الطريق إلى بحيرة «قارون»

لم تكدْ إجازة نصف السنة تبدأ حتى كان «المغامرون الخمسة» يبدءون رحلتهم إلى شاطئ بحيرة «قارون»، في محافظة الفيوم. وكان صديقهم وزميلهم في الدراسة «عواد» قد دعاهم إلى قضاء الإجازة في قريته الصغيرة «شكشوك» التي تقع على شاطئ البحيرة.

لقد قال لهم «عواد»: إن منطقة «قارون» تتمتع بجوٍّ دافئ في الشتاء؛ حيث لا تسقط الأمطار إلا نادرًا، وحيث يُمكنهم اصطياد السمك، وأكثر من هذا مشاهَدة صيد الطيور المهاجرة التي تأتي إلى مياه البحيرة الدافئة في فصل الشتاء من شمال أوروبا البارد باحثة عن الدفء.

كان الجميع في حالة ابتهاج بالغة؛ فهذه أول مرة يزورون فيها هذه المنطقة، وكانت فكرة المشاركة في صيد الطيور تَستثير خيالهم، وبخاصة أن «عوض» الأخ الأكبر ﻟ «عواد»، من صيادي الطيور. وبدأت الرحلة من ميدان التحرير حيث تقف أتوبيسات الفيوم. وقد استيقظ الأصدقاء مُبكِّرين حتى يُمكنهم اللحاق بأتوبيس الساعة السابعة صباحًا الذي يمرُّ قريبًا من «شكشوك»؛ إذ إنَّ القرية ليست على خط السكة الحديد.

واستطاع الأصدقاء أن يجدوا أماكن مناسبة، وفي السابعة تمامًا كان الأتوبيس يحملهم إلى المتعة والإثارة والمغامرة. وما إن قطعوا شارع الهرم، وبدءوا السير في طريق الفيوم حتى أخرجت «نوسة» الساندوتشات التي أعدتها لهم وأخرجت «لوزة» تُرمس الشاي الساخن … فلم يكن أحد منهم قد استطاع تناول الإفطار في هذه الساعة المبكرة.

قال «محب»: إن طريق الفيوم طوله نحو ١٠٠ كيلومتر تقطعها السيارة في نحو ساعتين … أي إننا سنكون عند «عواد» الساعة التاسعة تقريبًا …

لوزة: إن «عواد» ولد لطيفٌ … لقد سبَقنا في السفر بيومٍ حتى يكون في استقبالنا، وهذا سلوك طيب حقًّا.

تختخ: لهذا أعددت بعض الهدايا البسيطة لأسرته، وبخاصة لأخيه الصغير «كريم».

عاطف: وهل نَقضي الإجازة كلها هناك يا «تختخ».

تختخ: إذا كانت الإقامة ممتعة والجو جميلًا فلماذا لا نقضي الإجازة كلها هناك. ولا سيما أننا قد أحضرنا معنا كتبنا للمذاكرة.

لوزة: إن البقاء هناك متوقف على وجود مغامرة مشوقة. فهل نجد هناك مغامرة؟

ضحك الجميع كما اعتادوا أن يَضحكُوا من هذه الجملة الخالدة التي تقولها «لوزة» في كل إجازة … ثم أخذوا يتطلعون إلى الطريق الصحراوي حولهم، والسيارة الضخمة تشق طريقها مُسرعة؛ فليس هناك محطات بين القاهرة والفيوم.

وانقضَت الساعتان سريعًا، ووصلت السيارة إلى نهاية الطريق الصحراوي حيث توجد نقطة للمرور … والمُعتاد أن ينظر شرطي المرور إلى السيارة ويُسجِّل رقمها … ولكن الركاب جميعًا فوجئوا بأن الطريق مسدود … وسيارات كثيرة تقف للتفتيش في طابور طويل … وكان هناك عدد كبير من ضباط الشرطة وجنودها وسيارتان للاسلكي … وكان واضحًا أن هناك إجراءات تفتيش دقيقة لسبب لا يعلمه أحد.

وقفت السيارة الأتوبيس في الطابور. وجلس الأصدقاء ينظرون حولهم في ضيق، فهذه إجراءات سوف تُعطِّلُهم عن موعدهم مع صديقهم «عواد» الذي يَنتظرهم عند فندق «الأوبرج». على شاطئ البحيرة، ليدلَّهم على الطريق إلى منزله.

بعد حوالي نصف ساعة تقدمت السيارة الأتوبيس إلى التفتيش، وصعد إليها عدد من رجال الشرطة، أخذوا ينظرون في وجوه المسافرين نظرات فاحصة، وطلبوا من بعض الأشخاص إخراج بطاقاتهم الشخصية.

كان الأصدقاء يتابعون التفتيش بانتباه شديد. وقد بدَت مشاعرُهم المُحبة للمغامرة تستيقظ، فرجال الشرطة لا يقومون بهذا البحث الدقيق إلا إذا كان هناك شيء أو شخص مهم يبحثون عنه. وعندما اقترب الضابط من المغامرين الخمسة قال له «تختخ»: هل تبحثون عن شخصٍ هارب؟ ردَّ الضابط الذي كان يبدو مُجهَدًا: آسف، ليس من مصلحة العمل أن أُصرِّح بشيء.

ولم يكد الضابط ينتهي من جملته، حتى صدرت عن «لوزة» صرخة صغيرة جعلت الركاب جميعًا ينظرون إليها، والأصدقاء أيضًا … والتفتوا إليها مندهشين، فقالت في خجل وسرعة: المُفتِّش «سامي»! …

قال شقيقها «عاطف» مُتضايقًا: ماذا جرى؟ وما سبب الحديث عن المفتش «سامي» الآن؟

لوزة: إنه هنا داخل كشك المرور … لقد لمحتُه!

تختخ: المفتش «سامي» هنا؟ شيء مُدهش جدًّا، لا بدَّ أن المسألة في غاية الأهمية، ولا بد أن نَراه.

كان التفتيش ما زال مُستمرًّا، وانتهز «تختخ» الفرصة وأسرع بالنزول واتجه فورًا إلى الكشك الخشبي مُحاوِلًا مقابلة المفتش، ولكن الرجال بالباب منَعُوه، مُعتذِرين بأن المفتش مشغول جدًّا.

وقف «تختخ» حائرًا، فقد كاد التفتيش ينتهي، والسائق قد أدار موتور السيارة مُستعدًّا للتحرك … وبسرعة أخرج من جيبه ورقة صغيرة انتزعها من كراسة مذكراته التي يحملها دائمًا في جيبه، ثم كتب رسالة قصيرة إلى المفتش ذكر فيها عنوان المكان الذي سينزلون فيه، ثم قدمها إلى أحد الضباط، وأسرع إلى السيارة التي كانت قد تحرَّكت فعلًا.

بعد حوالي ربع ساعة كانت السيارة قد اقتربت من «أوبرج الفيوم» حيث كان «عواد» ينتظر … ونزل الأصدقاء واستقبلهم صديقهم بترحيب شديد.

كان معه شقيقه الكبير «عوض» وشقيقه الصغير «كريم» الذي كان يُمسك خروفًا أبيض‏ صغيرًا يُلاعبُه وكان «عواد» قد أعدَّ لهم بعض الحمير ليَركبوها، ولكن الأصدقاء عندما علموا أن المسافة لا تزيد على ثلاثة كيلومترات فقط فضَّلُوا السير، بعد أن وضعوا حقائبهم على أحد الحمير.

كانت بحيرة «قارون» تمتد تحتَهم إلى حافة الصحراء الغربية … والهواء باردًا منعشًا والشمس نصف مُختفية خلف السحاب الرقيق.

قال «عوض»: إنَّ اسم بحيرة «قارون» مرتبط ﺑ «قارون» وهو من وزراء الفراعنة، وقد سُمِّيت البحيرة باسمه، ويُضرَب به المثل في الغنى؛ فيُقال أغنى من «قارون» كما أنه كان عالمًا في علم الكيمياء، ويُعدُّ مؤسسًا له، أما البحيرة فهي بُحيرة شديدة الملوحة لكثرة البخر الذي يتصاعد منها.

لوزة: وكم تبلغ مساحتها؟

عوض: مساحتها ٢٣٥ كيلومترًا مُربعًا … وهي البقية الباقية من بحيرة «موريس» القديمة التي كان الفراعنة يستعملونها في تخزين مياه النيل … وتقول الأساطير إنَّ كنز «قارون» مدفونٌ في قاعها …

تختخ: أعتقد أنَّ هناك قصرًا يُدعى قصر «قارون» أيضًا.

عوض: فعلًا … وهو يقع على بداية الطريق إلى الواحات البحرية … وبه بقايا معبد للمعبود «خنوم آمون»، وقد عُثر فيه على آثار كثيرة وأوراق برديٍّ إغريقية وغيرها ‎ …

كان الحديث مُمتعًا. والجو بهيجًا، فأحس الأصدقاء بأن كل شيء جميل ورائع … ثم تذكَّر «تختخ» نُقطة شرطة المرور … والتفتيش الدقيق الذي كان يقوم به رجال الشرطة، فسأل «عوض»:‏ هل تعرف شيئًا عن هذا التفتيش الذي يقوم به رجال الشرطة في الطريق؟

عوض: لا أعلم لماذا … ‏ ولكنني علمت من القادمين قبلكم بهذا الموضوع. لا أحد منهم يعرف شيئًا، كما أن رجال الشرطة لا يُصرِّحون بشيء.

محب: لعلَّه مجرم هارب من العدالة.

تختخ: إنَّ هذه الإجراءات المشددة لا تُتَّخذ من أجل مجرم عادي. لا بد أنه مجرمٌ خطير.

وصل الأصدقاء إلى عزبة «عواد»، وكانت مكوَّنة من خمسين فدانًا مزروعة، يتوسطها قصر قديم تُحيط به حديقة واسعة حولها أجران القمح. حيث تقف الأبقار والخيول والحمير … ويجري الدجاج والبط … كانت صورة ريفية وقف الأصدقاء يتأمَّلونها في إعجاب … فأشار «عواد» إلى جناح منفرد في القصر قائلًا: هذا هو المكان الذي اخترتُه لكم.

شكر الأصدقاء «عواد» على عنايته … وتقدم عدد من الفلاحين والفلاحات يُسلِّمون على الأصدقاء ويُرحِّبون بقدومهم … وكان «كريم» يجري في الحقل خلف خروفه الصغير تتبعه «لوزة» في مرح؛ وفي هذه اللحظة سمع الجميع صوت سيارة قادمة تُسابق الريح … فالتفت الجميع إليها وانتظروا أن تمرَّ بهم لكنها وقفت قريبًا منهم … ونزل منها المفتش «سامي»، وقد بدا عليه الإرهاق الشديد!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤