يوم الصيد

غادر «محب» القصر مسرعًا، بعد أن شرح «تختخ» للأصدقاء مهمة «محب» الذي سرعان ما اختفى في الظلام.

أخد «محب» يبحث عن مكانٍ مُناسب يراقب منه شرفة الكوخ، ويحاول بقدر الإمكان الاستماع إلى الأحاديث الدائرة فيها، ووجد شجرة جمَّيز عالية كانت قريبة من الشرفة إلى درجة كبيرة فتسلقها بهدوء … وبعد لحظات كان يجلس على فرع ضخم بين الأوراق يستمع إلى الأحاديث الدائرة في شرفة الكوخ.

كانت الكلمات تصل مُتناثرة … بقدر ما يكون اتجاه الريح … ثم سكت الحديث … وشاهد «محب» خلال الظلام شُعلة السيجارة وهي تتحرك … فأدرك أن الرجل المجهول يتحرَّك مُنصرِفًا … فأسرع ينزل من فوق الشجرة ويتبعه في الظلام.

ترك الرجل ساحل البحيرة المكشوف … وأخذ طريقه وسط الأشجار المُتشابكة … و«محب» يتبعه على صوت خطواته أحيانًا … وأحيانًا قريبًا منه بحيث يراه … وكان الرجل يتوقَّف بين وقتٍ وآخر كأنما يتسمع … لعله يسمع أحدًا يتبعه، فكان «محب» يتوقف أيضًا ويظل متنبهًا حتى يتحرَّك الرجل فيتحرك خلفه …

ظلت المطاردة مُستمرةً نحو نصف ساعة … واقترب الاثنان من معسكر رعاية الشباب الذي يشغل قصرًا كبيرًا على الشاطئ البحيرة … ثم تجاوَزَه الرجل … وأخذ طريقه نازلًا التل المنحدر الذي يؤدِّي إلى البحيرة نفسها …

أسرع «محب» ينزل خلف الرجل ليرى ما سيفعل، ولكن الرجل اختفى تمامًا … ولم يعد له أثر … مضَت لحظات دون أن يدري «محب» ماذا يفعل، ثم سمع صوتًا يأتي من البحيرة واستطاع أن يلمح فوق المياه قاربًا صغيرًا يتحرَّك بسرعة في اتجاه قلب البحيرة.

أخذ القارب الصغير يختفي … وصوت المجاديف يختفي شيئًا فشيئًا حتى عمَّ الصمت المكان، فتحرك «محب» عائدًا … وعندما وصل إلى القصر وجد الأصدقاء جميعًا في انتظاره … فروى لهم ما حدث.

قال «تختخ» معلقًا: المهم أن نعرف سرَّ هذا الزائر الليلي … وهل هو ضمن الصيادين الستة أو لا؟ …

نوسة: ذلك مُمكن جدًّا … ففي استطاعة «محب» أن يعرفه من بقية الصيادين …

محب: للأسف لا أستطيع … فلم تكن هناك فرصة لتبيُّن ملامحه، وكل ما أستطيع أن أعرفه هو طوله، وهذا لا يكفي لمعرفة شخص …

تختخ: في إمكاننا أن نعرفه من نوع السجاير التي يُدخِّنها … فقد لاحظت أن الصيادَين اللذَين في الكوخ لا يُدخنان … وفي الأغلب أنه قد ألقى بعض أعقاب السجاير تحت شرفة الكوخ … ومن الممكن عن طريقها أن نَعرف شخصيته.

لوزة: هذا دليلٌ جيد، وسأقوم غدًا صباحًا مبكرة وأذهب إلى الكوخ، وأبحث تحت شرفته عن أعقاب السجاير التي يدخنها الرجل المجهول.

عاطف: سوف نستيقظ جميعًا مبكرين، فسوف نشترك في الصيد غدًا مع «عوض» و«عواد» وستتاح لنا فرصة التعرف إلى الصيادين والتحدث معهم … ولا أظن أنك ستجدين فرصة للذهاب إلى الكوخ المجاور. ومن الصعب العثور على أعقاب السجاير وسط الأعشاب العالية.

وأوى الجميع إلى غرفهم، وفي الصباح الباكر استيقظوا وأسرعوا يتجمَّعون في حديقة القصر الواسعة … كانت الشمس ما زالت نائمةً … والجو عاصفًا إلى حد ما … وهناك لسعة برد خفيفة أيقظت النشاط في أجسامهم، وقد استعدوا للخروج مع «عواد» و«عوض».

وكان «عوض» يحمل بندقية صيد كبيرة … ويحمل أشرطة الرصاص حول جسمه القوي … وخلف الجميع كان «زنجر» يَستعد لرحلة الصيد أيضًا.

انطلقوا جميعًا إلى شاطئ البحيرة، وكانت الأمواج مُرتفِعةً، فقال «عوض»: إنه يوم مناسب للصيد؛ فالرياح تحرك الطيور من مكان إلى آخر.

قسَّموا أنفسهم إلى فريقين، وركب كل فريق في قارب، وانطلقوا بالمجاديف إلى الشاطئ الأيمن للبحيرة المسمَّى «حمدي» حيث تقع «لبدة» الصيد المختفية. ولم يسيروا طويلًا حتى شاهدوا قاربًا يسبقهم، فقال «عواد»: هذا قارب صيد رجلين من الصيادين. واقتربت القوارب بعضها من بعض، واستطاع «تختخ» أن يرى في ضوء الفجر الشاحب هيكل الصيادين، ولكنه لم يستطع تبيُّن ملامحهما.

بينما قارب «عوض» يسير، انطلقت فجأة ثلاث بطات بحرية هاربة، وسرعان ما أطلق من بندقيته طلقتين مُتتاليتَين، فسقَطَت إحدى البطَّات أمامهم، وقبل أن تغُوص في المياه كان «عوض» يمد يده ويَلتقطُها وهي ما زالت تُرفرف …

أمسكت «لوزة» بالبطة الصغيرة … وأحسَّت بالألم؛ فقد كانت بطة جميلة لونها أسود … وحول رقبتها ريش كثير متنوع الألوان من الأحمر والأزرق والأخضر … وكان بقية ريشها أسمر … به بعض ريشات بيضاء …

لم يطلق «عوض» بندقيته مرةً أخرى حتى وصلوا إلى شاطئ «حمدي» حيث توجد «اللبد»، ونزلوا جميعًا واتجه «عوض» وهم خلفه، ومعهم «زنجر» إلى واحدة منها … ثم دخلوها … كانت مبنية من البوص والطين، مفتوحة الباب على البحيرة وكانت المياه تصل إلى حافتها.

ونام الجميع على وجوههم، وتمدَّد «زنجر» بجوارهم … وسمعوا صوت طلقات تأتي من أماكن متفرقة، فقال «عواد»: إن الصيادين قد سبقونا إلى الصيد … ولم يكد يفرغ من كلمته حتى مرَّ بهم سرب من الطيور يصوِّت في الجو: كاك … كاك … كاك …

وأطلق «عوض» بندقيته: … بم … بم … بم … وسقطت بطتان، انطلق «زنجر» فجأة كالنمر … وألقى نفسه في المياه، ومعه «عواد» … ولم تكن المياه عميقة قرب الشاطئ … فاستطاع الإمساك بالبطتين سريعًا … والعودة بهما.

كان «عوض» يُصوِّب بندقيتَه إلى فوق … وينتظر حتى يقترب البط الطائر من مكانهم، حتى لا يسقط بعيدًا عنهم، ثم يُطلِق بندقيته … وتتساقَط الطيور … واشترك المغامرون في الإمساك بالطيور التي كان بعضها يظلُّ حيًّا، وممَّا أدهش «لوزة» التي كانت تظن أن الرصاص لا بد أن يقتلها …

ولكن «تختخ» قال لها: إنَّ بنادق الصيد تستعمل «الخرطوش» لا الرصاص، كما في بنادق الحرب. والخرطوش عبارة عن إصبع من الورق المقوَّى مملوء بكرات الرصاص الدقيقة الحجم، ومعها البارود … ولهذا الإصبع رأس من النحاس … فإذا انطلق زناد البندقية أصاب الرأس، وأنتج درجة حرارة عالية تشعل البارود فينفجر، ويطلق كرات الرصاص الصغيرة التي تُسمَّى الرش، وتصيب الطائر فتجرحه فقط. إلا إذا أصابت قلبه أو رأسه، فإنها تقتلُه …

استمر الصيد نحو ساعتين … واستطاع الأصدقاء أن يَجمعوا عشرين طيرًا … وكان صيدًا موفَّقًا.

قال «تختخ»: أريد أن أرى بقية «اللبد»، فهل هذا مُمكن؟

عوض: طبعًا … خذ معك بعض الأصدقاء في قارب، وسأعود أنا والبقية في القارب الثاني، لنُجهِّز لكم الغداء من هذه الطيور اللذيذة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤