خدعة … رقم صفر

كان بيت «كوزان» يقع على مشارف «باريس»، حيث يبدأ الريف الفرنسي. كان البيت عبارةً عن فيلا من دورَين، بيضاء اللون، حولها حديقة واسعة تمامًا، ملأى بأحواض الزهور. كانت عبارةً عن بقعة ضوء فوق سجادة خضراء، ولم يكُن هناك صوت في هذه اللحظة. إن كل شيء يبدو خارجها هادئًا تمامًا، غير أن ما بداخلها كان شيئًا آخر.

كان «كوزان» يجلس في حجرة إلكترونية … مغطاة بالمؤشِّرات، والأزرار، وأضواء تلمع … كانت تبدو وكأنها سفينة فضاء. ولم يكُن «كوزان» وحده، كان معه بعض الرجال، وكان يبدو عصبيًّا تمامًا، وهو ينظر إلى شاشة تليفزيون أمامه ويقول: لقد تعطَّل الجهاز، وفقدنا أثر السيارة. إننا لا نعرف أين هم الآن. من الضروري أن نبدأ حملة بحث عنهم!

ترك مكانه أمام الشاشة، وأخذ يروح ويجيء في الحجرة العجيبة. بعد لحظة قال أحد الرجال: قد تكون السيارة لا تزال أمام المطعم!

قال «كوزان» في عصبية: لا، وحتى لو كانت لا تزال أمام المطعم، فإن الجهاز يرسل إشارات بمكانها حيث كانت!

فجأة … صاح فرحًا: ها هي! لقد ظهرت إشارتها فوق شاشة التليفزيون! إنها تقترب منا، نستطيع الآن … أن نتخلَّص منهم إلى الأبد!

أسرع إلى جهاز أمامه، ثم ضغط عليه ضغطةً واحدة وهو يرقب الشاشة. لحظة، ثم ظهر انفجار غطَّى الشاشة كلها، وصاح واحد: لقد انفجرت!

وصرخ «كوزان» في وحشية: لقد انتهوا إلى الأبد، كما انتهى «جان فال»! وأخذ يضحك في عصبية، والرجال حوله ينظرون إليه في دهشة؛ فهم لم يكونوا يعرفون قيمة أن يتخلَّص من الشياطين، الذين لا يعرفونهم حتى الآن.

عندما هدأ قال: هيا نحتفل بانتصارنا. لقد أنجزتُ اليوم عملًا ضخمًا. سوف أستطيع أن أكون ثريًّا الآن؛ فعندي من المعلومات ما يدفع فيه «سادة العالم» الكثير!

أخذ طريقه إلى خارج الحجرة، فتبعه الرجال واتجهوا إلى إحدى الحجرات. كانت هناك منضدة مستديرة تتوسَّطها، وحولها بعض الكراسي، فجلس «كوزان» وهو يضرب طرف المنضدة بيده، ثم قال: غدًا نرحل إلى «روما»، حيث نلتقي بالرأس الكبير.

ولم يكَد يُتم جملته حتى غرقت الغرفة في الظلام، فصرخ: ماذا حدث؟!

فرد أحد الرجال: لعله التيار الكهربائي!

صاح «كوزان»: لا! لو كان التيار الكهربائي، فإن مُولِّد الفيلا يعمل أوتوماتيكيًّا! سكت لحظة، ثم أضاف: إنهم الشـ…

ولم يُكمل كلمته؛ فقد أصابته لكمة جعلته يصرخ، ممَّا جعل الرجال حوله يصرخون: ماذا؟ ماذا حدث؟! ماذا هناك؟!

عاد الضوء إلى الحجرة. كان الشياطين يقفون كل واحد في مكان، وقد استعدوا، إلا أن أحدًا من الرجال لم يكُن موجودًا؛ فقد قفزوا من النوافذ المفتوحة، وقال أحمد بسرعة: أضيئوا الحديقة.

فأسرع «فهد» إلى لوحة الإضاءة الموجودة في الصالة، ثم جذب سكين الحديقة، فغرقت في الضوء. كان بقية الشياطين يقفون في النوافذ، ولمح «قيس» أحدهم يختفي خلف شجرة قريبة من السور المرتفع، فقال «خالد»: إنهم لم يغادروا الحديقة.

أسرع «قيس» إلى خارج الفيلا، ودار حولها في اتجاه الرجل المختفي، إلا أن رصاصة رنَّت في الهدوء في اتجاه «قيس». عرف الشياطين أن بعض الرجال داخل الفيلا، وحدَّدوا أماكنهم من حيث خرجت الرصاصة، فتوزَّعوا بسرعة، إلا أن «أحمد» ظلَّ يتحرَّك قُرب النوافذ؛ حتى يرى ما يحدث ﻟ «قيس».

لم تمرَّ لحظات حتى شاهد الرجل يطير في الهواء وخلفه «قيس»، فانهمر الرصاص كالمطر في اتجاههما، حتى إن الرجل صرخ وسقط على الأرض. ظلَّ «أحمد» يرقب ظهور «قيس»، غير أنه لم يظهر، فأرسل إليه رسالةً سريعة: «هل أُصبت؟!»

وجاءه الرد: «الشياطين لا يُصابون!» فابتسم «أحمد»، ثم انطلق.

كانت حجرات الدور العلوي هي التي خرجت منها الطلقات، وبدأ الشياطين يتصلون ببعضهم. كان الاتفاق: الهجوم على الحجرة من جميع الاتجاهات …

أسرع «أحمد» فوق ماسورة المياه خلف الفيلا إلى سطحها، ثم أسرع إلى الباب، فوجده مغلقًا، أخرج خنجره، ثم عالج الباب حتى فتحه. في نفس اللحظة سمع طلقة رصاص فنزل في هدوءٍ على السُّلم. كان الصمت الحذر يخيِّم على المكان، واقترب من أول باب قابله. كان مغلقًا، فأدار أُكرة الباب، فانطلقت عدة رصاصات من الداخل. أخرج قنبلة دخان، ثم نزع فتيلها، وفتح الباب في هدوء. انطلقت رصاصات أخرى فألقى القنبلة، ثم أغلق الباب.

في نفس اللحظة لمح «خالد» فهمس: راقب النافذة!

أسرع «خالد» واختفى. في نفس الوقت ظلَّ «أحمد» واقفًا خلف الباب. لحظة، وسمع سُعالًا، فعرف أن الدخان قد انتشر.

لحظة أخرى، ثم فُتح الباب.

ظهر أحدهم وكان يسعل بشدة. جذبه «أحمد» من ذراعه بقوة، ثم دار به دورةً كاملةً وتركه، فاصطدم بالحائط، وسقط فوق الأرض بلا حراك. انتظر قليلًا خروج آخر، إلا أنه سمع صوت «خالد» يهمس: لقد سقط في الحديقة!

جاءت رسالة من «فهد»: «هل ظهر «كوزان»؟»

أجاب «أحمد»: «يبدو أنه في نفس الطابق. تحرَّكوا جميعًا».

ثم استدرك «أحمد» قائلًا: «ينبغي مراقبة الحديقة الجانبية!»

أسرع «فهد» و«خالد» إلى الحديقة، وفي نفس الوقت تحرَّك «قيس» إلى الطابق الأول.

كان «أحمد» لا يزال يقف في قمة السُّلم يراقب نزول «قيس»، وما إن وصل إلى الطابق الأوَّل، حتى رآه «أحمد» وهو يطير في الهواء، ثم يصطدم بالحائط، في قفزة واحدة كان «أحمد» قد انضم إلى «قيس» الذي وقف بسرعة. كان هناك ثلاثة رجال يستعدون.

قفز «أحمد» عليهم، إلا أن «قيس» كان أسرع منه إليهم، فضرب الأول والثاني معًا، وأصبح الثالث في يد «أحمد» فلكمه لكمةً قوية، دار على أثرها حول نفسه، ثم اصطدم بزميله الذي كان «قيس» قد ضربه ضربةً خطافية، جعلته يترنَّح في الهواء. في نفس الوقت كان الرجل الثالث يطير، غير أن رجله تعلَّقت بطرف السجادة الحمراء التي تغطِّي الأرض، فسقط على وجهه أمام «أحمد» الذي قفز من فوقه، وتلقَّاه «قيس»؛ فلقد رأى «أحمد» غطاء فتحة في الأرض فأسرع إليه وفتحه، كانت هناك درَجات تنزل إلى أسفل. وتوقَّف لحظة، ثم أرسل رسالةً إلى الشياطين: ««خالد» ينضم إلى النقطة «م»». وفي دقيقة كان «خالد» يظهر أمامه، ونزلا الدرجات بسرعة. كان هناك سرداب يبدو غارقًا في الظلام عند نهايته.

أخرج «أحمد» مصباحه الصغير، ثم أضاء المكان. كان السرداب ممتدًّا بلا نهاية، فأسرع الاثنان جريًا. مضت ربع ساعة وهما يجريان بأقصى سرعتهما. وفجأةً ظهرت درجات سُلم فتوقَّفا، وقال «خالد»: فلنطلق قنبلة دخان.

لم ينطِق «أحمد» مباشرة، غير أنه قال بعد لحظة: ليس الآن؛ إنها قد تعوقنا عن التقدُّم! وصعِد في حذر.

كانت الدرجات تلتف حتى ظهر ضوء في نهايتها، وعرف «أحمد» أن هذه نهاية السرداب. استمرَّ في صعوده حتى أحسَّ بهواء الليل وعرف أنها الحديقة. تقدَّم في بطءٍ حتى أخرج رأسه يرى ما حوله، إلا أن طلقةً دوَّت بجواره، فاختفى وقال «خالد»: يبدو أنهم قريبون!

أرسل رسالةً إلى الشياطين: النقطة «ج» زاوية ٤٥°. وظلَّ قابعًا في مكانه هو و«خالد». لحظة، ثم علا صوتُ الرصاص، فعرف أن الشياطين قد اشتبكوا مع العصابة.

ظلَّت الطلقات تئز في الليل، وفَكَّر «أحمد» بسرعة: هل يعود إلى الفيلا؟ ثم نقل أفكاره إلى «خالد» الذي قال: سوف أظل هنا، وَعُد أنت.

عاد «أحمد» بسرعة وقطع المسافة في دقائق، حتى أصبح عند درجات السُّلم التي تؤدِّي إلى الفيلا وصعِد في حرص، درجة درجة حتى أخرج رأسه من الفتحة. أدار عينَيه بسرعة، وعندما لم يظهر أحد، قفز إلى السطح، ثم احتمى بالسُّلم الدائري.

كان صوت طلقات الرصاص قد توقَّف، فتحرَّك في هدوء إلى أقرب باب إليه، ودفع الباب دفعةً قويةً حتى أصبح مفتوحًا بكامله. لم يَصدر صوت من داخل الحجرة فدخل في حذر، واتجه إلى النافذة مباشرة، والتصق بالجدار، ثم نظر إلى الخارج، فأبصر أحد الرجال ينتقل من خلف شجرة إلى أخرى. أخرج إبرةً مخدِّرة، ثم ثبَّتها في مسدَّسه، وانتظر لحظة، كان الرجل يستعد لينتقل من خلف الشجرة، فأحكم النيشان، ثم أطلق الإبرة، وقبل أن يتحرَّك الرجل كان قد سقط في مكانه.

فَكَّر «أحمد»: المهم هو «كوزان»، أين هو الآن؟! وأرسل رسالةً إلى الشياطين وانتظر. جاءته الردود، كانت كلها تقول: «إن كوزان لم يظهر!» قال في نفسه: هل نُفجِّر الفيلا! ردَّ في نفسه أيضًا: ربما لا يكون داخلها.

مرةً أخرى قال: الحجرة الإلكترونية! لمعت الفكرة في ذهنه، فأخذ طريقه إليها، ولم يكن هناك صوت ما.

اقترب في هدوء حتى وقف أمام بابها، الذي كان يُفتح أوتوماتيكيًّا، فوضع إصبعه فوق الزر، غير أن الباب لم يتحرَّك، فعرف أن أحدًا بداخلها. تحرَّك بسرعة إلى الطابق الثاني الذي لم يكُن فيه أحد الآن، ودخل الحجرة التي تعلو الحجرة الإلكترونية. أخرج من جيبه سماعةً دقيقة، ثم ألصقها بأرضية الحجرة، وعلت الابتسامة وجهه؛ لقد سمع صوت «كوزان» يتحدَّث إلى شخص ما.

ظلَّ يستمع إلى المكالمة، كان «كوزان» يطلب نجدةً سريعة، وأدار زرًّا في السماعة، فسمع المتحدِّث في الطرف الآخر.

كان الصوت الآخر يقول إن طائرةً سوف تصله، في نفس الوقت، سوف تصل قوة من رجال العصابة لتتولَّى أمر الفيلا!

انتهت المكالمة وفَكَّر «أحمد» بسرعة: هل يقضي على «كوزان»؟ إنه يستطيع أن يفعل ذلك عندما تصل الطائرة، لكنه يريد أن يسلِّمه إلى رقم «صفر». فكَّر قليلًا، ثم قرَّر أن يرسل رسالةً إلى رقم «صفر» يشرح فيها المكالمة التي سمعها. بعد قليل جاءته رسالة من رقم «صفر»: سوف ينتهي الأمر كما نريد. فقط، ابتعد عن الحجرة الإلكترونية!

أسرع «أحمد» وهو ينزل، ثم أخذ طريقه إلى الحديقة، وأرسل رسالةً إلى الشياطين يُخبرهم بما حدث. وكان يقبع قريبًا من باب الفيلا حيث كانت السيارة «الستروين» المحترقة، وقال في نفسه: كانت خدعةً ذكية. لقد تصوَّر «كوزان» أننا كنا داخل السيارة عندما أرسل له الجهاز الإشارة بانفجارها. وهكذا وقع!

بعد قليل لفت سمعه شيء، وأخذ يُقلِّب بصره في الفضاء. كان صوت طائرة هليكوبتر يقترب. ظلَّ يبحث عنها حتى رأى أضواءها، واقتربت الطائرة تمامًا حتى هبطت فوق سطح الفيلا.

كانت الدهشة ترتسم على وجهه، حتى إنه قال في نفسه: هل سيتمكَّن «كوزان» من الهرب؟

ظلَّ يرقب مروحة الطائرة التي توقَّفت، ثم فكَّر: لماذا توقَّفت الطائرة؟ المفروض أن تحمل «كوزان» وتهرب!

غير أن دهشته لم تستمر؛ فقد سمع صافرات سيارات الشرطة، فابتسم. إن هذه خدعة ممتازة من رقم «صفر».

اقتربت سيارات الشرطة حتى أحاطت بالفيلا، ثم جاء صوت ضابطِ شرطة من خلال الميكروفون يطلب من رجال العصابة تسليم أنفسهم.

أبصر «أحمد» عشرة رجال يخرجون من بين الأشجار ومن أسفل الفيلا، وهم يتجهون إلى سيارات الشرطة. في الوقت نفسه كان الشياطين قد ظهروا، وتجمَّعوا في الحديقة، ثم علت وجوههم ابتسامة وهم يرون «كوزان» خارجًا من باب الفيلا مقبوضًا عليه. كان حوله رجلان اقتربا من الشياطين وقال أحدهم: سوف يصل إلى هناك، حسب التعليمات!

عرف الشياطين أنها تعليمات رقم «صفر». اقترب «أحمد» من أحدهما، وهمس له ببعض الكلمات، فنظر الرجل إلى «كوزان»، ثم تحدَّث إليه.

وضع «كوزان» وجهه في الأرض قليلًا، ثم استدار إلى داخل الفيلا، بينما ظلَّ الشياطين يرقبونه وهو يسير بين الرجلَين، حتى اختفوا داخلها …

مضت عشر دقائق، ثم ظهرت ابتسامة على وجوه الشياطين؛ فقد كان «جاكومو» يقف على باب الفيلا. وما إن رآهم حتى أسرع إليهم يشد على أيديهم. وعندما كانت الطائرة تغادر الفيلا، كان الشياطين ومعهم «جاكومو» … يستقلُّون إحدى سيارات الشرطة في طريقهم إلى «باريس».

لقد انتهى كل شيءٍ على أفضل ما يرام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤