صِراع في الظلام

انصرف «محب» و«نوسة»، وذهب «تختخ» و«عاطف» معًا، وعندما صعِدا إلى غُرفة «تختخ» وقَفا معًا في الشُّرفة يرقُبان ما يحدُث … كانت «الفيلَّا» التي وقَعَت فيها الجريمة ليست بعيدةً عن شُرفة غُرفة «تختخ»، وكان في إمكانهما — إذا انثنيا إلى الأمام — أن يرَيا جزءًا منها … وبعد ساعة كانت سيَّارات رجال الشرطة قد انصرفت، ولم يبقَ إلا الشاويش «فرقع» يحرس الباب.

ظلَّ الصديقان ساهرَين حتى منتصف الليل تقريبًا، ثم أوى كلٌّ منهما إلى فِراشه، فاستسلم «تختخ» للرُّقاد سريعًا، أما «عاطف» فظلَّ يتقلب وهو يتذكر «لوزة» التي سافرت وحدها … ويدعو الله أن تصل سالمةً إلى «بيروت» … وعندما نظر في ساعته وجدها الثانية صباحًا وهو لم يشعر برغبة في النوم، وقرَّر أن يخرج إلى الشُّرفة قليلًا … فقام على أطراف أصابعه حتى لا يُوقِظ «تختخ»، ثم فتح باب الشُّرفة برفقٍ شديد وخرج … وتذكَّر على الفور ما حدَث في «الفيلا» القريبة، فانثنى إلى الأمام يرقُبها … كانت غارقة في الظلام … وظلَّ يتأمَّلها لحظاتٍ وذِهنُه يدور حول المعلومات التي سمِعها من المفتِّش «سامي»، ثم دار ليدخل الغُرفة بعد أن أحسَّ بالنوم يُداعب جَفنَيه … ولكن في تلك اللحظة حدَث ما جعله يعود إلى مكانه … فقد رأى — أو خُيِّل إليه أنه رأى — ضوءًا في «الفيلا» … ضوءًا يتحرك بسرعة ثم يختفي … يتحرك ثم يختفي … وخُيِّل إليه أنه واهم … وفرَك عينَيه بشِدَّة ثم عاوَد النظر … وكان من مكانه العالي يستطيع أن يرى ما لا يراه من يقف أمام «الفيلا» … فدقَّق البصر لعلها تكون أضواء سيَّارات تنعكس على زجاج «الفيلا» الخلفي حيث كانت هناك بعض النوافذ «الكريتال»، ولم تكن أضواء سيَّارات مُطلَقًا … هل هناك غريب في «الفيلا»؟ هل هو من رجال الشرطة؟ ولكن إذا كان من رجال الشرطة، فلماذا يستخدم هذا الضوء الرفيع المتحرِّك؟ إن من المؤكَّد أن الضوء يصدُر من شيءٍ متحرِّك … بطَّارية في يد شخص يتحرَّك … فمن هو؟

وتوتَّرت أعصاب «عاطف»، وقرَّر أن ينزل ليرى … ولكن كيف يُمكِنه النزول وهو ليس في منزله؟! ليس أمامه إلا أن يوقظ «تختخ» ويُشرِكه في المسألة.

وهكذا دخل مُسرِعًا وأخذ يهزُّ «تختخ» ويُناديه ليستيقظ سريعًا قبل أن تفوت الفرصة ويختفيَ الضوء.

واستيقظ «تختخ» وجلس في الفِراش مدهوشًا، فقال «عاطف» بسرعة: «تختخ»، إني أرى ضوءًا يتحرك في «الفيلا» التي وقعت فيها الحادثة.

قال «تختخ»: ماذا؟ ضوءٌ يتحرك؟

عاطف: نعم … البس ثيابك بسرعة وهيَّا بنا!

كان «تختخ» قد استكمل يقظته فقام مُسرِعًا، وارتدى قميصًا وبنطلونًا وحذاءً خفيفًا مِثل «الكاوتشوك»، وأسرعا ينزلان، وقال «تختخ»: إذا كان هناك شخص في «الفيلا»، فكيف دخل والشاويش يحرسها؟

عاطف: لعله اعتدى على الشاويش!

تختخ: أو دخل من الباب الخلفي، فأكثر «الفيلات» لها أكثر من باب.

عاطف: إذن تعالَ ندخل من باب الحديقة.

وقفزا سور الحديقة الخلفي بسرعة، ثم اقتربا بهدوء … وكان استنتاجهما صحيحًا؛ فقد كان باب «الفيلا» الخلفي مفتوحًا … وتسلَّلا على أطراف أصابعهما إلى الداخل وهما يُرهِفان السمع لكل صوت … وكان الباب يؤدي إلى مطبخ «الفيلا» … ثم إلى دِهليزٍ طويل … وفي نهاية الدهليز كانت غُرفة الصالون، ومن بعيد … من نهاية الدهليز شاهَدا شبَحَين يتحركان وفي يد أحدهما بطارية يُطلِق ضوءها في دائرةٍ مُتحركة … وانسحبا إلى الخلف وقال «عاطف»: تعالَ نذهب إلى الشاويش «فرقع» ونُبلِغه بما حدَث؛ فقد يكونان مسلَّحين.

تختخ: أخشى أن يُحدِث بحذائه الثقيل صوتًا ينبِّه الشبَحَين، أو إذا خرَجنا أضَعنا الفرصة.

عاطف: إذن اذهب أنت إلى الشاويش … وسأبقی هنا لأرى ما يحدث.

وقبل أن يتحرك «تختخ» حدَث ما لم يكُن في الحُسبان؛ سمِعا صوت أقدام مُسرِعة في الدهليز … وعندما التفَتا كان الشبحان قد أصبحا أمامهما تمامًا … ثم امتدَّت ذِراع في لكمةٍ قوية أصابت وجه «عاطف» … فسقط على الأرض … وقبل أن تمتدَّ اليد الأخرى إلى وجه «تختخ» كان قد أطلَق ساقه في ركلةٍ قوية أصابت الشبح ثم انقضَّ على الآخر … وكان «عاطف» قد قام من سقطته واشتبك مع الرجل الآخر، والْتَحم الأربعة في صراعٍ قوي … وكان صوت اللَّكمات والرَّكلات يرتفع في الظلام … وفجأةً ارتفع في سكون الليل صوتُ صفَّارة … وأدرك الأربعة أن الشُّرطيَّ قد تحرَّك … وهكذا تحرَّك الشبحان سریعًا … واستطاعا أن يُنهِيا الصراع بإسقاط «تختخ» و«عاطف» على الأرض … ثم انطلقا جريًا في الظلام.

وسمِع الصديقان صوت أقدام تجري … وصوت الصفارة يدوِّي … ثم سمِعا طلقة رصاص ومحرِّكًا يدور … وسيارةً تبتعد …

وصل الشاويش إلى مدخل «الفيلا» والصديقان يخرجان، فرفع بندقيَّته، وطلب منهما أن يقفا حيث هما، وقال «تختخ»: إننا لسنا لِصَّين … لقد كنَّا نُحاول القبض على اللِّصَّين.

قال الشاويش في صوتٍ خَشِن: وما لكما وهذا؟

ردَّ تختخ: دعنا من هذا الحِوار یا شاويش وتصرَّفْ بسرعة.

قال الشاويش في سخط: إنك لن تعلِّمني عملي، تعالَيا معي إلى الداخل.

وأطاع الصديقان وهما ينفُضان ثيابهما، ويتحسَّسان مكان الإصابات التي حدَثت في أثناء الاشتباك، ثم قال «تختخ»: إن المفتِّش «سامي» سيهمُّه أن يعلم ما حدَث … فاتَّصل به یا شاويش «علي» فورًا.

وقف الشاويش مُترددًا لحظةً ثم رفع سمَّاعة التليفون، واتَّصل بالمفتش «سامي» وروى له تفاصيل ما حدَث … وطلب المفتش الحديث إلى «تختخ»، وسمع منه كل ما حدث، ثم قال: سأحضر فورًا فلا تنصرفا.

اطمأنَّ الشاويش إلى أنه أدَّى واجبه، وقال لهما إنه كان يقف أمام باب «الفيلا» عندما خُيِّل إليه أنه يسمع أصواتًا تصدُر من داخلها، فأخذ يستمع، وعندما تأكَّد من صِدق الأصوات أطلق صفارته، وعندما اقترب من الباب الخلفي كان اللصَّان يجریان فجرى خلفهما، ولكنهما كانا يسبقانه بمسافةٍ طويلة، وكانت هناك سيَّارةٌ دائرة في انتظارهما فانطلقا بها … وقد أطلق الرَّصاص على السيارة، ولكنه ليس مُتأكدًا أنه أصاب أحدًا.

أخذ الصديقان يتجوَّلان في «الفيلا» … كان السؤال الذي يدور في ذهنهما هو: عن أيِّ شيءٍ كان الرَّجلان يبحثان في «الفيلا»؟ وهل لهما علاقة بالجريمة التي وقَعت مساءً؟

ظلَّا يدوران داخل «الفيلا» بدون أن يصلا إلى إجابة … وبعد نصف ساعة تقريبًا انضمَّ إليهما المفتش «سامي»، وأخذ الثلاثة يبحثون معًا عن إجابة عن السؤالين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤