الفصل الثامن والعشرون

في الشعر: الجداول للشاعر اللبناني إيليا أبي ماضي

لست أدري! أيرضى أصدقاؤنا اللبنانيون أم يغضبون إنْ رأيت أنَّ أثر جبالهم الجميلة في الشاعر الذي أتحدث عنه اليوم ضعيف جدًّا، فالذين كتبوا عنه ينبئوننا بأنه لبناني المولد، ولكنه لم يبلغ الحادية عشرة حتى هبط مصر، فأقام فيها يدرس إلى التاسعة عشرة، ثم ارتحل إلى أمريكا، فأقام فيها إلى الآن، وهؤلاء الذين كتبوا عنه يلاحظون أنه أصفى الشعراء والكُتَّاب اللبنانيين والسوريين المهاجرين إلى أمريكا لغة، ويخيل إليهم أنَّ إقامته في مصر هي مصدر هذا الصفاء.

أما أنا فآسف أشد الأسف؛ لأني مضطر إلى أنْ ألاحظ أنَّ صفاء لغته هذا الذي أعجب «كمغمير» وزميله الأستاذ طه الخميري لا يخلو من شيء كثير يفسده، ويباعد بينه وبين ما ألفناه من صفاء اللغة ونقائها عند الكُتَّاب والشعراء الذين ينشئون ويعيشون في مصر ولبنان وغيرهما من بلاد الشرق العربي، ولست أزعم أنَّ لغة الشاعر رديئة أو منكرة، ولكنها تقارب الرداءة أحيانًا حتى توشك أنْ توغل فيها إيغالًا، وليكن مصدر ذلك ما يكون، ولكنه شيء واقع لا نستطيع إلا أنْ نلاحظه ونسجله آسفين. ذلك أنَّ الشاعر مجيد حقًّا، خصب الذهن، نافذ البصيرة، ذكي القلب، متقن الفهم لما يريد أنْ يقول، موفق إلى إجادة التصوير لما يحب أنْ يصور، فكان خليقًا أنْ تواتيه مع هذه الخلال نغمة صافية عذبة، تعينه على إظهار ما في شعره من قوةٍ وروعة وجمال، ليس إلى شكٍّ فيها من سبيل، ولعل الشاعر نفسه آنس الضعف في لغته، ولعله حاول أنْ يصلحه فلم يستطع، ولعله لما استيأس من هذا الإصلاح لم يجد بدًّا من أنْ يتخذ هذا الضعف مذهبًا، ومن أنْ يدافع عنه دفاعًا ويذود عنه ذيادًا، فقال في فاتحة الديوان الذي أريد أنْ ألم به في هذا الحديث:

لست مني إن حسبـ
ـت الشعر ألفاظًا ووزنا
خالفت دربك دربي
وانقضى ما كان منا
فانطلق عني لئلا
تقتني همًّا وحزنا
واتخذ غيري رفيقًا
وسوى دنياي مغنى

فمن المحقق أنَّ الشاعر لا يقول شيئًا في هذا الكلام؛ لأن الشعر لا يستقيم ولا يوجد، ولا يمكن تصوره بغير الألفاظ والوزن، وآية ذلك أنَّ الشاعر نفسه قدَّم لنا في ديوانه هذا ألفاظًا موزونة، ولم يُقدِّم لنا كلامًا منثورًا في غير وزن، ولم يُقدِّم لنا معاني في غير ألفاظ، وآية ذلك أيضًا أنَّ الشاعر في هذه الفاتحة نفسها يطلب إلى قارئه أنْ يقرأ ديوانه، وأن يكرر القراءة، ولا يزهد فيها، ولا يشفق من تكرارها، ويزعم له أنَّ الصوت لا يدل على شيء إذا لم تسمعه الأذن، وإذن فاللفظ ليس من الضعة وضآلة الشأن، بحيث يريد الشاعر أنْ يقول في هذه الأبيات التي رويناها لك، وهناك بدعة يلح فيها كثير من الناس، وهي أنَّ الجمال الفني في الكلام — نثرًا وشعرًا — يأتي من المعنى وحده دون أنْ يكون للفظ أثر فيه، وهذا كلام إن استقام لأصحاب المنطق والفلسفة، فهو لا يستقيم لأصحاب الأدب والفن؛ لأن صناعتهم بطبيعتها تريدهم على أنْ يتخذوا اللفظ نفسه مظهرًا لهذا الجمال الذي يفتنون به ويحرصون عليه، ومهما يكن حظ الشاعر من إجادة المعنى وتصحيحه وتحقيقه والبعد به عن الخطأ والارتفاع به عن الإحالة، فهو لن يظفر من إعجاب الناس بحظٍّ قليل أو كثير إلا إذا استطاع أنْ يجلو لهم هذا المعنى في لفظٍ إلا يكن رائعًا خلابًا، فلا أقل من أنْ يكون صحيحًا مستقيمًا بريئًا من الفساد، ولست أذهب مذهب الذين يرون الجمال الشعري في اللفظ وحده ولا يحفلون بالمعنى؛ لأنهم يلتمسون هذا الجمال في الموسيقى، ولأنهم يجدون الجمال في غناء الطير، وحفيف الورق، وهفيف النسيم، وفي خرير الجدول وهدير البحر، ولا يجدون لهذه الأصوات كلها معنى، لا أذهب هذا المذهب فقد يكون فيه كثير من الحق، ولكن فيه كثيرًا من الغلو أيضًا، ولعل الخير أنْ نذهب في ذلك مذهب أوساط الناس، فنقول كما يقولون: إنَّ الكلام يجب أنْ يدلَّ على شيء وإلا كان لغوًا، ويجب أنْ يكون صحيحًا مستقيمًا وإلا كان ثقيلًا على الأذن، نابيًا عن المزاج، وعلى هذا النحو نخالف الشاعر فيما ذهب إليه من ازدراء اللفظ والوزن، ونخالف الكاتب الأديب الذي قدَّم هذا الديوان إلى القرَّاء فيما ذهب إليه من الإعراض عما قد يكون في هذا الديوان من خطأ في اللغة أو اضطراب في الوزن، ويحتفظ بالمقاييس التي احتفظنا بها دائمًا في نقد ما ينتج الكُتَّاب والشعراء: صحة المعنى واستقامته وطرافته، وجودة اللفظ ونقاؤه وارتفاعه عن الركاكة والإسفاف على أقل تقدير.

وقد يكون من العسير أنْ نتعلق بكثيرٍ من الخطأ على الشاعر إيليا أبي ماضي في معانيه التي قصد إليها في هذا الديوان، فهو مصحح للمعاني كما قلنا، لا يحيل أو لا يكاد يحيل، ولا يتورط أو لا يكاد يتورط في هذه المعاني الفاسدة التي تلتوي على العقل، وإنْ كنا قد نجد من ذلك شيئًا في الديوان، بل في الفاتحة نفسها، فقوله:

كلما أفرغت كأسي
زدت في كأسي دنا

معنى فاسد لا يستقيم؛ ذلك أنه يريد أن يقول: إن خمره لا تنقص بالشرب أو بالاستهلاك — كما يقول أصحاب الاقتصاد — إنما تزداد وتربو، فانظر إلى هذه الصورة المستحيلة التي صور فيها هذا المعنى المستقيم:

كلما أفرغت كأسي
زدت في كأسي دنا

فالكأس جزء ضئيل من الدن، أو قل: إنَّ الكأس تحتوي جزءًا ضئيلًا مما يحتويه الدن، فكيف يمكن أنْ يزاد الدن في الكأس؟!

وللشاعر مِثلُ هذا الخطأ في تأدية المعاني الصحيحة في نفسها، فانظر إلى هذا البيت:

ثم انتبهت فلم أجد في مخدعي
إلا ضلالي والفراش ومخدعي

يريد أنْ يقول: إنه انتبه فلم يجد إلا مخدعه وفراشه وضلاله، ولكن وزن البيت لم يستقم له، فأضاف إليه كلمة أقامته، ولكنها أفسدته إفسادًا، وهي قوله: «في مخدعي.» فهو إنْ وجد ضلاله وفراشه في مخدعه لم يستطع أنْ يجد مخدعه في مخدعه! وتستطيع أنْ تعود إلى فاتحة الديوان، فسترى فيها معنًى مستقيمًا لو أحسن الشاعر أداءه، ولكنه عجز عن هذا الأداء، فأغلق معناه إغلاقًا، وجعله لغزًا من الألغاز، وذلك حين يقول:

كل نور غير نو
رٍ مر بالأعين وسنى

يريد أنْ يقول: إنَّ النور ظلمة إذا لم تره العيون، فانظر إليه كيف التوى به اللفظ والتوى عليه، فَعَقَّد معناه تعقيدًا، وأغلقه إغلاقًا، وجعل من العسير جدًّا على قارئه أنْ يصغي إليه مهما يتكلف من الجهد في إجابته إلى هذا الإصغاء، ولكن الشاعر على هذا كله مصحح لمعانيه محقق لها، لا يكاد يفسدها أو يخطئ فيها، وابتكاره في المعاني التي اشتمل عليها هذا الديوان قليل جدًّا لا يكاد يحس، ولكن شخصيته قوية؛ فهو يتناول المعاني والأغراض التي سبقه إليها الشعراء المتشائمون والمسرفون في الشك من القدماء والمحدثين، فينفخ فيها من روحه القوي، ويكاد يفرض شخصيته فرضًا، فشاعرنا متشائم مسرف في التشاؤم، يزدري الناس وأخلاقهم ونظمهم وآراءهم في أنفسهم، وغرورهم بما تخدعهم به الحياة، فهو يذهب في تصوير هذا كله مذهب أبي العلاء والخيام وشوبنهور وغيرهم من المتشائمين، لا يكاد يأتي بمعنى لم يسبقوه إليه، ولكنك مع ذلك تقرؤه، فلا تحس فيه أخذًا ولا سرقة، ولا تتأذى فيه بالتقليد، وشاعرنا أَثِر مسرف في الأثرة أحيانًا، بعيد كل البعد من أبي العلاء حين يقول:

فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا

شاعرنا بعيد كل البعد عن هذا الإيثار، تستطيع أن تقرأ قصيدته «بردي يا سحب»، فسترى أنه لا يحفل بالنجم الذي لا يهديه، ولا بالنهر الذي لا يرويه، ولا بشيء من الأشياء إلا أنْ ينتفع به ويفيد منه لنفسه خيرًا، وشاعرنا على أثرته هذه متعجل لذاته، تستطيع أنْ تقرأ قصيدته «تعالي»، فسترى أنه لا يحفل من الحياة إلا بما تستطيع أن تمنحه من لذة، وأنه لا يقنع بالوصف ولا بالأحاديث، وإنما يريد أنْ تسقيه الخمر أولًا، ثم تصفها له بعد ذلك، فأما أنْ تصف له الخمر ولا تسقيه إياها فهذا كلام لا يعنيه، وشاعرنا مع هذا كله صاحب حكمة وزهد وحرص شديد جدًّا على المساواة، يكاد يبلغ به الاشتراكية، أو ما هو أبلغ من الاشتراكية في إلغاء الفروق بين الناس، تستطيع أنْ تقرأ قصيدته «الطين»، فسترى أنه بلغ من ذلك ما لم يبلغه كثير من الشعراء المحدثين في الشرق العربي، ثم هو فوق هذا كله وقبل هذا كله صاحب شك، لا يؤمن بشيءٍ، ولا يطمئن إلى شيء، بقيةٌ هو من هؤلاء القدماء الذين كانوا يجيبون عن كل سؤال بهذا الجواب المتواضع البديع: لا أدري. وقصيدته «الطلاسم» آية في هذا الشك، وفي الضيق والإشفاق منه والاضطرار إليه مع ذلك، ولست أغلو إنْ قلت: إنها خير ما في هذا الديوان.

فأما إذا قصدنا إلى نقد هذا الديوان من جهة ألفاظه وأوزانه، فنحن بعيدون كل البعد عن مثل هذا الرضا، ونحن مضطرون إلى كثيرٍ من التحفظ، وإلى كثير من السخط، وإلى كثير من الضحك أحيانًا …

فالشاعر لا يحفل بالموسيقى، لا في وزنه، ولا في قوافيه، ولا في ألفاظه، ولعل أوزان الشعر تختلط عليه أحيانًا، فيلائم بينها ملاءمة لا تستقيم، فقصيدة «الطين» التي كنا نثني منذ حينٍ على معانيها وحسن تصويرها للمساواة، من أردأ الشعر العربي قافية وأنباه عن السمع والذوق، ولعل عنوانها كان يحتاج إلى شيءٍ من الذوق، ولكن انظر إلى مطلع القصيدة:

نسى الطين ساعة أنه طيـ
ـنٌ حقير فصال تيهًا وعربد

فهو — كما ترى — قد اختار الدال الساكنة قافية لهذه القصيدة، وسكون الدال ثقيل ينقطع عنده النفس، فإذا طال وتكرر في قصيدةٍ غير قصيرة ضاق به السامع ضيقًا شديدًا، ولكن الشاعر يضيف إلى هذا الثقل الطبيعي أثقالًا أخرى، فانظر إليه كيف يضيف سكونًا إلى سكون، وانقطاع نفس إلى انقطاع نفس في هذا البيت:

لك في عالم النهار أمانٍ
ورؤًى والظلام فوقك ممتد

فهذه الدال المدغمة لا تطاق، وأنت إنْ قبلتها على إدغامها كلفت نفسك جهدًا ثقيلًا، وأنت إنْ خففت الإدغام أفسدت اللغة إفسادًا بغيضًا، وانظر إلى هذا البيت أيضًا:

أنت مثلي من الثرى وإليه
فلماذا يا صاحبي التيه والصد

فالصد هنا «كممتد» هناك، ولكن قصر الكلمة هنا يزيدها ثقلًا إلى ثقلها. وانظر إلى هذا البيت:

وأرى للنِّمال ملكًا كبيرًا
قد بنته بالكدح فيه وبالكد

ألست ترى أنَّ قافية هذا البيت توشك أنْ تكون رطانة أعجمية؟! أحب أن يتدبر الشبان من الشعراء هذا المعنى! فالدال من الحروف التي تُكْسِب القافية متانةً ورصانةً وجمالًا إذا تحركت بإحدى الحركات الثلاث، فإذا سكنت منحت القافية ثقلًا ثقيلًا، لا يقبله السمع، ولا يطمئن إليه الذوق، فانظر إلى قصيدة الحطيئة مطلعها:

ألا طرقتنا بعد ما هجعوا هند

واقرأ القصيدة إلى آخرها، فسترى أنَّ قافيتها من أمتن القوافي وأرصنها، ومثل ذلك يقال في مطولة طرفة:

لخولة أطلالٌ ببرقة ثَهْمَد

وفي مرثية دريد بن الصمة لأخيه:

أرث جديد الحبل من أم معبد

وفي قصيدة البحتري التي يمدح فيها المتوكل:

لج هذا الحبيب في الهجر جدَّا

ومن المظاهر المؤلمة لضعف الذوق الموسيقي عند الشاعر قصيدته «الأشباح الثلاثة»، فهي من جيد الشعر إذا نظرت إلى معناها وأغراضها وفلسفتها، أراد الشاعر أنْ يصور فيها أطوار الحياة من الطفولة والشباب والشيخوخة، فتراءى لنفسه طفلًا وشابًّا وشيخًا، وتحدث إلى نفسه في هذه الأطوار حديثًا كله حكمة وعظة، ولكنه اختار لها وزنًا قلما يقصد إليه الشعراء وهو البحر المتدارك، فاقرأ معي هذه الأبيات، فستلاحظ ما فيها من الضعف الموسيقي الذي يدعو إلى الضحك حين يجب الاعتبار، وستلاحظ في الوقت نفسه شيئًا من فساد النحو عند الشاعر يغنينا عن أنْ نضرب لك الأمثال مما في الديوان من خطأ لا يحتمل من شاعرٍ مجيد:

ما بالك منكمشًا كمدا
قم نلعب في فيء الشجر
ونهز الأغصن والعمدا
ونذود الطير عن الثمر
أو نصنع خيلًا من قصب
أو طيارات من ورق
ومدى وسيوفًا من خشب
ونجول ونركض في الطرق

فكل هذه الأفعال قد وقعت في جواب الأمر، ومن حقها أنْ تجزم، ولكن الشاعر لا يحفل بهذا الحق، وليته أعرض عنه إعراضًا تامًّا، فرفعها كلها، والتمس لنفسه علة عند أصحاب العلل من النحويين، ولكنه جزم حين استقام الوزن على الجزم، ورفع حين استقام الوزن على الرفع، فأخضع النحو للعروض، أو قُلْ: لم يحفل بالنحو لا بالعروض …!

فإذا أردت العبث الذي لا حدَّ له بالموسيقى الشعرية، فاقرأ قصيدة «المجنون»، فسترى أنها جنون كلها، وأراد الشاعر أنْ يتخذ لها الرجز وزنًا، وأن يلعب في قوافيها بعض اللعب، وأن يفرق بين كل جماعة من أبيات الرجز ببيتين من الهزج، وظاهر بعد ما بين هذين البحرين طولًا وقصرًا وهدوءًا واضطرابًا، ولكن الشاعر قد يكون عمد إلى ذلك عمدًا؛ ليحكي جنون المجانين! على أنك لا تستطيع أنْ تمضي في القصيدة حتى ترى الشاعر قد اختلط عليه الأمر بين الهزج ومجزوء الكامل، فأحدث هذا في القصيدة اضطرابًا لا حدَّ له، ومصدر هذا كله أنَّ الشاعر لا يحسن علم الألفاظ والأوزان، ولا يريد أنْ يحفل بالألفاظ والأوزان، وهو يريد مع ذلك أنْ يقول الشعر، ولست أدري كيف يستقيم هذا للعقل؟ ولكني حائر حقًّا في أمر هذا النحو من الشعر وهذا الفريق من الشعراء، قوم منحوا طبيعة خصبة، وملكات قوية، وخيالًا بعيد الآماد، وهم مهيئون ليكونوا شعراء مجودين، ولكنهم لم يستكملوا أدوات الشعر، فجهلوا اللغة أو تجاهلوها، ثم اتخذوا هذا الجهل مذهبًا، فأصبحنا من أمرهم في شكٍّ مريب، لا نستبيح لأنفسنا أنْ نغري الناس بقراءتهم؛ لأنا إنْ فعلنا أغريناهم بالخطأ، ورغبناهم فيه، ودفعناهم إلى ما هم مدفوعون إليه بطبعهم من الكسل والقصور والتقصير.

على أنَّ هذا النحو من الضعف لم يكن شائعًا مألوفًا في مصر، بل لم يكن شائعًا مألوفًا في بلاد الشرق العربي، ولكنه أقبل عليها من مهاجر السوريين في أمريكا، فتأثر به الشباب بعض الشيء في غير مصر، ثم أخذوا يتأثرون به في مصر نفسها، وما الذي يمنعهم أنْ يتأثروا به، وهو مريح لا يكلف تعبًا ولا عناء، وهو في الوقت نفسه يخيل إلى الشبان أنهم يقلدون الشعراء الغربيين، ويجددون في الأوزان والقوافي، ويخرجون على التقاليد، فيعنون بالمعاني دون الألفاظ!

ما أشد حاجة الأدب العربي إلى جماعة من النقاد، أشداء في الحق، حراص على سلامة هذه اللغة وحمايتها من الفساد الأجنبي! وما أثقل الحق الذي يجب أن ينهض به هؤلاء النقاد إنْ وجدوا! وما أشد ما يمضُّني من الحزن حين أرى هذا الفساد الأجنبي، يسعى في أدبنا المصري الحديث الذي كان إلى أعوامٍ قليلة بمأمنٍ من هذا الفساد!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤