ما هي المزنقرة؟

اجتمع الأصدقاء مبكِّرين في منزل «تختخ» انتظارًا لحضور المفتش، وفي التاسعة والنصف وصلت باقة جميلة من الورد تحيةً من المفتش ﻟ «تختخ» مع تمنياته بالشفاء. وفي العاشرة وصل المفتش، واستقبله الأصدقاء بالتحيات الحارة … وبعد أن شرب فنجان القهوة، أخرج الأصدقاء الرسالة وقدَّموها للمفتش.

أخذ المفتش يقرأ الرسالة وعلى فمه ابتسامة تتسع شيئًا فشيئًا، في حين الأصدقاء يُركِّزون أنظارهم عليه، وقد ملأهم حب الاستطلاع لمعرفة سر ابتسامة المفتش الذي ما كاد ينتهي من قراءة الرسالة حتى التفت إليهم قائلًا: لقد حللت لغز الرسالة، وفي استطاعتي أن أقرأها لكم بلغة تفهمونها عدا كلمة أو كلمتين لا أعرف معناهما بالضبط.

زادت لهفة الأصدقاء عندما سمعوا حديث المفتش، وصاحت «لوزة»: إنك رجل مدهش … لقد ظلِلنا بضعة أيام نحاول أن نفهم شيئًا دون جدوى.

المفتش: إن الرسالة مُوجَّهة من نشَّال إلى نشَّال آخر!

محب: هذه إذن لغة النشَّالين التي نسمع عنها.

المفتش: تمامًا، والرسالة تقول … لم ترسل النقود، وأنا أعلم أنك نشلت أكثر من ١٠٠٠ جنيه، وأنا مفلس وليس معي …

ثم توقَّف المفتش قليلًا: لا أدري معنى «الفار المولع» … ولكن الرسالة بعد ذلك تقول: فإذا لم تُوزِّع النقود؛ فسوف أقول للمخبر … ولا تنسَ إرسال الراديو الترانزستور …

ومرةً أخرى توقَّف المفتش لحظات ثم مضى يقول: ولا أعرف معنى «المزنقرة» … و«البطاطس» … ولكن الرسالة تقول بعد ذلك … «ولا تنسَ أن الذهب عندي» … والإمضاء هو «أبو شنب».

تختخ: مدهش للغاية يا حضرة المفتش! … وإذا قابلنا الكلمات بعضها ببعض فسيكون عندنا … «تظرف» بمعنى تُرسل … «المعدِن المكبرت» يعني النقود … «الورق العريض» معناه ألف جنيه … و«مشلف» يعني مفلس … ولم نعرف معنى «الفار المولع» … و«تحصص» … يعني ترسل، و«الأبيج» بمعنى النقود، وهي كلمة أخرى للنقود. و«البزرجي» هو المخبر … و«البغبغان» هو الراديو الترانزستور، ولم نعرف معنى «المزنقرة» ولا «البطاطس» … وكلمة «شليه» بمعنى ذهب … و«المشنبت» هو أبو شنب.

المفتش: هذه ترجمة مضبوطة لمعنى الكلمات … إنك سريع الحفظ فعلًا يا «تختخ».

عاطف: ولكن ألا نستطيع أن نعرف بقية الكلمات؟

المفتش: من الممكن طبعًا، فسوف أتصل بضابط مكافحة النشل وهو يعرف هذه اللغة، وسوف نعرف منه بقية الكلمات.

وأحضر «محب» التليفون واتصل المفتش بالضابط «زكي» الذي قال إن كلمة «الفار المولع» معناها عقب سيجارة، وإن «المزنقرة» تعني الساعة، و«البطاطس» تعني جبل «المقطم».

ورأى الأولاد المفتش وهو يُبدي اهتمامًا غير عادي بحديث آخر كان يسمعه من الضابط «زكي»، وعندما وضع السماعة التفت إلى الأصدقاء قائلًا: لقد وقعتم على أثر واحد من أخطر النشَّالين واللصوص … لقد نسيت قضية «أبو شنب» ولكن الضابط «زكي» ذكَّرني بها … ﻓ «أبو شنب» هذا كان نشَّالًا خطيرًا وله مدرسة للنشل تربَّى فيها عدد كبير من النشَّالين … ثم سقط مرةً تحت الترام وأصيب بإصابات بالغة أدَّت إلى بتر ساقَيه وإحدى ذراعَيه؛ فلم يعُد يستطيع ممارسة النشل، وهكذا كوَّن عصابةً للسرقة يقودها من مكمنٍ لا أحد يعرفه، واستطاع أن يسرق محل أحد الصياغ … وكان ضمن ما سرقه مجموعة من الحلي الذهبية النادرة تساوي أكثر من ٥٠ ألف جنيه … بل هي نظرًا لقيمتها التاريخية لا تُقدَّر بثمن. ثم اختفى «أبو شنب» بهذه الثروة وفقدنا أثره منذ مدة طويلة … وهذا أول أثر له بعد هذا الغياب الطويل.

سكت المفتش وأخذ الأصدقاء ينظرون إليه في انبهار؛ فقد ساقت لهم المصادفة قصةً مثيرة … ولغزًا مشوِّقًا.

قالت «نوسة»: هل تقصد أن هذه الرسالة من عند «أبو شنب».

المفتش: طبعًا. إنه يُرسل هذه الرسالة إلى أحد أعوانه يطلب منه أن يُرسل له نقودًا وإلَّا أخبر الشرطة، ويُذكِّره أن الكنز الذهبي ما زال في حوزته.

عاطف: إذن فالرجل الذي زارني ليلًا ليس هو «أبو شنب» ولكن أحد أعوانه.

المفتش: بالضبط.

نوسة: وعندنا أثر هام ﻟ «أبو شنب»؛ هو أنه يسكن في جبل «المقطم».

المفتش: إنه أثر هام حقًّا … ولكن «المقطم» جبل كبير … والبحث عن شخص في جبل «المقطم» يشبه البحث عن إبرة في جبل من القش.

محب: إذن فالرجل الذي زار «عاطف» ليلًا هو الدليل الوحيد الذي يُمكننا أن نبدأ منه.

المفتش: صحيح.

لوزة: ولكن لماذا يستخدم «أبو شنب» الحمام الزاجل ولا يستخدم الخطابات العادية أو التليفون؟

المفتش: لأنه مختفٍ في مكان ليس فيه وسيلة للاتصال، وهو في نفس الوقت مقطوع الساقين لا يستطيع المشي … وهو شديد الحذر أيضًا لأن الخطابات يُمكن قراءتها، وكذلك التليفون يمكن مراقبته، أمَّا الحمام فلن يتمكَّن أحد من متابعته، بل إن أحدًا لن يُفكِّر في أنه يُستخدم حاليًا في نقل الرسائل.

لوزة: وكيف تم تدريب الحمام على معرفة الطريق؟

المفتش: إن للحمام الزاجل حاسةً قويةً تُمكِّنه من معرفة عشه على بعد مئات الكيلومترات، والذي حدث أن الرجل المجهول ربَّى عددًا من هذا النوع من الحمام عنده ثم نقله إلى رئيس العصابة «أبو شنب» في الجبل، حيث يُرسل بواسطته الرسائل إلى الرجل المجهول … وكلما أرسل كل الحمام الذي عنده وليكن عشرةً أو أكثر، أعادها الرجل المجهول إليه وهكذا.

نوسة: إنها فكرة شيطانية.

تختخ: فعلًا، وهي تدل على ذكاء خارق.

المفتش: للأسف إن عددًا كبيرًا من اللصوص يكونون من الأذكياء، ولكنهم يستخدمون ذكاءهم في فعل الشر، وليس في عمل الخير.

تختخ: فإذا استطعنا التوصُّل إلى الرجل المجهول … ربما استطعنا عن طريقه أن نصل إلى رئيس العصابة.

المفتش: هذا ممكن حقًّا.

تختخ: في هذه الحالة سيكون «عاطف» هو أملنا في التعرُّف على الرجل المجهول الذي زاره ليلًا.

المفتش: من السهل التعرُّف عليه، فعندنا في قسم مكافحة النشل صور لكل النشَّالين في مصر … فأغلب النشَّالين نقبض عليهم بضع مرات … ولكنهم يخرجون من السجن عادةً إلى النشل مرةً أخرى.

وتناقش الأصدقاء والمفتش فترةً طويلة، وتم الاتفاق على أن يذهب «عاطف» مع المفتش إلى مديرية الأمن في القاهرة للاطلاع على صور النشَّالين ليتعرَّف على صورة الرجل المجهول الذي زاره ليلًا، فإذا لم يتعرَّف عليه تُنقل البصمات التي تركها على النافذة في منزل «عاطف».

وانصرف المفتش ومعه «عاطف»، وبقي الأصدقاء وحدهم. وفي الطريق إلى القاهرة قال المفتش ﻟ «عاطف»: هذه ثاني مرة نستعين بك «يا عاطف» للإمساك بأحد المشتبه فيهم، فهل تتذكَّر المرة الأولى؟

عاطف: بالطبع، لقد كان ذلك في لغز الوثائق السرية عندما أمسكني الجاسوس في مصر القديمة، واستطعت الإفلات منه!

ووصل الاثنان إلى مبنى مديرية الأمن في باب الخلق، واتجها إلى قسم مكافحة النشل حيث كان في استقبالهما الضابط «زكي» الذي أخذ يعرض على «عاطف» صور النشَّالين واحدًا واحدًا … ولم يطل البحث … فقد كانت الإصابة الواضحة فوق عينَيه تميِّزه عن باقي النشَّالين … وسرعان ما أخرج «عاطف» صورته من بين مئات الصور التي عرضها الضابط «زكي» الذي لم يكد يرى الصورة حتى صاح: إنه «حمكشة» النشَّال الداهية … وأخطر نشَّال بعد «أبو شنب».

عاطف: اسمه «حمكشة»؟!

ابتسم الضابط وهو يقول: نعم … وهو يقوم بعمله في منطقة باب الحديد والظاهر …

المفتش: وما هي خطتك الآن يا «زكي»؟ هل تقوم بالقبض على «حمكشة» واستجوابه؟

زكي: هذا ممكن طبعًا … ولكنه سيُنكر أن له صلةً ﺑ «أبو شنب»، خاصةً وأن أخبار «أبو شنب» قد انقطعت منذ زمن طويل … والحل الوحيد هو مراقبته … لعله يذهب إلى «أبو شنب» أو يرسل أحد أعوانه؛ ومن هذا الطريق يُمكن القبض على رئيس العصابة.

عاطف: ولن يكون للمغامرين الخمسة دور في هذا اللغز.

المفتش: اتركوا هذا اللغز لنا، فسوف نصل إلى «أبو شنب» أسرع منكم!

وودَّع المفتش «عاطف» الذي أسرع إلى المعادي ليُخبر الأصدقاء بما حدث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤