الشبح … ذو القدم الكبيرة

عندما عاد «تختخ» إلى الأصدقاء كان يبدو شاردًا، وأخذ يشرب كوب الشاي، وهو ينظر بعيدًا كأنما يرجو أن يهبط عليه حل اللغز من السماء.

قالت «لوزة»: ماذا حدث يا «تختخ»؟ إنك تبدو شاردًا، كأنما قابلت شبحًا.

تختخ: الحقيقة أنه شبح فعلًا، ولكني لم أُقابله … بل إنه ليس شبحًا فقط، إنه خيال … أو هواء … ولو استمعتم إلى تفاصيل السرقة وكيف تمَّت؛ لاندهشتم كما اندهشت … فاللص دخل إلى المنزل بطريقةٍ لم نعرفها بعد، ولكن في الغالب دخل عن طريق باب المطبخ، ثم صعد إلى فوق وسرق الجواهر، وفي هذه اللحظة تنبَّهت السيدة «بهيجة» لما حدث، وسمعت صوت أقدام في الطابق الثاني، وسمعت صوت سعاله، ولمَّا كان باب الفيلا الرئيسي مغلقًا، فقد كان من المتوقَّع أن ينزل ويهرب عن طريق باب المطبخ، فاتجهت إلى باب المطبخ، ولكن اللص لم يخرج … ومعنى هذا أنه ما زال فوق. وحضر «عطوة» بائع الخبز، فصعد إلى فوق لمطاردة اللص، ولكنه لم يجده فوق، ومعنى هذا أن اللص لم يهرب … ولكنه في نفس الوقت ليس موجودًا … فهل تلاشى في الهواء، أم طار في السماء؟! ذلك شيءٌ غريب للغاية. وقد حضر الشاويش «كرم» بعد دقائق قليلة، كما حضر المفتش بعد ذلك، وحضرت أنا، وفتَّشنا المكان تفتيشًا دقيقًا، ولكن لا أثر للص، إلَّا الآثار التي تركها، وهي آثار حذاء ضخم له نعل من الكاوتش المخطَّط، وآثار قُفَّاز ضخم على الجدار، فالشيء الوحيد الذي نعرفه عنه أنه ضخم الجسم، وهذا مجرَّد استنتاج، فإن أحدًا لم يرَه، لا السيدة، ولا بائع الخبز، ولا ساعي البريد، ولا بائع الخضار … فما رأيكم؟

أخذ الأصدقاء جميعًا ينظرون إلى «تختخ»، وقد انتابتهم حيرةٌ شديدة، ثم قالت «نشوى»: وما رأي أبي في هذه السرقة؟

تختخ: للأسف أنني لم أقابله؛ فقد غادر المكان قبل حضوري عائدًا إلى القاهرة، وسوف يقوم «كرم» بتوصيلك إلى المنزل؛ لأن المفتش سيكون مشغولًا هذا المساء.

لوزة: إنني أقترح أن نُقابل كل الذين وُجدوا في مكان الحادث؛ السيدة «بهيجة»، و«عطوة» بائع الخبز، و«كامل» ساعي البريد، وبائع الخضار، هل واحدٌ منهم يكون قد رأى السارق ولو من بعيد، أو حتى قد يكون السارق واحدًا منهم!

تختخ: هذا اقتراحٌ معقول للغاية، وسيقوم «مُحب» بالبحث عن بائع الخضار، و«عاطف» بالحديث إلى ساعي البريد، وسأذهب أنا لمقابلة «عطوة» باعتباره كان أقرب الجميع إلى الحادث.

وقضى بقية الأصدقاء يومهم في اللعب والترفيه عن «نشوى»، وقد قرَّروا أن يبدءوا البحث والتحري في اليوم التالي.

وعندما اقترب المساء، حضر الشاويش «كرم» لاصطحاب «نشوى»، وكانت فرصةً للحديث معه استغلها «تختخ».

قال «تختخ»: هل كوَّنت رأيًا يا حضرة الشاويش عن هذا الحادث؟

الشاويش: الحقيقة أنني حائرٌ جدًّا؛ فالسرقة تمَّت في وضَح النهار، ولكن اللص اختفى كأنه شبح، ولو كانت الدنيا ليلًا لقلنا إنه اختفى في الظلام، ولكن في النهار! … شيءٌ غريب … إنني أحمد الله لأنني لن أبقى طويلًا هنا؛ فسوف يعود الشاويش «علي» إلى العمل بعد غد، ويتسلَّم هو المشكلة!

تختخ: ألم تجد في مكان الحادث أي آثار أخرى غير التي رأيناها معًا؟

الشاويش: في الحقيقة أنني عثرت بجوار آثار الدائرة التي وجدناها على أرض الحديقة، على قطعتَين صغيرتَين من الورق، ولكني لم أفهم منهما أي شيء!

تختخ: هل أستطيع أن أراهما من فضلك؛ فقد نستطيع أن نستدل منهما على شيء؟!

الشاويش: تستطيع أن تحضر غدًا إلى القسم، فهما هناك مع المحضر الذي حرَّرته عن الحادث.

وودَّع الأصدقاء «نشوى» حتى باب السيارة، فشكرتهم على الساعات الجميلة التي قضتها معهم، ووعدتهم بزيارةٍ أخرى، ثم دار المحرِّك، وأخذت السيارة تبتعد، حتى اختفت عند منحنى الشارع، واختفى معها المنديل الصغير الأبيض، التي كانت «نشوى» تُلوِّح به للأصدقاء.

انتهى هذا اليوم بالنسبة للمغامرين الخمسة، بعد أن اتفقوا على التحريات التي سيقومون بها في اليوم التالي، فعاد «مُحب» و«نوسة» إلى منزلهما، ثم تبعهما «عاطف» و«لوزة» بعد قليل، وبقي «تختخ» في المنزل وقد استغرق في التفكير، وهو يتأمَّل الرسم الذي رسمه لآثار الحذاء الضخم، والقُفَّاز الكبير، وهو مندهش لهذا العملاق الذي لم يرَه أحد.

استيقظ «تختخ» في صباح اليوم التالي مبكِّرًا، وبعد إفطارٍ سريع، ركب دراجته وانطلق ومعه «زنجر» في الطريق إلى قسم الشرطة لمقابلة الشاويش «كرم»، وفي الوقت نفسه كان بقية الأصدقاء قد خرجوا من منازلهم للقيام بالمهمَّات التي كُلِّفوا بها، فذهب «مُحب» وشقيقته «نوسة» للبحث عن بائع الخضار، ووقف «عاطف» و«لوزة» في أول الشارع في انتظار ساعي البريد.

رحَّب الشاويش «كرم» ﺑ «تختخ»، ثم أخرج دفتر المحاضر، وأخرج منه قطعتَين من الورق، قدَّمهما ﻟ «تختخ» قائلًا: حاول أن تفهم منهما شيئًا … فإنني شخصيًّا لم أفهم أي شيء.

أمسك «تختخ» بالورقتَين وأخذ يفحصهما جيدًا. كانتا من نوعٍ رخيص من الورق، وإحدى الحافَّات فيهما مشرشرة كأن الورقة قُطعت باليد، وكان على الأولى ثلاثة أرقام ٥ / ٣٧ / ٣٤، والثانية ٣ / ٢٢ / ٤٥، ولم يكن في الورقتَين أي شيءٍ آخر، سوى أنهما مكتوبتان بالقلم الرصاص، بخطٍّ رديء.

قال الشاويش: هل فهمتَ شيئًا؟

تختخ: لم أفهم الآن شيئًا، ولكني سأحاول.

ثم أخرج دفتر مذكراته، وقيَّد الأرقام، وشكر الشاويش «كرم» على مساعدته، وخرج إلى الطريق.

كانت مهمة «تختخ» الثانية أن يبحث عن بائع الخبز، وبعد تفكيرٍ قرَّر أن ينتظره في البيت؛ فهو يُوزِّع لهم الخبز مرتَين في اليوم؛ الأولى في الصباح والثانية في المساء، وسيكون من السهل مقابلته عندما يحضر.

وهكذا ركب «تختخ» دراجته واتجه إلى البيت في انتظار عودة الأصدقاء، ليسألهم عن تحرياتهم بالنسبة لساعي البريد وبائع الخضار، ولم تمضِ سوى دقائق حتى حضر الجميع، وكان «تختخ» يتأمَّل الأرقام أمامه في استغراقٍ شديد، محاوِلًا أن يستنتج منها أي شيء. دخل الأصدقاء الأربعة، وبعد أن تبادل الجميع التحيَّة قال «مُحب»: لقد استطعنا العثور على بائع الخضار قرب السوق وهو يجر عربته، وقال لنا إنه حضر إلى مكان الحادث بعد سماعه صوت استغاثة السيدة، وكان «عطوة» بائع الخبز في الدور الثاني محاوِلًا اللحاق باللص، وقال بائع الخضار إنه لم يرَ اللص على الإطلاق.

سأل «تختخ»: وما هو شكل بائع الخضار هذا؟

نوسة: إنه رجلٌ صعيدي متوسِّط العمر، يرتدي جلبابًا أزرق وفي قدمه عرج خفيف، وهو متوسِّط الحجم ولا يمكن أن يكون بالحجم الذي وصفته للص.

وقبل أن يسأل «تختخ» «عاطف» كانت «لوزة» قد انطلقت قائلة: إن كل ما قاله بائع الخضار، ينطبق على ما قاله ساعي البريد، ولكن أوصاف الرجلَين تختلف؛ فساعي البريد رجلٌ عجوز، ونحن كلنا نعرفه منذ سنوات، ولا يمكن أن يكون هو الذي ارتكب هذه السرقة.

قال «تختخ»: لم يبقَ أمامنا ممن شهدوا الحادث إلَّا بائع الخبز، وسوف يحضر في المساء كالمعتاد، وسأقوم بمقابلته والحديث معه.

لوزة: ولكن أليست هناك أدلةٌ جديدة تُساعدنا في البحث عن اللص ذي القدم الكبيرة؟

تختخ: هناك شيء قد لا يكون دليلًا على الإطلاق، وقد يكون دليلًا هامًّا، ذلك متوقِّفٌ على ما تستطيع فهمه منه، إنه ورقةٌ مكتوبٌ عليها ثلاثة أرقام منفصلة، وورقةٌ ثانية عليها ثلاثة أرقام أخرى، الأولى مكتوبٌ عليها ٥ / ٣٧ / ٣٤، والثانية ٣ / ٢٢ / ٤٥، وقد فكَّرت طويلًا في معنى هذه الأرقام، ولكنني لم أصل إلى نتيجة، فهل عندكم اقتراحات؟

قالت «لوزة» بسرعة: قد تكون أرقام تليفونات مثلًا!

تختخ: فكَّرت في هذا، ولكن أرقام التليفونات لا تُكتب منفصلة.

لوزة: قد تكون مكتوبةً بهذه الطريقة للتمويه والتضليل.

تختخ: لا بأس، سوف نُجرِّب.

عاطف: وقد تكون أرقام سيارة.

نوسة: أو أرقام منازل.

تختخ: كلها آراء معقولة … ويمكن بحثها. بالنسبة للتليفونات سنتصل بهذه الأرقام بعد أن نُلغي الفواصل التي بينها، وبالنسبة للسيارات يمكن متابعة السيارات عن طريق المفتش «سامي»، ولكن ليست هناك أرقام منازل في «المعادي»، ولا في أي مكانٍ آخر بهذا الطول.

مُحب: على كل حال، سنقوم بتجرِبة كل اقتراح، وسوف نصل إلى اعتبار الأرقام دليلًا على شيء، أو أن لا علاقة لها على الإطلاق بالحادث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤