المجهول يتحدَّث

في ذلك المساء تلقَّى «عاطف» المكالمة التليفونية المنتظرة من الرجل المجهول.

كان صوت الرجل خشنًا، وكان يسأل عن الرسالة، فشرح له «عاطف» ما حدث وسأله عن موعد حضوره، ولكن الرجل قال إنه لا يدري متى سيحضر، وإن كان سيحضر في وقت قريب بعد أن أخذ العنوان.

اتصل «عاطف» ببقية الأصدقاء تليفونيًّا وأخبرهم بما حدث، وقال إنه سيبقى في البيت فقد يحضر الرجل في أية لحظة.

مضى المساء دون أن يظهر الرجل، وأقبل الليل وكان «عاطف» و«لوزة» ينامان وحدهما؛ فقد سافر والدهما في رحلة، ولم يبقَ في البيت سواهما وخالتهما العجوز والشغَّالة.

ونام الجميع دون أن يُلاحظوا الرجل الذي كان يُراقب المنزل من الخارج … ومضت ساعة وتحرَّك الرجل المجهول واقترب من المنزل، وبواسطة بعض الآلات استطاع أن يفتح نافذةً في الدور الأرضي، ثم أضاء مصباحًا كهربائيًّا وأخذ يتجوَّل في صمت في أنحاء المنزل الساكن. كان يبحث عن الرسالة الغامضة في كل مكان، ولكن الرسالة كانت مع «عاطف» في غرفة نومه. ولمَّا لم يجد المجهول شيئًا صعد بهدوء على السلَّم الداخلي للفيلا، وأخذ يسير محاذرًا حتى عثر على غرفة «عاطف»، فدخل ونظر حوله على ضوء المصباح باحثًا عن مكان الرسالة، ولكن كان من الواضح له أنه لن يعثر عليها دون أن يوقظ «عاطف»؛ وهكذا تقدَّم في هدوء وهزَّ «عاطف» الذي استيقظ على الفور وقد تملَّكته الدهشة … وكم كانت مفاجأة له أن يجد الرجل أمامه! فلم ينطق بحرف وقال المجهول: لا بد أنك الولد الذي كلَّمني … هاتِ الرسالة!

لم يردَّ «عاطف» لبضع لحظات، فكرَّر الرجل سؤاله في لهجة شديدة متوعِّدة: أين الرسالة؟

قال «عاطف»: من أنت؟

الشبح: ليس مهمًّا أن تعرف من أنا، المهم أين الرسالة؟

عاطف: إنني أريد أن أتأكَّد أنك صاحبها.

الشبح: لقد اتصلت بك هذا المساء وتحدَّثت إليك، وأنا صاحب الرسالة فأين هي؟

كان «عاطف» متأكِّدًا أن هذا الرجل هو صاحب الرسالة؛ فلا أحد يعلم أنها عنده إلا الأصدقاء والرجل الذي تحدَّث إليه في المساء، ولكن «عاطف» كان يُريد أن يكسب بعض الوقت للتفكير، إلَّا أن الرجل لم يُمهله وقال بغضب: لا تضيِّع وقتي. هاتِ الرسالة وأنصحك ألَّا تُحدِّث أي إنسان عنها أو عني، وإلَّا حدث لك ما لا تحبه!

لم يكن أمام «عاطف» شيئًا يفعله، وهكذا مد يده تحت مخدته، وأخرج الرسالة وسلَّمها إلى الرجل، الذي أخذ يقرؤها على ضوء البطارية التي يحملها، كان وجهه قريبًا من الضوء؛ فاستطاع «عاطف» أن يتأمَّله جيدًا … كان وجهه شديد السمرة، قاسي الملامح، وقد ضاع أحد حاجبيه تمامًا نتيجةً لجرح قديم.

طوى الرجل الرسالة ووضعها في جيبه ثم قال: مرةً أخرى أُحذِّرك من الحديث إلى أي إنسان عن هذه الرسالة … انسَها تمامًا وكأنك لم ترَها.

وكما دخل في صمت، اختفى من أمام «عاطف»، كأنه لم يكن … واستلقى «عاطف» في فراشه، وقد ارتفعت دقَّات قلبه، وأخذ يُفكِّر في اللحظات الماضية كأنها حلم ثقيل، ثم قام فأطفأ النور … كانت الساعة بعد منتصف الليل بقليل … ففكَّر فيما يفعل … هل يتصل بالشاويش «علي»؟ ولكن ماذا سيقول له؟ … إن الشاويش لن يُصدِّق طبعًا قصة الرسالة وما حدث فيها، وسيعتبر كل ما حدث لعب أطفال … هل يتصل بالمفتش «سامي»؟ إنه في إجازة … هل يتصل ﺑ «تختخ»؟ … إنه مريض في حاجة إلى الراحة، بالإضافة إلى أن الرجل قد اختفى ولن يستطيعوا عمل شيء في هذه الليلة … أفضل شيء أن ينتظر حتى الصباح.

مضت فترة طويلة قبل أن يتمكَّن «عاطف» من النوم مرةً أخرى، وكان قد نزل إلى الدور الأرضي واكتشف الطريقة التي دخل بها الرجل المنزل، وأغلق النافذة محاولًا قدر الإمكان ألَّا يمسح البصمات التي تصوَّر أن الرجل لا بد قد تركها وهو يحاول فتح النافذة.

تأخَّر «عاطف» في الاستيقاظ بعد أحداث الليلة الماضية، فأسرعت «لوزة» لإيقاظه فلم يقُل لها شيئًا في البداية، وبعد الإفطار انطلقا إلى «تختخ» حيث كان «محب» و«نوسة» قد سبقاهما إلى هناك.

قال «تختخ»: ألم يحضر الرجل لاستلام الرسالة؟

عاطف: نعم … لقد حضر.

بدا الاهتمام على وجوه الأصدقاء جميعًا، وقالت «لوزة» مُعلِّقة: متى حضر؟ … لقد نمنا معًا في الساعة العاشرة دون أن يظهر أحد … هل حضر بعد ذلك؟ وهل عرفت منه لغز الرسالة؟

نظر إليها «عاطف» في ضيق وقال: لو انتظرت قليلًا لحصلت على الإجابة دون أن تسألي … إنك متسرعة دائمًا.

محب: ماذا حدث؟ إنك تبدو عصبيًّا.

عاطف: لقد حضر الرجل ليلًا … ودخل من النافذة، وحصل على الرسالة دون أن أتمكَّن من سؤاله … على العكس؛ لقد حذَّرني من أن أذكر شيئًا عن الرسالة لأي شخص. وكان من الواضح أنه جاد في تهديده … ونحن على كل حال لا نستطيع الحديث عن الرسالة … فقد فقدناها، ولا أعتقد أن أحدًا منا يذكر ماذا كان فيها …

قالت «لوزة» في انتصار: إنها عندي كاملة … فقد نقلت صورةً طبق الأصل منها أمس عندما أخذتها معك إلى البيت … فقد كنت أخشى أن نفقدها بشكل أو بآخر.

قال «تختخ» مبتسمًا: هكذا أنت دائمًا، لك شيء هام لا بد أن تفعليه في كل لغز.

نوسة: نُخطر الشاويش «علي» طبعًا.

عاطف: لقد فكَّرت في هذا … ولكن هل يصدق الشاويش «علي» قصة الرسالة؟ وبفرض أنه صدَّقها، فما هي التهمة التي نوجِّهها للرجل المجهول؟ … لقد أخذ رسالةً كانت موجَّهةً إليه … فهو لم يسرق شيئًا إذن.

لوزة: ولكنه دخل بيتًا بطريقة غير مشروعة.

تختخ: هذا صحيح … ولكن ما فائدة البحث عن رجل والقبض عليه من أجل أنه دخل بطريقة غير مشروعة؟

عاطف: هل يعني هذا أننا سنستمع إلى تحذير الرجل، ونكف عن الحديث عن الرسالة؟

لم يردَّ أحد على هذا السؤال فورًا، ثم قال «تختخ» بعد فترة: أقترح أن ننتظر عودة المفتش «سامي» من الإجازة … وعندنا نص الرسالة الذي نقلته «لوزة»، وعندنا أوصاف الرجل المجهول الذي أخذ الرسالة. وأعتقد أن المفتش سيُصدق قصتنا … وقد نجد حلًّا عنده لهذه الرسالة الغامضة.

لم يجد الأصدقاء أمامهم إلا الموافقة … فلم يكن هنا شيء آخر يُمكن عمله إلَّا انتظار المفتش «سامي» …

وقضى الأصدقاء اليومَين التاليَين حول فراش «تختخ» وكانت صحته قد بدأت تتحسَّن، وبدأ يخرج ليجلس معهم في الحديقة يتبادلون الأحاديث حول الرسالة الطائرة، ويُمارسون بعض الألعاب المسلية.

وفي اليوم الثالث اتصل المفتش تليفونيًّا ليُخطرهم بعودته، وليُطمئن على صحة «تختخ»، فقصَّ عليه «تختخ» تليفونيًّا حكاية الرسالة الطائرة وقال له: إنها رسالة عجيبة، مكتوبة باللغة العربية، ولكن دون أن يفهم أحد منها شيئًا.

المفتش: لقد كنت بسبيلي إلى زيارتك، وسوف أحضر غدًا لأراك وأطَّلع على الرسالة، فقد يكون وراءها سر كبير، خاصةً بعد هذه الزيارة الليلية التي قام بها الشخص المجهول ﻟ «عاطف». استعدوا إذن فقد تبدءون مغامرة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤