلاء الرجال ما زالوا في غرفهم … تعالَوا نصعد إلى فوق.

وأسرع الثلاثة إلى المصعد، الذي تحرَّك بهم سريعًا إلى الدور الحادي عشر، واتجهوا إلى غرف الرجال الثلاثة، وكان أحد الفرَّاشين يقف في الممر، فسأله المفتش عن الرجال الثلاثة، فقال ببساطة: لقد خرجوا منذ قليل وأخذوا معهم حقيبةً كبيرة.

ونزل الكلام على المفتش و«تختخ» و«لوزة» نزول الصاعقة! لقد فرَّت العصابة بغنيمتها في الوقت المناسب … لقد كان الفارق دقائق قليلة … ولكنها كانت تساوي الكثير!!

قال المفتش: تعالوا ننزل فورًا فقد يكونوا ما زالوا موجودين.

وأسرع الثلاثة بالنزول … ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان … فلم يكن في صالة الفندق أو الكافتيريا أثر لهم … كما أن رجال الأمن لم يُقابلوهم … لقد خرجوا قبل أن يحاصر رجال الأمن المكان بثوانٍ.

قال «تختخ» مقترحًا: من الأفضل أن نُفتش غرفهم … فقد نجد شيئًا يدلُّنا عليهم.

ومرةً ثالثةً أسرعوا إلى المصعد، ومعهم أحد رجال الأمن في الفندق … وفتحوا الأبواب … وبدءوا التفتيش في الغرف الأربع، ولم يكن هناك إلا حقيبتان بهما بعض الملابس. ولكن شيئًا آخر لفت نظر «تختخ»؛ كان رباطًا من الشاش عليه آثار «الميكروكروم»، قال «تختخ» في أسف: كانت استنتاجي صحيحًا … ولكن بعد فوات الوقت … لقد كانت «بونجا» معهم، وهذا هو الرباط الذي كانت تربط به وجهها.

قال المفتش: على كل حال عندنا أثر … فهناك عناوينهم في سجل الفندق، وقد نعثر عليهم عن هذا الطريق، وسأقوم مع رجالي بالبحث عنهم.

وعاد الثلاثة إلى صالة الفندق مرةً أخرى، وبعد الحصول على العناوين من سجل الفندق انطلقوا في سيارة المفتش، حيث نزل «تختخ» و«لوزة» في باب اللوق ليستقلَّا القطار إلى المعادي، وواصل المفتش طريقه إلى مقرِّه.

قالت «لوزة» والقطار منطلق بهما إلى المعادي: لقد كان استنتاجك صحيحًا يا «تختخ»، ولكنه حظ سيئ.

قال «تختخ»: إن الوقت عامل حاسم في كل شيء … وليس هناك قيمة لعمل لا يأتي في غير وقته المناسب.

لوزة: ولكن هناك عناوين هؤلاء الرجال.

تختخ: إنني متأكد أنها عناوين زائفة … فليس من المعقول أن تكون العصابة على هذا القدر من الغباء فتترك عناوين صحيحةً ليُمكن القبض على أفرادها ببساطة. إن البطاقات نفسها مزيفة.

لوزة: والرباط الشاش … ألا يمكن الاستدلال منه على شيء؟

تختخ: لا أدري. لقد أخذه المفتش معه … ولا أدري ما قيمته إلَّا كدليل على وجود الفتاة معهم.

وصل القطار إلى المعادي … وانطلق «تختخ» و«لوزة» إلى حديقة منزل «عاطف» حيث اعتاد الأصدقاء أن يجتمعوا، وقد كان الثلاثة الباقون هناك في انتظارهما.

صاحت «لوزة» عندما رأتهم: لقد طارت العصافير من القفص!

نوسة: أية عصافير؟

لوزة: العصابة والعصفور الصغير «بونجا».

نوسة: لا أفهم ماذا تعنين!

لوزة: سيشرح لكم «تختخ» كل شيء.

محب: إننا نريد القصة من أولها … حتى نستطيع متابعة ما تقولون.

تختخ: أستطيع أن أروي لكم القصة كما أتخيَّلها … ولكن هناك نقاطًا لم تتضح بعد، ولعل الحوادث تكشفها في المستقبل.

وجلس الأصدقاء الأربعة يُنصتون إلى «تختخ» وهو يروي قصة الاختطاف كما يتخيَّلها.

قال «تختخ»: لأسباب لا أعرفها هناك مصلحة لأشخاص مُعيَّنين في خطف «بونجا» … والمفروض أنهم يعلمون بتاريخ وصولها إلى بلادنا للدراسة، وقد وجدوها فرصةً مناسبةً لخطفها بعيدًا عن بلدها … وصلت «بونجا» ومعها سكرتيرها «ناندا» إلى أسوان، وهناك فيما أعتقد حاولت العصابة خطفها، فحادث السيارة الذي رواه «ناندا» يمكن أن يكون طريقة خطف؛ فقد حاولت العصابة صدم السيارة التي تركبها «بونجا» والسكرتير والمربية صدمةً قوية، بحيث يُغمى عليهم أو يُصابون بجراح خطيرة، فيمكن حملهم دون أن يقاوموا، ولكن هذه المحاولة لم تنجح … وهكذا تبعوا الفتاة في الطائرة إلى القاهرة … ونزلوا في نفس الفندق، واستطاعوا بطريقة ما أن يعرفوا أن هناك مدرسين سيزورون «بونجا» للاتفاق مع «ناندا» على المدرسة التي ستدخلها، وذهبوا ليلًا بهذه الدعوى، حيث استقبلهم «ناندا» والفتاة، وبالطبع طلب لهم «ناندا» مشروبًا وحضَّر الشاي، وبطريقة ما استطاعوا دسَّ المخدِّر في الشاي لكلٍّ من «بونجا» و«ناندا»، ثم عندما أحدث المخدِّر تأثيره؛ قيَّدوا «ناندا»، حتى إذا أفاق ليلًا من المخدِّر لا يستطيع أن يطلب النجدة. وحملوا «بونجا» معهم، ويبدو أنهم حاولوا الخروج بها من الفندق، ولكن لسبب لا أعرفه لم يتمكَّنوا … ففي الليل المتأخِّر يقل رواد الفندق ويمكن رؤيتهم وهم يخرجون بها … وقد فضَّلوا الانتظار إلى الصباح حيث خرجوا بها في الحقيبة … سكت «تختخ» لحظات ثم سأل: ما رأيكم في هذه القصة؟

محب: إنها قصة معقولة.

لوزة: ليس هناك احتمال آخر.

عاطف: ممكن أن يحدث هذا.

نوسة: أوافق.

تختخ: أليس لديكم أية أسئلة؟

هرش «محب» رأسه ثم قال: لماذا نزلوا في الفندق؟

تختخ: إنهم كنزلاء لهم حرية في الحركة أكثر، ولن يسألهم أحد لماذا هم هنا أو هناك، أمَّا إذا لم يكونوا نزلاء فكيف يُبرِّرون مثلًا صعودهم إلى الطابق الحادي عشر؟

محب: معقول.

نوسة: ألم تقاوم الفتاة في الصباح بعد زوال تأثير المخدر؟

تختخ: ربما كانت ما تزال تحت تأثيره.

عاطف: وماذا تظن أنه سيحدث بعد ذلك؟

تختخ: ذلك متوقِّف على مهارة رجال الشرطة في متابعة العصابة.

لوزة: وهل سيكون لنا دور؟

تختخ: لا أعتقد.

وتفرَّق اجتماع الأصدقاء بعد ذلك وقد اعتبروا المغامرة منتهيةً بالنسبة لهم … ولكن …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤