الربيع

نَيْسَانُ يَا مَلِكَ الشُّهُورِ تَحَيَّةٌ
مِنِّي أُرَدِّدُهَا بِكُلِّ مَكَانِ
لَكَ كُلَّ عَامٍ زَوْرَةٌ مَحْبُوبَةٌ
هِيَ يَقَظَةُ الأَرْوَاحِ وَالأَبْدَانِ
مَا هَذِهِ الحُلَلُ الَّتِي تُكْسَى بِهَا
فَيَظَلُّ نُورُكَ بَاهِرَ اللَّمَعَانِ
هَلْ شَاطَرَتْكَ الشَّمْسُ دُرَّ شُعَاعِهَا
فَغَدَوْتَ مِنْ هُجْرَانِهَا بِأَمَانِ
أَمْ تِلْكَ «حَوْلِيَّاتُ» شِعْرِكَ تَوَّجَتْ
زَمَنَ الهَوَى يَا شَاعِرَ الأَزْمَانِ

•••

لَكَ يَا رَبِيعَ الدَّهْرِ عِنْدِي ذِمَّةٌ
تَرْعَاكَ فِي صَدْرِي وَفِي أَجْفَانِي
لَوْ أَنْصَفُوا تَرَكُوا القُصُورَ وَعَيَّدُوا
لَكَ فِي ظِلَالِ الرَّوْضِ وَالبُسْتَانِ
مَا لِي وَلِلْإِجْهَادِ لَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ
غَيْرَ الهَجِيرِ وَغُلَّةِ الظَّمْآنِ
يَتَنَازَعُونَ عَلَى الحَيَاةِ وَلَوْ دَرَوْا
وَجَدُوا الحَيَاةَ بَصَدْرِكَ المَلْآنِ
هِيَ سَاعَةٌ لِلْحُبِّ مَا سَكَتَتْ عَلَى
نَدَمٍ وَلَا دَقَّتْ عَلَى خُسْرَانِ

•••

يَا أَرْضُ يَا وَطَنَ الجَمِيعِ وَإِنْ تَكُنْ
قَسَمَتْكِ أَلْسُنُهُمْ إِلَى أَوْطَانِ
إِنْ كُنْتِ مَأْوَى الجِسْمِ بَعْدَ جُمُودِهِ
فَالجِسْمُ لَيْسَ مَعَ الجُمُودِ بِفَانِ
أَرْوَاحُ مَنْ نَبْكِي بَعَثْتِ رُسُومَهَا
فِي الزَّهْرِ ضَاحِكَةً وَفِي الأَغْصَانِ
«فِي كُلِّ زَاهِرَةٍ تُرَقْرِقُ بِالنَّدَى»
عَيْنٌ تُخَاطِبُنَا بِأَلْفِ لِسَانِ

•••

لَوْ تَخْرِقُ الأَبْصَارُ صَدْرَكَ لَمْ تَجِدْ
إِلَّا فُؤَادًا دَائِمَ الخَفَقَانِ
تُرْوِي عَنَاصِرُهُ الجُذُورَ وَدُونَهَا
شَبَكٌ مِنَ الأَلْيَافِ وَالقُضْبَانِ
حَتَّى إِذَا شَبِعَتْ تَصَاعَدَ مَاؤُهَا
يُهْدِي إِلَى الأَوْرَاقِ خَيْرَ لِبَانِ
وَيَمُرُّ فِي الأَغْصَانِ يَمْلَؤُهَا دَمًا
شِرْيَانُهُ وَوَرِيدُهُ سِيَّانُ
عَمَلٌ يَضِيعُ العَقْلُ فِي ظُلُمَاتِهِ
وَقُوًى تُصَرِّفُهَا يَدُ العُمْرَانِ
تُطْوَى الحَيَاةُ بِهَا فَتَنْشُرُ زَهْرَةً
هِيَ — لَوْ عَلِمْتَ — شَقِيقَةُ الإِنْسَانِ

•••

لَيْتَ الحَبِيبَ يُقِرُّ يَوْمًا نَاظِرِي
وَكَمَا رَأَيْتُكَ يَا رَبِيعُ يَرَانِي
فِي الصَّدْرِ أَخْلَاقُ الشَّبَابِ حَبَسْتُهَا
وَمَنَعْتُهَا عَنْ مَعْشَرِي وَزَمَانِي
لَكِنْ إِذَا مَا مَسَّهَا بِيَمِينِهِ
هَبَّتْ فَكَانَ لَهُ رَبِيعٌ ثَانِ
وَرَأَى مِنَ الأَسْرَارِ طَيَّ بُرُودِهَا الـْ
ـخَضْرَاءَ مَا يُغْنِيهِ عَنْ نَيْسَانِ
وَغَدا يُعِيدُ عَلَى فُؤَادِي وَحْيَهُ
لُغَةَ الرَّجَا وَالحُبِّ وَالإِيمَانِ
فَأَقُولُ لِلزُّهْرِ المُنِيرَةِ غَيِّبِي
مَا شِئْتِ نُورَكِ فَهْوَ نُصْبُ عِيَانِي
وَأَقُولُ لِلنَّسْرِ المُحَلِّقِ فِي العُلَى
مَهْمَا سَمَوْتَ فَلَسْتَ تَبْلُغُ شَانِي
وَأَقُولُ لِلْغَابِ الفَصِيحِ سُكُوتُهُ
بِي مِثْلُ مَا بِكَ مِنْ شَجَيِّ مَعَانِي
وَأَقُولُ للسَّاقِي كُئُوسُكَ مُرَّةٌ
إِلَّا إِذَا مُزِجَتْ بِخَمْرِ بَيَانِي
وَأَقُولُ لِلْأَقْلَامِ بَعْدَ جُمُودِهَا
غَنِّي فَأَنْتِ اليَوْمَ طَوْعُ بَنَانِي

•••

هَذِي عَجَائِبُ مَنْ أُحِبُّ فَلَيْتَهُ
يَأْتِي فَيُلْهِبُ خَاطِرِي وَجَنَانِي
مَا زِلْتُ أَسْأَلُ عَنْهُ إِخْوَانَ الهَوَى
حَتَّى عَلِمْتُ بِأَنَّنَا أَخَوَانِ
إِنْ كَانَ يَفْهَمُنِي فَيَا لَسَعَادَتِي
أَوْ كُنْتُ أَجْهَلُهُ فَمَا أَشْقَانِي
١٩١١

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤