الفصل السادس

الأخلاق

(٦٩) الأخلاق ومنهجها

(أ) المعول في هذا الفصل على «الأخلاق النيقوماخية» وهي في عشر مقالات: الأولى في غاية الحياة وهو بحث تمهيدي جدلي أي قائم على استقصاء الآراء وتمحيصها، ويتخلله كلام في منهج هذا العلم لخصناه على حدة في هذا العدد. المقالة الثانية في الفضيلة. والثالثة قسمان: الأول في الإرادة والاختيار وهما الأصل في الفضيلة، والقسم الآخر بداية تفصيل القول في الفضائل والرذائل، ويستمر هذا التفصيل إلى نهاية المقالة التاسعة. أما العاشرة والأخيرة فبحث ثانٍ في غاية الحياة لا كما يرى السواد؛ بل كما يرى الفيلسوف.

(ب) ينظر علم الأخلاق في أفعال الإنسان بما هو إنسان ويدبرها على هذا الاعتبار، فهو علم عملي، والإنسان مدني بالطبع لا يبلغ إلى كماله إلا في المدينة وبمعونتها، ولتدبير المدينة علم خاص هو العلم السياسي، فكما أن الفرد جزء من المدينة فإن علم الأخلاق جزء من العلم السياسي، والعلم السياسي رأس العلوم العملية جميعًا يستخدمها لغايته وخيره: يستخدم فن الحرب والاقتصاد والبيان، ويستخدم علم الأخلاق لتقرير ما يجب فعله وما يجب اجتنابه أي لتنظيم الحياة بالقانون، فغايته تشمل غايات العلوم الأخرى، وهذه الغاية هي بعينها غاية الفرد وخيره إلا أنها أرفع وأجمل من حيث إنها أوسع تمتد إلى الشعب بأكمله،١ ولولا الحكومة لما أمكن تحقيق النظريات الخلقية، والناس في الأكثر لا ينتفعون بالقول ولا يتجنبون الشر إلا خوفًا من القصاص، إن العلل التي تعاون على إحداث الفضيلة ثلاث: الطبيعة والعادة والتعليم، أما الأمزجة الطبيعية فلا تتعلق بنا ولا حيلة لنا فيها، وأما التعليم فليس يفيد إلا إذا سبقه التحضير بالعادة أي التربية، فإن العادة طبيعة ثانية وميل يتطلب الإرضاء، فمتى وجدت عادة الفضيلة بالتربية أجدى التعليم وسهل الأخذ به، ولا يُحسن القيامَ على التربية والتعليم غيرُ الدولةِ؛ لأنها هي الحاصلة على العلم بالخير الكلي الذي تصدر عنه القوانين، فيجب أن تكون في الدولة قوانين تنظم تربية النشء وسيرتهم بل البالغين أيضًا طول حياتهم، أجل؛ إن للتربية المنزلية مزايا، فهي تقوم على المحبة الطبيعية بين الآباء والأبناء، وتراعي الطبائع الفردية بدقة أكثر، ولكنها مع ذلك أدنى من تربية الدولة؛ لأن للقوانين من القوة الرادعة ما لا يتفق للأب أو لأي فرد آخر، ولأن الوالدين غالبًا ما يكونان عاطلين من العلم اللازم، وإن افترضنا فيهم تجربة فإن هذه التجربة لا تغني عن العلم، ولا يغني عنه جمع التجارب وانتقاء أحسنها؛ لأن هذا الانتقاء نفسه يقتضي العلم بالكلي، فلأجل أن يكون علم الأخلاق تامًّا يجب الكلام في العلم السياسي.٢ هذا رأي أرسطو في علاقة الأخلاق بالسياسة يذكره في بدء الكتاب ويعود إليه في ختامه، إن إخضاعه الأخلاق للسياسة بعيد كل البعد مما يفهم البعض، وإن أمكن مناقشته فيما يخول الدولة من كفاية وسلطة مطلقتين، فلا يمكن الخلط بينه وبين ما يذهب إليه بعض المحدثين وبخاصة الألمان منهم، من أن للدولة أخلاقًا غير أخلاق الفرد، فإن أرسطو يصرح بأن غاية الفرد وغاية المدينة شيء واحد، وينبذ قول السوفسطائيين: إن الأخلاق وضعية متغيرة،٣ كما كان قد نبذه أفلاطون.
(ﺟ) أما منهج هذا العلم فيجب أن يناسب موضوعه، وإذا نحن صرفنا النظر عن الأسس الطبيعية للأخلاق وجدنا الأخلاق مختلفة متغيرة جدًّا، بحيث قد تبدو صادرة عن العرف لا عن الطبيعة، ويشاهد مثل هذا الاختلاف أيضًا في الخيرات التي يسعى الناس وراءها، فما أكثر ما يلحقهم منها الأذى: بعضهم تهلكه الثروة، والبعض تهلكه الشجاعة، لذلك كان هذا العلم من أعقد العلوم، ومن أقلها احتمالًا للضبط، ومن أكثرها اقتضاء للخبرة والحنكة، موضوعاته أمور هي كذا في الأكثر ويمكن أن تكون بخلاف، لا كالرياضيات التي موضوعاتها كذا بالضرورة يتعلمها الحدث ولا يستطيع فهم الأخلاق، فيجب أن نقنع في هذه الدراسة ببيان الحقيقة بالإجمال؛ لأننا إذ نتكلم عما يقع في الأكثر لا بد أن نتأدى إلى نتائجَ من نفس الجنس، وليس يصلح الحدث لدراسة الأخلاق؛ لأن كلًّا إِنما يحسن الحكم فيما يعلم، والحدث يكاد يكون عديم الخبرة بأمور الحياة وهي مبادئ هذا العلم ومادته، ثم إنه ميال لاتباع الأهواء، فإن استمع للدروس فلا يفيد منها، والغاية ها هنا العمل لا العلم، وسواء في ذلك حدث السن وحدث الخلق، فإن النقص ليس آتيًا من الزمن بل من الجري وراء الأهواء والظواهر، أما الذين يضبطون شهواتهم وأفعالهم فيربحون كثيرًا من تحصيل هذا العلم.٤
يلزم مما تقدم أن المنهج المناسب هنا هو الذي يصعد إلى المبادئ (أي الاستقرائي) لا الذي يصدر عنها (أي القياسي)؛ ذلك لأن المعاني الخلقية معقدة متغيرة كما قلنا وليس من اليسير كشف العلة فيها، فيجب أن نبدأ بما هو أبين بالإضافة إلينا لا بما هو أبين بالذات وأغمض بالإضافة إلينا، فنستقرئ الآراء الشائعة، ونستعين بحكمة الشيوخ، وعلى الأخص بخبرة الفضلاء؛ لأن الرجل الفاضل الذي يعرف الخير بالتجربة أقدر على اكتساب معرفة صريحة عن هذا الخير واستخلاص المبادئ الحاصل عليها ضمنًا،٥ ومثل هذا المنهج لا يعدو الاحتمال كما سبق، فالأخلاق علم جدلي.٦ ويرى القارئ أن أرسطو يقصد بالأخلاق لا العلم النظري الذي يمكن أن يودع الكتب ويعلم دون أن يتحقق بالفعل، بل العلم الحاصل في العقل مع حسن البصر بالظروف، ومطاوعة الإرادة، وخضوع الشهوة، والاستعداد القريب للعمل، فإن العلم الأول لا يفهم تمام الفهم إلا بهذه الشروط، فإن انعدمت كان صاحبه أشبه بالببغاء، لهذا نجده يقول: إن الإنسان يجب أن يكون على شيء من الفضيلة؛ ليصير فاضلًا، ولهذا نجد في كتابه إلى جانب الاستدلالات الفلسفية كثيرًا من الوصف والتصوير للتشويق والحث على المحاكاة؛ فإن الوصف وسيلة للتهذيب أنجع من المبادئ متى كانت هذه قلقة الأساس كما هي عند الكثيرين.

(٧٠) غاية الحياة: بحث أول

(أ) «كل فن وكل فحص عقلي وكل فعل وكل اختيار مروي فهو يرمي إلى خير ما؛ لذلك رُسم الخير بحق أنه ما إليه يقصد الكل.» بهذه العبارة يستهل أرسطو الكتاب، ولا غرو فإن الغائية إن كانت ظاهرة في الطبيعة فهي في الإنسان أظهر، ولما كان هذا العلم علمًا عمليًّا وكان العمل متجهًا بالضرورة إلى تحقيق غاية لولاها لما فعل الفاعل، فمن الطبيعي أن يبدأ البحث بمحاولة تعيين غاية الحياة، نقول «غاية الحياة»؛ لأن الغايات وإن تعددت فهي مرتبة فيما بينها، يخضع بعضها لبعض ويؤدي إليه، ولا بد من الوقوف عند حد في سلسلتها أي الانتهاء إلى غاية قصوى لها قيمتها بذاتها وتتوجه إليها الأفعال جميعًا، هذه الغاية هي من غير شك الخير الأعظم، وإن معرفتها لتهمنا إلى أكبر حد؛ لأن على معرفة الخير يتوقف توجيه الحياة.٧
(ب) ويذهب كافة الناس إلى أنها السعادة، ولكنهم يختلفون في فهم السعادة، وهم إنما يحكمون عليها عادة بحسب السير، والسير ثلاث: سيرة اللذة وسيرة الكرامة السياسية وسيرة النظر أو الحكمة، أما اللذة فغاية العبيد والبهائم وهي حياة العوام الأجلاف، إلا أنه يجب النظر فيها وعدها من الخيرات؛ لأن كثيرًا من أهل المناصب يطلبونها هم أيضًا، وأما الكرامة السياسية فيطلبها الممتازون النشيطون، ولكنها في الحقيقة متعلقة بالذي يوليها أكثر منها بالذي يتقبلها، والخير يجب أن يكون ذاتيًّا لا يمنح ولا ينتزع، ثم إن طالبها يريدها ليقتنع بفضله، فهو يطلب التكريم من العقلاء ومن أهل بيئته، ويطلبه لفضل أي كمال في نفسه، فالفضيلة خير من الكرامة وألصق بالنفس، ولكن الفضيلة هي أيضًا لا تكفي؛ إذ قد تنزل بصاحبها المحن وتنتابه الآلام فتنغص عليه سعادته، تبقى الحكمة، وأرسطو يرجئ الكلام عليها — لأن هذا البحث تمهيدي جدلي كما أسلفنا — ويقول: إنه لم يحصِ الغنى بين السير والخيرات؛ لأن الغنى وسيلة وليس غاية،٨ ثم يقول: «لندع هذا جانبًا وقد يكون أولى بنا أن نفحص عن الخير الكلي، ولو أن مثل هذا الفحص أمر دقيق؛ لأن أصحاب المثل أصدقاؤنا، غير أن كلًّا يعترف بلا شك أن الأفضل بل الواجب التضحية بأعز الأشياء دون الحقيقة وأن هذا على الفيلسوف أوجب، فمع أن الصداقة والحقيقة عزيزتان علينا فالواجب المحقق إيثار الحقيقة.» ويحشد أرسطو على نظرية الخير الكلي اعتراضات لا نرى إلا أنها جدل متعمل، وأهمها اثنان: الواحد أن الخير كالوجود مقول على المقولات جميعًا، فلا يمكن أن يكون شيئًا كليًّا وواحدًا، ولا وجب أن يقال على مقولة واحدة فقط، وهذا اعتراض مردود بإقرار أرسطو نفسه أن كل ما يقال على كثيرين إنما يقال أولًا وبالذات على طرف واحد بعينه (٦٥–ب) فإن وجد الموجود الأعظم كان هو الخير الأعظم وأطلق الخير على ما عداه بالمماثلة كما يطلق الوجود (٥٥–أ، ٦٥–ب) وكما يشير إليه أرسطو في آخر الفصل الذي نحن بصدده، ولكنه لا يكاد يشير حتى يرجئ القول إلى علم آخر كأنه يتهرب. الاعتراض الآخر: لو سلمنا بالخير مثالًا مفارقًا كان من الواضح أن الإنسان لا يستطيع أن يحصل عليه، ونحن إنما نبحث عن الخير الذي يمكن تحقيقه واكتسابه، وأي فائدة يرجو الحائك أو النجار لفنه من معرفة الخير بالذات؟٩ نقول من جهة: إن أفلاطون قد بين أن السعادة إنما تحقق بتأمل الخير الأعظم والاتحاد به، وسنرى أن السعادة عند أرسطو تبقى معلقة؛ لأنه لم يعين لها موضوعًا كفؤًا لها كما فعل أفلاطون، ونقول من جهة أخرى: إن الفلسفة الخلقية لا تبحث في خير الإنسان من حيث هو نجار أو حائك أو طبيب؛ بل من حيث هو إنسان، وإذن فمعرفة الخير الأعظم هامة بل ضرورية كما ذكرنا عنه الآن.
(ﺟ) ما هو إذن خير الإنسان؟ يجب أن يتوفر فيه شرطان: الأول أن يكون غاية قصوى أو خيرًا تامًّا لذاته ولا يكون وسيلة لغاية أبعد. والثاني أن يكون كافيًا بنفسه أي كفيلًا وحده أن يسعد الحياة دون حاجة لخير آخر، وهذان الشرطان متحققان في السعادة؛ فإن الخيرات التي ذكرناها إنما يطلبها الناس لأجل السعادة ولا يطلبون السعادة لشيء آخر، فالسعادة هي هذا الخير، وفيمَ تقوم سعادة الإنسان؟ لكل موجود وظيفة يؤديها، وكمال الموجود أو خيره يقوم في تمام تأدية وظيفته، وللإنسان بما هو إنسان وظيفة خاصة يمتاز بها من سائر الموجودات، ليست هي الحياة النامية ولا الحياة الحاسة ولكنها الحياة الناطقة، وإذن فخير الإنسان يقوم بمزاولة هذه الحياة على أكمل حال؛ أي إن السعادة في عمل النفس الناطقة بحسب كمالها، فإن كانت هناك كمالات عدة فبحسب أحسن كمال؛ وذلك طول الحياة، فإنه كما أن خطافًا واحدًا لا يبشر بالربيع ولا يومًا واحدًا «معتدل الهواء» فكذلك السعادة ليست فعل يوم واحد ولا مدة قصيرة من الزمان.١٠

هذه النتيجة التي وصلنا إليها بالاستدلال مطابقة للآراء الشائعة بين العامة والفلاسفة أيضًا؛ ذلك بأن الخيرات تقسم عادة إلى خيرات خارجية وخيرات النفس وخيرات الجسم مع اعتبار خيرات النفس أكثر تحقيقًا لمعنى الخير، ونحن قد وضعنا السعادة فعلًا نفسيًّا، ويعتقد الناس أن السعادة تقوم في الكمال بالإجمال أو في كمال جزئي مثل الحكمة أو في الكمالات جميعًا مع اللذة والنجاح الخارجي، وحدُّنا السعادة مطابق لهذه الاعتقادات فقد عرفناها العمل بحسب الكمال وهذا العمل مصدر لذة حقيقية، ونحن نعترف بضرورة النجاح الخارجي للسعادة من حيث إنه من الممتنع أو على الأقل من العسير أن يصنع الإنسان الخير إذا كان معدمًا، وأن الأصدقاء والمال والنفوذ السياسي وسائل أفعال كثيرة.

ثم إن الحسب والذرية السعيدة وجمال الخلقة عناصر للسعادة إن عدمت أفسدتها؛ إذ ليس يمكن أن يكون إنسان تام السعادة وهو كريه الصورة أو وضيع الأصل أو وحيد في الدنيا ليس له بنون، وأشد وطأة على السعادة فجور الأبناء أو الأصدقاء أو موتهم إن كانوا صالحين.١١ ويعتقد الناس أن السعادة يجب أن تكون ثابتة، فهل المقصود أن ننتظر موت الإنسان لنستطيع أن نعلن أنه قد بلغ إلى السعادة حقًّا؟ ولكنا قد عرفنا السعادة بأنها العمل الكامل ومثل هذا العمل ثابت كما سنبين — في العدد الآتي — وإذن فالسعادة ثابتة، وقد يسطع جمال الحياة الفاضلة في المصائب، والرجل الفاضل أسعد من الشرير أيًّا كانت الظروف فإنه يأتي في كل حالة أجمل ما تسمح به ظروفه من أفعال، وفضيلته هي السعادة الجوهرية وما عداها من خيرات فهو سعادة عرضية.١٢ إلى هذا ينتهي أرسطو في فحصه الجدلي، وقد كان اليونان يؤلفون السعادة من الخيرات جميعًا فيجعلونا نادرة بل مستحيلة، فميز هو بين الجوهري والعرضي وقصر السعادة على خير النفس باعتباره خير الإنسان بما هو إنسان، مع تقديره للخيرات الجسمية والخارجية كسائر اليونان، ولم يخالفهم فيما عينوه للسعادة من خصائص وشرائط ولكنه بين أنها تنطبق على حده هو ولا تنافيه فجاءت محاولته هذه مثالًا جدليًّا في تحويل الآراء العامة إلى الوجهة الصحيحة كما كان يفعل سقراط، واستخلاص مبدإ العلم من الأقوال المأثورة.

(٧١) الفضيلة

(أ) ليست الفضيلة طبيعية وإنما الطبيعي فينا قوى واستعدادات، وتكتسب الفضيلة بمعاونة الطبيعة أي بطبعها على حالات معينة، فالفضيلة تتعلم كما يتعلم أي فن بإتيان أفعال مطابقة لكمال ذلك الفن، وتفقد الفضيلة بإتيان أفعال مضادة، والأفعال المطابقة تخلق ملكات أو قوى فعلية تجعلنا أقدر على إتيانها، وبهذا يبدو ما للتربية من أهمية كبرى،١٣ كيف تنشأ هذه الملكات؟ يجب أن يلاحظ أنه في كل فن عملي كالطب مثلًا النظر غير كافٍ بإزاء الحالات الجزئية، ولا بد من ملاءمة يقوم بها صاحب الفن بين النظر والجزئيات بإشراف العقل، ويجب أن يلاحظ أيضًا الأشياء التي نجني منها الخير قد تضرنا حين نستعملها بإفراط أو تفريط: فالغذاء المفرط والغذاء غير الكافي يمنعان الصحة على السواء، بينا الغذاء المعتدل يحدثها وينميها.
وكذلك الحال فيما يختص بالنفس؛ فإن الإفراط في التعرض للمخاطر يجعل الإنسان متهورًا، وقلة التعرض لها يجعله جبانًا، وكلاهما يمنع الشجاعة التي إنما تنشأ وتبقى وتنمو بالممارسة المعتدلة للخطر، والممارسة شرط نمو الملكة واستقرارها في الفضيلة وفي كل فن، والفعل الذي يصير الإنسان شجاعًا مثلًا هو شبيه بالفعل الذي يصدر عن فضيلة الشجاعة شبهًا ظاهريًّا فقط؛ لأن الشجاع هو الحاصل على كمال الشجاعة وهو أقدر سيطرة على أفعاله، فليست توجد الفضيلة حقًّا إلا إذا صارت ملكة أو عادة وصدرت عن الملكة بمثل ما يصدر به الفعل عن الطبيعة من سهولة، ولا يعد الرجل عدلًا أو عفًّا حقًّا إلا إذا عدل أو عف من غير عناء بل بلذة، نعم بلذة؛ فإن علامة لا تخطئ على مبلغ استعداد المرء للفضيلة هو ما يشعر به من لذة أو ألم حين يأتي أفعالًا مطابقة لها، ليست اللذات والآلام خارجة عن الفضيلة مهما يظن البعض: إنها ترشدنا في أفعالنا وتصاحب هذه الأفعال، والمؤدبون يحرصون على استخدامها وسيلة للتهذيب، وليس من ينكر أن الإسراف في طلب اللذة هو الذي يصيرنا أراذلَ لا اللذة نفسها، فأنْ نلذ فيما ينبغي وحين ينبغي، وأن نألم أو نهرب من الألم فيما ينبغي وحين ينبغي، كل أولئك فضيلة؛ إذ إن الميول ليست بخير ولا شر بالذات ولكنها وسائل للعمل تصير خيرة باتباع العقل وشريرة بعصيانه،١٤ وكون الفضيلة ملكة يستتبع أنها كالفن كيفية للفاعل فوق أنها كيفية للفعل، مع هذا الفارق وهو أن الآية الفنية لكي تدعى كذلك يكفي أن تحقق بعض كيفيات لا تتطلب في الفنان أكثر من علمه بما يفعل، بينما الفضيلة تتطلب علاوة على ذلك وقبل كل شيء أن يحقق الفاعل في نفسه شرطين آخرين هما: استقامة النية أي اختيار الفعل لذاته، والمثابرة أي صدور الفعل عن ملكة ثابتة، ومن يتوهم أن المثابرة غير لازمة للحصول على الكمال مثله مثل المريض الذي يريد الشفاء ولا يستعمل وسائله.١٥
(ب) بعد هذه التمهيدات يعرف أرسطو الفضيلة بأنها استعداد ما بإزاء الانفعالات ناشئ عن نمو قوة بالمران، وبيانه أن كل فعل إنما تسبقه قوة من نوعه، والفضيلة قوة الفعل الخلقي ولكنها ليست مجرد قوة وليست انفعالًا مؤقتًا كالغضب أو الشفقة، وإنما هي استعداد أو ملكة أو حال مكتسبة بالمران وموقف دائم بإزاء الشهوات من حيث إن التكرار يولد طبيعة ثانية،١٦ على أن قولنا: إن الفضيلة ملكة أو كيفية للنفس يعطينا الجنس فقط، فما هو الفصل النوعي؟ ما هو موقف الفضيلة بإزاء الشهوات؟ هو أن تختار الوسط العدل بين إفراط وتفريط كلاهما رذيلة، وليس هذا الوسط كالوسط الرياضي الذي نعنيه في المقدار المتصل على مسافة واحدة من طرفين فلا يتغير، وإنما هو وسط بالإضافة إلينا متغير تبعًا للأفراد والأحوال: فمثلًا الوسط الحقيقي بين الحد الأقصى والحد الأدنى لما يستطيع الإنسان أن يتناوله من غذاء يزيد على حاجة المبتدئ بالرياضة ويقل عن حاجة المصارع؛ فالتزام الوسط الفاضل يجب أن يراعى فيه «مَن وأين ومتى وكيف ولِمَ».١٧
وعلى ذلك فالفضيلة «ملكة اختيار الوسط الشخصي الذي يعينه العقل بالحكمة» فإن الشهوة ليس لها بذاتها حد تلتزمه؛ فالعقل هو الذي يعين الحد، وهذا هو الفارق بين الفضيلة والرذيلة، وهذا التعيين قد يقوم به الفاعل وقد يدله عليه غيره، ولكن الحال الأول أكمل، ولا تكون الفضيلة فضيلة بمعنى الكلمة إلا إذا صدر الحكم فيها عن عقل صاحبها واتبعته إرادته، على أن الفضيلة إن كانت من حيث الماهية وسطًا بين طرفين مرذولين، فإنها من حيث الخير حد أقصى وقمة؛ إذ إن الوسط هو ما تحكم الحكمة بعد تقدير جميع الظروف أنه ما يجب فعله «هنا والآن» فهو خير بالإطلاق، ومما تجب ملاحظته أيضًا أن من الأفعال والانفعالات ما لا يحتمل الوسط، فإن من الانفعالات «كالحسد والغيرة» ومن الأفعال «كالسرقة والقتل» ما مجرد اسمه يدل على إثم وما هو مذموم بلا استثناء وأيًّا كانت الظروف؛ لأنها رذائل بالذات لا بسبب الإفراط فيها أو التفريط، هي شرور قد تتفاوت في الشر لكن لا في الإفراط والتفريط الواقعة بينهما الفضيلة، فهي إذن غير قابلة للوسط الفاضل، كما أن مثل هذا الوسط لا يوجد بين خيرين الواحد أكبر والآخر أصغر من حيث إن الفضيلة قمة في الخير كما قلنا،١٨ وإذا تدبرنا هذه التحديدات اقتنعنا أن الذين ينقدون نظرية الفضيلة عند أرسطو ما يزالون يتوهمونها وسطًا حسابيًّا أو شيئًا بين بين وموقفًا هينًا لينًا في حين أنها حد أقصى ليس بعده زيادة لمستزيد، ومما يدل على أن الوسط الفاضل اعتباري لا رياضي حتى مع غض النظر عن الشخص وظروفه هو أنه أميل لأحد الطرفين منه للآخر، مثل الشجاعة فهي أقرب للتهور منها للجبن، ومثل السخاء فهو أقرب للتبذير منه للبخل، ومثل العفة فهي أقرب لجمود الشهوة منها للشره،١٩ وكون الفضيلة مثل هذا الوسط يجعل ممارستها أمرًا دقيقًا صعبًا، والسبيل إلى إصابة الوسط هو الذهاب إلى الطرف الأقرب إليه ثم معالجة النفس حتى تعود إلى الوسط.٢٠

(٧٢) الإرادة

(أ) عرفنا للآن أن الفضيلة ملكة تقوم في وسط، ولكنها ملكة اختيار؛ فيتعين علينا أن نفحص عن هذا الجزء من أجزاء التعريف، وهناك معنى أعم نقدمه عليه هو معنى الفعل الإرادي، فإن الاختيار صادر عن الإرادة، ولكن ليس كل فعل إرادي اختيارًا، الفعل الإرادي هو الصادر عن معرفة ونزوع، فاللاإرادي هو الذي ينقصه أحد هذين الشرطين فيأتي إما معارضًا للنزوع وهو الفعل القسري اللازم من إكراه خارجي؛ وإما خلوًا من المعرفة وهو الناشئ من الجهل، أما الأفعال التي نأتيها عن خوف اتقاء شر أعظم أو ابتغاء خير أعظم فهي مزاج من الإرادي واللاإرادي، ولكنها إرادية أكثر منها لا إرادية؛ هي إرادية لأن صاحبها يريدها ويفعلها؛ طلبًا للغاية مثل إلقاء البضائع في البحر ابتغاء النجاة من العاصفة. وهي لا إرادية لأن أحدًا ليس يريدها لذاتها وبغض النظر عن الظروف؛ أي هي إرادية بالإطلاق ولا إرادية بالإضافة، وعلى ذلك فالذي يفعل ما لا ينبغي تحت تأثير الخوف إن كان فعله ذنبًا خفيفًا يأتيه اتقاء شر يفوق الطاقة البشرية فهو معذور، أما إن كان فعله ذنبًا ثقيلًا فليس يعذر مهما يكن الدافع له؛ فإن من الأفعال ما العذاب بل الموت خير من ارتكابه. واللاإرادي الناشئ من الجهل هو الذي يفعل مع جهل المفعول أو جهل ظرف من ظروفه بحيث لو علم الفاعل هذا أو ذاك لما فعل، وعلامته أنه يثير الأسف في نفس الفاعل «كما لو أصاب إنسان إنسانًا ظانًّا أنه يرمي حيوانًا، فإذا كان المقتول عدوًّا يلتمس قتله فإن الجهل هنا لا يحيل الفعل لا إراديًّا إلا من حيث إن المجهول ليس مرادًا بالفعل مع كونه مرادًا بالقوة؛ لذلك هو لا يثير أسفًا ولا ألمًا»، وليس سواء الفعل عن جهل أي بسبب الجهل والفعل جهلًا أي جهل الفاعل ما يفعل، فمثلًا السكران والغضبان يفعلان أمورًا كثيرة جهلًا، لكن لا عن جهل بل عن غضب أو سكر، وكل من السكر والغضب علة في أن صاحبه يجهل ما يفعل ويفعل ما يجهل، فالجهل مصاحب للفعل وليس علته، والفعل مع هذا الجهل فعل لا إرادي، وإذا كان الفاعل عامدًا في جهله كان فعله إراديًّا؛ لأن جهله إرادي.٢١
(ب) والاختيار أضيق من الإرادي أي إنه نوع تحت جنس، فإن أفعال الأطفال والحيوانات وأفعالنا الفجائية إرادية كلها ولكنها ليست نتيجة اختيار، ويفترق الاختيار عن الإرادة من وجهين: أحدهما أن الإرادة اشتهاء والاختيار تقرير ما يفعل بعد مشورة، وموضوع المشورة هو الممكن في ذاته وبالإضافة إلينا، فإنه إلى جانب ما في العالم من أمور ضرورية يوجد مجال للإمكان وتوجد أمور لا تقع دائمًا على نحو واحد فتعينها الإرادة بالمشورة، وعلى ذلك قد نريد المستحيل أو نريد ممكنًا لا يتعلق بفعلنا الشخصي، ولكنا لا نستطيع اختيارهما. الوجه الآخر أن موضوع الإرادة الغاية، وموضوع الاختيار الوسائل؛ «فإن المشورة لا تكون إلا بحث الإرادة للعقل، ولا تحث الإرادة العقل إلا إذا كانت متوخية غاية، فإن وُضعت الغاية موضع مشورة صارت وسيلة لغاية أبعد، وهكذا إلى أن تنتهي إلى غاية أخيرة هي موضوع إرادة»، فالغاية مرفوضة دائمًا، والمشورة بحث في اختيار الوسيلة إليها. ويفترق الاختيار أيضًا عن الحكم النظري؛ ذلك أن الحكم يتناول الأشياء جميعًا؛ الممكن منها والضروري والممتنع، أما الاختيار فليس يقع إلا على الجزئي الممكن الذي في مقدورنا كما أسلفنا، ثم إن الحكم ينقسم إلى صادق وكاذب، أما الاختيار فإلى حسن وقبيح، وأخيرًا لو كان الاختيار والحكم واحدًا لكان الذي يحسن الحكم يحسن الاختيار أيضًا، والواقع يدل على خلاف ذلك أحيانًا كثيرة بسبب فساد الخلق، وهذا ما أغفله سقراط وأفلاطون.٢٢
وتمر الإرادة في الاختيار بمراحلَ؛ هي: اشتهاء الغاية، فالمشورة أو الموازنة بين الوسائل، فإدراك الوسيلة الملائمة «هنا والآن»، فاختيار الإرادة هذه الوسيلة، فالفعل، وعلى ذلك فلا تكون المشورة إلا في حالة الإمكان وعدم التعيين، وهي تركب أقيسة عملية مقدمتها الكبرى قاعدة، مثل: «اللحوم الخفيفة صحية.» والصغرى إدراك: «هذا اللحم خفيف.» والنتيجة الحكم العملي المؤدي مباشرة إلى الفعل «أو الترك إن كانت إحدى المقدمتين سالبة»، فالاختيار هو «الاشتهاء المروي لأشياء هي في مقدورنا» أو هو «العقل المشتهي أو الشهوة العاقلة» لا بمعنى أن الاختيار هو الشهوة + العقل بل بمعنى أنه يتضمن الاثنين متفاعلين أي الشهوة يقودها العقل أو العقل تستحثه الشهوة.٢٣ وموضوع الإرادة هو دائمًا الخير بإطلاقه أي ما يلوح للشخص أنه خير، والرجل الفاضل يعرف أن يميز الخير الحقيقي ويؤثره، والرجل الشرير يقع غالبًا على الخير الظاهر؛ لأن رائده اللذة والألم، يتوهم اللذة خيرًا والألم شرًّا فيسيء الاختيار.٢٤ ينتج من كل ما تقدم أن الفضيلة إرادية وهذا مما لا شك فيه، فالرذيلة إرادية كذلك؛ لأنه إذا كان الفعل متعلقًا بنا فالترك متعلق بنا أيضًا، والإنسان رب أفعاله صالحة وطالحة: يشهد بذلك الضمير وتصرف المشرعيين في توزيع المكافآت وتوقيع العقوبات وتقدير ظروف الحرية والإكراه والجهل غير المقصود.

(٧٣) الفضائل

(أ) لما كانت الفضيلة تمام تأدية القوة لوظيفتها، وكان الإنسان عقلًا ونزوعًا يطيع العقل أو يعصاه فقد انقسمت الفضائل إلى عقلية وخلقية، ويبدأ أرسطو بالثانية؛ لأنها تكتسب قبل الأولى بالتربية والاعتياد، ولأنها هي التي تسمح للعقل بتحصيل كماله الخاص، ويسرد أرسطو عددًا منها ويصنفها نوعًا من التصنيف قائمًا على الانفعالات والأفعال لا على قوى النفس كما فعل أفلاطون، فيدخل في جدوله الفضائل المذكورة عند أفلاطون إلى جانب فضائل أخرى، وهذا هو ملخص الجدول:
  • (١)

    بالإضافة إلى الخوف والجرأة: الوسط الشجاعة، وله إفراطان واحد سببه انتفاء الخوف وليس له اسم في اللغة، وآخر ناشئ من الجرأة وهو التهور، أما التفريط فهو الجبن؛ أي فرط الخوف وانعدام الجرأة.

  • (٢)

    بالإضافة إلى بعض اللذات وإلى بعض أقل من الآلام: الوسط الاعتدال، والإفراط الشره، والتفريط وهو الإسراف في اجتناب اللذات نستطيع أن نسميه جمود الشهوة؛ إذ لم يوضع له اسم؛ لندرة أصحابه.

  • (٣)
    بالإضافة إلى الخيرات الخارجية:
    • (أ)

      عند الرجل قليل المال: الوسط السخاء، والإفراط التبذير، والتفريط البخل.

    • (ب)

      عند الثري: سخاؤه المتناسب مع ثروته يسمى الأريحية وهي وسط بين إفراط هو الزهو أو الفخفخة، وتفريط هو التقتير.

  • (٤)
    بالإضافة إلى الكرامة:
    • (أ)

      في الكرامات العالية: الوسط كبر النفس، والإفراط شيء قد نسميه النفخة، والتفريط الهوان.

    • (ب)

      في الكرامات الأدنى أهمية: الوسط لا اسم له، أو هو الطمع دون دعوى، والإفراط الطمع «مع الدعوى»، والتفريط لا اسم له، أو هو عدم الطمع.

  • (٥)

    بالإضافة إلى الانفعالات: الوسط الوداعة، والإفراط الحدة، والتفريط الخمود.

  • (٦)
    بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية بالأقوال والأفعال: ثلاث ملكات واحدة موضوعها الحقيقة في أقوالنا وأفعالنا، واثنتان موضوعهما الانبساط في أوقات اللهو أو في الحياة الجارية:
    • (أ)

      ففيما يختص بالحقيقة الصراحة أو الصدق وسط بين تصنع بإفراط هو النَّفْج أو تكبير الأمور وافتخار المرء بما ليس فيه، وتصنع بتفريط هو التعمية أو تصغير الأمور.

    • (ب)

      وفيما يختص باللهو الوسط الدعابة، والإفراط المجون، والتفريط الفظاظة.

    • (جـ)

      وفيما يختص بالحياة الجارية أي بالانبساط المستديم الوسط الصداقة وله إفراطان واحد مع نزاهة هو ولع الإرضاء، وآخر يراد به نفع ذاتي هو الملق، والتفريط الشراسة.

  • (٧)

    بالإضافة لا إلى الشهوات بل إلى ما يتصل بها فلا يعد فضيلة أو رذيلة بالذات ولكنه يمدح أو يذم لاتصاله بالشهوات التي هي موضوع الفضيلة والرذيلة والمدح والذم: الوسط الحياء، والإفراط الوجل أو الاحمرار من كل شيء، والتفريط السفه أو القحة.

  • (٨)

    بالإضافة إلى انفعالنا بما يقع للغير: الوسط روح العدالة وصاحبه يحزن للخير وللشر يصيبان غير أهل، والإفراط الحسد يحزن صاحبه لكل خير، والتفريط الفرح السيئ للشر غير المستحق.

  • (٩)
    أما العدالة فتقال على أنحاء، لذلك سنبين فيما بعد الوسط في كل قسم من أقسامها.٢٥

ونحن نجتزئ بما تقدم فإن تحليلات أرسطو وتمييزاته الدقيقة تقرأ ولا تلخص، ولكنا نقول كلمة في العدالة وعليها تدور المقالة الخامسة بأكملها.

(ب) للفظ العدالة معنيان: فهو قد يعني المطابقة للقانون الخلقي، وقد يعني المساواة، وبالمعنى الأول العدالة مرادفة للصلاح وللفضيلة كما هي عند أفلاطون فهي العدالة «الكلية»، وبالمعنى الثاني هي فضيلة خاصة «جزئية» ملحوظ فيها علاقة الفرد بأمثاله، وإنما أتى اشتراك اللفظ من أن الإنسان مدني بالطبع وأن سيرته لا بد أن تمس المجتمع فتلائمه أو تفتات عليه، فالرجل الصالح أو الفاضل عدل بهذا المعنى والشرير ظالم بهذا المعنى، إلا أن لفظ العدالة يتعلق بما لكل فضيلة من ناحية اجتماعية بينما لفظ الفضيلة لا يتضمن بالذات هذه الناحية.٢٦
والعدالة الجزئية نوعان: توزيعية وتعويضية، ترجع الأولى للدولة وتتولى قسمة الأموال والكرامات بين المواطنين، وترجع الثانية للقضاء وتتولى تعويض المظلوم من الظالم؛ وذلك إما في المعاملات الإرادية أي الناشئة عن إرادة الطرفين كالبيع والشراء والإقراض وما إليها، وإما في المعاملات غير الإرادية كالسرقة والاعتداء،٢٧ وسميت هذه العدالة تعويضية؛ لأن مهمة القاضي في الحالين رد الأمور إلى نصابها والتعويض عن الغبن، وقد كان اليونان ينظرون إلى المعاملات غير الإرادية من هذه الوجهة، وكذلك يفعل أرسطو، أما كونها جنحًا وجرائمَ فهي ذنوب ضد الدولة لا ضد أفراد وتدخل في العدالة الكلية. والمبدأ واحد في أقسام العدالة الجزئية وهو المساواة، إلا أن المساواة في التوزيعية قائمة بالنسبة الهندسية، وفي التعويضية بالنسبة الحسابية؛ ذلك أن التوزيعية تراعي فضل الأفراد فتعطي كلًّا على قدر فضله بينما التعويضية تلحظ الظلم الواقع فقط وتعتبر الطرفين متساويين فتأخذ الظالم بمثل ما أخذ به غريمه؛ وهي وإن شذت عن قانون الوسط الاعتباري من حيث موضوعها المعين تعيينًا حسابيًّا إلا أنها مطابقة له من حيث الفاعل، فإن العدالة فيه وسط بين الظلم والانظلام.٢٨ وثمة نوع من العدالة أسمى من عدالة القانون هو «الإنصاف» وهو تصحيح القانون حيث يهن القانون لعمومه: ذلك أن القانون عام بالضرورة ينص على ما يقع في الأكثر ولا يدعي الإحاطة بجميع الحالات، وقد تعرض حالات لو طبقنا عليها النص العام لبدا حكمنا جائرًا، فالمنصف يقيم نفسه مكان الشارع ويستوحي روحه فيصحح نصه ويقضي كما كان الشارع يقضي لو كان حاضرًا.٢٩

(ﺟ) وموضوع المقالة السادسة الفضائل العقلية، ويتعين النظر في هذه الفضائل لسببين؛ الأول: أنا عرَّفنا الفضيلة أنها العمل بمقتضى الحكمة، وعرَّفنا الرجل الفاضل أنه الذي يعمل بموجب القاعدة القويمة، وتقرير هذه القاعدة فعل عقلي والحكمة ملكة عقلية فيجب أن نفحص عنها؛ ليتم لنا معرفة حد الفضيلة. السبب الثاني أنا عرَّفنا السعادة أنها فعل النفس طبقًا لأشرف فضيلة، فإذا أردنا أن نعلم ما هي السعادة وجب علينا أن ننظر في الفضائل العقلية كما نظرنا في الفضائل الخلقية وأن نفحص عن أحسن فضيلة بين فضائل الطائفتين.

نقول إذن: العقل على ما هو معلوم نظري موضوعه الكلي الضروري، وعملي أو «حاسب» موضوعه الوسائل الجزئية لإرضاء الشهوة المستقيمة، ويشترك العقلان في أنهما يطلبان الحقيقة لكن النظري يطلب الحقيقة الدائمة والعملي يطلب الحقيقة في موقف ما لذلك كان هو الذي يحرك ويدفع إلى العمل، ويختلف العقلان في منهج البحث، فإن النظري ينزل من المبادئ إلى النتائج، ويترقى العملي من آخر نتيجة إلى أعلى مبدإ، أي إن آخر طرف يصل إليه النظري هو أول وسيلة يدركها العملي، فمثلًا العقل النظري يعلم أن الصحة تقوم في نسبة ما بين أخلاط الجسر وأن هذه النسبة متوقفة على وجود مقدار ما من الحرارة أو البرودة في الجسم وأن هذا المقدار متعلق بحالة هذا العضو أو ذاك، وأن هذه الحالة يحدثها دواء معين، فلأجل تحقيق الصحة ما علينا إلا أن نعود القهقرى فَنَرى الدواء وسيلة لإحداث حالة ما في عضو ما، وهذه الحالة سببًا في زيادة حرارة الجسم أو برودته، وهذه الزيادة سببًا في النسبة المطلوبة للصحة.٣٠

والفضائل العقلية هي: العلم والفن والحكمة العملية والفهم والحكمة النظرية، العلم معرفة الكلي الضروري، ولما كانت هذه المعرفة تكتسب بالبرهان كان العلم الملكة التي تؤهلنا للبرهنة، وللبرهان مبادئ أولى يدركها العقل بالفهم بعد استقراء جزئيات، وهذا الاستقراء يختلف عن الاستقراء المنطقي التام والناقص في أن موضوعه أعم وأن نتيجته بينة بنفسها، ومن فهم المبادئ الأولى ومن العلم في أعلى الموضوعات تتألف الحكمة النظرية، أما الفن فهو الملكة التي تؤهلنا لأن نحدث مصنوعات طبقًا لقواعد محكمة، وأما الحكمة العملية فهي ملكة المشورة الجيدة في الأشياء الحسنة والرديئة بالإضافة إلى الإنسان بما هو إنسان، وهذه الملكة يمكن أن تفسد باللذة والألم، أما الملكة النظرية فلا؛ وذلك لأن الرذيلة إنما تتوخى اللذة وتهرب من الألم فتلاشى «المبدأ الأول» أي المقدمة الكبرى في القياس العملي المستقيم وهي «أن غاية العمل الخير» وتحول دون أن نعرف الموضوعات التي يجب أن توجه إليها الحياة، والحكمة العملية إذا تناولت شئون الدولة فهي «العلم السياسي»، ويجب أن تتناول هذه الشئون؛ لأن الفرد لا يستطيع أن يحيا حياة كاملة في دولة ناقصة، والعلم السياسي يشمل التشريع ووظيفتين خاضعتين للتشريع هما الشورى والقضاء، والحكمة العملية تتضمن الفضيلة، والفضيلة تتضمن الحكمة العملية؛ لأن الفضيلة بمعنى الكلمة ليست العمل تبعًا لاستعداد طيب أو طبع عفيف ولكنها عمل الخير؛ لأنه الخير؛ أي مع معرفته ومعرفة أصوله ونتائجه؛ لذلك كان الذي يعمل الخير بناءً على إشارة آخر أدنى من الذي يعمله بناءً على حكمته الخاصة، والحكمة العملية تتضمن الفضائل جميعًا؛ فإن غايتها قيادة الإنسان نحو خيره الأعظم، وموضوعها تدبير القوى والانفعالات بما يحقق هذه الغاية، فمتى وُجدت قضت في كل الأمور على نحو واحد بحيث لا يكون إنسان فاضلًا في ناحية رذيلًا في ناحية أخرى إلا في الظاهر فقط وتكون فضيلته المزعومة صادرة من غير الحكمة العملية.

(د) هذا التمييز بين العقلين والحكمتين يسمح بحل الإشكال الذي أثاره سقراط حين قال: «الفضيلة علم والرذيلة جهل.» وكان سقراط قد اصطدم بحقيقة واقعة هي أن كثيرين يأتون الشر مع علمهم بالخير، فارتأى أن علمهم ظن وأنهم إنما يخالفون الظن، ولكن ميزة العلم عنده وعند أفلاطون أنه مصحوب باعتقاد قوي، ومثل هذا الاعتقاد قد يصاحب الظن؛ فإذا كان أهل الظن يخطئون مع الاعتقاد القوي فما الذي يعصم أهل العلم؟ إذن فليس يكفي هذا القول في تفسير الحقيقة الواقعة، وإنما هي تفسر على النحو الآتي:
  • (١)

    من الممكن فعل الشر حين يكون العلم بالخير كامنًا بالقوة، ولكن ذلك ممتنع حين يكون العلم بالخير ماثلًا بالفعل في العقل وقت العمل؛ فإنا إذا سلمنا بالمقدمة الكبرى ثم بالصغرى سلمنا بالنتيجة وعملناها.

  • (٢)

    يمكن الحصول بالفعل على المقدمة الكبرى مثل «الأطعمة اليابسة نافعة للإنسان»، والحصول بالفعل أيضًا على إحدى المقدمات الصغرى — وهي تطبيقات شخصية — مثل: «الطعام الذي من النوع الفلاني يابس» و«أنا إنسان»، ولكن إذا لم تكن الصغرى الأخيرة «هذا الطعام هو من النوع المذكور» حاصلة بالفعل فيمكن أن نجاري الشهوة.

  • (٣)

    يمكن الحصول على الصغرى الأخيرة بالفعل مع عدم فهمها وحينئذ لا نتقيد بها؛ فإن من شأن الشهوة أن تجعل صاحبها كالحالم أو السكران أو المجنون بما تدخله من اضطراب على النفس ومن تغير على الجسم فيفعل الشر ويقول الخير دون علم به؛ مثله مثل المجنون أو السكران ينشد أشعارًا لأنبادوقليس ولا يفقه لها معنى.

  • (٤)
    يجب أن نذكر أن للشهوة منطقها وقياسها العملي يعارض قياس الحكمة؛ فإذا حضرت الكبرى والصغرى في ذهن صاحبها خرج منهما إلى النتيجة وفعلها مع علمه بالقضية الكلية المضادة لكلية قياس الشهوة، وعلى ذلك نصحح رأي سقراط بأن نقول: إن الفضيلة علم بالصغرى الجزئية الأخيرة المدرجة تحت القاعدة الكلية؛ وأن الرذيلة جهل بهذه الصغرى مع العلم بالقاعدة الكلية، فإن الصغرى الجزئية هي العلم المحرك إلى العمل، ووضع هذه الصغرى تابع للحكمة العملية التي هي فضيلة تكتسب بالمران، لا للحكمة النظرية كما ظن سقراط.٣١
(ﻫ) ويخصص أرسطو مقالتين للصداقة — الثامنة والتاسعة — والسبب في ذلك أن للفظ اليوناني معنى أوسع من اللفظ الذي نترجمه به، فهو يدل على كل تعاطف أو تضامن بين شخصين فيشمل جميع الروابط الاجتماعية؛ من روابط الأسرة إلى رابطة المدينة إلى رابطة الإنسانية، والصداقة ضرورية للحياة فليس أحد يرضى أو يستطيع أن يعيش بلا أصدقاء ولو توفرت له جميع الخيرات؛ بل إن صاحب الخيرات لا يحصلها ولا يحفظها إلا بمعونة الأصدقاء، ولا يتم استمتاعه بها بدون أصدقاء يشركهم فيها، الأصدقاء ملاذنا في الشدة يبذلون لنا النصح في شبابنا ويعنون بنا في شيخوختنا،٣٢ والصداقة على أنواع ثلاثة: صداقة الفضيلة، وصداقة المنفعة، وصداقة اللذة، في النوعين الثاني والثالث يحب الإنسان لا شخص الصديق بل ما يعود عليه هو من منفعة أو لذة؛ فالصداقات التي من هذا القبيل دنيئة واهية تنقضي بانقضاء الحاجة، وهذه الحاجة دائمة التقلب، وصداقة الفضيلة هي الصداقة الكاملة الباقية؛ وهي نادرة؛ لندرة الفضيلة، ليس فيها رجوع على الذات ولو أنها مصدر لذة قوية رفيعة، تريد الخير للصديق وتعينه على أن يحيا أحسن حياة عقليًّا وخلقيًّا، فتلتقي عندها الأنانية والغيرية، كما تلتقيان عند الأم تألم لوجع ابنها مثل ما تألم لوجعها، وليست كل أنانية ممقوتة بل فقط تلك التي تطلب اللذات والمنافع، فإن هذه المطالب كلما ازداد حظ الفرد فيها نقص حظ الآخرين، أما صداقة الفضيلة فإنها قائمة على بذل المحبة والجهد والمال، والباذل فرح بحظه الأوفى، مغتبط بالفعل الخيِّر الجميل، وحتى الذي يموت دون صديقه فإنه يربح أكثر مما يخسر.٣٣

(٧٤) غاية الحياة: بحث ثانٍ

(أ) ويعود أرسطو إلى غاية الحياة فإنه لما استعرض الغايات في المقالة الأولى استبعد اللذة بعبارة واحدة وأرجأ الكلام على حياة النظر أو الحكمة، وهو يدرس اللذة في موضعين٣٤ وهاك ملخص أقواله: اللذة ظاهرة نفسية أصلها أن للإنسان قوى تتطلب العمل ولكل منها موضوع تتجه إليه طبعًا، فإذا ما عملت نتجت لذة، فليست اللذة غاية في الأصل وإنما الغاية الموضوع؛ لأنه هو الذي يكمل القوة، وما اللذة إلا ظاهرة مصاحبة لفعل القوة، ولا يكون الفعل لذيذًا إلا بشرط أن تفعل القوة حرة لا يعوقها عائق، ومعتدلة بين إفراط وتفريط، فإن العائق يستثير المقاومة أو يبطل العمل وفي كلا الحالين يسبب ألمًا، وكذلك الإفراط يعقبه ألم؛ لأنه يجهد القوة وقد يفسدها، والتفريط قد يعدل عدم الفعل أو فعلًا ضعيفًا جدًّا وفي كلا الحالين لا يحدث لذة، إذن ليست اللذة شيئًا متمايزًا من الفعل، ولكنها عبارة عن كمال الفعل تنضاف إليه كالنضارة إلى الشباب، فقيمتها تابعة لقيمة القوة والفعل والموضوع، فلا يجوز القول بالإطلاق إنها حسنة أو إنها رديئة، غير أنها بعد حصولها أول مرة تصير موضوعًا للشهوة، وغاية تجعل الفعل أشهى وأحب؛ لأنها هي مشتهاة، وتبعث فينا النشاط فنؤدي الفعل على وجه أحسن، بحيث إنها بعد أن كانت معلول الفعل تصير علة كماله، فمن هذه الناحية أي من حيث صيرورة اللذة غاية متمايزة من غاية الفعل، يتعين على العقل ملاحظتها وتدبيرها؛ لأنها إن طلبت لذاتها أودت بالشخص وفوتت عليه الغايات الأولية فصارت رديئة، ولكن الأفعال هي التي توصف أولًا بالخير أو بالشر، واللذات تابعة لها، فاللذة الحسنة أو الحقة تنشأ من الفعل الفاضل ويتذوقها الرجل الفاضل وحده معرضًا عن اللذة الكاذبة التي يطلبها الرذيل، فما هي الأفعال أو ما هو الفعل الكفيل بأن يكمل طبيعتنا ويجلب لنا اللذة القصوى أو السعادة؟

(ب) رأينا أن السعادة يجب أن تكون الفعل المطابق لأشرف فضيلة، وأشرف فضيلة هي فضيلة العقل النظري؛ لأنه أشرف جزء فينا وموضوعه أشرف الموضوعات أعني الموجودات الدائمة الثابتة، والنظر هو الفعل الذي نستطيع أن نزاوله زمنًا أطول من أي فعل آخر، وهو يعود علينا بلذة لا تعدلها لذة نقاءً ودوامًا، وهو محبوب لذاته بينما سائر الأفعال مرتبة لأشياء أسمى منها، إن العقل يشغل مكانًا ضئيلًا، ولكنه يفوق جميع القوى بما لا يقاس قوة وكرامة، فلا ينبغي أن نتبع قول القائلين: إننا بشر وإنه يجب أن نقف فكرنا عند الأشياء البشرية، بل يجب أن نتعلق بالحياة الدائمة بقدر المستطاع، وأن نبذل كل جهد لكي نحيا أرفع حياة تطيقها طبيعتنا، فإنها هي أسعد حياة، أما حياة الحكمة العملية فهي حياة المركب الإنساني لا حياة العقل المجرد، وهي مفتقرة للغير وللخيرات الخارجية كموضوع لأفعالها، والعقل في غنى عن أولئك جميعًا، وهي توفر سعادة يمكن تسميتها سعادة إنسانية، ولكنها سعادة ثانوية نطلبها؛ لأننا لسنا عقلًا صرفًا فلا نستطيع أن نحيا حياة نظرية باستمرار، ولأنها تساعدنا على البلوغ إلى الحياة النظرية بقهرها الشهوة وإطلاقها الحرية للعقل.

ويقول أرسطو: إن النظر حياة الآلهة وفضيلتهم الوحيدة، فإنهم لما كانوا عقولًا مفارقة فليس يضاف إليهم فضائل خلقية أو فنية، وإن الإنسان إنما يزاول النظر بما فيه من جزء إلهي هو العقل، ولكنه لا يزاوله إلا أوقاتًا قصارًا، فسعادته به ناقصة، وكان يكون النظر السعادة الكاملة للإنسان لو أمكن أن يملأ حياته بأكملها،٣٥ ولا يذكر أرسطو أن النظر سيكون بالفعل حياة النفس الناطقة بعد مفارقتها البدن، وإذن فالإنسان قد فاتته غايته بينما سائر الموجودات تحقق غايتها وذلك في مذهب الغائية! هنا نلمس النقص في أساس الأخلاق: إذا كانت القوة مرتبة للفعل وكان الفعل مرتبًا للموضوع فلِمَ أنكر أرسطو على أفلاطون إقامته مثال الخير غاية للحياة وموضوعًا للتأمل السعيد؟ وإذا كان هذا التأمل هو سعادة الإنسان وكان لا يتحقق تمامًا وباستمرار إلا للعقل المفارق، أفليست تقتضي الغائية أن تتحقق سعادة الإنسان في حياة أخرى؟ بلى، وإن هذا لبرهان قوي على الخلود كان أرسطو اصطنعه من غير شك لولا ما قام عنده من صعوبات بصدد العقل الإنساني والله قعدت به عن مجاراة أفلاطون في صعوده، وجنحت به إلى القناعة بسعادة ناقصة أيما نقصان.
١  م١ ف١-٢.
٢  م١٠ ف٩.
٣  م٥ ف٧.
٤  م١ ف٣.
٥  م١ ف٤.
٦  انظر أيضًا م١ نهاية ف٧، وم٤ ف١٢.
٧  م١ ف٢.
٨  م١ ف٥.
٩  م١ ف٦.
١٠  م١ ف٧.
١١  م١ ف٨.
١٢  م١ ف١٠.
١٣  م٢ ف١.
١٤  م٢ ف٢.
١٥  م٢ ف٣.
١٦  م٢ ف٤.
١٧  م٢ ف٥.
١٨  م٢ ف٦.
١٩  م٢ ف٨.
٢٠  م٢ ف٩.
٢١  م٣ ف١.
٢٢  م٣ ف٢.
٢٣  م٣ ف٣.
٢٤  م٣ ف٤.
٢٥  م٢ ف٧. والتفصيل من م٣ ف٦ إلى نهاية م٩.
٢٦  م٥ ف١–٢.
٢٧  م٥ ف٢.
٢٨  م٥ ف٣-٤.
٢٩  م٥ ف١١.
٣٠  هذا المثال مأخوذ من كتاب ما بعد الطبيعة م٧ ف٧ ص١٠٣٢ ع ب س١٥–٣٠.
٣١  م٧ ف٣.
٣٢  م٨ ف١.
٣٣  م٨ ف٢–٥. ويلي ذلك تحليلات كثيرة لا يتسع لها هذا المقام.
٣٤  م٧ ف١٢ إلى نهاية المقالة وم ١٠ ف١–٥.
٣٥  م١٠ ف٦–٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤