إدارة السودان

لقد كان لإعادة فتح بلاد النوبة ثانية في عهد «أحمس الأول» في بداية الأسرة الثامنة عشرة أثر كبير في بناء الإمبراطورية الجديدة، وذلك لما كان يَرِد على مصر منها من أموال طائلة ساعدت مساعدة عظيمة في بناء مجْدها في «آسيا» وفي إقامة المباني الضخمة الدينية في داخل البلاد التي خرَّبها «الهكسوس»، وكان من أول الواجبات على الفراعنة بعد إعادة فتح بلاد «السودان» أن يضعوا أُسُسًا قويمة تسير عليها الدولة حتى يكون نفعُها عظيمًا، ولذلك رأى الفرعون أن يجعل علاقته ببلاد السودان علاقة خاصة لما بين البلدين من روابط قديمة ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ كما أسلفنا؛ ولذلك عيَّن لها حاكمًا أطلق عليه لقب «ابن الملك» حاكم بلاد «النوبة» فكان بحكم موضعه «نائب الفرعون».

والظاهر أن هذه الوظيفة قد أُنشِئت في عهد «أمنحتب الأول» وبَقِيَتْ حتى عهد الأسرة الحادية والعشرين، وقد كان آخر مَن لُقِّب بهذا اللقب هو «بي عنخي» ابن الفرعون «حريحور» (Petrie “History” Vol. III, p. 203 & M. M. A. II, P, 57)، غير أننا سنرى فيما بعدُ إدارة مصر لبلاد النوبة قد استمرت بعد عهد «حريحور» مدة طويلة، وقد جُدِّد لقب «نائب الملك» ثانية في عهد الأسرة الثالثة والعشرين، وذلك عندما تقلَّده موظف يُدعَى «أوسركون عنخ» (راجع Gauthier, B. I. F. A. O. XII p. 138).
ولكن يلاحظ في هذه الحالة أن الوظيفة كانت مجرَّد لقب شرف قديم بُعث من رقدته ومُنحه «أوسركون عنخ»، أو أنه كان قد انتحله لنفسه على لوحته الجنازية التي تركها لنا، ولا أدل على أن هذا اللقب كان مجرد لقب فخري من أنه قد تقلدتْه الملكة «نسي خنسو» زوج الفرعون «بنوزم الثاني» (Petrie, Ibid p. 218)، وقد كان اللقب الأصلي الذي يحمله نائب الفرعون هو «ابن الملك»، وكان أول مَن حمله على ما نعلم هو «توري» (Urk. IV p. 78)، وهذا الرجل كان يحمل كذلك لقب قائد «بوهن» في عهد «أحمس الأول»، والظاهر أنه كان لقبًا حربيًّا، ولكن في السنة السابعة من حكم «أمنحتب الأول» نجد أنه يُلقَّب «نائب بلاد النوبة» ونُعت «بابن الملك» للإقليم الجنوبي، وذلك على حسب نقوش وُجدت في «سمنة». (راجع Breasted, “American Journal of Semetic Languages & Literature (1908) p. 108). وفي السنة التالية أي في السنة الثامنة تَرَك لنا هذا الموظف الكبير نقشًا في جزيرة «أورونارتي» عدَّد فيه ألقابه، وهي: الأمير الوراثي، والحاكم، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد، ومحبوب الفرعون في الأراضي الجنوبية، وابن الملك. وفي السنة الأولى من حكم «تحتمس الأول» نجد أن «توري» كان لا يزال يُلقَّب «ابن الملك» والمشرف على الأراضي الجنوبية (Urk IV. p. 79–81)، كما تحدثنا بذلك لوحة التتويج التي عُثر عليها في «بوهن» وعلى صورة منها في بلدة «وادي حلفا»، وكذلك كان لا يزال في السنة الثالثة يقوم بأعمال وظيفته لهذا الفرعون أيضًا (Ibid p. 89-90). وفي عهد حتشبسوت (؟) نراه ممثلًا في المقبرة الوهمية التي أقامها الوزير «وسر» في غربي «سلسلة» وقد لقب عليها ابن الملك والمشرف على الأراضي الجنوبية. (P. S. B. A. Vol. XII p. 104). ويظن الأستاذ «ريزنر» أنه كان في هذا الوقت قد اعتزل العمل، ولكنه مع ذلك كان ما يزال يحتفظ بألقابه بوصفها ألقاب شرف. (J. E. A. Vol. VI, p. 29). وقبل أن نستمر في الكلام عن تاريخ هؤلاء الحكام يجب أن نُثبِت هنا أن لقب «ابن الملك» لم يكن من الضروري أن يحمل معناه الأصلي؛ أي إنه قد يكون لقب شرف وحسب. والدليل على ذلك ما نشاهده في «تتي كي» الذي عاش في عهد «أحمس الأول»، وكان يحمل هذا اللقب، غير أنه لم يكن ابن ملك حقيقي؛ إذ نجده قد مثِّل مع والديه في قبره، فكان اسم والده «رع حتب» الذي كان يشغل وظيفة مدير حديقة النزهة، أما والدته فكانت تُسمَّى «سن سنب» وتحمل اللقب العادي للسيدات المصريات وهو «ربة البيت». (راجع J. E. A. Vol. XI, p. 15). وعلى الرغم من أن «تتي كي» هذا كان يحمل لقب «ابن الملك» فإنه لم يكن «نائب الملك» في السودان. ولقب «ابن الملك» كما قلنا كان يُطلَق على «نائب الملك» في السودان منذ عهد «أمنحتب الأول» وحسب، والظاهر أن هذا الفرعون هو الذي خلق هذه الوظيفة. والواقع أن كل نواب الفرعون في حكومة بلاد السودان حتى الأسرة الواحدة والعشرين لم يكونوا أولاد ملوك حقيقيين إلا «بي عنخي» بن «حريحور» فقد كان ابن ملك حقيقي، وهو آخِر مَن حمل هذا اللقب بصفة فعلية.

سني

وقد خلف «توري» في هذه الوظيفة «سني»، وتاريخ حياة خدمته على جانب عظيم من الأهمية، ففي نقش مهشَّم في معبد «سمنة» نعرف أنه كان المشرف على إدارةٍ ما قد مُحِي اسمُها في عهد «أحمس الأول» (Urk. IV p. 39–41)، أما في عهد «أمنحتب الأول» فإنه كان يشغل وظيفة مدير مخازن غلال «آمون» ومدير الأعمال في معبد الكرنك. وفي السنة الثالثة من عهد «تحتمس الأول» نجد «سني» هذا قد عُيِّن «نائب الملك» في «بلاد النوبة» بلقب «ابن الملك» والمشرف على الأراضي الجنوبية. وفي عهد «تحتمس الثاني» كان يُلقَّب «رئيس المازوي» (الشرطة) كما كان يحمل الألقاب التالية: «حاكم المدينة الجنوبية» (طيبة)، والمشرف على مخازن غلال «آمون» و«ابن الملك»، والمشرف على البلاد الجنوبية (Ibid p. 142)، ومن ذلك نعلم أن «سني» كان يشغل وظائف إدارية حقيقية في عهد مَلِكَيْن قبل أن يُعيَّن «نائب الفرعون» في عهد «تحتمس الأول».

نحي

ومنذ السنة الثانية من حكم «تحتمس الثالث» ويحتمل في عهد «حتشبسوت» أيضًا، كان يشغل منصب «ابن الملك» موظف يُدعَى «نحي»، ويحمل الألقاب التالية: «ابن الملك» والمشرف على البلاد الجنوبية، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد، والأمير الوراثي، والحاكم الذي يملأ قلب الملك (Ibid p. 194) وحاجب الملك، وحاجب الفرعون الأول (Ibid. p. 985-6)، ومحبوب الفرعون في «تاستي (النوبة)» ومدير الإدارة (قاعة المحاكمة؟) (Randell Maciver, “Buhen”, PP. 42-3).
وقد كانت الأصقاع التي تحت إدارته تمتد من «نخب» (الكاب الحالية) حتى «كاراي» الواقعة عند الحدود الجنوبية للإمبراطورية بالقرب من «نباتا» عند الشلال الرابع (Urk. IV. p. 987).

وسرساتت Wesersatet

كان يشغل وظيفة «نائب الملك» في عهد الفرعون «أمنحتب الثاني» «وسرساتت»، وكان يحمل الألقاب التالية: الأمير الوراثي والحاكم، وحامل خاتم الفرعون في الوجه البحري، والسمير الوحيد، وابن الملك والمشرف على الأراضي الجنوبية (L. D. IV, Text, P, 123).

أمنحتب

وقد كان «نائب الملك» في عهد «أمنحتب الثالث» على حسب ما جاء في «لبسيوس» (Ibid. Text, p. 125) يُسمَّى «أمنحتب»، ولكن من المحتمل أنه كان يشغل هذه الوظيفة في عهد «تحتمس الرابع» (١٤٢٠–١٤١١ق.م)، وألقابه كالآتي: المشرف على ماشية بيت «آمون»، والمشرف على الأعمال في الجنوب والشمال، ورئيس إصطبل جلالته، وكاتب الفرعون، «وابن الملك» صاحب «كوش» والمشرف على الأراضي الجنوبية (L. D. Text, Vol. IV, p. 195)، ويلاحظ هنا إضافة كلمة «كوش» لوظيفة «ابن الملك». ومن ثَمَّ أصبح لقب «ابن الملك» صاحب «كوش» هو الاسم المعتاد الذي يطلق على «نائب الملك» في «بلاد النوبة».
وسبب ظهور هذا اللقب الجديد أن «أمنحتب» هذا قد عُيِّن على ما يظهر في عهد «تحتمس الرابع» في وظيفة «ابن الملك» صاحب «كوش» ليُميَّز مِن وليِّ العهد ابن الملك «أمنحتب» الذي أصبح فيما بعدُ فرعونًا على عرش البلاد، فأضيف إلى لقب «نائب الملك» في السودان صاحب «كوش» ليُميَّز مِن ابن الملك الحقيقي الذي كان يُسمَّى «أمنحتب» أيضًا. (راجع J. E. A. Vol. VI, p. 33). أما ألقاب «أمنحتب» هذا الأخرى فهي: «فارس الفرعون» والممدوح من الإله الطيب (L. D. Text. Vol. IV, p. 125).

مرمس

ومنذ السنة الخامسة من عهد الفرعون «أمنحتب الثالث» كان «نائب الملك» في «كوش» هو «مرمس»، وكان يحمل فضلًا عن لقبه الأصلي لقب «حامل المروحة على يمين الفرعون» (Ibid Vol. IV, p. 244)، وهذا لقب جديد قد بدأ يحمله نائب «كوش» وبقي يحمله «ابن الملك» حتى النهاية. والواقع أن هذا اللقب كان في الأصل حقيقيًّا وأول مَن حمله هو «ماي حربري» في عهد «تحتمس الثالث» (راجع Legrain, “Repertoire”, No. 108).

غير أنه أصبح فيما بعدُ لقبًا فخريًّا يُمنَحه كبار رجال الدولة، وإنْ كان صاحبه قد يحمل المروحة المصنوعة من الريش في بعض الحفلات الرسمية ميزة خاصة له.

ولما كان حامل هذا اللقب له علاقة شخصية وثيقة بالفرعون نفسه فإنه كان يُعَدُّ من الميزات العظيمة لمَن يحمله؛ ولذلك كان لا يُعطاه إلا عظماء الموظفين من حاشية الفرعون «أمنحتب الثاني»، وكما ذكرنا أصبح من التقاليد أن يُعطى هذا اللقب لنائب بلاد «كوش»، غير أنه لم يكن قاصرًا عليه. على أننا نشاهد بنات الفرعون «إخناتون» يحملن المروحة التقليدية المصنوعة من الريش غير أنهن لم يحملن اللقب (راجع Davies, “El Amarna”, Vol. III, Pl. XVIII). وقد كان يحمل هذا اللقب كاهن «آتون» الأعظم في عهد «إخناتون» (راجع Ibid Vol. I, Pls. XXXV, XXXVIII, XLI).
ونجد في عهد الأسرة التاسعة عشرة أن هذا اللقب كان يُخلع عادة على أمراء البيت المالك، وكذلك على نائب بلاد «النوبة» (Gauthier, L. R. Tome III, p. 30 & L. D. Text. Vol. III, p. 245)، ومن الألقاب الجديدة التي كان يحملها «مرمس» لقب المشرف على أرض الذهب للإله «آمون»، غير أن بعض المؤرخين يعتقدون أنه وصف خيالي للَّقَب الأصلي يُقصد منه التفاخر، أو بعبارة أخرى هو تعبير للقب «المشرف على الأراضي الجنوبية»؛ وذلك لأن الأقاليم التي كانت تُنتج الذهب تمتد جنوبًا من «إسنا» حتى بلاد «الحبشة»، فيحتمل أن كل بلاد «أثيوبيا» (نب) كانت «بلاد الذهب». على أن التعبير «أراضي ذهب «آمون»» قد ظهر للمرة الأولى على ما نعلم في مقبرة «سننفر» في عهد «تحتمس الثالث» (J. E. A. Vol. VI, p. 80)، فمِن الجائز جدًّا أن «تحتمس الثالث» قد خصص محصول بعض مناجم الذهب لخدمة «آمون»، وبذلك أصبحت ضمن أملاك الإله الخاصة، وهي التي تُعَدُّ منفصلة عن أملاك الدولة، وقد فعل مثل ذلك «سيتي الأول» عندما خصص محصول مناجم «وادي عباد» لمعبد العرابة.١

ومن الألقاب الأخرى التي كان يحملها «مرمس»: المشرف على أراضي «كوش» حتى آخرها، والساهر على سيده، كما كان يُلقَّب «كاتب الملك» ومحبوب الإله الطيب.

تحتمس

وفي عهد «إخناتون» كان نائب الفرعون في بلاد النوبة يُدعَى «تحتمس»، وكان يلقب «ابن الملك» وابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على أراضي الذهب الخاصة «بآمون». والمشرف على البنَّائين (؟) والأمير الوراثي والحاكم، والمشرف على أرض الحدود لجلالته، وحامل المروحة على يمين الفرعون (J. E. A. Ibid. p. 86).

حوي (أمنحتب)

أما في عهد «توت عنخ آمون» فكان نائب الملك يُدعَى «حوي» أو (أمنحتب)، وقبره معروف في «جرنة مرعي» بما يحتويه من المناظر المشهورة، وبخاصة مناظر الجزية التي أُحضرت من بلاد النوبة كما سنتكلم عنه بعدُ، ويحمل الألقاب التالية: ابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على الأراضي الجنوبية، وحامل المروحة على يمين الفرعون، والأمير الوراثي، والحاكم، والوالد الأهلي محبوب الإله٢ (لقب كهانة)، ورسول الفرعون لكل الأرض، وكاتب الفرعون، والسمير الوحيد. (راجع L. D. Vol. III, Pls. 115–118). والظاهر أن لقب «رسول الفرعون» كان يحمله «حوي» قبل أن يُعيَّن نائب الملك في «كوش»؛ وذلك لأن مثل هذا الموظف كان يُعدُّ عاملًا له علاقة مباشرة بالملك، وكان مسئولًا أمام موظف ملكي في العاصمة، لا أمام السلطات المحلية المصرية في «كوش»، هذا فضلًا عن أن هذه السلطات كانت ملزمة بأن تساعد وتعضد «رسول الفرعون».

باسر

وقد كان آخِر مَن حمل لقب «نائب الملك» في «بلاد النوبة» في عهد الأسرة الثامنة عشرة هو «باسر»، وكان يشغل هذه الوظيفة في عهد الفرعون «آي»، ويحتمل كذلك في عهد «حور محب»، وألقابه كالآتي: ابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على الأراضي الجنوبية، وحامل المروحة على يمين الفرعون، والكاتب الملكي (Champollion, “Notices”, PP. 38–40)، والمشرف على أراضي «آمون» في «تاستي» (النوبة)، والمشرف على أراضي الذهب (L. D. III, Pl. 114 G.)، والأمير الوراثي والحاكم، والأمير حاكم المدنيين (راجع L. D. IV, Text, p. 126, No. 20). ومما هو جدير بالإشارة هنا أن «باسر» هو نائب «بلاد النوبة» الوحيد المعروف لنا حتى ذاك الوقت قد خلفه ابنه في وظيفته.

أمنمأبت (١٣١٥–١٢٩٠ق.م)

وابنه هذا يُدعَى «أمنمأبت» وكان يشغل هذه الوظيفة في عهد «سيتي الأول»، ثم في عهد «رعمسيس الثاني» مدة اشتراكه مع والده في الحكم، وألقابه هي: ابن الملك صاحب «كوش»، وحامل المروحة على يمين الفرعون، والمشرف على الأراضي الجنوبية، وسائق عربة جلالته. (راجع Vol. I, p. 28. De Morgan, “Cat. Mon.”) ولا نزاع في أن وظيفة «سائق عربة الفرعون» تُشعر بأن حاملها كان له ارتباط شخصي وثيق بالفرعون.

يوني

ومن الغريب المدهش أنه كان يوجد نائب ملك آخر يُسمَّى «يوني» يَظهَر أنه كان يشغل هذه الوظيفة في عهد «سيتي الأول» أيضًا، وفي عهد «رعمسيس الثاني»، ومما لا شك فيه أن «أمنمأبت» كان يشغل فعلًا وظيفة «نائب الملك»، ولا أدل على ذلك من النقش الذي وُجد له في معبد «بيت الوالي». والظاهر أنه هو الذي كان يُشرف على بنائه بوصفه «نائب الفرعون»، ويعتقد الأستاذ «ريزنر» أن المعبد قد أُقيم في عهد «رعمسيس الثاني» مدة اشتراكه في الملك مع والده «سيتي الأول» (J. E. A.Vol. VI, p. 40). ولكن يحتمل أنه قد رُقِّي من وظيفة رئيس إصطبل «سيتي الأول» وسائق عربة جلالته إلى وظيفة «نائب الفرعون» في «كوش» في خلال حياة «سيتي»، كما يُستَدَل على ذلك من صلواته للملك «سيتي الأول» في «معبد وادي عباد» (L. D. III: Pl. 138 n)، وكذلك نجده قد قام بصلاة لسيده الجديد؛ حيث نجده قد أطلق عليه ابن الملك صاحب «كوش» ورجل إهناسية (راجع Weigall, “Report on the Antiquities of Lower Nubia”, p. 137 & Breasted. A. J. S. L, (1906) p. 29). ولما لم يكن لدينا تاريخ بعد أو قبل هذا التاريخ نجد فيه اثنين قد شغلا وظيفة «نائب الملك» في «كوش» في وقت واحد، فلا بد أن نعتبر أن «يوني» خلف «أمنمأبت» بعد إتمام معبد «بيت الوالي» ولكن كان ذلك في مدة اشتراك «رعمسيس» مع «سيتي الأول» في الملك. وقد كان «يوني» يحمل كذلك لقب «رئيس المازوي» (الشرطة)، ولا عجب إذا حدثتْنا الآثار أن هذه الوظيفة قد تقلب فيها عدة أفراد في عهد «رعمسيس» الطويل، خلافًا لما ذكرنا، وها هم أولاءِ على حسب ترتيبهم التاريخي.

حقا نخت

كان يحمل الألقاب التالية: ابن الملك صاحب «كوش»، وابن الملك والمشرف على الأراضي الجنوبية، وحامل المروحة على يمين الفرعون، ورسول الفرعون في الأرض كلها، والأمير الوراثي، والحاكم، وحامل خاتم ملك الوجه البحري.

«باسر الثاني» بن «منمس»

وكان يحمل الألقاب التالية: ابن الملك صاحب «كوش» والمشرف على الأراضي الجنوبية، كاتب الملك، «باسر» بن «منمس» ابن الملك (L. D. III, Pl. 196).

سثاو

عُثر له على نقش مؤرَّخ بالسنة الثامنة والثلاثين من حكم الفرعون «رعمسيس الثاني» في «أبو سمبل» ذُكر عليه أن «سثاو»، وكان يحمل الألقاب التالية: الأمير الوراثي، والحاكم … ابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على الأراضي الجنوبية، ومدير بيت «آمون»، وكاتب الملك (Breasted, A. J. S. L. (1906) p. 26)، وابن الملك (A. S. Vol. XI. PP. 84)، كما كان كذلك يحمل الألقاب الأخرى التالية: حاكم المدينة (Randell Maciver, Ibid I, p. 47)، ومدير أراضي الذهب الخاصة برب الأرضين (Ibid p. 114.)، ومدير أراضي الذهب الخاصة «بآمون»، وحامل المروحة على يمين الفرعون، والمشرف على الخزانة، ومدير عيد «آمون»، والمشرف على أراضي الذهب (A. S. Vol. XI, PP. 77–81)، ورئيس كهنة … ومدير القصر (راجع L. D. Text. Vol. V, p. 165). وآخر نقش مؤرَّخ لولاية هذا النائب كان في السنة الثالثة والستين من حكم «رعمسيس الثاني».

مس سوي

وفي عهد «مرنبتاح» كان «مس-سوي» يشغل وظيفة «نائب الملك» في «كوش»، وكذلك في عهد كل من الملك «أمنمسس» (١٢١٥ق.م) و«سيتي الثاني» (١٢٠٩–١٢٠٥ق.م). وكان يحمل الألقاب التالية: ابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على الأراضي الجنوبية، وحامل المروحة على يمين الفرعون، وكاتب الفرعون، والواحد المختار صاحب الأرض الجنوبية (L. D. III, p. 176 G).

سيتي

وفي عهد الفرعون «مرنبتاح-سبتاح» (١٢١٥–١٢٠٩ق.م)، كان يشغل هذا المنصب موظف يُدعَى «سيتي»، وقد كان يحمل فضلًا عن الألقاب العادية التي يحملها في العادة «ابن الملك» الألقاب التالية: «الكاتب الملكي لخطابات الفرعون (له الحياة والسعادة والصحة)، ومدير الإصطبل، وعينا ملك الوجه القبلي، وأذنا ملك الوجه البحري، والكاهن الأعظم لإله القمر «تحوت»، ورئيس الخزانة، والمشرف على كتاب رسائل بلاط قصر «رعمسيس مري (؟) آمون» في البلاط (راجع A. S. Tom. X, p. 132)، والمدير العظيم لبيت الفرعون. وآخِر أثرٍ له أُرِّخ بالسنة الثالثة من حكم «سبتاح» (De Morgan, “Cat. Mon.” Vol. I, p. 86, No. 29).

«حوري الأول» ابن «كاما» (؟)

وكذلك تولى هذه الوظيفة في حكم «سبتاح» نفسه، نائب ملك يُدعى «حوري»، فقد وُجد له نقش مؤرَّخ بالسنة الثالثة من حكم هذا الفرعون، ويحمل الألقاب التالية: «السائق الأول لعربة جلالته، ورسول الفرعون لكل أرض، والذي يضع الرؤساء في أماكنهم، والذي يُرضِي جلالته، «حوري» بن «كاما» المرحوم، الموظف بإصطبل «سيتي الأول» الخاص بالبلاط (Randell Maciver ibid I, 38)»، وآخر نقش مؤرَّخ لهذا الحاكم كان في السنة السادسة، وهو النقش الذي يُشير إليه بوصفه ابن الملك صاحب «كوش» (Ibid p. 36, Pl. 12).

حوري الثاني

وخلف «حوري الأول» «حوري الثاني»، والظاهر أنه كان يعمل في حكم «رعمسيس الثالث»، ولكن من المؤكد أنه كان يشغل وظيفة «نائب الملك» في عهد «رعمسيس الرابع» (١١٦٧–١١٦١ق.م) ومن المحتمل كذلك أنه كان لا يزال في عمله نائبًا للملك في بلاد «كوش» في عهد «رعمسيس الخامس» (١١٦١–١١٥٧) (راجع De Morgan, Ibid. I, p. 84). والمشرف على أرض الذهب الخاصة بالإله «آمون رع» ملك الآلهة (J. E. A. Vol. VI. p. 50).

ونتاوات

والظاهر أن النائب الذي خلف «حوري الثاني» وهو «ونتاوات» كان ابنه، ويمكن الحكم بذلك من نقش وُجد في «سمنه»، وكان يشغل وظيفته في عهد «رعمسيس السادس» والسابع والثامن، (١١٥٧–١١٤٢ق.م)، وألقابه هي: ابن الملك صاحب «كوش» والمشرف على أراضي ذهب «آمون رع» ملك الآلهة، والكاهن الأول للإله «آمون» صاحب «خنوم واست» وحارس الباب، ومدير بيت «آمون» في «خنوم واست» (Legrain, “Statues”, Vol. II, p. 25-26)، والكاهن الأكبر «لآمون رعمسيس» (Maspero, “Momies Royales”, p. 767). ورئيس إصطبل البلاط، والأول (عند) جلالته (Randell Maciver Ibid. p. 79).

رعمسيس نخت

والظاهر أن «رعمسيس نخت» كان يشغل وظيفة نائب الفرعون في عهد «رعمسيس التاسع» (١١٤٢–١١٢٣ق م)، وكان يحمل ألقاب هذه الوظيفة العادية: «ابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على الأراضي (؟) وحامل المروحة على يمين الفرعون، وكاتب الملك» (راجعIbid. p. 44. Randell Maciver).

بانحسي (أي العبد)

والظاهر أن الفرعون كان يُعيِّن بعض حكام السودان من بين أبناء البلاد أنفسهم، وكان الواحد منهم يفتخر بلونه، ولدينا «بانحسي» ومعناه «العبد»، كان يتولى مهام أمور هذه الوظيفة في عهد «رعمسيس الحادي عشر»، فقد وُجد له نقش مؤرَّخ بالسنة الثانية عشرة، ويحمل الألقاب التالية (راجع Turin Papyrus: Pleyte & Rossi, “Papyri de Turin”, p. 87, Pl. LXVI): حامل المروحة على يمين الفرعون، وكاتب الملك، وقائد الجيش، ومدير مخازن الغلال، «ابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على الأراضي الجنوبية، والقائد، والرئيس الأكبر للخزانة.» (Lieblein, Rec. Trav. Vol. I, p. 141)، وكذلك كان يُلقَّب الأمير الوراثي، والحاكم، ومدير بيت «آمون رع». وآخِر تاريخ له معروف حتى الآن هو «السنة السابعة عشرة من عهد الفرعون «رعمسيس الحادي عشر»» وقد ذُكر فيه بلقبه ابن الملك صاحب «كوش» (Pleyte & Rossi, Ibid. p. 89. Pl. LXVI).

حري حور

خلف «بانحسي» في نيابة «كوش» «حري حور» الذي تمكَّن فيما بعدُ من اغتصاب العرش من آخر الرعامسة الضعفاء، وكان يحمل الألقاب التالية قبلَ تولِّيه العرش: رئيس كهنة «آمون رع»، وابن الملك صاحب «كوش»، والمشرف على مخازن الدولة، والرئيس الأعلى للجيش، ومدير كل أعمال آثار جلالته، وحامل المروحة على يمين الفرعون (راجع Gauthier, L. R. III, p. 233)، ويُلحظ هنا مما سبق في النقوش، أن هذه الوظيفة كانت تُمنَح في بادئ نشأتها؛ أي في أوائل الأسرة الثامنة عشرة إلى رجال ذوي تجارب حربية كما نَلحَظ ذلك في نهايتها، فقد كان القائمون بها رجالًا ممَّن يحملون ألقابًا حربية، على أنه في نهاية «الأسرة الثامنة عشرة» وفي «الأسرة التاسعة عشرة»، والجزء الأول من «الأسرة العشرين» كان يَشغَلها رجال إداريون، لهم بعض التجارب الحربية، فقد كان تحت تصرُّف الحاكم بعض فِرَق من الجنود كافية لقمع أيِّ عصيان أو ثورة تقوم في هذه البلاد الهادئة الشاسعة، ولكن في خاتمة الأسرة العشرين يَظهَر أن بلاد السودان كانت تُريد أن تُضعِف من النفوذ الفرعوني في أصقاعهم؛ ولذلك كان لزامًا على الفرعون أن يُعيِّن جنديَّ ميدانٍ نائبًا عنه في حكم هذه البلاد ليقبِضَ على زمام الأمور ويَقضِيَ على الثورات في مهدها قبل أن يستفحل خطرُها.

باي عنخي

وقد خلف «حري حور» في حكومة السودان ابنه «بي عنخي» (١٠٩٠–١٠٨٥ق.م) عندما استولى والدُه على عرش مَلِك الفراعنة، وكان «بي عنخي» يحمل الألقاب التالية: حامل المروحة على يمين الفرعون، وكاتب الملك، وقائد الجيش، وابن الملك صاحب «كوش»، وحاكم البلاد الجنوبية، والكاهن الأكبر للإله «آمون رع»، والمشرف على مخازن غلال الفرعون (راجع Gauthier, Ibid. p. 238). على أن «بي عنخي» نفسه لم يَعتَلِ قط عرشَ المُلْك، ولكن الذي خلف «حري حور» في حكم البلاد هو «بينوزم الأول».

مكانة نائب كوش وحدود وظيفته

وبعد «بي عنخي» أمسى هذا اللقب في زوايا النسيان ولم يستعمل بعدُ إلا في حالتين كان يُمنَح فيهما بوصفه لقبَ شرف كما سلف ذكرُه، غير أن ذلك كان لا يعني أن أعمال «نائب الملك» في بلاد النوبة، قد بَطلتْ؛ إذ الواقع أن دائرة الأقطار السودانية كانت منذ تلك اللحظة وما بعدها في أيدي أمراء كانوا قانونًا أولاد ملوك شرعيين؛ ومن ثَمَّ لم يكن هناك داعٍ لبقاء لقب «ابن الملك» ضمن الألقاب التي كان يحملها حاكم السودان. ونستطيع مما لدينا من الوثائق المنقوشة على الآثار أن نقرر أن الأقطار السودانية قد تمصَّرتْ تمصيرًا تامًّا في خلال الخمسين والأربعمائة سنة التي تولَّى نوَّاب الملك فيها إدارة السودان الذي قد أصبح جزءًا لا يتجزَّأ من مصر، وقد زاد تمصير هذه الأقطار أكثر في الفترة التي تقع بين عامي (٧٢٠–٥٠٠ق.م) كما يدل على ذلك آثار ملوك السودان في تلك الفترة. وقد رأينا أن الألقاب الرئيسة التي كان يَحمِلها الحاكم المصري للأقطار السودانية كانت أولًا «ابن الملك»، ثم بعد عهد «أمنحتب الثالث» — أو يحتمل في عهد والده «تحتمس الرابع» — لقب هذا الحاكم «ابن الملك صاحب كوش»، وكان يُضاف إلى هذا اللقب أحيانًا «المشرف على الأراضي الجنوبية» أو ما يُقابِله. ومنذ عهد «أمنحتب الثالث» كذلك نجد أن نائب الفرعون في السودان كان يحمل لقب «حامل المروحة على يمين الفرعون»، غير أن هذا اللقب لم يكن وقفًا عليه، بل كان يحمله موظفون من عظماء الدولة. وكذلك من الألقاب التي كان يحملها نائب الفرعون ولم تكن وقفًا عليه: الأمير الوراثي، والحاكم، وحامل خاتم ملك الوجه البحري والسمير الوحيد. حقًّا كانت هذه الألقاب تحمل معناها الحقيقي في عهد الدولة القديمة. وبقيت كذلك حتى عهد الدولة الوسطى، ولكنها في عهد الدولة الحديثة قد استُعملت بمثابة ألقابَ شرف كالألقاب والأوسمة في العهد الحاضر. ومما له أهمية عظمى، الألقاب التي كان يشغلها هؤلاء النواب قبل تولِّيهم حكومة السودان رسميًّا؛ وذلك لأن هذه الألقاب تُعطينا فكرة عن حياة أولئك النواب الحكومية، قبل تولِّيهم حكومة بلاد السودان، والواقع أننا إذا فحصنا هذه الوظائف اتضح أن عددًا عظيمًا من حامليها كانوا في خدمة الفرعون الشخصية، وكان خمسة منهم يشغلون أولًا وظيفة «كاتب الملك» وهي وظيفة ثِقة كانت على جانب عظيم من الأهمية في عهد الدولة الحديثة، ويلاحظ كذلك أنه منذ تولي «توري» وظيفة «ابن الملك» في «السودان» لم نجد واحدًا ممن تولى هذه الوظيفة كان له سلطة حربية في هذه الأقاليم بل كانت السلطة الحربية موكَّلة إلى رئيس رماة «كوش» الذي كان تحت إدارة نائب الملك مباشرة، وكان مسئولًا عن حفظ النظام في السودان، ومن ذلك نفهم أن الفرعون حينما كان يُعيِّن نائبًا له في «بلاد السودان» كان أهم ما يرمي إليه في اختياره أن يكون رجلًا إداريًّا حازمًا يمكنه أن يجمع له الضرائب والمحاصيل، ولذلك كان ينتخبه من أقرب المقرَّبين إليه ممن اشتُهروا بحسن الإدارة والذكاء والإخلاص في العمل لشخصه، فلا يقوم بأية دسائس ضده أو يحاول أن يمتصَّ دماء الأهلين بفرض الضرائب الفادحة عليهم لمنفعته الشخصية، وكان من الطبيعي إذن عندما كان الفرعون يبحث عن شخص تجتمع فيه كل هذه الصفات الحسنة أن ينتخبه من أولئك الأفراد الذين في خدمته الخاصة ممن عَرَف مقدرتَهم وأخلاقَهم عن كَثَب، وعلى ذلك كان كل نائب للملك في السودان يُعيِّنه الفرعون بنفسه، لهذا لم يجعل الوظيفة وراثية، والظاهر أن بقاء هذا النائب وعزله كان على حسب رغبة الفرعون، ولكنه كان في العادة يبقى مدة حياته فيها أو حتى يتولى مَلِك جديد عرش البلاد، قد يُفضِّل تعيينَ نائب آخَر غير الذي نصبه سلفه. ومع ذلك فقد رأينا كثيرًا من الملوك، أبقَوا النواب الذين عيَّنَهم سلفُهم. والظاهر أن بعض النواب في عهد «رعمسيس الثاني» وكذلك النائب «سيتي» في عهد «مرنبتاح-سبتاح» قد أغضَبُوا الفرعون فعَزَلَهم (راجع J. E. A. Vol, VI, p. 84)

ومن المدهش أنه لرغبة الفراعنة الظاهرة في تعيين أفراد في هذه الوظيفة ممن لهم علاقة شخصية بالملك قد بقيت هذه الوظيفة حتى عهد «حري حور» لا يُعيَّن فيها ابن ملك حقيقي، والسبب في خروج «حري حور» على هذا التقليد يمكن معرفته من الألقاب الأخرى التي كان يحملها ابنه، وهي «كاهن آمون» الأكبر، وقائد الجيش الأعلى، ومن ذلك نعلم أن السلطات الروحية والحربية والمالية قد تجمَّعتْ كلُّها تحت رقابة الملك وابنه مباشرة، وتلك خطة حكيمة سليمة وسياسة دقيقة جَرَتْ عليها البلاد المصرية في تلك الفترة من تاريخها بالنسبة لأملاكها في الخارج، ولكن ضعف الإدارة في الداخل بسبب الانغماس في اللذَّات ووَهن عزائم ملوكها أدَّى إلى اغتصاب رئيس الكهنة المُلْك. وقد كان بدوره يُريد ألَّا يَقَع فيما وقع فيه أسلافُه فعمل على جمع السلطة كلها في يده هو وأسرته.

١  راجع: J. E. A. Vol. IV, p. 241ff.
٢  راجع: Davies, “The Tamb of Huy”. p. 4, Pl. XXIX.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤