يوم تشرين

إِيهِ يَا شِعْرُ، إِنَّ يَوْمَكَ جَاءَ
فَاشْتَمِلْهَا أَرْضًا وَطِفْهَا سَمَاءَ
كَمْ بَعَثْنَاكَ فِي النُّفُوسِ لَهِيبًا
وَأَرَدْنَاكَ فِي العُقُولِ ضِيَاءَ
وَحَبَسْنَاكَ أَنْ تَضِيعَ بُخُورًا
وَأَبَيْنَاكَ أَنْ تَذُوبَ بُكَاءَ
وَلِهَذَا اليَوْمِ ادَّخَرْنَاكَ حَتَّى
نَمْلَأَ الخَافِقَيْنِ مِنْكَ سَنَاءَ

•••

إِنَّ لُبْنَانَ أَصْبَحَ اليَوْمَ حُرًّا
نَازِعًا مِنْ قُيُودِهِ أَشْيَاءَ١
يَزْرَعُ الجَوَّ وَالبِطَاحَ جَمَالًا
وَيُغَذِّي بِطِيبِهِ مَا شَاءَ
وَيُجَارِي بِالعَبْقَرِيَّةِ فِيهِ
أُمَمَ الغَرْبِ حِكْمَةً وَارْتِقَاءَ
فَتَرَى بِنْتُ «يَعْرُبَ» كَيْفَ يَحْيَا
شَامِخًا بَيْنَهَا، وَيَرْعَى الوَفَاءَ٢

•••

يَوْمَ لُبْنَانَ قَدْ خَطَطْتَ سُطُورًا
خَطَرَ المَجْدُ فَوْقَهَا كِبْرِيَاءَ
لَبِسَتْ هَامَةُ المَعَالِي سَنَاهُ
وَأَطَلَّتْ بِهِ ضُحًى وَضَّاءَ
وَمَشَتْ مَوْجَةُ الدُّهُورِ تُرَوِّي
سِدْرَةَ الخُلْدِ نَبْأَةً عَذْرَاءَ
كَيْفَ يَهْوِي الجَبَّارُ فَهْوَ صَرِيعٌ
وَأَخُو الحَقِّ يَعْتَلِي الجَوْزَاءَ
إِنَّ صَرْحَ الطَّاغُوتِ مَهْمَا تَنَاهَى
فَحِطَامًا يَغْدُو وَيَغْدُو هَبَاءَ
طَالَ لَيْلُ الشَّقَاءِ مِنْ قَبْلُ حَتَّى
خِلْتُ دَهْرِي مُطَبِّقًا ظَلْمَاءَ
نَحْمِلُ الضَّيْمَ صَابِرِينَ فَلَا نَقـْ
ـطَعُ عَهْدًا وَلَا نُضِيعُ رَجَاءَ
وَنُنَادِي بِالحَقِّ، حَتَّى إِذَا مَا
حَصْحَصَ الحَقُّ، وَاسْتَعَرْنَا نِدَاءَ
هَجَمَ البَغْيُ فِي سُكُونِ الدَّيَاجِي
فَاسْتَبَاحَ الحِمَى وَسَدَّ الجِوَاءَ
وَرَمَى بِالرَّئِيسِ فِي ظُلْمَةِ النَّفـْ
ـيِ وَأَلْقَى مِنْ حَوْلِهِ الزُّعَمَاءَ

•••

يَا لَهَا سَاعَةً تَأَلَّقَ فِيهَا
وَجْهُ لُبْنَانَ عِزَّةً وَإِبَاءَ
غَضِبَتْ أُمَّةٌ سَقَاهَا لَبَانَ الـْ
ـمَجْدِ تَأْرِيخُهَا فَعَزَّتْ مَضَاءَ
وَانْبَرَى الشَّعْبُ صَاخِبًا يَتَلَظَّى
وَتَنَادَى فَزَلْزَلَ الأَرْجَاءَ
زَمْجَرَ العُرْبُ حَوْلَهُ فَإِذَا الأَرْ
ضُ زَئِيرٌ فِي لَفْتَةٍ حَمْرَاءَ
وَرَأَيْنَا عَلَى العَرِينِ رِجَالًا
وَرَأَيْنَا عَلَى العَرِينِ نِسَاءَ
تَتَحَدَّى الحِرَابَ، لَيْسَتْ تُبَالِي
أَنْ تَنَالَ الحِرَابُ مِنْهَا دِمَاءَ
ظُلْمَةٌ أَطْبَقَتْ لِتُطْلِعَ فَجْرًا
رُبَّ خَطْبٍ يَسُرُّ مِنْ حَيْثُ سَاءَ

•••

يَوْمَ لُبْنَانَ كُنْتَ نُورًا وَنَارًا
تَبْعَثُ المَوْتَ وَالحَيَاةَ سَوَاءَ
فَعَلَى الحَقِّ تَسْتَقِرُّ أَمَانًا
وَعَلَى البُطْلِ نِقْمَةً نَكْرَاءَ
بَارَكَتْكِ الشُّعُوبُ ثَوْرَةَ حَقٍّ
حَفِظَتْهَا لَنَا يَدًا بَيْضَاءَ
وَرَوَاهَا التَّارِيخُ مَعْنًى نَبِيلًا
كُنْتَ فِيهِ اليَتِيمَةَ العَصْمَاءَ
عِيدُكَ اليَوْمَ هَزَّ مِنَّا قُلُوبًا
غَيْرَ أَنَّ القُلُوبَ تَحْمِلُ دَاءَ
إِنَّ جُرْحًا بِهِ فِلَسْطِينُ تَنْزَى
لَهْوَ جُرْحٌ يُصِيبُنَا شُرَكَاءَ

•••

يَا لَذِكْرَى تِشْرِينَ مِنَّا يَمِينًا
أَنْ يَكُونَ اسْتِقْلَالُنَا اسْتِعْلاَءَ
لَا كَلَامًا يُخَطُّ فِي الطِّرْسِ أَوْ يُتـْ
ـلَى فَيَمْضِي مَعَ الهَوَاءِ هَوَاءَ
جُلُّ مَا تَطْلُبُ الكَرَامَةُ مِنَّا
أَنْ تَرَانَا لِرَعْيِهِ أَكْفَاءَ
مَا بِدَقِّ الطُّبُولِ نَحْفَظُ مَجْدًا
لَا وَلَا بِالضَّجِيجِ نَحْمِي اللِّوَاءَ
فَانْشُدُوا وَحْدَةَ القُلُوبِ وَصُونُوا
إِرْثَ لُبْنَانَ إِنْ أَرَدْتُمْ بَقَاءَ
كَانَ مَهْدًا لِلْأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا
وَسَيَبْقَى يُجَدِّدُ الأَنْبِيَاءَ
١  إشارة إلى أنه لم يتم الجلاء بعدُ.
٢  إن للبنان وجهًا عربيًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤