كيف خُطفت «بونجا»؟

جلس المفتش و«تختخ» في شرفة الفندق يتحدَّثان ويشربان الشاي. قال المفتش وهو ينظر إلى النيل يجري أمامهما: يبدو أن «ناندا» قد اختفى هو الآخر … وهكذا فقدنا كل فرصة في الوصول إلى حل اللغز.

تختخ: طبعًا … لقد اختفى «ناندا» لأنه هو الذي دبَّر خطف «بونجا»، وفي الواقع إنه دبَّر خطةً ممتازة … واستطاع خداعنا … وقد وقعت أنا في خطأ التحدُّث معه … لقد أدرك من حديثي معه في «جروبي» أننا بدأنا نضع أيدينا على أول خيط يكشفه … فسارع بالفرار … ولكنني في الحقيقة كنت أستبعد تمامًا اشتراكه في الحادث … خاصةً وأننا وجدناه في غرفته مشدود الوثاق …

المفتش: فعلًا … وقد قال الطبيب الشرعي إنه كان واقعًا تحت تأثير مخدِّر، ووثقنا طبعًا في كلام الطبيب.

تختخ: لقد كان مخدَّرًا فعلًا … ولكن بإرادته … وقصة اختطاف «بونجا» من فندق «شيراتون» قصة مُلفَّقة كلها! فالفتاة «بونجا» لم تدخل «شيراتون» مطلقًا … بل إنها لم تصل القاهرة حتى الآن!

الْتفت المفتش إلى «تختخ» مندهشًا وقال: ماذا تقصد من هذا الكلام؟!

تختخ: ما قلته بالضبط … فالفتاة «بونجا» قد خُطفت في «أسوان»، ولكن «ناندا» الذكي أراد تضليل الشرطة … وقد نجح في هذا فعلًا.

المفتش: إذا كانت «بونجا» قد خُطفت في أسوان، فمن هي الفتاة التي كانت مع «ناندا» في «شيراتون»؟

تختخ: فتاة أخرى لا تعرف «بونجا» ولم ترَها «بونجا» مطلقًا … والقصة الكاملة كما أتصوَّرها حدثت كالآتي:

وسكت «تختخ» لحظات يستجمع أفكاره ثم قال: حضر «ناندا» مع «بونجا» إلى أسوان وقد وضع خطةً محكمةً لخطفها … وفي أسوان استطاع بمساعدة بعض أعوانه خطف «بونجا» بعد أن أبعد مُربِّيتها بطريقة ما، ثم أحضر فتاةً أخرى بواسطة هؤلاء الأعوان أيضًا لتحل محل «بونجا»، واخترع قصة إصابة «بونجا» في حادث السيارة، وهو بالتأكيد حادث لم يقع؛ حتى يستطيع إخفاء وجه الفتاة خلف الضمادات، والدليل أن الطبيب الشرعي أكَّد أن الضمادات خالية من آثار دماء أو جرح حديث — وهكذا ضمن «ناندا» أنه لو رآها شخص يعرفها من السفارة مثلًا — لما استطاع معرفة وجهها من الشاش المربوط عليه، وبهذا أيضًا استطاع تضليل موظف الاستقبال في الفندق الذي يطلع عادة على جواز السفر وينظر في الصورة … لقد كان وجه الفتاة مختفيًا خلف الشاش الكثير … ولم يكن في استطاعة موظف الفندق أن يتبيَّن وجهها … إذا حاول ذلك.

قال المفتش: هذا تفسير معقول جدًّا.

تختخ: وكان «ناندا» يعرف أن عددًا من الموظفين سوف يحضر للسؤال عن «بونجا» حسب الاتفاق مع الحكومة المصرية … وانتهز هذه الفرصة وطلب خمسة أكواب من الشاي ليُدلِّل على وجود ضيوف عنده، ولم يكن هناك ضيوف على الإطلاق … بل كان هناك بعض أعوانه، الذين وضعوا له المخدِّر في الشاي … ثم أوثقوه ليبدو كل شيء طبيعيًّا أمام رجال الشرطة عندما يحققون في الحادث … ويبدو أمامهم أن حادث الاختطاف قد تمَّ في القاهرة، وفي فندق «شيراتون» … برغم أنه في الأغلب تمَّ في أسوان.

المفتش: الآن اتضح كل شيء … وقد كان يجب أن نشك في «ناندا» من البداية، فلعلك تذكر أن الفراش الذي حمل حقيبة «بونجا» قال إنها كانت حقيبةً صغيرةً وخفيفة … كذلك الذي حمل حقيبة «ناندا»، وليس من المعقول أن يحضرا من بلدهما البعيد وليس معهما سوى حقيبتَين ليس بهما إلَّا بعض الملابس الخفيفة في هذا البرد.

تختخ: فعلًا … كان يجب أن يلفت هذا الحديث نظرنا.

المفتش: على كل حال … هناك نقطة في صالحنا … إن «ناندا» و«بونجا» ما زالا في الجمهورية … ولن يستطيعا مغادرتها بسهولة.

تختخ: هناك نقطة أخرى … إنني أتصوَّر أن «ناندا» الآن في «أسوان»، أو هو في الطريق إليها … فإن «بونجا» ما زالت في الغالب هناك، وإنني أعتقد أنه سيحاول إخراجها من البلاد عن طريق أسوان … فعلى ما أعلم هناك بعض طرق القوافل بين بلادنا والسودان … أو قد يحاول أن يذهب بها عن طريق البحر الأحمر … على كل حال … إن علينا الآن أن نصل إلى أسوان فورًا.

المفتش: لحسن الحظ إن هناك طائرةً إلى أسوان اليوم وموعدها الواحدة والنصف، وسأحاول حجز مكانَين لنا عليها، فما زالت الساعة العاشرة والنصف وأمامنا ثلاث ساعات.

تختخ: أرجو أن توافق على حضور بقية المغامرين الخمسة … فسوف نحتاج إليهم هناك.

المفتش: ذلك يتوقَّف على وجود أماكن لهم في الطائرة.

تختخ: سأذهب الآن بتاكسي إلى المعادي لأجهز حقيبتي وأتفق مع الأصدقاء، وسأحدثك تليفونيًّا من هناك لتخبرني عن التذاكر.

وأسرعا معًا بالخروج من الفندق … فاتجه المفتش إلى مكتبه، واتجه «تختخ» إلى المعادي، ولم يكد يصل إلى منزله حتى جلس بجوار التليفون، واتصل ﺑ «محب» في منزله وطلب منه الاستعداد هو وشقيقته «نوسة» للسفر إلى أسوان بالطائرة، واتصل ﺑ «عاطف» ليستعد هو و«لوزة» للسفر أيضًا.

واستطاع «تختخ» بلباقة أن يُقنع والدَيه بالسفر، خاصةً عندما قال لهما إنه سيسافر مع المفتش «سامي»، وكذلك فعل «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة». ولم تمضِ ساعة حتى كان الأصدقاء في منزل «تختخ» وكلٌّ منهم يحمل حقيبته … وجلسوا جميعًا في انتظار اتصال «تختخ» بالمفتش «سامي»، وقد ملكهم القلق والشوق والرغبة في المغامرة، فلو لم تتوافر تذاكر بالطائرة فسوف يبقون ولا يشتركون في المغامرة.

عندما اتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» أخطره المفتش أنه حتى الآن لم يستطِع الحصول على التذاكر … ولكنه ما زال يحاول … وقد أخطرته شركة «مصر للطيران» أن هناك ثلاثة أماكن فقط … ولكن قد يتخلَّف بعض المسافرين عن السفر، وفي هذه الحالة يمكن حجز الأماكن الباقية.

قالت «نوسة»: أقترح أن نتحرَّك ونذهب إلى المطار؛ فالوقت ضيق، فإذا وجدنا تذاكر ركبنا … وإذا لم نجد … إمَّا أن نعود إلى المعادي، أو نسافر بالقطار ونلحق بمن سيسافر.

كانت «لوزة» شديدة القلق لا تجلس في مكان إلَّا وتقوم؛ كانت شديدة الرغبة في السفر بالطائرة؛ فهذه أول مرة تسافر بها … ووافق الأصدقاء على اقتراح «نوسة»، واتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» واتفقا على اللقاء في المطار، وسرعان ما كانت تحملهم السيارة إلى المطار.

كان يومًا باردًا كثير الغيوم … والسيارة تشق طريقها مسرعةً إلى المطار تحمل الأصدقاء الخمسة … وتحمل آمالهم في السفر معًا بالطائرة.

وعندما وصلت السيارة إلى المطار خفقت قلوبهم أمام المبنى الضخم … وأسرعوا إلى الصالة الواسعة حيث يحتشد مئات المسافرين إلى كل أنحاء العالم.

قالت «لوزة»: ألسنا في حاجة إلى جوازات سفر؟ … إنني أعرف أن كل المسافرين بالطائرة لا بد لهم من جواز سفر.

قال «تختخ»: هذا إذا كنت ستغادرين البلاد إلى بلد آخر … أمَّا في داخل الجمهورية فلست في حاجة إلى جواز سفر … كل ما هناك أنهم يأخذون الاسم والعنوان فقط.

لوزة: وهل ستكون لي تذكرة؟

تختخ: طبعًا … وأنت الآن كبيرة وهم يسمحون للمواليد الصغار فقط بالسفر مجانًا.

كان أزيز الطائرات الصاعدة والهابطة يملأ الجو … وكان مُكبِّر الصوت يحمل التعليمات إلى المسافرين والمستقبلين: الطائرة رقم ٧١٤ القادمة من «لندن» تصل بعد خمس دقائق في موعدها … الطائرة رقم ٤٥٤ المسافرة إلى «موسكو» تقوم بعد نصف ساعة … على الركاب الانتهاء من إجراءات الجوازات والاتجاه إلى صالة الترانزيت.

سألت «لوزة»: ما هو الترانزيت يا «تختخ»؟

تختخ: إنه المسافر الذي يبقى داخل الدائرة الجمركية ولا يغادرها إلى داخل البلاد … أي المسافر الذي يمر بالبلاد ولا يبقى فيها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤