لغز البئر

أخذ الأصدقاء يتحدثون في نفس واحد إلى «عاطف» الذي واصل الصعود. وعندما وصل إلى قمة البئر قال: إنَّ هذه البئر ليسَت مُخصَّصة بالمياه فقط. ونسي الأصدقاء عطشهم أمام حديث «عاطف» الذي مضى يقول: عند صعودي وأنا أستند إلى جدار البئر، فُوجئت بإحدى قدميَّ تغوص في جدار البئر … كانت هناك فجوة كبيرة … وقد سمعتُ لدهشتي الشديدة أصواتا بعيدة تصدر من الفجوة.

محب: وماذا تتصور أن يكون فيها؟

عاطف: لا أدري … لعلَّه ممرٌّ سوف يُؤدِّي إلى مخبأ أو شيء من هذا القبيل.

تختخ: هذا هو الاستنتاج الوحيد.

وأخذ كل واحد من الأصدقاء يشرب بعض الماء فقالت نوسة: أخشى أن يكون هذا الماء مُسمَّمًا، فبعض الآبار تتسمَّم بمرور الوقت.

تختخ: لا تخافي … فقد فكرت في هذه الفكرة … ولو كان الماء سامًّا لما أخذ الرجل منه.

وشرب الأصدقاء … وكان «زنجر» يقف بجوارهم مدليًا لسانه في انتظار نصيبه من الماء … وأخذت «لوزة» تصبُّ بعض الماء في يد «نوسة» ليشرب «زنجر».

قال «تختخ»: تعالوا نأوي إلى أحد الكهوف ونُفكِّر هناك فيما سنفعل … بدلًا من وقوفنا هنا معرَّضين لأن يرانا أحدهم.

عندما دخلوا جميعًا إلى الكهف قال «محب»: ما هي الأصوات التي سمعتها يا «عاطف» في الكهف؟

عاطف: لا أدري بالضبط … إنها تُشبه أحاديث مختلفة … وأشياء ثقيلة تقع أو تنقل … وصوت أقدام … ولكنَّني لست متأكدًا … إن هذا كله مجرَّد صدى في الفجوة التي بجدار البئر.

تختخ: لقد قرَّرت أن أدخل الفجوة لأرى ما فيها.

محب: لا تدخل وحدك … يجب أن يذهب معك أحدنا.

لوزة: يجب أن ندخل جميعًا!

تختخ: ولكن يا «لوزة» يجب أن نُقسم أنفسنا قسمين، قسم يدخل وقسم يبقى كما اعتدنا في المغامرات السابقة … حتى إذا وقعت المجموعة الأولى عملت المجموعة الثانية على إنقاذها … وعلى كل حالٍ فإن المجموعة الأولى لن تستمر طويلًا داخل الفتحة … إن عليها أن تستكشفها وتعود.

عاطف: سأَذهب أنا و«محب»؛ فإنني أخشى أن ينقطع الحبل بك يا «تختخ» وأنت من الوزن الثقيل.

تختخ: لا مانع … وخذا البطارية فستحتاجان إليها.

تسلل «محب» و«عاطف» إلى البئر، ووقف «تختخ» عند فتحة الكهف يرقبهما حتى نزل «عاطف» ثم نزل «محب».

انزلق الصديقان داخل الفتحة، وكانت مظلمة تمامًا، فأضاء «محب» البطارية وأطلق نورها. كانت الفتحة ممتدة من جدار البئر إلى داخل الجبل في انحدار واضح فأخذ الصديقان ينحدران في حذر. وبعد بضعة أمتار وجدا بابًا من القضبان الحديدية، مغلقًا من الخارج بترباس، أخذ «محب» يعالجه في حذر … حتى لا يُصدِر صوتًا … ولكن الترباس كان قديمًا فأخذ يحدث صريرًا حادًّا في جوف الفتحة، فيضاعفه الصدى.

ظل «محب» يُدير الترباس لحظات ثم يتوقف، حتى فتح الباب في النهاية ومر الصديقان … بعد الباب مباشرة كان هناك سلم من الطوب متآكل وقديم، فقال «محب» هامسًا: إنه سرداب أثري، وإن كان الباب الحديدي مصنوعا منذ زمن قريب.

نزل الصديقان السلم بحذر … وكان «محب» يضيء الطريق بالبطارية ووجدا في نهاية السلم ممرًّا يتجه يسارًا فدخلا، وواصَلا السير فترة … وفجأةً سمعا أصوات حديثٍ واضح … فاتجها ناحية الصوت على حذر … حتى وصلا إلى طرف قاعة واسعة كان يقف فيها ثلاثة رجال يتحدَّثون … وقد أحاطت بهم كميات من الجبس والجير والقوالب الخشبية، وصفَّت على جانبي الصالة قوالب من الجبس مختلفة الأحجام … كان الرجال الثلاثة يفلقون القوالب في القش … وقد انهمكوا في عملهم تمامًا …

أخرج أحد الرجال علبة سجائر، فأخذ منها سيجارة ووضعها بجواره، فقال «محب» هامسًا: هل ترى؟ إنها علبة من نوع «كنت» … ولا بدَّ أنه الرجل الغامض الذي كان يزور «موسى» و«عثمان» اللذَين يقفان هناك … ولكن أين «جون كنت» إذا كان هؤلاء من أعوانه؟

عاطف: لا بدَّ أن هناك أماكن أخرى في هذا الكهف الكبير … ومن الأفضل أن نخرج الآن لنعود إلى بقية الأصدقاء ونُخبرهم بما رأينا …

عاد الصديقان مسرعَين إلى بقية الأصدقاء في الكهف … وروى «محب» ما رآه هناك فقالت «نوسة»: وهل تركتما الباب مفتوحًا؟

عاطف: لقد نسينا فعلًا أن نقفله!

لوزة: إذا اكتشف أفراد العصابة أنه مفتوح فسوف يعرفون أن هناك من يتبعهم … لهذا يجب أن نقفله فورًا.

تختخ: هناك شيء هام … لقد وجدتُم الباب مغلقًا من الخارج … وهذا يعني أن العصابة لم تدخل منه، بل هناك مدخل آخر … فهذا الكهف يشبه جحر الثعلب، له بابان ليتمكن من يدخله من الهرب إذا دخل عدو إلى جُحره … وما دام ترباس الباب كان صدئًا فمعنى هذا أنهم لا يستعملونه.

عاطف: وماذا تقصد بهذا؟

تختخ: أقصد أن في إمكاننا أن نستعمل هذا الباب دون خوف … وأن نبحث عن الباب الآخر.

نوسة: ولكن ماذا نفعل بعد ذلك … إننا لا نستطيع مهاجمة العصابة … فرجالها مسلَّحون.

تختخ: … إن كل ما علينا أن نعرفه هو هل «جون كنت» هنا أو لا …

محب: ولو عرفنا فماذا نفعل … إننا في هذا المكان منقطعون عن العالم ولا ندري كيف نتصرف.

كان تعليق «محب» هو الحقيقة … فحتى لو عرفوا مكان «جون كنت» فماذا يفعلون!

عاطف: لقد نسينا «عوض» إنه بالتأكيد سيبحث عنا!

تختخ: إن «عوض» سيبحث عنَّا طبعًا … ولكن أين يجدنا … إن شواطئ البحيرة واسعة … وسيقضي أيامًا طويلة في اللف عليها، وحتى لو لفَّ عليها كلها … فكيف يعثر علينا ونحن مختفون في الكهف لا نستطيع الخروج خوفًا من العصابة؟

فجأة قالت «لوزة»: هناك شيء آخر نسيناه … لقد حضر هؤلاء الرجال في قارب … ولا بد أن هذا القارب موجود في مكانٍ ما على الشاطئ … وعلينا أن نبحث عنه … إنه الوسيلة الوحيدة لإنقاذنا.

أحس الجميع بالتفاؤل … وصاحوا في نفس واحد: حقًّا … هذه هي الوسيلة، وعلينا البحث عن القارب.

تختخ: نَنقسم إلى مجموعتين … مجموعة تدخل الكهف، ومجموعة تبحث عن القارب، إنَّنا الآن قرب مُنتصَف النهار … وعلينا أن نعود إلى الاجتماع مرةً أخرى في نفس الكهف قرب غروب الشمس … ولنكن جميعًا حَذِرين … إن العصابة إذا عثرت علينا فلن تَرحمنا … وبخاصة أنهم يشكُّون في وجود غرباء … بعد أن شاهدوا الكلب.

ذهب «تختخ» و«محب» إلى الكهف … وانطلق «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» للبحث عن القارب على طول الشاطئ … وأخذوا معهم «زنجر».

عندما انزلق «تختخ» على الحبل نازلًا أخذت العارضة الخشبية تهتز … وكان «محب» يُراقب ما حوله … وأحسَّ بالخوف من أن ينقطع الحبل … أو تنكسر الخشبة ويسقط «تختخ» في البئر، ولكن لحسن الحظ … استطاع «تختخ» أن يصل إلى الفتحة، وينزلق داخلها … وتبعه «محب» سريعًا.

كان الباب مفتوحًا فدخَلا مُسرعَين … وأخذا يَتقدمان على السلم حتى وصلا إلى الصالة الواسعة … كانت مُضاءةً بالمشاعل … ولكن لم يكن هناك أحد … تسلَّلا إلى الصالة وأخذ «تختخ» يتأمَّل قوالب الجبس ويتحسَّسها ويدقُّ عليها، ثم قال لمحب: هذه القوالب ليسَت مُصمتة … إنها مجوفة ولا بد أن شيئًا بداخلها.

وأمسك «تختخ» بأحد القوالب، واتجه به إلى السلَّم، وبهدوء أخذ يدقه حتى انكسر … وكم كانت دهشة «محب» عندما وجد بداخله لفَّة من القش، وعندما أنزل «تختخ» القش وجد تمثالًا فرعونيًّا! فقال «تختخ» بلهجة خطيرة: إنَّ «جون كنت» هنا، ولا شك … فهذا تمثال بالتأكيد من التماثيل الأثرية المسروقة التي قال المفتش إنَّ «كنت» يسعى إلى تهريبها …

محب: ولكن كيف وصل «كنت» إلى هنا برغم الكمائن الموضوعة له على مداخل الطرق؟!

تختخ: هذا ما سنعرفه فيما بعد … المهم الآن أن نُخفي هذا القالب تحت القوالب الأخرى حتى تطمئن العصابة أنَّ أحدًا لم يَكشِف سرَّها … ثم نخرج وننتظر الأصدقاء.

محب: ألا نتقدَّم قليلًا لعلنا نكتشف شيئًا آخر؟

تختخ: هذا مُمكن أيضًا.

تقدم الصديقان عبر الصالة الواسعة … حيث كان ثمة باب يُؤدِّي إلى دهليز طويل، فمشى الصديقان على حذر … وبعد قليل سمعا حديثًا هامسًا، فقال «تختخ»: قف أنت هنا يا «محب» حتى أرى ماذا يدور في هذه الغرفة.

تقدم «تختخ» مقتربًا من الأصوات وأخذ ينصت … كان أحدهم يقول: إن إصابتك ستعطلنا … لقد أمضينا هنا وقتا طويلًا.

قال آخر: وهذا الكلب الذي شاهدناه … ليس من المعقول أن يكون قد حضر وحده … إن هناك غرباء حولنا … وقد يكتشفون وجودنا.

وسمع «تختخ» صوتًا عميقًا آخر يقول: ليس لأحد أن يناقشني فيما أفعل … سوف تتحسَّن حالتي بعد يوم أو اثنين … ثم يأتي الأعرابي «سويلم» ليأخذَنا في القافلة.

قال الأول: ولكن متى يأتي «سويلم» هذا؟ … إنني أسمع عنه ولا أراه … قال صاحب الصوت العميق مُستهزئًا: ليس لك أن تسأل يا «موسى» … إنك تُنفِّذ الأوامر … وبعد أيام قليلة سنكون في روما … حيث نقتسم الغنيمة، ويذهب كلٌّ منَّا في طريقه.

قال الثاني: ولكن هل نَذهب إلى «روما» مرةً أخرى؟ … إن البوليس الإيطالي … بل البوليس الدولي يَبحث عنَّا هناك.

عاد الصوت العميق الساخر إلى الحديث قائلًا: بالطبع؛ فإنَّ آخر ما يتصوَّره البوليس أن أكون في روما، وهذا ما يجعلني مُصممًا على الذهاب إلى هناك؛ لأنهم لن يتصوَّروا أبدًا أنني سأعود … ولكن إيطاليا هي أقرب بلدٍ أوروبي إلى ليبيا … وعندما نجتاز الحدود إلى ليبيا ستكون إيطاليا على بُعد ساعات قليلة منَّا … وسأدخلها طبعًا باسم آخر، وجواز سفر آخر أيضًا.

تأكَّد «تختخ» أن صاحب الصوت هو «جون كنت» ولكن كيف وصل إلى هنا؟ … ذلك سؤال لا يمكن الإجابة عنه إلا إذا ردَّ عليه «كنت» شخصيًّا!

عاد «تختخ» إلى «محب» وروى له بسرعة تفاصيل الحديث الذي سمعه، ثم عادا معًا وعبرا الممر المظلم إلى فوهة النفق التي تفتح في جدار البئر … وكم كانت دهشتهما عندما لم يجدا الحبل مدلًّى كالمعتاد!

أضاء «تختخ» بطاريته وأخذ يبحث عن الحبل … ولكن لم يكن هناك أثرٌ له … قال «تختخ» ﻟ «محب»: يبدو أن أحد أفراد العصابة رفع الحبل إلى فوق ولم يُعِده إلى مكانه بسببٍ أو بدون سبب، ولكن المهم الآن أننا وقعنا في مأزق خطير … فلن نستطيع الخروج من البئر، وطبعًا لا نستطيع العودة إلى الداخل؛ ففي كلِّ لحظة هناك خطر أن يرانا أحد أفراد العصابة.

لم يردَّ «محب». كان يحسُّ أنهم في موقف لا فكاك منه … وقد عاودهم الجوع … والجو بارد والنفق أكثر برودة … وجلسا معًا في فوهة النفق صامتَين دون أمل في الإنقاذ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤