«زنجر» يتحرك

عندما استيقظ الأصدقاء في الصباح … كان أول ما لاحظوه في الكهف أن «زنجر» ليس موجودًا … وأسرعوا إلى الخارج لعله أمام الكهف، ولكنه لم يكن هناك.

كانت العاصفة قد سكتت تماما كأنها لم تكن … وكانت الشمس الدافئة قد صعدت في الأفق، فوقف الأصدقاء تحت ضوئها الرحيم يتأملون ما حولهم، ويحاولون معرفة أين هم …

كان الشاطئ الرملي يمتد إلى اليمين واليسار وليس عليه أثر للحياة، وخلفهم كهوف كثيرة، وبعدها الصحراء، وكانت البحيرة أمامهم تمتد إلى حافة الأفق حيث كان في استطاعتهم أن يروا على بُعدٍ سحيق الشاطئ الآخر للبحيرة …

قالت «لوزة» وهي تُعرِّض ثيابها للشمس: وكيف نعود؟

قال «محب»: لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال الآن، وبخاصة أن قاربنا قد تحطَّم.

نوسة: وأين ذهب الرجال الثلاثة؟

عاطف: إما أن يكونوا قد غرقوا أو تحطَّم قاربهم مثلنا.

محب: ولكن من الممكن أن يكونوا قد استطاعوا السيطرة على القارب ووصلوا إلى الشاطئ سالمين …

لم يكدِ الأصدقاء ينتهون من كلامهم حتى ظهر «زنجر» وكانت مفاجأة مفرحة لهم أن يروه قادمًا من بعيد … وصاحت «لوزة»: لقد حضر «زنجر» … وقامت تجري إليه … ولاحظ الأصدقاء جميعًا أن «زنجر» كان يحمل في فمه ربطة كبيرة من الورق … فأسرعوا جميعًا إليه … وظل «زنجر» يجري حتى وصل إلى «تختخ» ثم وضع اللفة أمامه، ووقف يهزُّ ذيله، ويقفز على أكتاف الأصدقاء.

فتح «تختخ» الربطة … وكم كانت دهشة الأصدقاء وفرحتهم إذ وجدوا في الربطة كمية من الساندوتشات في كيس من النايلون … لقد كانوا جميعًا جياعًا … لم يتعشوا ولم يفطروا … صاحت «نوسة»: يا لك من كلب مُدهش! … هل كنت تعرف مدى جوعنا؟

أخذ «تختخ» يوزع الساندوتشات على الأصدقاء وعلى «زنجر» أيضًا، الذي كان موضع تكريمهم جميعًا … وفجأة قال «تختخ»: هناك شيء أهم من الساندوتشات في هذه الربطة.

محب: ما هو؟

وانحنى الأصدقاء جميعًا يبحثون في الربطة عن الشيء المهم … وكانت مُفاجأةً ثانية لهم ألا يجدوا شيئًا. فقالت نوسة: لا شيء على الإطلاق يا «تختخ».

ولكن أمسك «تختخ» بالورق الفارغ وقال: لقد نسيتُم عمل المخبرين الأذكياء! إن وجود هذه الربطة يعني أولًا وجود أشخاص على مَقربة منَّا … وثانيًا الساندوتشات محشوة «بسطرمة» و«بلوبيف» وهذا ليس من طعام الفلاحين.

لوزة: هل تعني أننا على مقربة من «موسى» و«عثمان»!

تختخ: هذا ممكن ولعلهما استطاعا هما والرجل الثالث أن يَصلُوا إلى البر هنا … ولحسن الحظ أن العاصفة ألقتْ بنا على القُرب منهم!

عاطف: هناك شيء رابع … إن اختفاء الربطة سوف يدلُّهم على أن هناك أشخاصًا قريبين، منهم … فيجب أن نكون على حذر.

تختخ: فعلًا.

نوسة: وهناك شيء خامس … إن في استطاعتنا أن نصل إلى مكانهم عن طريق «زنجر» … إما بواسطة آثار أقدامه على الرمال، أو أن نُفهمه أن يدلنا على مكانهم.

تختخ: لقد عُدتم إلى الاستنتاج من جديد بعد أن شبعتم.

لوزة: ولكنَّني عطشانة.

وسكت الجميع … فقد كانوا جميعًا يُحسون بالعطش … لكن أين يجدون الماء في هذه الصحراء الشاسعة؟! لم يكن أمامهم حل إلا أن يتصلوا بالأشخاص الذين سرق منهم «زنجر» ربطة الطعام … سواء أكانوا «موسى» و«عثمان» والرجل الثالث الغامض … أم كانوا أشخاصا آخرين!

كان الطعام والشمس الساطعة قد أعادا إليهم نشاطهم فبدءوا يسيرون وهم يتبعون آثار «زنجر» على رمال الشاطئ الساكن … وكانت الآثار واضحة فساروا مسرعين … ولكن بعد فترة قال «تختخ»: من الأفضل أن نكون أكثر حذرًا … فقد يروننا، وهم يحملون بنادق صيد يُمكن أن تُصيبنا.

وبدءوا يسيرون على مهل، ولكن «زنجر» لم يُعجِبه هذا المشي، فظلَّ يجري مسرعًا، ثم اختفى قبل أن يَتنبَّهوا إلى مناداته.

قالت «نوسة»: لقد اختفى «زنجر» عن أنظارنا وصعد إلى المرتفعات التي خلف الكهوف … ومعنى ذلك أننا اقتربنا من مكان الغرباء الذين هنا.

ولم تَكد «نوسة» تتم جملتها حتى سمعوا صوت عيار ناري واضح في الصمت المخيم على الصحراء … ثم سمعوا صوت عُواء كلب يتألم … وصاح «تختخ» كالمجنون: لقد ضربوا «زنجر» … الأوغاد. وانفجرت «لوزة» باكية وهي تقول: «زنجر» «زنجر»!

وانطلق «تختخ» يجري كالمجنون في اتجاه الطلق الناري، لكن «محب» «عاطف» أدركا خطورة الموقف، وأن الذي أطلق النار على «زنجر» يُمكن أن يطلق النار على «تختخ»، فجريا، خلفه، وكانا أسرع منه حركة، فاستطاعا اللحاق به. وأمسكاه من ذراعَيه … وأخذ «تختخ» في ثورته يحاول التخلُّص منهما، ولكنَّهما ظلا مُتشبثين بذراعيه … وفي هذه اللحظة ظهر «زنجر» يجري … وجرى إليه «تختخ» وبقية الأصدقاء وهم يَتصايحون: «زنجر» … «زنجر». كان الكلب الأسود العزيز يجري بسهولة … كأن لم يُصَب ولكن عندما أخذه «تختخ» بين ذراعيه تبيَّن أنه أصيب فعلًا، لكن ببضعِ رشَّات في فخذه، وفي ذيله … وكان مكان الرش واضحًا … فقد أحرق الشعر في مكان الإصابة … وكانت بضع قطرات من الدم قد سالت من أماكن الإصابة.

أسرع الأصدقاء ﺑ «زنجر» إلى شاطئ البحيرة، وغسلوا له مكان الإصابات بقدر ما استطاعوا. وقالت «لوزة»: لا بدَّ أن نحاول العودة سريعًا، قبل أن تتقيَّح هذه الإصابات، لكن ما السبيل؟

رد «تختخ»: إنَّ «زنجر» كلب قوي ويستطيع الاحتمال … وأرى أن نُحاول معرفة لغز هؤلاء الرجال أولًا؛ فقد يكون لهم صلة بالمُهرِّب الدولي «جون كنت».

محب: إنهم قريبون منَّا … ومن الأفضل ألا نتحرك جميعًا، وأقترح أن أذهب أنا و«تختخ» للبحث عن مكانهم.

وبدأ «تختخ»: و«محب» مسيرتهما، وتبعهما «زنجر» ورغم محاولة إبعاده رفض الكلب الأسود البقاء مع بقية المجموعة في الكهف الذي اختفَوا فيه، وظلَّ مصرًّا على التقدم.

سار الصديقان خلف «زنجر» الذي قادهما عبر بعض الصخور والدروب حتى وصلا إلى منطقة رملية ظهرت فيها بعض الأعشاب والنباتات؛ فقال «تختخ»: إن هذه ليست نباتات صحراوية … وهذا يعني أننا قريبان من مصدر للمياه العذبة.

وقد صحَّ استنتاج «تختخ»؛ فقد قادهما «زنجر» سريعًا إلى بئر للمياه، ووقف يلهث ويُدلي لسانه الأحمر … كان واضحًا أن «زنجر» شديد العطش … وأنه استطاع الاستدلال على مكان البئر في الصباح، حيث ضرَبه الرجال بالنار.

أخذ «تختخ» ينظر حوله وقال: إننا قريبان من الرجال الثلاثة؛ فلا بدَّ أنهم مُختفون في مكانٍ قريبٍ من البئر …

محب: وماذا نفعل؟

تختخ: اذهب لاستدعاء الأصدقاء ليشربوا وسأختفي أنا في كهفٍ قريب مع «زنجر» لحين عودتكم … وأُراقب ما يحدث هنا.

أسرع «محب» لتنفيذ المهمة، وأسرع «تختخ» إلى أحد الكهوف الكثيرة المنتثرة حول البئر، وجلس يرقب ما يدور حوله. ولم يمضِ سوى دقائق قليلة حتى ظهر أحد الرجال يَحمل بندقية، وأخذ ينظر حوله في حذر، ثم تقدم من البئر وهو يَحمِل باليد الأخرى دلوًا … وتقدم من البئر، ووضع البندقية جانبًا ثم سحب الحبل وربط طرفه بالدلو وأدلاه في البئر وبعد لحظات أعاده ممتلئًا، وأحس «تختخ» أنه لا يستطيع مقاومة إغراء المياه. وفكَّر أن يجري إلى الرجل ويقفز عليه ويأخذ منه الدلو … ولكن كان هذا التصرف طائشًا، فسوف يظهر بقية الرجال!

حمل الرجل الدلو ثم عاد من حيث أتى … واختفى خلف أحد التلال، بدون أن يتمكَّن «تختخ» من رؤية المكان الذي جاء منه … وبعد لحظات وصل الأصدقاء وشرح لهم «تختخ» ما رآه، ثم قال: إننا لن نستطيع الحصول على ماءٍ للشرب، ما دام الدلو ليس معنا.

محب: يبدو أنهم يحتفظون بالدلو حتى لا يشرب أحد آخر سواهم.

نوسة: عندي فكرة بسيطة … إن الكيس النايلون الذي كان به الساندوتشات معي … لقد احتفظت به … وفي الإمكان أن ينزل أحدنا إلى قاع البئر ويملأ الكيس بالماء ويعود به.

تختخ: فكرة ممتازة … وللأسف أنا لا أستطيع النزول … فقد لا يتحمَّلُني الحبل.

عاطف: سأنزل أنا … فوَزني خفيف.

وتسلل الأصدقاء ناحية البئر وهم يتلفَّتُون حولهم حتى لا يُفاجئهم أحد الرجال … ووصلوا إلى البئر، وأمسك «تختخ» بالحبل الذي كان مربوطًا في عارضة من الخشب فوق البئر، وقال: إنه حبل جديد ومتين ويمكن أن أنزل به.

عاطف: لا، سأنزل أنا.

وأمسك «عاطف» بالحبل ووضع قدميه على جدار البئر وأخذ ينزل خطوة، خطوة، بعد أن أخذ الكيس النايلون معه، وظل الأصدقاء يتابعون نزوله، وهو يختفي شيئًا فشيئًا في ظلام البئر.

مضت بضع دقائق ثم بدأ الحبل يهتز … وكان واضحًا للأصدقاء أن «عاطف» يعود … وفجأة قرب منتصف المسافة صاح «عاطف» صيحة قوية. وأصيب الأصدقاء جميعًا بالذعر لماذا يصرخ «عاطف»؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤