ماذا فعلت «نوسة»

ومرةً أخرى أخذوا طريقهم إلى المعادي … وبعد نحو ساعة كانوا مع «نوسة» … وقدَّم لها «تختخ» مفاجأةً ظريفة … فقد اشترى لها كوبًا من الجيلاتي من «الأمريكين». وسعِدت «نوسة» كثيرًا، وشكرت «تختخ» … وعندما سألوها عن الطائر قالت في صوتٍ حزين: للأسف فقد أرسل المفتش «سامي» أحد رجاله فأخذه.

قال «عاطف» مُتضايقًا: أخذه؟!

نوسة: نعم … ولكني حصلت منه على بعض كلمات أخرى.

وأخرجت «نوسة» من جيبها ورقةً أخذت تقرأ ما بها: الساعة … منتصف الليل … ثلاث مرَّات … الضوء.

تختخ: وهل أخبرت الرجل الذي أرسله المفتش أننا عرَفنا حقيقة هذا الطائر؟

نوسة: لا، لم أقُل له شيئًا.

تختخ: يجب إذن الاتصال به، وإخباره بما وصَلنا إليه من معلومات عن طريق طائر «الماي ناه» … إنها معلومات على جانبٍ كبير من الأهمية بالنسبة لرجل الأمن.

وأحضر «تختخ» التليفون، وتحدَّث مع المفتش قائلًا: لقد وصَلنا إلى معلومات على جانبٍ كبير من الأهمية عن طريق الطائر.

واستمع «تختخ» لحظاتٍ ثم قال: نعم الطائر الهندي الذي كان في منزل الجاسوس. إنه طائرٌ يتحدث … ألمْ تعرف ذلك بعد؟

وكان الأصدقاء الثلاثة ينظرون إلى «تختخ» وهو يتحدث، وسمِعوه يقول: نعم الطائر الذي حضر أحد رجالك وأخذه من «نوسة»، منذ ساعة تقريبًا.

واستمع «تختخ» قليلًا، ولاحَظ الأصدقاء أن لون وجهه قد تغيَّر وصاح: غير معقول …

ثم استمع قليلًا وقال: نحن في انتظارك. ثم وضع السماعة، والتفت إلى الأصدقاء وقال: هل تعرفون ماذا حدث؟! إن الرجل الذي حضر وأخذ الطائر ليس من رجال الشرطة على الإطلاق!

ارتاعت «نوسة» وقالت بصوتٍ يرتعش: ليس من رجال المباحث؟! إذن من هو؟

قال «محب» وهو ينظر إليها في ضِيق: من الجواسيس طبعًا!

نوسة: ولكن! ولكن!

محب: لا لكن ولا غيره … لقد خُدعت ببساطة، ووضعتِ بين يدَي الجواسيس الشيء الذي كانوا يبحثون عنه، وعلى استعداد للموت في سبيله …

وخيَّم الصمت للحظات ثم قال «تختخ»: لا داعيَ لأن نُزعج أنفُسنا كثيرًا … ولا داعيَ لتوجيه اللوم إلى «نوسة» بهذه الصورة، لقد حصلنا من الطائر على المعلومات التي يعرفها.

وقال «عاطف»: ولعلهم لن يعرفوا كيف يحصلون على المعلومات.

قالت «نوسة» وهي تحني رأسها: إني آسفة جدًّا! فعلًا أنا خُدعت، ولعلِّي أكون أكثر حذرًا في المرَّات القادمة.

تختخ: هل كان الطائر يتحدث طول الوقت؟

نوسة: لا … إنه يتحدث أحيانًا بكلام عن الطعام، ويصفِّر أحيانًا … ولكن المعلومات التي حصلت عليها منه كان يقولها كلما دقَّ جرس التليفون، وسمع كلمة «ألو».

محب: إذا لم يكتشف الجواسيس ارتباط رنين التليفون وكلمة «ألو» بالمعلومات التي يردِّدها الطائر، فقد لا يحصلون على شيء.

كان «تختخ» مُستغرقًا في التفكير، وفجأةً قال: هناك سؤالٌ هام … كيف عرف الجواسيس مكان الطائر؟

فكَّرت «نوسة» قليلًا ثم قالت: أعتقد أنهم يُراقبوننا. وقد لاحظت أن عددًا من الجيران كانوا يتفرجون عليَّ وأنا أجلس معه في الحديقة … ولعلَّ واحدًا من الجواسيس أو أكثر يسكن قريبًا منا.

تختخ: هذا ما خطر ببالي، إننا مُراقَبون. فكيف نستفيد من هذه الرقابة للكشف عن مكان الجواسيس؟

استغرق الأربعة في التفكير، وبعد فترة سمِعوا سيارةً تقف، وبابًا ينصفق، ثم ظهر المفتش «سامي» بوجهه الحادِّ المَلامح، ووقفوا جميعًا احترامًا له، فسحب كرسيًّا وجلس، وطلب منهم أن يُخبروه بما حدث بالتفصيل وبالمعلومات التي حصَلوا عليها من طائر «الماي ناه» … وتولَّى «تختخ» شرح كل ما يتعلق بالموضوع، ثم شرحت «نوسة» الطريقة التي حصَلت بها على المعلومات من الطائر …

وأخرج المفتش ورقة وقلمًا، وكتب الكلمات التي نطق بها الطائر، ثم قال «تختخ»: إننا كما ترى مُراقَبون يا سيادة المفتش … ألا يمكن الاستفادة من هذه الرقابة للإيقاع بالجواسيس؟

المفتش: إن الجواسيس عادةً من أدهى وأذكى الناس … ومن الصعب عليكم خِداعهم … ولكني سأفكِّر في خُطَّة مُناسبة، وسأبثُّ رجالي في المَنازل المُجاورة لعلَّهم يصِلون إلى تحديد مكان الجواسيس.

تختخ: يهمُّنا يا سيادة المفتش أن تقول لنا تصوُّرك لهذه الأحداث كلها؛ فقد أصبحنا جزءًا منها …

المفتش: لقد وصَلنا في الإدارة عندنا إلى تصوُّر للموضوع كله … فهذا الجاسوس — الذي قضى عليه زملاؤه — كان يقوم بجمع المعلومات والصور بنفسه، وربما أيضًا بواسطة عُملاء له … وربما كان طمَّاعًا يريد نقودًا كثيرة، وربما يطلب شيئًا آخر من رئيس الشبكة … وربما — وهو الأرجح — أن شبكة الجواسيس أحسَّت أننا نُراقِب هذا الجاسوس فقضَوا عليه قبل أن نصِل إليهم عن طريقه … ولعله كان يُخفي عنهم بعض المعلومات، وظنُّوا أن الطائر يعرفها فحاولوا الحصول عليه.

محب: وما هو تفسيرك للكلمات التي نطق بها الطائر؟

المفتش: هذه الكلمات ستخضع لتحليلٍ دقیق في الإدارة، وسوف أُخطِركم بما نصِل إليه من معلومات.

نوسة: والمفاتيح و«الكاميرا» الصغيرة التي وقَعت من الجواسيس … هل وصَلتم إلى شيء بخصوصها؟

المفتش: بالنسبة لما وجدناه على الفيلم الذي في «الكاميرا» فإني لا أستطيع بحُكم عملي أن أُخبركم بأي شيء منه … ولكن يهمُّني أن تعرفوا أن أسرارًا في غاية الأهمية قد استطاع هؤلاء الجواسيس الحصول عليها … ولحُسن الحظ أنْ وقَع هذا الفيلم في أيدينا … ويهمُّني أيضًا أن تَعلَموا أن أي عمل تقومون به الآن فيه خدمة للوطن، فخذوا حِذركم؛ فإن أعداءكم في غاية الدهاء والبطش.

وقام المفتش مُستأذنًا، وترك الأصدقاء الأربعة وقد أحسُّوا أن واجبًا وطنيًّا يُناديهم، وأن عملًا شاقًّا وخطيرًا ينتظرهم …

جلس «تختخ» في الحديقة وحيدًا يفكِّر في «نوسة» … هذه الفتاة الذكيَّة التي أدَّت عملًا باهرًا باكتشافها حقيقة طائر «الماي ناه»، ثم ارتكبت خطأً فظيعًا عندما سلَّمت الطائر وما يعرفه من معلومات إلى الجواسيس … كان يشعر بالخوف عليها؛ فقد يلجأ الجواسيس إلى خطفها إذا لم يحصلوا على المعلومات اللازمة من الطائر، ولكن تفكيره لم يَطُل؛ فقد دخل عليه «عاطف» وقال: ما لك يا «تختخ»؟

تختخ: لا شيء … فقط أفكِّر في خُطَّة للإيقاع بالجواسيس.

عاطف: لا أظنُّ أننا سنراهم بعد الآن … لقد فعلوا ما يريدون، قضَوا على الخيط الذي كان يمكن أن يؤدِّيَ إليهم، وقتلوا الجاسوس الذي كانت المباحث تُتابعه … ثم حصلوا على ما يريدون عندما استولَوا ببساطة على طائر «الماي ناه» من صديقتنا الذكيَّة «نوسة»!

أسرع «تختخ» يقول: ليس الذنب ذنبها … المهمُّ أنها الآن في خطر.

عاطف: أي خطر؟

تختخ: خطر خطفها.

عاطف: لنُراقبها جيدًا … ولكن قُل لي، ما هي خطتك؟

تختخ: إن عندنا معلوماتٍ تمكِّننا من متابعة الجواسيس من ناحية … وعندنا إمكانيةٌ أن نجذب انتباه الجواسيس إلينا ثم نُوقِع بهم.

عاطف: إنك مُتفائل جدًّا … ما هي المعلومات التي تمكِّننا من كل هذا؟

تختخ: عندنا كلمات الطائر … لقد قال لنا عن مكان هو الهرم. وعن زمان هو منتصف الليل، وعن إشارة هي ثلاث إشارات ضوئية … أليس هذا كافيًا لمتابعة رجال العصابة؟

سكت «عاطف» وهو يفكِّر في هذا الترتيب المعقول لكلمات الطائر، ثم قال: تقصد أن نذهب نحن إلى الهرم في منتصف الليل، ونرى هذه الإشارات؟

تختخ: نعم … أقصد هذا.

عاطف: معقول جدًّا … ولكن يبقى شيءٌ مهم … لعل هذه المعلومات كانت تُفيد قبل القضاء على الجواسيس.

تختخ: بالعكس، إنها تُفيد الآن أيضًا … بدلیل اهتمام بقيَّة الجواسيس بالحصول على طائر «الماي ناه» …

عاطف: ثم ما هو اليوم الذي ستأتي فيه هذه الإشارات؟

تختخ: نستطيع أن نُراقب طَوال ليالي الأسبوع … إن المطلوب منَّا أن نتواجد لمدة نصف ساعة أو ساعة على الأكثر في الهرم … والجوُّ مُناسب.

عاطف: إنك تفكِّر كأعظم ضابط مخابرات في العالم … تُرى ما هو سبب هذا الإلهام الذي هبط عليك فجأةً الآن؟

ابتسم «تختخ» قائلًا: ليس مهمًّا أن تعرف مصدر الإلهام … المهم، أليس ما أقوله معقولًا؟

عاطف: في الحقيقة معقول جدًّا.

تختخ: هل نبدأ من الليلة؟

عاطف: طبعًا … ما دُمنا نخدم الوطن فإنا على استعداد للذهاب إلى آخر الدنيا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤