إجازة نصف السنة

اقترب العيد، وأخذ الأصدقاء الخمسة إجازة نصف السنة، التي تبدأ قبل العيد وتنتهي بعده، وهكذا اجتمعوا في حديقة «عاطف» كعادتهم، وأخذوا يتذكَّرون مغامراتهم السابقة.

والأصدقاء الخمسة هم «محب» وأخته «نوسة»، و«عاطف» وأخته «لوزة».

أما الخامس فهو «تختخ»، ومعه كلبه «زنجر»، وهم جميعًا يسكنون في «المعادي».

قالت «لوزة» الصغيرة وهي تنظر إلى «تختخ»: هل تظن أننا سنجد لغزًا نحلُّه في أثناء إجازة نصف السنة يا «تختخ»؟

وردَّ «تختخ» في هدوء: لا أدري يا «لوزة»! من يعرف، ربما قابلَنا لغز ولو صغير!

ولكن «لوزة» التي تحب المغامرات كثيرًا مضت تقول: إنني أخشى أن نُمضي الإجازة في كسل، والمغامرون مثلنا يجب أن يجدوا دائمًا شيئًا مثيرًا يقضون وقتهم فيه.

قال «تختخ»: على كل حال عندي اقتراح لقضاء الوقت!

فتحمست «نوسة» وسألته: ما هو؟

تختخ: أقترح أن نقوم بعمل كروت المعايدة التي سترسلها أسرنا إلى الأصدقاء، ونبيع هذه الكروت لهم.

قال «محب»: فكرةٌ لا بأس بها.

تختخ: إنني أجد دائمًا أفكارًا جديدة، وعندما كنت صغيرًا …

وقبل أن يمضي «تختخ» في حكاية ذكرياته، ردَّ «عاطف»: بسرعة من فضلك، لا داعي لأن تروي لنا قصة حياتك!

رد «تختخ» في ضيق: ولكنني لم أكمل اقتراحي بعد، فبعد أن نبيع هذه الكروت، سنأخذ ثمنها ونشتري به أدوات للتنكر؛ فالمغامرون مثلنا لا بد أن يكون عندهم أدوات للتنكر!

أعجبت هذه الفكرة «لوزة» فقالت: وما هي أدوات التنكر يا «تختخ»؟

رد «تختخ»: أشياء كثيرة، فقد قرأت في الفترة الماضية عددًا من الكتب عن المخبرين السرِّيين، والمغامرين الكبار مثل «شرلوك هولمز»، وعرفت كيف كانوا يتنكرون، وكيف كانوا يتخلصون من أعدائهم، ويخرجون من الغرف المغلقة، بل عرفت ما هو أهم من هذا كله!

وأخذ الأصدقاء الأربعة ينظرون إليه باهتمام في انتظار أن يقول لهم هذا الشيء الهام جدًّا، ولكن «تختخ» سكت ولم يكمل جملته.

قال «محب»: ما هو الشيء الهام يا «تختخ»؟ ولماذا توقفت عن الحديث؟

وردَّ «تختخ» في غموض: سأقول لكم في الوقت المناسب. أما الآن، فعلينا أن نبدأ في إعداد الكروت.

وتفرَّق الأصدقاء، فخرج «تختخ» مع كلبه «زنجر»، وخرج «محب» مع أخته «نوسة»، وبقي «عاطف» مع «لوزة» في منزلهما.

وفي الطريق التقى «محب» و«نوسة» بالشاويش «فرقع»، الذي كان يتضايق من الأصدقاء الخمسة لأنهم استطاعوا حل ألغازٍ لم يستطع حلها. نظر «فرقع» إلى «محب» و«نوسة» في ضيق، فقال «محب» ﻟ «نوسة»: إن في إمكاننا أن نعثر على لغزٍ نحله، إذا تعقبنا الشاويش «فرقع»؛ فهو بالتأكيد مشتركٌ في حل بعض القضايا البوليسية، وهو بالتأكيد أيضًا لا يعرف كيف يحلها!

قالت «نوسة»: إننا نظلم الشاويش «علي»، ونطلق عليه اسم «فرقع» رغم أنه هو الذي يحمي بيوتنا من السرقة.

ضحك «محب» قائلًا: إننا بالطبع لا نكرهه، وقد سمَّيناه «فرقع» كما تذكرين؛ لأنه دائمًا يقول لنا كلما رآنا: فرقعوا من هنا.

وفي الوقت نفسه كان الشاويش «فرقع» يقول لنفسه: لقد أخذ هؤلاء الأولاد إجازة نصف السنة، ولا بد أنهم سيجدون لغزًا يحلونه، ويتصلون بالمفتش «سامي»، لا بد أن أراقبهم جيدًا حتى تنتهي الإجازة.

أخذ كل واحد من الأصدقاء الخمسة يعمل بهمةٍ ونشاط في رسم كروت المعايدة، ومضى يومان، ثم اجتمعوا مرةً أخرى في منزل «عاطف»، وأخذ كل منهم يعرض الكروت التي أعدَّها، وقد بدت الكروت كلها جميلة، ولكن من بينها جميعًا كان هناك كارت جميلٌ جدًّا، بل أكثر من رائع، وكان الذي أعده ورسمه «تختخ».

أبدت «لوزة» — التي كانت تحب «تختخ» كثيرًا — إعجابها بهذا الكارت، ثم سألته: لمن هذا الكارت يا «تختخ»؟ من الواضح أنك بذلت في رسمه وتزيينه جهدًا كبيرًا.

قال «تختخ»: إذا كنتم فعلًا المغامرين الخمسة، فحاولوا معرفة من الذي سنرسل له هذا الكارت؟

سألت «نوسة»: نرسله؟ هل تقصد أنه لصديق مشترك بيننا جميعًا؟

قال «تختخ»: نعم، إنه لأعزِّ صديق لنا!

وأخذ الأصدقاء الأربعة يفكرون طويلًا، وفجأة صاحت «لوزة»: لا بد أنه للمفتش «سامي».

نظر «تختخ» إلى «لوزة» بإعجابٍ ثم قال: أنت عظيمة يا «لوزة»، ورغم أنك أصغر المغامرين الخمسة فأنت أذكى واحدة فيهم. إن الكارت فعلًا لصديقنا مفتش المباحث الجنائية «سامي» الذي كثيرًا ما أنقذنا من اللصوص.

أُعجب الأصدقاء جميعًا بفكرة «تختخ»، وأخذوا يفكرون في أحسن جملة يُهدون بها الكارت للمفتش، وبعد مناقشاتٍ طويلة اقترح «محب» أن يكتبوا هذه الجملة:

إلى أعظم مفتش شرطة في العالم، مع تحيات أصغر مخبرين في العالم.

وكتب كل منهم اسمه على الكارت ثم قالت «لوزة»: والآن يا «تختخ»، عليك أن ترينا ما هو الشيء الهام جدًّا الذي رفضت أن تقوله لنا عن المخبرين الكبار.

قال «تختخ» وهو يضع ساقًا على ساق: سوف أعلمكم شيئين على جانبٍ كبير من الأهمية بالنسبة للمخبر: الشيء الأول كيف يخرج من غرفةٍ مغلقة، والشيء الثاني كيف يكتب خطابًا بالحبر السري، بحيث لا يستطيع أي شخص قراءته إلا من يعرف أنه مكتوبٌ بهذا الحبر!

سأل «محب»: ولكن، إن هذا كله يتكلف مالًا كثيرًا، فمن أين لنا بثمن الأحبار السريَّة، وغيرها من أدوات فتح الأبواب؟

رد «تختخ»: إن تكاليف كل الأشياء المطلوبة بضعة مليمات لا غير، وعلى كل حال تعالوا نجرب أولًا كيف يخرج الشخص من غرفةٍ مغلقة.

قالت «نوسة»: يستطيع أن يخرج من النافذة!

هز «تختخ» رأسه وقال: لا أبدًا، إنه سيخرج من الباب المغلق؛ لأنه لو خرج من نافذةٍ في الدور الثالث أو الخامس فسوف يسقط جريحًا أو ميتًا، أما الخروج من الباب فلن يصيبه بشيء! وعلى كل حال، تعالوا نجرب!

محب: وكيف نجرب؟

تختخ: ستغلقون عليَّ أحد الأبواب في الدور الثالث من منزل «عاطف»، وسوف أخرج لكم بعد دقيقتين على الأكثر!

نظر الأصدقاء إلى «تختخ» دون تصديق، وقال «محب»: أرجو ألا تكون هذه كذبة، أو خدعة!

ودون أن ينطق «تختخ» بكلمةٍ واحدة، أخذ يصعد السلم أمامهم إلى الدور الثالث في منزل «عاطف»، حيث كانت هناك غرفة صغيرة تُستعمل كمخزنٍ للأشياء المستعملة.

فتح «عاطف» باب الغرفة بالمفتاح، ودخل «تختخ» بهدوء، والأصدقاء ينظرون إليه في ذهول، في حين أخذ الكلب «زنجر» ينبح في أسف.

وبعد أن دخل «تختخ»، أغلق «عاطف» الباب بالمفتاح، وقال للأصدقاء: تعالوا ننزل لنشرب الشاي، فإنني أعتقد أن «تختخ» لن يخرج من الغرفة مطلقًا، وسوف ننتظر ساعة، فإذا لم يخرج نعود ونفتح الباب له، ثم نقضي بقية اليوم نضحك عليه.

ونزل الأصدقاء السلم، وجلسوا حول المائدة ليشربوا الشاي ولكن قبل أن يضع أي واحد منهم كوبه على فمه، سمعوا صوت أقدام على السلم، وعندما نظروا إلى هناك، فوجئوا جميعًا ﺑ «تختخ» ينزل في هدوءٍ قائلًا: لقد نسيتم أن تضعوا لي فنجانًا من الشاي معكم!

كانت «لوزة» أكثر الأصدقاء حماسًا لنجاح «تختخ» في تحقيق ما وعد به، فجرت إليه وتعلقت في عنقه قائلةً: برافو … برافو يا «تختخ»، إنك أعظم مغامر في الدنيا!

وقف الأصدقاء في دهشة، وهم يشاهدون «تختخ» يجلس معهم على المائدة، ويمد يده ليصبَّ لنفسه كوبًا من الشاي، وكأنه لم يفعل شيئًا على الإطلاق.

تردد «محب» قليلًا، ثم قال: «تختخ»، كيف خرجت!

وردَّ «تختخ» في هدوء: من الباب طبعًا، هل تظن مثلًا أنني كسرت الحائط وخرجت منه!

وقال «عاطف» وهو يهز رأسه: شيءٌ غريب، لقد أغلقت الباب بنفسي أمامكم بالمفتاح، فكيف خرج؟!

ردَّ «تختخ»: على كل حال، أرجو أن تشربوا الشاي أولًا، وبعدها سوف أشرح لكم كيف تخرجون من غرفةٍ مغلقة؟!

صاحت «لوزة»: وأنا أيضًا؟

تختخ: وأنت أيضًا!

وأخذ الأصدقاء يشربون الشاي مسرعين، في حين أخذ «تختخ» يشرب في بطءٍ وهدوء، وهو ينظر إليهم بثقة.

وبعد أن انتهى «تختخ» من شرب الشاي، أسرع الأصدقاء معه إلى الغرفة التي سجنوه فيها، وكم كانت دهشتهم عندما وجدوا الباب مفتوحًا.

وقف «تختخ» أمام الباب ثم قال: والآن أيها المغامرون الأربعة، استمعوا جيدًا إلى هذا الدرس، لقد أغلقت الباب يا «عاطف» بالمفتاح وتركت المفتاح فيه أليس كذلك؟

رد «عاطف»: هذا حدث فعلًا!

ومضى «تختخ» يشرح: والآن، عليك بإغلاق الباب علينا أنا و«محب» و«نوسة» و«لوزة» والكلب «زنجر»، وسوف نخرج ببساطة.

ودخل الأربعة ومعهم الكلب إلى الغرفة، وأغلق «عاطف» الباب بالمفتاح.

قال «تختخ» موجهًا كلامه إلى الأصدقاء الذين معه في الغرفة: والآن لاحظوا ماذا سأفعل!

ثم أخرج «تختخ» من جيبه إحدى الصحف، وفردها، ثم انحنى بجوار الباب، وأدخل الصحيفة تحت الباب، وأخذ يدفعها بهدوء حتى لم يبقَ منها داخل الغرفة إلا شريط رفيع، ثم أخرج من جيبه قطعة رفيعة من السلك، أدخلها في ثقب المفتاح، وبعد لحظة سمع الأصدقاء صوت المفتاح وهو يسقط من الخارج فوق الصحيفة، ومدَّ «تختخ» يده، وجذب الصحيفة بهدوءٍ مرة أخرى، فوجد الأصدقاء المفتاح فوقها، فأخذه «تختخ»، وفتح الباب، وخرج الجميع.

صاح «محب»: يا لها من فكرةٍ مدهشة يا «تختخ»، إنها بسيطةٌ جدًّا!

قالت «لوزة»: إنني أستطيع أن أقوم بها أنا نفسي!

قال «تختخ»: أنها بسيطة فعلًا، وعليك يا «لوزة» أن تدخلي الآن وتجربي.

وفعلًا، أسرعت «لوزة» إلى دخول الغرفة، وأغلق عليها «عاطف» الباب بالمفتاح، ولكن مضت مدة دون أن تخرج «لوزة» فقال: «تختخ»: إن «لوزة» لن تخرج أبدًا؛ لأنها نسيت أن تأخذ الصحيفة معها، ويجب على المغامر الذكي ألا ينسى الصحيفة أبدًا، وعليه دائمًا أن يحتفظ بواحدةٍ منها في جيبه مع أشياء أخرى سأريكم إياها!

فتح «تختخ» الباب، فرأى الجميع «لوزة» وهي تقف حائرة، فضحك «تختخ» وقال: لقد نسيت الصحيفة يا «لوزة» فلا تنسيها مرةً أخرى!

وأعاد الأصدقاء التجربة بعد أن أخذت «لوزة» الصحيفة معها، واستطاعت فعلًا أن تخرج بعد وقتٍ قصير، ثم قام كل واحد من المغامرين الخمسة بالتجربة ونجحوا في الخروج من الغرفة جميعًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤