الفصل الثالث والعشرون

ماذا تدرس

في هذه الأيام تحفل الصحف بالمقالات والأخبار عن استخدام الذرة وقودًا بدلًا من البترول والفحم، وعن صنع أقمار تدور حول الأرض بحيث تقطع المسافة من الأفق للأفق في نحو عشر دقائق وتبقى هكذا إلى الأبد، وعن غزو القمر، هذا الكوكب الذي كان في يوم ما جزءًا متممًا للأرض ثم خرج منها وترك فجوة عميقة هي المحيط الهادي الآن.

تتحدث الصحف عن ذلك وعن غيره مما كان بعدُ أحلامًا وخيالات قبل سنين، وعليك أيها الشاب أن تسأل نفسك لماذا يشغل الأوروبيون والأمريكيون بهذه الثقافة الحية التي يبنون بها في جرأة واقتحام هذا المستقبل البشري الذي سوف يتجاوز الأرض إلى السماء، وإلى القمر، وإلى الكواكب؟
  • ولماذا أنت لم تدرس هذه الحية بل بقيت تتقلب في ألوان من المعارف لا تزيدك نورًا ولا قوة؟

  • لماذا أنت جاهل عاجز، ولماذا هم علماء أقوياء؟

  • وأليس لك — وأنت في عجزك هذا — أن تخشى قوتهم؟

الثقافة هي الوسط الذهني للإنسان، وأنت عاجز، ونحن كلنا عجزة، لأننا عشنا في ثقافة ميتة تقول: ادرسوا الماضي واعتمدوا على العقائد بدلًا من الحقائق، واقرءوا الأدب بدلًا من العلم، ولا تفكروا في المستقبل بل فكروا في الماضي.

ولنغفر للذين كانوا سببًا لجهلنا وجهلك وعجزنا وعجزك.

ولكن يجب أن نشرع في درس الثقافة الحية التي تبني مستقبلنا على الأرض وفوق السماء، فإننا بشر لا نختلف عن الإنجليز والأمريكيين الذين يفعلون ذلك الآن.

وأذكر أنه على قدر ما تكون ثقافتك حية تكون أنت حيًّا في القلب والعقل.

وعلى قدر ما تكون ثقافتك ميتة تكون أنت ميتًا في القلب والعقل.

ادرس هذه العلوم الجديدة واتعب في دراستها، لأنها علوم القوة لك، والشعوب العربية التي تخلفت جميعها لأنها قاطعت الفلسفة في العيش وعاقبت على الجرأة في التفكير.

ادرسها وانشرها وحقق لنفسك استقلالًا روحيًّا ولعقلك فهمًا جديدًا ولبلادك قوة تكفل بقاءها في تنازع البقاء بين الأمم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤