الولد الأخرس

في الساعة العاشرة، من صباح اليوم التالي، دقَّ جرس التليفون في منزل «محب»، وكان المتحدث هو «عاطف».

قال «عاطف» ﻟ «محب» في التليفون: أرجو أن تحضر أنت و«نوسة» فورًا؛ فهنا ولد غريب الشكل، أخرس، أرسلته والدة «تختخ» لزيارتنا، تعال حالًا يا «محب» فإنني في غاية الارتباك.

لبس «محب» و«نوسة» ثيابهما بسرعة، واستأذنا والديهما، ثم انطلقا مسرعَين إلى منزل «عاطف».

استقبلهما «عاطف» عند الباب، وقد بدا شاحب الوجه قائلًا: ادخلا حالًا، وحاولا التفاهم مع هذا الولد، لقد حضر لزيارة «تختخ»، ولما كان «تختخ» غائبًا في القاهرة، فقد أرسلته والدة «تختخ» لقضاء اليوم معنا.

دخل «محب» و«نوسة» فوجدا «لوزة» تجلس أمام الولد الغريب، وقد بدا عليها الخوف، وقد كان شكل الولد الغريب مخيفًا فعلًا، كان شعره خشنًا، ووجهه أصفر، وحواجبه ثقيلة، وأسنانه بارزة بشكلٍ غير عادي، مثل أسنان الأرنب، وقد تدلت على شفته السفلى، وكان يلبس ملابس غريبة قذرة، ويمسك بيده منديلًا كبيرًا يمسح فيه أنفه باستمرار بطريقةٍ مقرفة.

مدَّ «محب» يده إلى الولد ليسلم عليه، فوقف الولد في ارتباك، وأخذ يشد في منديله، وعيناه تطرفان بسرعة، قال له «محب»: أهلًا بك، هل أنت صديق «تختخ»؟

لم يرد الولد الغريب، وأخذ ينظر إلى الجميع في خوف، وقال «عاطف» في صوتٍ خافت: ألم أقل لك إنه أخرسٌ، إنه لن يرد عليك!

جلس الجميع في سكون، يتبادلون النظرات في ارتباك، ولا يعرفون ماذا يفعلون، وقالت «نوسة»: غريب أن يكون ﻟ «تختخ» مثل هذا الصديق المزعج، وأعتقد أنه من الأفضل الاتصال بوالدة «تختخ»، ومعرفة حقيقة هذا الولد منها.

ولكن قبل أن يتحرك أي واحدٌ من مكانه، انفجر الولد الأخرس في البكاء فجأة، وتساقطت دموعه، وأخذ يمسحها بالمنديل، ثم قام واقفًا، وفتح الباب، وانطلق هاربًا دون أن يترك لهم فرصة للتعرف.

وبعد لحظاتٍ من الدهشة والارتباك، أسرع الأصدقاء إلى الباب وأخذوا يبحثون عن الولد الغريب، ولكنهم لم يجدوا أحدًا على الإطلاق.

عاد الأصدقاء الأربعة إلى غرفة «الصالون» وقد بدت عليهم علامات الحيرة الشديدة، في تلك اللحظة دخلت والدة «عاطف»، فحكى لها الأصدقاء ما حدث، فهزت رأسها في دهشة، وقالت إنها ستتصل بوالدة «تختخ»، لتعرف حقيقة الولد الغريب.

وقف الأصدقاء جميعًا حول والدة «عاطف»، وهي تتصل تليفونيًّا بوالدة «تختخ»، ولكنها لم تجدها، ورد عليها «تختخ» فروت له ما حدث من صديقه الولد الأخرس، فقال «تختخ» ببساطة: نعم، لقد عاد الآن، وقال إن الأصدقاء جميعًا كانوا ظرفاء معه وسوف يأتي في المساء مرة أخرى ليزورهم!

قالت والدة «عاطف» مندهشة: وكيف قال لك كل هذا الكلام وهو أخرس؟

تختخ: إنني أفهم إشاراته.

وضعت والدة «عاطف» يدها على سماعة التليفون ثم التفتت إلى الأولاد قائلة: سوف يأتي الولد الأخرس ليزوركم في المساء، فما رأيكم!

قال «محب»: لا يمكن، إنه ولدٌ فظيع، ونحن لا نستطيع أن نستقبله، أرجوك أن تقولي لوالدة «تختخ» هذا الكلام!

قالت أم «عاطف»: ليس ذلك من الذوق في شيء!

محب: إذن قولي إن «عاطف» و«لوزة» سيذهبان إلى «محب» و«نوسة» في المساء.

وتحدثت أم «عاطف» مع «تختخ» مرةً أخرى، وشرحت له الموقف فضحك «تختخ» قائلًا: لا بأس سوف يلتقي بهم!

ثم وضع سماعة التليفون.

دهش الأصدقاء عندما علموا أن «تختخ» قد عاد من القاهرة سريعًا، وقرروا الذهاب إليه فورًا للتفاهم معه بشأن الولد الأخرس.

وعندما مشوا في الطريق كان في انتظارهم مفاجأة، لقد شاهدوا الولد الأخرس الغريب، وهو يتجه إلى منزل الشاويش «فرقع»، فاختلفوا خلف بعض الأشجار، ليروا لماذا يذهب الولد إلى منزل الشاويش؟

دق الولد الأخرس باب الشاويش، الذي ظهر بسرعة، وشاهد الأصدقاء الأخرس وهو يسلم رسالة إلى الشاويش فقالت «لوزة»: فكرةٌ مدهشة، لقد أرسله «تختخ» بالرسالة السرية إلى الشاويش، وبالطبع لن يستطيع الشاويش أن يتفاهم معه.

وفعلًا، عندما فتح الشاويش مظروف الرسالة، ووجد الورقة البيضاء احمرَّ وجهه غضبًا، وأخذ يصيح في وجه الأخرس: ما هذا؟ من الذي أرسلك إلى هنا؟ تكلم! انطق!

ولكن الأخرس ظل ساكتًا ينظر إلى الشاويش في عبطٍ دون أن يرد؛ لأنه أخرس بالطبع.

وزاد غضب الشاويش، فاقترب من الولد الأخرس، وأخذ يحاول التفاهم معه بالإشارات، وفعلًا أخذ الولد الأخرس يشير إلى الرسالة، ويحاول أن يشرح بالإشارات أنها رسالةٌ مكتوبة بالحبر السري، وتحتاج إلى مكواةٍ ساخنة تمر عليها حتى تظهر الكتابة التي عليها.

كانت إشارات الشاويش الغاضبة، وإشارات الأخرس العجيبة تبعث على الضحك، وهكذا أخذت «لوزة» تضحك حتى خاف الأصدقاء أن يسمعهم الشاويش فيعرف أنه «مقلب» مدبَّرٌ منهم، فأسرعوا يختفون، وبقوا فترة، وعندما ظهروا مرةً أخرى، كان الولد الأخرس قد اختفى تمامًا.

سار الأصدقاء إلى منزل «تختخ» وهم يتحدثون، ولم تمضِ دقائق حتى ظهر الولد الأخرس مرةً أخرى، واقترب منهم، ثم مدَّ يده ليسلم عليهم.

وقفوا جميعًا أمامه وقد استولت عليهم الدهشة، وأخذوا ينظرون إليه في ارتباك، وهم لا يعرفون ماذا يفعلون، ثم نطق «محب» قائلًا: أحسن حل أن نأخذه معنا إلى «تختخ»، وهو سيُفهمنا حكاية هذا الولد الأخرس.

وأشار «محب» للأخرس، فتقدم الولد منه، ووضع ذراعه حول كتف «محب» في عطف، وأحس «محب» في هذه اللحظة أنه يريد أن يهرب، ولكنه لم يستطع أن يبدو خائفًا أمام هذا الولد الغريب.

وصل الجميع إلى منزل «تختخ»، ففتحت لهم الشغالة الباب، واتجه الجميع إلى غرفة مكتب «تختخ»، وجلس الولد الأخرس لحظات ثم وقف فجأة، وأخذ يضحك ويضحك ويضحك، والأصدقاء ينظرون إليه في دهشةٍ شديدة، ولكن دهشته زادت مائة مرة عندما تحدث «الأخرس» قائلًا: أهلًا بك يا «محب» وأنت يا «نوسة» وأنت يا «عاطف»، وأنت يا «لوزة»!

وفي هذه اللحظة عرف الجميع الحقيقة، فلم يكن الولد الأخرس سوى «تختخ» الذي بدأ يخلع الشعر المستعار، والحواجب الكثيفة والأسنان الصناعية فظهرت الحقيقة.

كانت «لوزة» أول من تكلم بعد هذه المفاجأة، فقالت: «إنك مدهش يا «تختخ»، بل أنت أعظم مخبر سري في العالم، وليس هناك من يجيد التنكر أفضل منك!»

وأخذ الأصدقاء جميعًا يهنئون «تختخ» الذي قال: لقد تكلفت أدوات التنكر مبلغًا كبيرًا من المال، ولكنها ستنفعنا في مغامراتنا القادمة، وستساعدنا في حل الألغاز الغامضة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤