مفاجآت

عندما هَبط الظلام على المعادي ذلك المساء … كان الأولاد الثلاثة يجلسون في «الكازينو» يتحدثون، وكان ضِمن الخطة التي وضعوها أن يتظاهروا بأنهم تخلَّوا عن المغامرة. وفي تلك الأثناء كانت «نوسة» تجلس وحيدةً، وتضايقت من الجلوس، فخرجت إلى شُرفة «الفيلا»، وخُيِّل إليها أنها تسمع صوتًا قريبًا منها … صوتًا تعرفه … صوت طائر «الماي ناه»، فنزلت سريعًا إلى الشارع … وكان الظلام قد هبط. أخذت تُنصِت في اهتمام، ثم اتَّجهت بدون أن تدريَ إلى مصدر الصوت. كان هناك أرضٌ واسعةٌ خلف منزلهم قد تكاثَفت الأعشاب على جوانبها … وكان الصوت يصدُر منها … ودُهشت «نوسة» … هل الطائر قد هرب وعرف مكانه الأول وعاد إليه؟! لقد اهتزت لسماع الصوت فلم تأخذ جانب الحذر … هكذا لم تكَد تصِل إلى حافة الأرض وتقف مُنصتةً حتى امتدَّت إليها أربع أيدٍ قوية أغلقت فمها، ثم جرَّتها سريعًا إلى سيارةٍ انطلقت مُسرعةً … وبعد فترة وجدت نفسها في كوخٍ خشبيٍّ مُضاء بلمبة غاز، وعرفت مصدر الصوت عندما وجدت أحد الخاطفين يحمل جهاز تسجيل ترانزستور، يصدُر منه صوت الطائر الأسود … وكان يتحدث عن أشياء كثيرة … ليس بينها الكلمات الهامة التي سمِعتها منه … وتأكَّدت «نوسة» أن السر الكبير ما زال مِلكًا لها ولأصدقائها، وأن الجواسيس لا يعلمون عنه شيئًا.

أجلَسها أحد الرجال على كنبةٍ قديمة … ولاحظت أن صاحب الكوخ الخشبي — وهو فلَّاحٌ عجوز — مُلقًى على الأرض مكمَّمًا ومُوثَق اليدَين والقدمَين.

قال أحد الرجال مهدِّدًا: ستتكلَّمين حالًا وتقولين لنا ما قاله لك الطائر … ليس هناك وقت فتكلَّمي فورًا!

ظلَّت «نوسة» صامتة، فعاد الرجل يقول: لا تُفکري أن أحدًا سيُنقِذك … لقد استمعنا إلى خطتكم عن طريق جهاز لاسلكي دقيق وضعناه في حديقتك أمس ليلًا … وللأسف إنكم لم تتحدثوا عن الكلمات السِّرية، وإلا لما خطفناكِ … فتحدَّثي الآن … فلن يُنقِذك أحد … وحصار الشرطة لم يبدأ بعد … وأصدقاؤك بعيدون عنك.

لم تردَّ «نوسة»، فقال الرجل لزميله باللغة الإنجليزية: إننا لن نستطيع أن نقتلها؛ فهي مُهمَّة جدًّا … وهذا الطائر اللعين لا يريد أن يقول لنا ما عنده!

وفكَّرت «نوسة» أنهم لو كانوا وضعوا الطائر بجوار جهاز تليفون، وسمِع الجرس، لقال لهم كل شيء … ولكن هكذا أصبحت هي الوحيدة التي تعرف كيف تجعله يتحدث بالكلمات الهامة التي ينطقها بعد سماعه جرس التليفون.

كان الرجل الآخر يقول: هل نُعذِّبها؟

رد الأول: أفضِّل أن نأخذها معنا إلى الزعيم … وهو حُر التصرف … فنحن قريبون من حِصار الشرطة … وقد يفتِّشون عنها بعد قليل ويصِلون إليها.

الثاني: ولكن كيف نمرُّ بها في الشارع؟ ربَّما عرفوا خطفها، ويفتِّشون السيارات.

الأول: سنمضي بها عبر النيل؛ فنحن قريبون منه، ولا أظنُّهم سيفكِّرون في حِصاره.

خرجا بها من الكوخ … وكان الظلام قد تكاثف … وبعد أن مرُّوا بالأرض المزروعة وصلوا إلى النيل، حيث كان يوجد زَورقٌ مُختفٍ تحت الأشجار الطويلة … كانت «نوسة» مُستسلِمةً صامتة؛ فقد كان أحد الرجُلَين يحمل مسدَّسًا ضخمًا، ويبدو من وجهه الصارم أنه على استعداد لاستعماله في أي لحظة.

وفي تلك الأثناء كان الأصدقاء الثلاثة قد أتمُّوا تجهيز الخطة التي تصوَّروا أنها ستجذب الجواسيس إلى «الفيلا» … وكان المفتش «سامي» ينتظر مكالمة منهم، فقال «تختخ»: والآن نتَّصل بالمفتش!

وأسرع إلى التليفون واتَّصل بالمفتش، ثم أسرع الثلاثة إلى منزل «نوسة»، وصعِد «محب» إليها لتنزل في الوقت المُناسب … وكانت أول مفاجآت الليلة أنه لم يجدها في غُرفتها، وبحثَ في بقيَّة الغُرَف فلم يجدها … ولم يكن والداه في المنزل في تلك الساعة، فأسرع نازلًا … وعندما اجتمع الثلاثة معًا … أدركوا أن شيئًا غير عادي قد حدَث ﻟ «نوسة»!

قال «عاطف»: هل خطفوها؟

تختخ: لا أدري. ولكن كيف؟ لقد طلبنا منها ألا تتحرك!

محب: وماذا نفعل؟

عاطف: ننتظر وصول المفتش … إن المسألة أصبحت أخطر من أن نُعالجها وحدنا.

تختخ: ولكن حتى حضور المفتش سيكون وقتٌ هام قد ضاع … لا بد أن نتصرف بسرعة.

عاطف: إنهم دُهاة حقًّا هؤلاء الجواسيس، نحن نضع الخطط وهم يسبقوننا في كل مرة.

محب: المهم الآن، ماذا نفعل؟

تختخ: هناك حلٌّ واحد!

محب: ما هو؟

تختخ: أن نذهب فورًا إلى الهرم … إن الهرم هو المنطقة التي تدور فيما أهم الأحداث … وهناك رجال للمفتش «سامي» يُراقبون كل شيء.

عاطف: لقد آن الأوان لأن يتدخل «زنجر» في المغامرة … إنه يعرف رائحة «نوسة» جيدًا، ولو أخذناه معنا فسيكون مُفيدًا جدًّا.

محب: المهم أن نتَّصل بالمفتش «سامي».

تختخ: تعالَوا نذهب لإحضار «زنجر» من منزلنا أولًا، ومن هناك نُعاود الاتصال بالمفتش «سامي»، فإذا وجدناه قد غادَر مكتبه نترك له رسالة في المكتب، ونترك له رسالة في منزلنا أيضًا.

وأسرعوا إلى منزل «تختخ» لإحضار «زنجر»، وما كادوا يقتربون من المنزل حتى وجدوا شحَّاذًا يتعرَّض لهم، فتضايَقوا؛ فلم يكُن عندهم وقت يُضيعونه … ولكن الشحَّاذ كان مُلحًّا، فتوقَّف «تختخ» ليُعطيَه قرشًا، وفجأةً قال الرجل: إننا قد وصَلنا … المفتش «سامي» ورجاله قريبون من هنا.

وفكَّر «تختخ» قليلًا، قد يكون هذا الرجل من العصابة، ولكن لم يكن عنده وقت للبحث، فقال: أسرِع إلى المفتش «سامي» وقُل له إن «نوسة» قد خُطفت، وإننا نريد سيارةً تذهب بنا فورًا إلى الهرم … إننا نعتقد أنهم نقلوها إلى هناك.

قال الرجل: انتظِروني وسأعود إليكم فورًا.

كان «تختخ» قد أحضر «زنجر» من الحديقة، ووقف أمام الباب، ولم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى اقتربت منهم سيارة ثم توقَّفت، ونظر الأولاد داخلها، وشاهَدوا رجل الشرطة المتنكِّر، فقفزوا إليها، ومضت السيارة مُنطلقةً كالسهم، وبعد أقل من ساعةٍ كانوا يُشرِفون على منطقة الأهرام … وعندما توقَّفت السيارة بهم نزلوا … لم تكُن في أذهانهم خطةٌ معيَّنة، فقرَّروا أن يعتمدوا على «زنجر» أولًا.

وقال «تختخ» للكلب الذكي: إننا نبحث عن «نوسة» … «نوسة»، هل تفهم يا «زنجر»؟ وقف الكلب رافعًا رأسه في الفضاء يتشمَّم حوله … ومضى يمشي ويدور وهم واقفون ينتظرون ما يفعل … ولكنه عاد إليهم مُنكَّس الرأس … فقال «محب»: إننا نضحك على أنفُسنا … كيف نتصور أن يتمكن «زنجر» من العثور عليها في منطقةٍ واسعة كهذه المنطقة؟ إننا كمن يطلب منه أن يشمَّ أثر عُصفور صغير في الصحراء الكبرى.

وقفوا يتناقشون في عصبية … ثم ظهر المفتش ومعه بعض رجاله … وروى «تختخ» بسرعةٍ كل ما حدَث … فقال المفتش: الأمل الوحيد أن تقول لهم «نوسة» على الكلمات الخاصة بالهرم، وعن منتصف الليل، فيحضُروا وتكون فرصتنا.

وكانت «نوسة» الذكيَّة قد قالت المطلوب تمامًا.

فعندما وجدت نفسها في مَقرِّ الزعيم أدركت أن الفرصة الوحيدة لإيقاع الجواسيس في الفخ هي أن تقول لهم على الهرم والإشارات الضوئية، فيذهبوا إلى هناك … وتمنَّت أن يكون الأصدقاء قد فكَّروا في الشيء نفسه، وأن يكونوا قد حضروا مع المفتش «سامي» إلى الهرم بعد أن يكتشفوا غيابها.

كان الجواسيس قد أجلسوها في دائرةِ ضوءٍ شديد، على حين وقف الزعيم في الظلام يتحدث فلم تستطع رؤيته، ولم تقُل «نوسة» أكثر من بضع كلمات … الكلمات التي تؤدِّي بالجواسيس إلى الهرم … ولم تقُل أكثر من هذا.

ولكن الزعيم كان أذكى مما تصوَّرت بكثير … فقد سمِعته يقول لرجاله: إن المفتش ورجاله يعرفون الآن هذه المعلومات أيضًا … ومن المؤكَّد أنهم سينتظروننا هناك … إننا لو ذهبنا إلى الهرم مرةً أخرى فسنقع في أيديهم. لقد كنت أرجو أن أحصل من هذه الفتاة على المعلومات التي نصل بها إلى العميل، ولكن سلامتنا أصبحت أهم من كل شيء.

أحسَّت «نوسة» بقلبها يسقط في قدمَيها عندما سمِعت هذا الكلام … لقد اتَّضح لها أن هذا الرجل أذكى مما تصوَّرت بكثير … إنه يُفلِت من كل فخ بذكائه … وأدركت أنها في مَوقفٍ خطير …

قال الزعيم: إنني سأخرج الآن للعمل … وخطوتنا القادمة أن نجهِّز أنفُسنا للسفر فورًا حسب الخطة … لم يبقَ لنا بقاء في مصر؛ فسوف يصل إلينا رجال الأمن، فهم خَلْفنا … جهِّزوا حاجيَّاتنا، والحقوا بي هناك.

قال أحد الرجال: وهذه الفتاة؟!

الزعيم: اربطوها جيدًا وكمِّموها واتركوها هنا … إما أن يعثروا عليها في الوقت المُناسب … وإما …

وخرج الزعيم بدون أن يُتمَّ جُملته … ولكن «نوسة» فهمت كل شيء … سوف يتركونها في هذا المكان لتموت.

خرج الزعيم … وأحسَّت «نوسة» بالأيدي تُحيط بها وتربطها، وانطفأت الأضواء، وسمِعت الرجال في الغُرفة الأخرى يجمعون أشياءهم … وأدركت أن كل شيء قد انتهى …

في هذه الأثناء كان رجال المفتش «سامي» قد وزَّعوا أنفُسهم حول الأهرامات الثلاثة … على حين جلس الأصدقاء صامتين، ومن بعيدٍ كانت ثَمَّة قطعةٌ موسيقية تنساب في الظلام، موسيقى راقصة … كان «عاطف» يستمع إليها، وفجأةً قفز واقفًا وصاح: موسیقی! الموسيقى!

وقف «محب» و«تختخ» في ذهول، وقال «تختخ» في دهشة: ماذا حدث لك؟ ألمْ تسمع موسيقى من قبل؟

عاطف: موسيقى … لقد عرفت السر … إنني أعرف زعيم الجواسيس!

محب: هل جُنِنت؟ ما دخل الموسيقى بزعيم الجواسيس؟

عاطف: هل تذكُر يا «محب» فِرقة «فلاينج فش Flying Fish»؛ أي السَّمكة الطائرة؟

محب: أذكُرها … فعندما حضرت منذ ثلاثة شهور حضَرنا أول حفلة صباحية لها في النادي، ثم قرأت أن الفِرقة تعاقَدت بعد ذلك للعمل في مَلهى «الضوء الذهبي».

عاطف: هيَّا حالًا إلى الملهى.

محب: لماذا؟

عاطف: لا تسألني الآن … هيَّا بنا.

وقفز الثلاثة ومعهم «زنجر» إلى السيارة التي انطلقت بهم إلى طريق الإسكندرية الصحراوي، حيث يقع الملهی قریبًا من حيث يجلسون. ووقفت السيارة، ودخل معهم رجل الشرطة إلى الملهى … كان «تختخ» في دهشة؛ فقد كان «عاطف» يبدو ككلب صيد عَثر على فريسة … ودخلوا الملهى، وكانت فِرقة «فلاينج فش» تؤدِّي أغانيَها الراقصة … ولم يكَد «عاطف» يرى أعضاء الفِرقة حتى أمسك بذِراع «محب» بقوةٍ آلَمَته وقال: لقد وجدته … كان في إمكاني أن أعرفه منذ ليلة أمس في الهرم … اذهب فورًا بالسيارة إلى المفتش وأحضِره هو ورجاله، ودَعهم يُحيطون بالملهى …

خرج «محب» مُسرِعًا وركِب السيارة بعد أن ترك الكلب لعل الصديقَين يحتاجان إليه … وفي داخل الملهى كانت الفِرقة تؤدِّي نمرتها بمهارة وتنتزع التصفيق … وبعد بضع دقائق انتهت من العزف … وظلَّ التصفيق يدوِّي طويلًا حتى تعزف الفِرقة مزيدًا من موسيقاها، واشترك «تختخ» و«عاطف» في التصفيق … فقد كانا يتمنَّيان أن تستمرَّ الفِرقة أطول وقت لحين وصول رجال المفتش «سامي» …

ولكن الفِرقة غادرت مكانها … ولاحَظ «عاطف» أنهم يُسرِعون أكثر من اللازم، فمال على «تختخ» قائلًا: لقد لمحونا … لا بد أن أحدًا أخطرهم بوجودنا … تعالَ بسرعة!

وانسحب الصديقان مُسرِعَين … ثم أسرعا إلى حيث يقف الكلب ووقفوا ينتظرون … وكما توقَّع «عاطف» خرج أعضاء الفرقة مُسرِعين ليُغادروا الملهى … وصاح «عاطف»: هذا هو الرجل!

وأشار «عاطف» إلى رجلٍ يلبس نظَّارةً سوداء.

ثم انطلق مع «تختخ» والكلب إلى الرجال الخمسة، وكان عددٌ من رُوَّاد الملهى يُغادرونه وآخرون يدخلون … كما يقف بعض مُنادي السيارات وأحد رجال الشرطة، فصاح «عاطف»: اقبِضوا على هؤلاء الرجال … إنهم جواسيس!

توقَّف الرُّوَّاد … ولم يصدِّق أحدٌ كلام «عاطف»، وكان الرجال يهمُّون بركوب سيارتهم، فانقضَّ الولدان والكلب عليهم … وكان الزعيم ذو النظَّارة السوداء أسرعهم، فقد غادَر السيارة، وانطلق في الظلام … وترك «تختخ» «عاطف» وبقيَّة الناس الذين تجمَّعوا حول السيارة ليعرفوا ما يحدُث، وانطلق هو خلف الزعيم … وكان الرجل سريعًا كالغزال، ولكن «تختخ» برغم سِمنته انطلق خلفه كالسهم … ثم تذكَّر مسدَّس الصوت، فأخرجه من جيبه وأخذ يُطلِقه مُحدِثًا أكبر ضجَّة مُمكِنة للَفْت الأنظار إليه …

التفت الرجل فجأةً إلى «تختخ» وانقضَّ عليه … ودارت معركةٌ رهيبة … كان الرجل قويًّا، فضرب «تختخ» لكمةً أسقطته على الأرض، ثم حاوَل إخراج مسدَّسه، ولكن «تختخ» انقضَّ عليه ليشلَّ حركته … ومرةً أخرى استطاع الرجل أن يقذف «تختخ» بعيدًا … وأخذ مسدَّسه ورفع يده ليصوِّب طلقة … ولكن في هذه اللحظة انطلقت رصاصةٌ مدوِّية أصابت يده … وظهر المفتش «سامي» يقول: لا داعيَ للاستمرار أيها الجاسوس … إنك مُحاط برجالي!

وسقطت الأضواء الكاشفة على وجهه … وقام «تختخ»، ثم مدَّ يده إلى نظَّارة الجاسوس فرفعها، وقال: عين السَّمكة!

•••

عندما اجتمع المفتش مع الأصدقاء في صباح اليوم التالي في حديقة المنزل … كانت «نوسة» تبتسم وهي تتذكر «تختخ» عندما دخل مع رجال الأمن وفكُّوا وثاقها … لقد كانت بالنسبة لها ذِكرى لا تُنسى … أما المفتش فقد كان يحمل إلى الأصدقاء تحيَّات وتقدير الدولة لدورهم في كشف شبكة الجواسيس … بالقرب منهم جلس «زنجر».

وعلى مائدةٍ صغيرةٍ كان طائر «الماي ناه» في قفصه يتحدث.

قال المفتش: لقد وقعوا جميعًا واعترفوا بكل شيء …

تختخ: وهل عرفتم كل شيء عنهم؟ معنى الكلمات التي يقولها الطائر؟

المفتش: طبعًا … لقد كان الجاسوس الذي قتلوه هو المسئول عن جمع المعلومات، وله عميلٌ يتَّصل به عن طريق الإشارات الضوئية في الهرم … وكانوا يريدون منه أن يعرفوا هذا العميل، ولكنه رفض … ثم أحسُّوا أنه مُراقَب منا … وأننا عن طریقه نستطيع الوصول إليهم، فقتلوه في الوقت المُناسب، وقد وقَع العميل في يدنا ليلة أمس … لقد ذهب إلى الهرم وأطلق إشاراته الضوئية … وكنا في انتظاره.

وصمت المفتش قليلًا ثم قال: والآن قُل لنا یا «عاطف»، كيف عرفت عين السَّمكة؟

عاطف: كانت البداية عندما ذهبنا إلى سوق السمك لنتفرَّج على السمك … لقد قُلنا يومها إن عين السَّمكة عين لا تُغلَق لأنها بلا أجفان، لها نظرةٌ ميتة … ثم كانت ليلة أول أمس عندما اشتبكنا معهم عند الهرم الأصغر … فقد وقَع ضوءٌ سريع على وجه الزعيم … ورأيته. كانت في عينَيه نظرةٌ ساكنةٌ ميتة … منذ تلك اللحظة أحسست أني رأيته من قبل … كانت صورته تلمع في ذِهني ثم تختفي … وأمس ليلًا سمعت الموسيقى وتذكَّرت كل شيء … لقد شاهَدنا هذا الرجل عن قُرب في المَلهى، وتذكَّرت النظرة نفسها … إنها نظرة سمكة ميتة … ذلك أنه فيما يبدو قد أُصيبَ بحروق في وجهه أدَّت إلى احتراق جَفنَيه، وهكذا تبدو عيناه مفتوحتين … عين السَّمكة … بلا أهداب ولا أجفان …

نوسة: إن هذا ما يُسمُّونه في علم النفس التذكُّر بالترابط؛ فقد ربطت بين عدة أشياء أدَّت إلى هذه النتيجة.

قام المفتش ومدَّ يده يسلِّم عليهم وهو يبتسم لهم … فقد أثبت المغامرون الخمسة أنهم أذكياء … وقدَّموا خدمة للوطن لا تُقدَّر بمال.

وفي هذه اللحظة دقَّ جرس التليفون القريب منهم، فانطلق طائر «الماي ناه» يصيح: الهرم … الإشارات الثلاث … عين السَّمكة … وابتسموا جميعًا.

وقامت «نوسة» لتكتب خطابًا إلى «لوزة» بكلِّ ما حدَث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤