الفصل الثاني

مكة والكعبة وقريش

(موقع مكة – إبراهيم وإسماعيل – قصة الذبح والفداء – زمزم – زواج إسماعيل من جرهم – بناء الكعبة – ولاية جرهم أمر مكة – قصي وأولاده – اجتماع أمر مكة لقصي القرشي – هاشم وعبد المطلب – وظائف مكة الزمنية والدينية – الحج إلى الكعبة – قصة أبرهة والفيل – عبد الله بن عبد المطلب – قصة فدائه)

***

في وسط طريق القوافل المحاذي للبحر الأحمر ما بين اليمن وفلسطين، تقوم عدة سلاسل من الجبال تبعد نحو الثمانين كيلومترًا من الشاطئ. وهي تحيط بوادٍ غير فسيح، تكاد تحصره لولا منافذ ثلاثة، يصله أحدها بطريق اليمن، ويصله الثاني بطريق قريب من البحر الأحمر «بحر القلزم» عند مرفأ جدة، ويصله الثالث بالطريق المؤدي إلى فلسطين. في هذا الوادي المحصور بين الجبال تقوم مكة. ومن العسير معرفة تاريخ قيامها. وأكثر الظن أنه يرجع إلى ألوف من السنين خلت. والثابت أن واديها اتخذ من قبل أن تبنى موئلًا لراحة رجال القوافل، بسبب ما كان به من بعض العيون، وأن رجال القوافل هؤلاء كانوا يجعلون منها مضارب لخيامهم، سواء منهم القادمون من ناحية اليمن قاصدين فلسطين والقادمون من فلسطين متجهين إلى اليمن. والراجح أن إسماعيل بن إبراهيم أول من اتخذها مقامًا وسكنًا، بعد أن كانت مجرد محلة للقوافل وسوقًا للتجارة يقع فيها التبادل بين الآتين من جنوب الجزيرة والمنحدرين من شمالها.

وإذا كان إسماعيل أول من اتخذ مكة مقامًا وسكنًا، فإن تاريخها فيما قبل ذلك غامض كل الغموض. وربما أمكن القول بأنها اتُّخذت مقامًا للعبادة قبل أن يجيء إسماعيل إليها ويقيم بها. وقصة مجيئه إليها تدعونا إلى أن نلخص قصة أبيه إبراهيم عليهما السلام. فقد ولد إبراهيم بالعراق لأب نجار كان يصنع الأصنام ويبيعها من قومه من يعبدونها. فلما شب إبراهيم ورأى الأصنام يصنعها أبوه، ثم رأى قومه من بعد ذلك كيف يعبدونها وكيف يخلعون على هذه القطع من الخشب التي مرت بين يديه ويدي أبيه كل ذلك التقديس، ساوره الشك في أمرها، وسأل أباه كيف يعبدها وهي من صنع يده؟!

وتحدث إبراهيم بذلك إلى الناس؛ فاهتم أبوه لأمره مخافة ما يجره من بوار تجارته. لكن إبراهيم كان يحترم عقله، ويريد أن يحمل الناس بالحجة على الاقتناع برأيه؛ فانتهز غفلة الناس فذهب إلى هذه الآلهة فكسرها إلا كبيرها، فلما جيء به على أعين الناس قيل له: أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ.١ وإنما فعل إبراهيم هذا بعد إذ فكر في ضلال عبادة الأصنام وفيمن تجب له العبادة: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.٢

ولم ينجح إبراهيم في هداية قومه، بل كان جزاؤه منهم أن ألقوه في النار وأنجاه الله منها، ففر إلى فلسطين مستصحبًا معه زوجه سارة. ومن فلسطين ارتحل إلى مصر. وبها يومئذ ملوك العماليق «الهكسوس»؛ وكانت سارة جميلة وكان الملوك الهكسوس يأخذون الجميلات المتزوجات؛ فأظهر إبراهيم أن سارة أخته خشية أن يقتله الملك ليتخذها له زوجًا. وأراد الملك اتخاذها زوجًا، فرأى في المنام أنا ذات بعل، فردها إلى إبراهيم بعد أن عاتبه وأعطاه هدايا من بينها جارية تدعى هاجر. ولما كانت سارة قد سلخت السنين الطوال مع إبراهيم ولم تلد، دفعته ليدخل بهاجر، فدخل بها، فلم تبطئ أن ولدت له إسماعيل. وبعد أن شب إسماعيل وترعرع حملت سارة وولدت إسحاق.

يختلف الرواة ها هنا في مسألة إقدام إبراهيم على ذبح إسماعيل والفداء، وهل كانت قبل ميلاد إسحاق أو بعده، وهل كانت بفلسطين أو بالحجاز.

وإن مؤرخي اليهود ليذهبون إلى أن الذبيح إنما كان إسحاق لا إسماعيل. وليس ها هنا مقام تمحيص هذا الخلاف. وفي رأي الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار في كتاب «قصص الأنبياء» أن الذبيح هو إسماعيل. ودليله من التوراة نفسها أن الذبيح وصف فيها بأنه ابن إبراهيم الوحيد، وكان إسماعيل هو الابن الوحيد إلى أن ولد إسحاق. فلما ولدت سارة لم يبق لإبراهيم ابن وحيد أن كان له إسماعيل وإسحاق. والتسليم بهذه الرواية يقتضي أن تكون قصة الذبح والفداء بفلسطين. وكذلك يكون الأمر إذا كان الذبيح إسحاق؛ فقد ظل إسحاق مع أمه سارة بفلسطين ولم يذهب إلى الحجاز. فأما الرواية التي تذهب إلى أن الذبح والفداء إنما كان فوق منى فتجعل الذبيح إسماعيل. ولم يرد في القرآن ذكر لاسم الذبيح مما جعل المؤرخين المسلمين يختلفون فيه.

وقصة الذبح والفداء أن إبراهيم رأى في منامه أن الله يأمره بأن يقدم ابنه قربانًا فيذبحه؛ فسار وابنه في الصباح، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.٣

وتصور بعض الروايات هذه القصة تصويرًا شعريًّا تدعونا روعته أن نقصه هنا وإن لم يقتض الحديث عن مكة قَصَصَه؛ ذلك أن إبراهيم لما رأى في المنام أنه يذبح ابنه وتحقق أن ذلك أمر ربه، قال لابنه؛ يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى هذه الهضبة لنحتطب لأهلنا. وفعل الغلام وتبع والده، فتمثل الشيطان رجلًا. فجاء أم الغلام فقال لها: أتدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطب لنا من هذا الشعب. قال الشيطان: والله ما ذهب به إلا ليذبحه. قالت الأم: كلا. هو أشفق به وأشد حبًّا له. قال الشيطان: إنه يزعم أن الله أمره بذلك، فأجابت الأم: إن كان الله قد أمره بذلك فليطع أمر ربه. فانصرف الشيطان خاسئًا، ثم لحق بالابن وهو يتبع أباه، وألقى إبليس عليه ما ألقى على أمه، وأجاب الابن بما أجابت هي به. فأقبل الشيطان على إبراهيم يذكر له أن المنام الذي رأى خدعة من الشيطان ليذبح ابنه ثم يندم ولات ساعة مندم، فصرفه إبراهيم ولعنه. فنكص إبليس على عقبيه خزيان مُحْنَقًا أن لم ينل من إبراهيم ولا من زوجه ولا من ابنه ما أراد أن ينال منهم.

ثم إن إبراهيم أفضى إلى ابنه برؤياه وسأله رأيه في الأمر. قال: يا أبت افعل ما تؤمر. ثم قال في رواية القصة الشعرية: يا أبتاه! إذا أردت ذبحي فاشدد وثاقي لئلا يصيبك شيء من دمي فينقص أجري. وإن الموت لشديد، ولا آمن أن أضطرب عنده إذا وجدت مسه، فاشحذ شفرتك حتى تجهز عليَّ. فإذا أنت أضجعتني لتذبحني فاكببني على وجهي ولا تضجعني لجنبي، فإني أخشى إن أنت نظرت إلى وجهي أن تدركك الرقة فتحول بينك وبين أمر ربك فيَّ. وإن رأيت أن تردَّ قميصي إلى أمي فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني فافعل. قال إبراهيم: نعم العون يا بنيَّ أنت على أمر الله! ثم إنه هم بالتنفيذ، فشد كتاف الغلام وتلَّه للجبين ليقتله، فنودي أن يا إبراهيم قد صدَّقت الرؤيا، وافتدي بكبش عظيم وجده إبراهيم على مقربة منه فذبحه وحرَّقه.

هذه قصة الذبح والفداء. وهي قصة الإسلام لأمر الله غاية الإسلام، والتسليم لقضائه كل التسليم.

وشب إسحاق إلى جانب إسماعيل، وتساوى عطف الأب على الاثنين، فأغضب ذلك سارة أن رأت هذه التسوية بين ابنها وابن هاجر أمتها غير لائقة بها. وأقسمت لا تساكن هاجر ولا ابنها حين رأت إسماعيل يضرب أخاه. وأحس إبراهيم أن العيش لن يطيب وهاتان المرأتان في مكان واحد. عند ذلك ذهب بهاجر وبابنها ميممًا الجنوب حتى وصل إلى الوادي الذي تقوم مكة اليوم به. وكان هذا الوادي — كما قدمنا — مضرب خيام القوافل في الأوقات التي تفصل فيها القوافل من الشام إلى اليمن، أو من اليمن إلى الشام، ولكنه كان فيما خلا ذلك أشد أوقات السنة خلاءً أو يكاد. وترك إبراهيم إسماعيل وأمه وترك لهما بعض ما يتبلغان به. واتخذت هاجر عريشًا أوت إليه مع ابنها … وعاد إبراهيم أدراجه من حيث أتى. فلما نفد الماء والزاد جعلت هاجر تجيل طرفها فيما حولها فلا ترى شيئًا. فجعلت تهرول حتى نزلت الوادي تلتمس ماءً وهي — فيما يقولون — لا تنفك في هرولتها بين الصفا والمروة، حتى إذا أتمت السعي سبعًا عادت إلى ولدها وقد ملكها اليأس فألفته قد فحص الأرض بقدمه فنبع الماء من الأرض فارتوت وأروت إسماعيل معها. وحبست الماء عن السيل حتى لا يضيع في الرمال، وأقام الغلام وأمه ترد عليهم العرب أثناء رحلاتهم، فينالان من الخير ما يكفيهم أسباب العيش إلى أن تمر بهم قوافل أخرى.

استهوت زمزم وماؤها المتفجر بعض القبائل للمقام على مقربة منها. وجرهم أولى القبائل التي أقامت والتي يقول بعض الرواة إنها كانت هناك قبل أن تجيء هاجر وابنها، على حين تذهب روايات أخرى إلى أنها لم تقم إلا بعد أن تفجرت زمزم وجعلت العيش في هذا الوادي الأجرد مستطاعًا. وشب إسماعيل وتزوج فتاة من جرهم، وأقام وإياها مع الجرهميين في هذا المكان الذي شيد به البيت الحرام، وقامت مكة بعد ذلك من حوله. ويذكرون أن إبراهيم استأذن سارة يومًا في زيارة إسماعيل وأمه فأذنت له فذهب. فلما سأل عن بيت إسماعيل وعرفه قال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يتصيد ما نعيش به. فسألها أعندها ضيافة من طعام أو شراب؟ فأجابت بأن ليس عندها شيء، فانصرف إبراهيم بعد أن قال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه مني السلام وقولي له: غير عتبة بيتك، فلما أخبرت إسماعيل بما ذكر أبوه سرَّحها وتزوج جرهمية أخرى بنت مضاض بن عمرو. قد أكرمت وفادة إبراهيم لما جاء بعد ذلك بزمن. فلما انصرف طلب إليها أن تقرئ زوجها السلام وتقول له: الآن استقامت عتبة بيتك. وولد لإسماعيل من هذا الزواج اثنا عشر ولدًا، هم آباء العرب المستعربة، وهم العرب الذين ينتمون من ناحية خئولتهم في جرهم إلى العرب العاربة أبناء يعرب بن قحطان؛ فأما أبوهم إسماعيل بن إبراهيم فيمت من ناحية أمومته إلى مصر بأوثق نسب، ومن ناحية أبوته إلى العراق وإلى فلسطين وإلى حيث نزل إبراهيم من أرض الله.

هذه القصة من قصص التاريخ يكاد ينعقد الإجماع على جملتها من ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى مكة وإن وقع خلاف على التفاصيل. والذين يعرضون لتفاصيل حوادثها بالنقد يروونها على أن هاجر ذهبت بإسماعيل إلى الوادي الذي به مكة اليوم، وكانت به عيون أقامت جرهم عندها، فنزلت هاجر منهم أهلًا وسهلًا لما جاء إبراهيم بها وبابنها. فلما شب إسماعيل تزوج جرهمية ولدت له أولاده، وكان لهذا التلاقح بين إسماعيل العبري المصري وبين هؤلاء العرب ما جعل ذريته على جانب من العزم وقوة البأس والجمع بين فضائل العرب والعبريين والمصريين. أما ما ورد عن حيرة هاجر لما نضب الماء منها، وعن سعيها سبعًا بين الصفا والمروة، وعن زمزم وكيف نبع الماء منها، فموضع شك عندهم.

ويرتاب وليم موير في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى الحجاز، وينفي القصة من أساسها، ويذكر أنها بعض الإسرائيليات ابتدعها اليهود قبل الإسلام بأجيال ليربطوا بها بينهم وبين العرب بالاشتراك في أبوة إبراهيم لهم أجمعين، أن كان إسحاق أبًا لليهود. فإذا كان أخوه إسماعيل أبا العرب فهم إذن أبناء عمومة توجب على العرب حسن معاملة النازلين بينهم من اليهود، وتيسر لتجارة اليهود في شبه الجزيرة. ويستند المؤرخ الإنكليزي في رأيه هذا إلى أن أوضاع العبادة في بلاد العرب لا صلة بينها وبين دين إبراهيم لأنها وثنية مغرقة في الوثنية، وكان إبراهيم حنيفًا مسلمًا. ولسنا نرى مثل هذا التعليل كافيًا لنفي واقعة تاريخية؛ فوثنية العرب بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرون كثيرة لا تدل على أنهم كانوا كذلك حين جاء إبراهيم إلى الحجاز وحين اشترك وإسماعيل في بناء الكعبة. ولو أنها كانت وثنية يومئذ لما أيد ذلك سير موير؛ فقد كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام، وحاول هو هدايتهم فلم ينجح. فإذا دعا العرب إلى مثل ما دعا إليه قومه فلم ينجح وبقي العرب على عبادة الأوثان لم يطعن ذلك في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى مكة. بل إن المنطق ليؤيد رواية التاريخ. فإبراهيم الذي خرج من العراق فارًّا من أهله إلى فلسطين وإلى مصر، رجل ألف الارتحال وألف اجتياز الصحاري؛ والطريق ما بين فلسطين ومكة كان مطروقًا من القوافل منذ أقدم العصور؛ فلا محل إذن للريبة في واقعة تاريخية انعقد الإجماع على جملتها.

والسير وليم موير والذين ارتأوا في هذه المسألة رأيه يقولون بإمكان انتقال جماعة من أبناء إبراهيم وإسماعيل بعد ذلك من فلسطين إلى بلاد العرب واتصالهم وإياهم بصلة النسب. وما ندري، وهذا الإمكان جائز عندهم في شأن أبناء إبراهيم وإسماعيل، كيف لا يكون جائزًا في شأن الرجلين بالذات؟! وكيف لا يكون ثابتًا قطعًا ورواية التاريخ تؤكده؟! وكيف لا يكون بحيث لا يأتيه الريب وقد ذكره القرآن وتحدثت به بعض الكتب المقدسة الأخرى؟!

ورفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت الحرام. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا.٤
ويقول تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.٥

كيف رفع إبراهيم البيت مثابة للناس وأمنًا، ليتوجه الناس فيه إلى الله مؤمنين به وحده، ثم أصبح من بعد ذلك موئل الأصنام وعبادتها؟ وكيف كانت أوضاع العبادة تؤدى فيه بعد إبراهيم وإسماعيل، وفي أية صورة كانت تؤدى؟ ومتى تغيرت هذه الأوضاع وتغلبت عليها الوثنية؟ هذا ما لا يحدثنا التاريخ المعروف عنه، وكل ما هنالك فروض يحسبها أصحابها تصف ما كان واقعًا. فالصابئون من عبَّاد النجوم كان لهم سلطان كبير في بلاد العرب. وقد كان هؤلاء — فيما يقولون — لا يعبدون النجوم لذاتها، وإنما كانوا في بداءة أمرهم يعبدون الله وحده. ويعظمون النجوم على أنها مظاهر خلقه وقدرته. ولما كانت كثرة الناس الكبرى أقصر من أن يحيط ذهنها بمعنى الألوهية السامي، فقد اتخذوا من النجوم آلهة. وكانت بعض الأحجار البركانية يخال الناس أنها ساقطة من السماء منحدرة لذلك من بعض النجوم؛ ومن ثم اتخذت أول أمرها مظاهر لهذه الآلهة الرفيعة وقُدِّست بهذه الصفة، ثم قدست لذاتها، ثم كانت عبادة الأحجار، ثم بلغ من إجلالها أن كان العربي لا يكفيه أن يعبد الحجر الأسود بالكعبة، بل يأخذ معه في أسفاره أي حجر من أحجار الكعبة يصلي إليه ويستأذنه في الإقامة والسفر، ويؤدي إليه كل ما يؤدى للنجوم وخالق النجوم من أوضاع العبادة. وعلى هذا النحو استقرت الوثنية وقدست التماثيل وقربت لها القرابين.

هذه صورة يصورها بعض المؤرخين لتطور الأمر في بلاد العرب من بناء إبراهيم البيت لعبادة الله، وكيف آل أمره بعد ذلك فصار مستقر الأصنام. وقد ذكر هيرودوت، أبو التاريخ المكتوب، عبادة اللات في بلاد العرب، وذكر ديودور الصقلي بيت مكة الذي يعظمه العرب؛ فدل ذلك على قدم الوثنية في شبه الجزيرة، وعلى أن دين إبراهيم لم يستقر فيها طويلًا.

ولقد قام في هذه القرون أنبياء دعوا قبائلهم في بلاد العرب إلى عبادة الله وحده، فرفض العرب وأصروا على وثنيتهم: قام هود فدعا عادًا — وكانت تقيم في شمال حضرموت — إلى عبادة الله وحده؛ فما آمن به إلا قليل؛ فأما كثرة قومه فاستكبروا وقالوا له: يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.٦ وأقام هود يدعوهم السنين، فلا تزيدهم دعوته إلا عتوًّا في الأرض واستكبارًا. وقام صالح يدعو للإيمان ثمود، وكانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى في الجنوب الشرقي من أرض مدين القريبة من خليج العقبة؛ ولم تثمر دعوة صالح ثمود أكثر مما أثمرت دعوة هود عادًا. وقام شعيب في شعب مدين، وكانوا بالحجاز، يدعوهم إلى الله، فلم يسمعوا له فهلكوا ونزل بهم ما نزل بعاد وثمود، وغير هؤلاء من الأنبياء قص القرآن قصصهم ودعوتهم قومهم لعبادة الله وحده، واستكبار قومهم وإقامتهم على عبادة الأوثان وعلى التوجه بقلوبهم لأصنام الكعبة وحجهم إليها كل عام من كل صوب وحدب في بلاد العرب. وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا.٧

أفكانت تحيط بالكعبة منذ إنشائها مناصب كالتي تولاها قصي بن كلاب في منتصف القرن الخامس الميلادي حين اجتمع له ملك مكة؟ فقد اجتمعت لقصي الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء والقيادة. والحجابة سدانة البيت؛ أي تولي مفاتيحه. والسقاية إسقاء الحجيج الماء العذب الذي كان عزيزًا بمكة، وإسقاؤهم كذلك نبيذ التمر. والرفادة إطعام الحاج جميعًا. والندوة رياسة الاجتماع كل أيام العام، واللواء راية يلوونها على رمح وينصبونها علامة للعسكر إذا توجهوا إلى عدو. والقيادة إمارة الجيش إذا خرجوا إلى حرب، وكانت هذه المناصب كلها معتبرة في مكة وكأنها تحيط بالكعبة متجه أنظار العرب جميعًا في عبادتهم. وأحسبها لم تنبت كلها دفعة واحدة منذ أقيم البيت، بل نشأت الواحدة تلو الأخرى مستقلًّا بعضها عن الكعبة ومكانتها الدينية، متصلًا بعضها بالكعبة من طبعه.

لم تكن مكة حين بناء الكعبة — على خير ما يمكن أن يصوره خيالنا — لتزيد على قبائل من العماليق ومن جرهم، فلما استقر بها إسماعيل ورفع قواعد البيت مع أبيه إبراهيم اقتضى تطور مكة، لتصير حضرًا أو ما يشبه الحضر، زمانًا طويلًا، ونقول: ما يشبه الحضر أن ظلت مكة وما تزال وفي طباع أهلها بقايا متخلفة من معاني البداوة الأولى. ولا يأبى بعض المؤرخين أن يذكر أنها ظلت على بداوتها إلى أن اجتمع أمرها لقصي في منتصف القرن الخامس للميلاد، وعسير أن نتصور بقاء بلد له ما لمكة وبيتها العتيق من التقديس في حالة البادية، مع ما يثبت التاريخ من أن أمر البيت بقي بعد إسماعيل في يد جرهم أخوال بنيه أجيالًا متعاقبة أقاموها حوله، ومع أن مكة كانت ملتقى طرق القوافل إلى اليمن وإلى الحيرة وإلى الشام وإلى نجد، كما كانت تتصل من البحر الأحمر القريب منها بتجارة العالم — عسير أن نتصور بقاء بلد له هذه المكانة من غير أن يدنيه اتصاله بالعالم من مراتب الحضارة. فمن الحق لذلك أن نقدر أن مكة — وقد دعاها إبراهيم بلدًا ودعا الله له أن يكون آمنًا مطمئنًّا — قد عرفت حياة الاستقرار أجيالًا طويلة قبل قصي.

وظل أمر مكة لجرهم بعد أن غلبوا العماليق عليها إلى عهد مُضَاض بن عمرو بن الحارث. وقد راجت تجارة مكة خلال هذه الأجيال رواجًا أمَّر مُترفيها وجعلوا ينسون أنهم بوادٍ غير ذي زرع وأنهم في حاجة لذلك إلى الدأب المتصل واليقظة الدائمة. وبلغ من نسيانهم أن نضب ماء زمزم وأن فكر عرب خُزاعة في الوثوب إلى مناصب الأمر في البلد الحرام.

ولم يُجْدِ تحذير مضاض قومه عاقبة ما انغمسوا فيه من ترف، وأيقن أن الأمر زائل عنه وعنهم؛ فعمد إلى زمزم فأعمق حفرها، وإلى غزالتين من ذهب كانتا بالكعبة مع طائفة من الأموال التي كانت تهدى إلى البيت الحرام فدفعها بقاع البئر وأهال الرمال عليها، آملًا أن يعود له الأمر يومًا فيفيد من الكشف عنها، وخرج ومعه بنو إسماعيل من مكة. ووليت خُزاعة أمرها. وظلَّت تتوارثه حتى آل إلى قصيِّ بن كلاب الجد الخامس للنبي.

وكانت أم قصي فاطمة بنت سعد بن سهل قد تزوَّجت من كلاب فولدت له زهرة وقصيًّا. ثم هلك كلاب وقصيٌّ طفل في المهد. وتزوَّجت فاطمة من ربيعة بن حرام؛ فرحل بها إلى الشام وهناك ولدت له درَّاجًا. وكبر قصي وهو لا يعرف لنفسه أبًا غير ربيعة. ووقع بينه وبين آل ربيعة شرٌّ فعيَّروه أنه في جوارهم وأنه ليس منهم. وشكا قصي إلى أمه ما عُير إياه، فقالت: يا بنيَّ إنك والله لأكرم منهم أبًا، أنت ابن كلاب بن مُرَّة، وقومك بمكة عند البيت الحرام.

وقدِم قصيٌّ مكة وأقام بها، وعُرف عنه فيها من الجِد وحسن الرأي ما جعله موضع احترام أهلها وأهله فيها. وكانت سدانة البيت في خزاعة لحليل بن حُبشية، وكان رجلًا ثاقب النظر حسن التقدير؛ فما لبث حين خطب قصي إليه ابنته حُبَّى أن رحَّب به وزوَّجه منها. واستمر دأب قصي في السعي والتجارة، فكثرت أمواله كما كثر أولاده وعظم بين قومه شرفه. ومات حُلَيْل بعد أن أوصى بمفتاح البيت الحرام لحبَّى زوج قصي، واعتذرت حُبَّى عن ذلك وجعلت المفتاح لأبي غبشان الخزاعي. وكان أبو غبشان سكِّيرًا، فأعوزه الشراب يومًا فباع مفتاح البيت قصيًّا بزق خمر. وقدرت خُزاعة ما يصيب مكانتها بمكة إذا بقيت سدانة الكعبة لقصيٍّ بعد أن كثر ماله وبعد أن بدأت قريش تجتمع حوله، فأنكروا أن يكون لغيرهم منصب من المناصب المتصلة بالبيت الحرام. واستنفر قصيٌّ قريشًا، ورأت بعض القبائل أنه أحكم المقيمين بمكة وأعظمهم قدرًا فانضموا له وأجلَوْا خزاعة عن مكة، واجتمعت مناصب البيت كلها لقصي، وأقرَّ القوم له بالملك عليهم.

وذهب البعض — كما قدمنا — إلى أن مكة لم يكن بها بناء غير الكعبة إلى أن تولَّى قصيٌّ أمرها. ويعللون ذلك بأن خزاعة وجرهمًا قبلها لم يريدوا أن يكون إلى جوار بيت الله بيت غيره، وأنهم لم يكونوا يقيمون ليلهم بالحرم بل يذهبون إلى الحِلِّ. ويضيف هذا البعض أن قصيًّا لما تمَّ له أمر مكة جمع قريشًا وأمرهم أن يبنوا بها، وابتدأ هو فبنى دار الندوة يجتمع فيها كبراء أهل مكة تحت إمرته ليتشاوروا في أمور بلدهم. فقد كان من عادتهم ألا يتم أمر إلا باتفاقهم؛ فلم تكن تُنكح امرأة ولا يتزوج رجل إلا في هذه الدار. وبنت قريش بأمر قصي حول الكعبة دورها، وتركوا مكانًا كافيًا للطواف بالبيت، وتركوا بين كل بيتين طريقًا ينفذ منه إلى المطاف.

كان عبد الدار أكبر أبناء قصيٍّ، ولكن أخاه عبد مناف كان قد تقدَّم عليه أمام الناس وقد شرُف فيهم. فلما كبر قصيٌّ وضعف بدنه ولم يبق قادرًا على تولي أمور مكة جعل الحجابة لعبد الدار وسلم إليه مفتاح البيت، كما أعطاه السقاية واللواء والرِّفادة. وكانت الرِّفادة قسطًا تخرجه قريش كل عام من أموالها فتدفعه إلى قصيٍّ يصنع منه في موسم الحج طعامًا ينال منه من الحاج من لم يكن ذا سعة ولا زاد. وكان قصيٌّ أول من فرض الرِّفادة على قريش حين جمعهم واعتز بهم وأخرج وإياهم خزاعة من مكة. فرضها عليهم وقال لهم: «يا معشر قريش! إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل حرمه، وإن الحاج ضيف الله وزوَّار بيته، وهم أحق الأضياف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعامًا وشرابًا أيام الحج حتى يصدروا عنكم.»

وتولَّى عبد الدار مناصب الكعبة كأمر أبيه وتولَّاها أبناؤه من بعده. لكن أبناء عبد مناف كانوا أشرف في قومهم وأعظم مكانة: لذلك أجمع هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل بنو عبد مناف على أن يأخذوا ما بأيدي أبناء عمومتهم، وتفرَّق رأي قريش: تنصر طائفة هؤلاء وأخرى أولئك. وعقد بنو عبد مناف حلف المطيبين؛ لأنهم غمسوا أيديهم في طيب جاءوا به إلى الكعبة وأقسموا لا ينقضون حلفهم. وعقد بنو عبد الدار حلف الأحلاف. وكان هؤلاء وأولئك يوشكون أن يقتتلوا في حرب تذيب قريشًا لولا أن تداعى الناس إلى الصلح على أن يُعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تبقى الحجاجة واللواء والندوة لبني عبد الدار. ورضي الفريقان بذلك، وظل الأمر عليه إلى أن جاء الإسلام.

وكان هاشم كبير قومه، وكان ذا يسار، فولي السقاية والرفادة، ودعا قومه إلى مثل ما دعاهم إليه قصيٌّ جده. دعاهم إلى أن يُخرج كل منهم من ماله ما ينفقه هو في إطعام الحاجِّ أثناء الموسم. فزوَّار بيت الله وحجاجه هم ضيف الله وأحق الضيف بالكرامة ضيف الله. وكذلك كان يُطعم الحاجَّ جميعًا حتى يصدروا عن مكة.

لم يقف أمر هاشم عند هذا، بل اتصل بره وكرمه بأهل مكة أنفسهم. أصابتهم سنة،٨ فجاء لهم من الطعام وثرد لهم الثريد بما جعلهم ينظرون من جديد إلى الحياة بوجه باسم. وهاشم هو كذلك الذي سن رحلتي الشتاء والصيف: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، وبهذه المظاهر كلها ازدهرت مكة وسمت مكانتها في أنحاء شبه الجزيرة جميعًا، واعتبرت العاصمة المعترف بها. وطوع هذا الازدهار لأبناء عبد مناف أن يعقدوا مع جيرانهم معاهدات أمن وسلام: عقد هاشم بنفسه مع الإمبراطورية الرومانية ومع أمير غسان معاهدة حسن جوار ومودة، وحصل من الإمبراطورية على الإذن لقريش بأن تجوب الشام في أمن وطمأنينة. وعقد عبد شمس معاهدة تجارية مع النجاشي، كما عقد نوفل والمطلب حلفًا مع فارس ومعاهدة تجارية مع الحميريين في اليمن. وكذلك ازدادت مكة مَنَعَة جاهٍ كما ازدادت يسارًا، وبلغ أهلها من المهارة في التجارة أن أصبحوا لا يدانيهم فيها مدانٍ من أهل عصرهم. وكانت القوافل تجيء إليها من كل صوب وتصدر عنها في رحلتي الشتاء والصيف، وكانت الأسواق تنصب فيما حولها لتصريف هذه التجارة فيها؛ ولذلك مهر أهلها في النسيئة والربا وفي كل ما يتصل بالتجارة من أسباب المعاملات.

وظل هاشم تتقدم به السن وهو في مكانته على رياسة مكة لا يفكر أحد في منافسته، حتى خيل لابن أخيه أمية بن عبد شمس أنه قد بلغ مكانًا يسوغ له هذه المنافسة، لكنه لم يقدر وغُلب على أمره، وبقي الأمر لهاشم. وترك أمية مكة إلى الشام عشر سنوات كاملة. وإن هاشمًا لفي رحلته يومًا عائدًا من الشام مارًّا بيثرب إذ رأى امرأة ذات شرف وحسب تطل على قوم يتجرون لها؛ تلك سلمى بنت عمرو الخزرجية. وقد أعجب هاشم بها، وسأل: أهي في عصمة رجل؟ فلمَّا عرف أنها مطلقة وأنها لا ترضى زوجًا إلا أن تكون عصمتها بيدها، خطبها إلى نفسها فرضيت لعلمها بمكانته من قومه. وأقامت معه بمكة زمنًا عادت بعده إلى المدينة حيث ولدت ولدًا دعته شيبة ظل في حضانتها بيثرب.

figure
خريطة مكة المكرمة.

ومات هاشم بعد سنين من ذلك بغزة أثناء إحدى رحلات الصيف، فخلفه أخوه المطلب في مناصبه. وكان المطلب أصغر من أخيه عبد شمس، ولكنه كان ذا شرف في القوم وفضل. وكانت قريش تسميه «الفيض» لسماحته وفضله. وطبيعي، وذلك مكان المطلب من قومه، أن تبقى الأمور تسير سيرتها مطمئنة هانئة.

وفكر المطلب يومًا في ابن أخيه هاشم، فذهب إلى يثرب وطلب إلى سلمى أن تدفع إليه الفتى وقد بلغ أشده. وأردف المطلب الفتى على بعيره ودخل به مكة، فظنته قريش عبدًا له جاء به؛ فتصايحت: عبد المطلب. قال المطلب، ويحكم، إنما هو ابن أخي هاشم قدمت به من يثرب. على أن هذا اللقب غلب على الفتى فدعي به ونسي الناس اسم شيبة الذي دعي به منذ ولد.

وأراد المطلب أن يرد على ابن أخيه أموال هاشم، لكن نوفل أبى ووضع يده عليها. فلما اشتد ساعد عبد المطلب استعدى أخواله بيثرب على عمه كي يردوا عليه حقه. وأقبل ثمانون فارسًا من خزرج يثرب لنصرته، فاضطر نوفل إلى رد ماله إليه. وقام عبد المطلب في مناصب هاشم، له السقاية والرفادة من بعد عمه المطلب. وقد لقي في القيام بهذين المنصبين، وبالسقاية بنوع خاص، شيئًا غير قليل من المشقة؛ فقد كان يومئذ وليس له من الأبناء إلا ولده الحارث. وكانت سقاية الحاج يؤتى بها، منذ نضبت زمزم، من آبار عدة مبعثرة حول مكة، فتوضع في أحواض إلى جوار الكعبة. وكانت كثرة الولد عونًا على تيسير هذا العمل والإشراف عليه. أما وقد ولي عبد المطلب السقاية والرفادة وليس له ولد إلا الحارث فقد عنَّاه الأمر وطال فيه تفكيره.

وكانت العرب ما تفتأ تذكر زمزم التي طمها مضاض بن عمرو الجرهمي منذ قرون خلت، وتتمنى لو أنها كانت لا تزال باقية. وكان عبد المطلب بطبيعة مركزه أكثرهم تفكيرًا في هذا الأمر وأشدهم تمنيًا أن يكون. ولقد ألح الرجاء به حتى كان يهتف به الهاتف أثناء نومه يحضه على أن يحفر البئر التي تفجرت تحت أقدام جده إسماعيل. وألح الهاتف يدله على مظان وجودها؛ وألح هو باحثًا عن زمزم حتى اهتدى إليها بين الوثنين إساف ونائلة. وجعل يحفر مستعينًا بابنه الحارث حتى نبع الماء وظهرت غزالتا الذهب وأسياف مضاض الجرهمي، وأرادت قريش أن تشارك عبد المطلب في البئر وفيما وجد فيها. فقال لهم: لا! ولكن هلم إلى أمر نَصَفٍ بيني وبينكم: نضرب عليها بالقداح؛ نجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شيء كان له، ومن تخلف قدحاه فلا شيء له؛ فارتضوا رأيه. ثم أعطوا القداح صاحب القداح الذي يضرب بها عند هبل في جوف الكعبة، فتخلف قدحا قريش وخرجت الأسياف لعبد المطلب والغزالتان للكعبة، فضرب عبد المطلب الأسياف بابًا للكعبة، وضرب في الباب غزالتي الذهب حلية للبيت الحرام. وأقام عبد المطلب في سقاية الحاج بعد أن يسرتها زمزم له.

وأحس عبد المطلب قلة حوله في قومه لقلة أولاده، فنذر إن ولد له عشرة بنين ثم بلغوا معه أن يمنعوه من مثل ما لقي حين حفر زمزم لينحرن أحدهم لله عند الكعبة. وتوافى بنوه عشرة آنس فيهم المقدرة على أن يمنعوه؛ فدعاهم إلى الوفاء بنذره فأطاعوه. وفي سبيل هذا الوفاء كتب كل واحد من الأبناء اسمه على قدح، وأخذها عبد المطلب وذهب بها إلى صاحب القداح عند هبل في جوف الكعبة. وكانت العرب كلما اشتدت بها الحيرة في أمر لجأت إلى صاحب القداح كي يستفتي لها كبير الآلهة الأصنام عن طريق القداح. وكانت عبد الله بن عبد المطلب أصغر أبنائه وأحبهم لذلك إليه. فلما ضرب صاحب القداح القداح التي عليها أسماء هؤلاء الأبناء ليختار هبل من بينها من ينحره أبوه، خرج القدح على عبد الله، فأخذ عبد المطلب الفتى بيده وذهب به لينحره حيث كانت تنحر العرب عند زمزم بين إساف ونائلة. إذ ذاك قامت قريش كلها من أنديتها تهيب به أن لا يفعل، وأن يلتمس عن عدم ذبحه عند هبل عذرًا. وتردد عبد المطلب لدى إلحاحهم. وسألهم ما عساه يفعل لترضى الآلهة؟ قال المغيرة بن عبد الله المخزومي: إن كان فداؤه بأموالنا فديناه. وتشاور القوم، واستقر رأيهم على الذهاب إلى عرافة بيثرب لها في مثل هذه الأمور رأي. وجاءوا العرافة، فاستمهلتهم إلى الغد ثم قالت لهم كم الدية فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل. قالت: فارجعوا إلى بلادكم ثم تقربوا وقربوا عشرًا من الإبل ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم. وقبلوا، وجعلت القداح تخرج على عبد الله فيزيدون في الإبل حتى بلغت مائة، عند ذلك خرجت القداح على الإبل. فقالت قريش لعبد المطلب، وكان أثناء ذلك كله واقفًا يدعو ربه: قد رضي ربك يا عبد المطلب. قال عبد المطلب: لا والله، حتى أضرب عليها ثلاث مرات. وفي المرات الثلاث خرجت القداح على الإبل؛ فاطمأن عبد المطلب إلى رضاء ربه ونحرت الإبل، ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا سبع.

بذلك تجري كتب السيرة فتصف طرفًا من عادات العرب وعقائدهم وأوضاع هذه العقائد، وتدل في الوقت نفسه على ما بلغت مكة في بلاد العرب من مقام كريم ببيتها الحرام. ويروي الطبري — استدلالًا على قصة الفداء هذه — أن امرأة من المسلمين نذرت إن فعلت كذا لتنحرن ابنها، وفعلت ذلك الأمر، ثم ذهبت إلى عبد الله بن عمر فلم ير في فتياها شيئًا، فذهبت إلى عبد الله بن العباس فأفتاها بأن تنحر مائة من الإبل، كما كان الأمر في فداء عبد الله بن عبد المطلب، فلما عرف ذلك مروان والي المدينة أنكره، وقال: لا نذر في معصية.

أدت مكانة مكة ومقام بيتها الحرام إلى إقامة بعض البلاد البعيدة معابد فيها لعلها تصرف الناس عن مكة وعن بيتها. فأقام الغساسنة بيتًا بالحيرة. وأقام أبرهة الأشرم بيتًا باليمن. فلم يغن ذلك العرب عن بيت مكة ولا هو صرفهم عن البلد الحرام. وقد عني أبرهة بزخرفة بيت اليمن غاية العناية، وجلب له من فاخر الأثاث ما خيل إليه معه أنه صارف العرب وصارف أهل مكة أنفسهم إليه. فلما رأى العرب لا تتجه إلا إلى البيت العتيق، ورأى أهل اليمن يدعون البيت الذي بني يعتبرون حجهم مقبولًا إلا بمكة، لم يجد عامل النجاشي وسيلة إلا هدم بيت إبراهيم وإسماعيل. وتهيأ للحرب في جيش لجب من الحبشة تقدمه على فيل عظيم ركبه. وسمعت العرب بذلك. فخافت العاقبة، وعظم عليها أن يقدم رجل حبشي على هدم بيت حجهم ومقام أصنامهم. وهب رجل، كان من أشراف أهل اليمن وملوكها يدعى ذا نفر، فاستنفر قومه ومن أجاب من غيرهم من العرب لمقاتلة أبرهة وصده عما يريد من هدم بيت الله. لكنه لم يستطع أن يثبت لأبرهة بل هزم وأخذ أسيرًا. وهزم كذلك نفيل بن حبيب الخثعمي حين جمع قومه من قبيلتي شهران وناهس وأخذ كذلك أسيرًا، فأقام نفسه دليلًا لأبرهة وجيشه، فلما نزل أبرهة الطائف كلَّمه أهلها بأن بيتهم ليس هو البيت الذي يريد، إنما هو بيت اللات، وبعثوا معه من يدلهم على مكة.

فلما اقترب أبرهة من مكة بعث رجلًا من الجيش على فرسان له، فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم وبينها مائة بعير لعبد المطلب بن هاشم. وهمت قريش ومن معهم من أهل مكة بقتاله، ثم رأوا أن لا طاقة لهم به، وبعث أبرهة رجلًا من رجاله يدعى حُناطة الحميري سأل عن سيد مكة، فذهبوا به إلى عبد المطلب بن هاشم، فأبلغه رسالة أبرهة إليه، أنه لم يأت لحرب وإنما جاء لهدم البيت؛ فإن لم تحاربه مكة فلا حاجة به لدماء أهلها. فلما ذكر له عبد المطلب أنهم لا يريدون حربًا سار به حناطة ومع عبد المطلب بعض أبنائه وبعض كبراء مكة حتى بلغوا معسكر الجيش. وأكرم أبرهة وفادة عبد المطلب وأجابه إلى رد إبله إليه. لكنه أبى إباءً تامًّا كل حديث في أمر الكعبة ورجوعه عن هدمها، ورفض ما عرض عليه وفد مكة من النزول له عن ثلث ثروة تهامة. وعاد عبد المطلب وقومه إلى مكة؛ فنصح للناس أن يخرجوا منها إلى شعاب الجبل خيفة أبرهة وجيشه حين يدخلون البلد الحرام لهدم البيت العتيق.

وكانت ليلة ليلاء تلك التي فكر فيها القوم في هجر بلدهم وما هو نازل به وبهم. ذهب عبد المطلب ومعه نفر من قريش فأخذ حلقة باب الكعبة وجعل يدعو ويدعون يستنصرون آلهتهم على هذا المعتدي على بيت الله. فلما انصرفوا وخلت مكة منهم وآن لأبرهة أن يوجِّه جيشه ليتم ما اعتزم فيهدم البيت ويعود أدراجه إلى اليمن، كان وباء الجدري قد تفشى بالجيش وبدأ يفتك به؛ وكان فتكه ذريعًا لم يعهد من قبل قط. ولعل جراثيم الوباء جاءت مع الريح من ناحية البحر، وأصابت العدوى أبرهة نفسه، فأخذه الروع وأمر قومه بالعودة إلى اليمن. وفر الذين كانوا يدلون على الطريق ومات منهم من مات. وكان الوباء يزداد كل يوم شدة ورجال الجيش يموت منهم من يموت كل يوم بغير حساب. وبلغ أبرهة صنعاء وقد تناثر جسمه من المرض، فلم يقم إلا قليلًا حتى لحق بمن مات من جيشه. وبذلك أرخ أهل مكة بعام الفيل هذا، وخلده القرآن بذكره: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ.٩

زاد هذا الحادث الفذ العجيب في مكانة مكة الدينية، وزاد تبعًا لذلك في مكانتها التجارية، وزاد أهلها انصرافًا عن التفكير في شيء غير الاحتفاظ بتلك المكانة الرفيعة الممتازة ومحاربة من يحاول الانتقاص منها أو الاعتداء عليها.

وزاد المكيين حرصًا على مكانة مدينتهم ما كانت تتيحه لهم من رخاء وترف على أوسع صورة يستطيع الذهن تصورها للترف في هذه الجهة الصحراوية البلقع الجرداء. فقد كان لأهلها غرام بالنبيذ أي غرام، وكانوا يجدون في النشوة به نعيمًا أي نعيم! نعيمًا يسر لهم أن يطلقوا لشهواتهم أعنتها، وأن يجدوا في الجواري والعبيد الذين يتجرون فيهم والذين يشترونهم متعًا تغريهم بالمزيد منها، ويغريهم ذلك بالحرص على حريتهم وحرية مدينتهم، وباليقظة للذود عن هذه الحرية ودفع كل معتد أثيم تحدثه نفسه بالعدوان عليها.

ولم يكن شيء أشهى إليهم من أن يجعلوا سمرهم وشرابهم في سرة المدينة حول بناء الكعبة. وهناك إلى جانب ثلاثمائة صنم أو تزيد، لكل قبيلة من قبائل العرب بينها صنم أو أكثر، كان أكابر قريش والمقدمون من أهل مكة يجلسون؛ يقص كل منهم أمر ما اتصل به من أخبار البادية واليمن وجماعة المناذرة في الحيرة والغساسنة في الشام مما ترد به القوافل أو يتناقله سكان البادية. وكان ذلك يصل إليهم على سبيل الرواية تتناقلها قبيلة عن قبيلة، وكأن كل قبيلة لها مذيع وملتقط لاسلكي يتلقى الأنباء ويذيعها. يقص كل ما اتصل به من أخبار البادية ويروي روايات جيرانه وأصحابه ويشرب نبيذه ويعد نفسه بعد سمر الكعبة لسمر أكثر إشباعًا لأهوائه وإمتاعًا لشهواته.

وتطل الأصنام بعيونها الحجرية على مجالس السمر هذه، وللسامرين فيها من الحماية أن جعلت الكعبة بيتًا حرامًا ومكة بلدً آمنًا، وللأصنام على السامرين ألا يدخل مكة كتابي إلا أن يكون أجيرًا لا يتحدث بشيء من أمر دينه ومن أمر كتابه؛ ولذلك لم تكن ثمة جاليات من اليهود كما كانت بيثرب، ولا من النصارى كما كانت بنجران. بل كانت كعبتها قدس أقداس الوثنية تحميها من كل مجدِّف في أمرها، وتحتمي بها من العدوان عليها. وكذلك استقلت مكة بنفسها كما كانت تستقل قبائل العرب بنفسها، ولا ترضى لغيرها عليها سلطانًا، ولا ترضى من استقلالها بديلًا ولا تُعنَى من الحياة بغير هذا الاستقلال في حمى أوثانها؛ لا تضار قبيلة قبيلة أخرى، ولا تفكر طائفة من القبائل في الارتباط لتكون جماعة قوية لها ما للروم أو للفرس من مطامع في السيادة والغزو، ومن ثم ظلت القبائل جميعًا ولا كيان لها غير كيان البداوة تنتجع في ظلاله المرعى، وتعيش في كنفه عيشًا خشنًا، يحببه إليها ما فيه من استقلال وحرية وأنفة وفروسية.

وكانت منازل أهل مكة تحيط بدارة الكعبة، تقترب منها أو تبتعد عنها تبعًا لما لكل أسرة وفخذ من جلال خطر وجليل مقام؛ فكان القرشيون أقربهم إليها دارًا وأكثرهم بها اتصالًا، كما كانت لهم سدانتها وسقاية زمزم وكل ألقاب التشريف الوثنية التي قامت في سبيلها حروب، وانعقدت من أجلها أحلاف، وضعت من أجلها بين القبائل معاهدات صلح كانت تحفظ في الكعبة تسجيلًا لها، وإشهادًا لآلهتهم على ما فيها حتى تنزل غضبها بمن يخل بتعهداتها. وفيما وراء منازل قريش كانت تجيء منازل القبائل التي تليها في الخطر، ثم تلي هذه منازل من دونهم، حتى تكون منازل العبيد والخلعاء المستهترين. وكان النصارى واليهود بمكة عبيدًا. كما قدمنا، فكان مقامهم بهذه المنازل البعيدة عن الكعبة المتاخمة للصحراء؛ ولذلك كان ما يتحدثون به من قصص دينية عن النصرانية واليهودية بعيدًا عن أن يتصل بسمع أمجاد قريش وأشراف أهل البلد الحرام. وأتاح لهم بعده أن يصموا دونه آذانهم. كما جعله بحيث لا يشغل بالهم، وهم قد كانوا يسمعون مثله أثناء رحلاتهم كلما مروا بدير من الأديار أو صومعة من الصوامع.

figure

على أن ما بدأ يقال يومئذ عن نبي يظهر بين العرب قد أخذ يقض بعض المضاجع. ولقد عتب أبو سفيان يومًا على أمية بن أبي الصلت كثرة تكريره لما يذكره الرهبان من هذا الأمر. وربما كان من حق أبي سفيان يومئذ أن يقول لصاحبه: إن هؤلاء الرهبان إنما يتحدثون من ذلك بما يتحدثون لأنهم في جهل من أمر دينهم. فهم في حاجة إلى نبي يدلهم عليه؛ أما ونحن نتخذ الأصنام ليقربونا إلى الله زلفى فلا حاجة بنا إلى شيء من هذا؛ ويجب علينا أن نحارب كل حديث من مثله. كان من حقه أن يقول هذا؛ لأنه في تعصبه لمكة ووثنيتها لم يكن يقدر أن ساعة الهدى بالباب، وأن نبوة محمد عليه السلام اقتربت، وأن من بلاد العرب الوثنية المتدابرة سيضيء العالم كله نور التوحيد وكلمة الحق.

وكان عبد الله بن عبد المطلب فتًى وسيمًا جميل الطلعة. وكان أوانس مكة ونساؤها معجبات لذلك به، وزادهن به إعجابًا حديث الفداء والمائة من الإبل التي لم يرض هبل بما دونها فداءً له، لكن القدر كان قد أعد عبد الله لأكرم أبوة عرفها التاريخ، وأعد آمنة بنت وهب لتكون أمًّا لابن عبد الله؛ لذلك تزوجها ولم تك إلا أشهر بعد زواجه منها حتى مات، لم ينجه من الموت فداءٌ أيًّا كان نوعه. وبقيت آمنة من بعد لتلد محمدًا ولتموت وما يزال طفلًا.

ونضع أمام نظر القارئ رسمًا توضيحيًّا لشجرة النسب النبوي مبينًا عليها أقرب التواريخ لميلاد أصحابها.

١  سورة الأنبياء، آيتا ٦٢ و٦٣.
٢  سورة الأنعام الآيات من ٧٦ إلى ٧٩.
٣  سورة الصافات الآيات من ١٠٢ إلى ١٠٧.
٤  سورة آل عمران آيتا ٩٦ و٩٧.
٥  سورة البقرة الآيات من ١٢٥ إلى ١٢٧.
٦  سورة هود آية ٥٣.
٧  سورة الإسراء آية ١٥.
٨  السنة هنا: الجدب.
٩  سورة الفيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤