نَشْأَةُ الْفَارِسِ
١
كَانَ هَذَا الْفَارِسُ مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُوهُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُتَوَسِّطَ الْحَالِ … وَقَدْ رَبَّاهُ تَرْبِيَةً حَسَنَةً، فَنَشَأَ عَلَى حُبِّ التَّضْحِيَةِ، وَالتَّفَانِي فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ؛ حَتَّى اشْتَهَرَ بِشَجَاعَتِهِ، بَيْنَ الْأَصْدِقَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ.
وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، رَأَى الْفَارِسُ عِنْدَ أَبِيهِ لِجَامًا جَمِيلًا يَحْتَفِظُ بِهِ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ. سَأَلَ الْفَارِسُ وَالِدَهُ عَنْ هَذَا اللِّجَامِ.
٢
كَانَ هَذَا التِّنِّينُ غَرِيبَ الشَّكْلِ، لَا يُشْبِهُ أَيَّ ثُعْبَانٍ مِنْ ثَعَابِينِ الْأَرْضِ. كَانَ لَهُ ذَنَبُ ثُعْبَانٍ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ رُءُوسٍ ضَخْمَةٍ. كُلُّ رَأْسٍ مِنْهَا يَخْتَلِفُ عَنِ الْآخَرِ.
٣
وَكَانُوا يُسَمُّونَ بَطَلَ قِصَّتِنَا: «فَارِسَ الْفَوَارِسِ». وَشَعَرَ الْجَمِيعُ أَنَّهُ لَنْ يُخَلِّصَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ بُؤْسٍ وَعَذَابٍ إِلَّا هَذَا الْبَطَلُ الَّذِي يُحِسُّ إِحْسَاسَ الشَّعْبِ، وَيَتَأَلَّمُ لِمَا يُصِيبُ أُمَّتَهُ مِنْ آلَامٍ …
وَوَجَدَ «فَارِسُ الْفَوَارِسِ» أَنَّ عَلَيْهِ وَاجِبًا لَا بُدَّ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَهَا هُوَ ذَا الشَّعْبُ قَدْ وَضَعَ آمَالَهُ فِيهِ.
وَهَا هُمْ أُولَاءِ النَّاسُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا فِدَائِيٌّ فِي مِثْلِ بُطُولَةِ «فَارِسِ الْفَوَارِسِ»، وَأَنَّهُ — وَحْدَهُ — قَادِرٌ عَلَى مُنَازَلَةِ هَذَا الْعَدُوِّ اللُّدُودِ، وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْقَاذِ الْأَهْلِينَ مِنْ مَصَائِبِهِ. وَعَزَمَ عَزْمًا أَكِيدًا عَلَى قَتْلِ «الْأَصَلَةِ»، وَلَوْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ فِقْدَانَ حَيَاتِهِ.
وَأَخَذَ يَرْسُمُ الْخُطَّةَ الَّتِي تَكْفُلُ لَهُ النَّصْرَ عَلَى عَدُوِّهِ … فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَى «الْأَصَلَةِ»؛ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِالْحِيلَةِ، وَإِعْدَادِ مَا يَسْتَطِيعُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ. فَمَاذَا يَفْعَلُ هَذَا الْبَطَلُ؟ تَذَكَّرَ «الْجَوَادَ الْمُجَنَّحَ»؛ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ كَثِيرًا مَا يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ، وَيَصِفُونَهُ بِالْقُوَّةِ الْهَائِلَةِ. وَلَكِنْ: كَيْفَ يَحْصُلُ عَلَى هَذَا الْجَوَادِ؟
٤
وَحِينَ تَأَكَّدَ الْبَطَلُ أَنَّ الْفُرَصَ كُلَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِتَحْقِيقِ آمَالِهِ، وَإِنْقَاذِ أُمَّتِهِ، أَسْرَعَ بِالسَّفَرِ إِلَى «عَيْنِ الدُّمُوعِ» … وَوَصَلَ — فِي سَيْرِهِ — اللَّيْلَ بِالنَّهَارِ أَيَّامًا وَأَسَابِيعَ، حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ الْعَيْنَ … حَيْثُ قَابَلَ الْفَلَّاحَ الْعَجُوزَ، وَالصَّبِيَّ الذَّكِيَّ، وَسَمِعَ مِنْهُمَا تِلْكَ الْأُسْطُورَةَ الَّتِي حَدَّثْتُكَ عَنْهَا مِنْ قَبْلُ. وَلَازَمَهُ الصَّبِيُّ الشُّجَاعُ زَمَنًا طَوِيلًا، فَقَوِيَ أَمَلُهُ فِي أَنْ يَعُودَ — إِلَى بِلَادِهِ — بِالنَّجَاحِ وَالتَّوْفِيقِ.