محاولات للاستنتاج

نظر الجميع إلى «تختخ» في انتظار أن يفسر موقفه … كيف استنتج أنَّ «عاطف» هو الذي دبَّر المقلب … ولكن قبل أن يتحدث «تختخ» قالت «نوسة»: ألا ترى أولًا موضوع المقلب؟ لقد قال لنا «عاطف» تليفونيًّا إنَّ هناك كذبة ظريفة، ولكن لم يُحدِّثنا عن هذه الكذبة أو هذا المقلب.

مدَّ «تختخ» يده إلى «محب» باللفَّة قائلًا: هذا هو المقلب!

أخذ «محب» يفتح اللفة والأنظار كلُّها مُعلَّقة بيديه، حتى ظهرت فردة الحذاء القديمة …

وضحك الجميع … حتى «تختخ» عاودته رغبة الضحك على كذبة أبريل المصنوعة من الجلد والمسامير والدوبار، ولاحظ في ضوء النهار أن فردة الحذاء من النوع الجيد حقًّا وأنها ممتازة الصنع، وأخذ الجميع يتبادلون الفردة وقال «محب»: من الواضح أنها لم تُستخدم منذ زمن طويل، وأنها نظيفة وجافَّة وليس لها أيُّ رائحة.

نوسة: وهي صناعة الخارج.

ونظرت جيدًا في داخل الحذاء ثم قالت: إنها ماركة «بالي» المشهورة، وإن حذاءً من هذا النوع يساوي من سبعين إلى مائة جنيه هذه الأيام!

لوزة: معنى ذلك أن صاحبه ثريٌّ!

تختخ: بالطبع.

محب: ولكن مهما كان ثريًّا … لماذا يُضحِّي بها ويرسلها إليك؟

ساد الصمت بعد هذه الجملة، وقال «عاطف»: أظن أنني لست من الثراء بحيث أضحِّي بفردة حذاء بهذا الثمن!

لوزة: إنها ليست مقاسك على كل حال … ما مقاسها يا «نوسة»؟ عادت «نوسة» تنظر إلى الحذاء من الداخل والخارج ثم قالت: إنها مقاس «٤٣».

تختخ: معنى هذا أن صاحبها رجل طويل القامة.

لوزة: وهو أجنبيٌّ في الغالب.

تختخ: إذن أمامنا فردة حذاء مقاس «٤٣»، صاحبها طويل القامة، أجنبيٌّ في الغالب … فمن الذي أتى بفردة الحذاء هذه إلينا؟!

محب: أليس هناك أي تفسير لهذا؟

تختخ: نسيت … لقد كان معها خطاب!

وأخرج الخطاب من جيبه وأعطاه ﻟ «نوسة» التي قرأته بين صمت الجميع، وبعد أن فرغت من قراءته قال «محب»: المهم الآن … هل الحكاية كذبة أبريل حقًّا، أو هي مسألة جادَّة!

عاطف: كذبة أبريل طبعًا … من الذي يُفكِّر في إرسال فردة حذاء يوم أول أبريل إلى شخص، إلا إذا كان يريد أن يدبِّر له مقلبًا ظريفًا؟!

لوزة: إذن عندنا لغز.

نظر الجميع إليها في دهشة فقالت: سواء أكان هذا مقلبًا ظريفًا يتعلَّق بكذبة أبريل، أو هي مسألة جادة، فأمامنا لغز العثور على مرسل هذه الفردة الغالية.

سكت الجميع لحظات، ثم قال «تختخ»: إنَّني أتَّفق مع «لوزة» … صحيح، مَن الَّذي يُضحِّي بفردة حذاء غالية لمجرد المداعبة … إنَّ فَقْد فردة حذاء يعني التضحية بالحذاء كله!

عاطف: إلَّا إذا كان صاحب الحذاء أعرَج؛ يَلبس فردةً واحدة!

تختخ: هذه وجهة نظر أيضًا … ولكن الذي أعرفه أن الأعرج لا يَشتري حذاءً عاديًّا … إنه يقوم بتفصيل فردة واحدة!

عاطف: إلَّا إذا كان قد أُصيب في حادث وفقَد إحدى قدميه، فأصبح يستخدم فردة واحدة من أحذيته القديمة.

تختخ: هذا معقول أيضًا.

لوزة: المُهم الآن أنَّ عندنا لغزًا … يجب أن نعرف مَن الذي أرسل لك فردة الحذاء.

تختخ: تعالوا نستعرض معارفَنا … مَن الذي يُمكن أن يكون عنده حذاء من هذا النوع استغنى عنه لمجرَّد كذبة أبريل؟

عاطف: إنَّ هذا مُستحيل.

تختخ: ليس مستحيلًا لسبب … إنه بعد ساعات سوف يتصل بنا؛ ليسترد فردة الحذاء بعد أن يفتح شهيتنا لحل اللغز.

لوزة: في هذه الحالة يجب أن نستنتج اسمه قبل أن يتَّصل بنا، لنُثبت براعتنا في حل الألغاز كما يقول في الخطاب.

أخذوا يستعرضون معارفهم وأقاربهم وأصدقاءهم، ووقفوا أمام ثلاثة أسماء، وجاءت «لوزة» بالتليفون إلى «تختخ» الذي اتصل بأولهم وهو «فريد» الذي عاش فترة طويلة في لندن، وعُرف عنه حبه للدعابة … وسمع «تختخ» صوت قريبه على الطرف الآخر وقال له: صباح الخير، كل أبريل وأنت طيب!

ثم مضى يقول: إنني أشكرك لأنك فكرت في هذا المقلب الظريف!

رد «فريد»: أي مَقلب؟!

تختخ: إرسال فردة الحذاء!

صاح «فريد»: فردة حذاء! … أيُّ فردة حذاء؟! … ماذا جرى لك يا «توفيق»؟ اكتسى وجه «تختخ» بحمرة الخجل وأخذ يُتمتم في اعتذار، ثم وضع السماعة وقال في ضيق: ليس هو إذَنْ!

محب: هل نحاول مع الباقين؟

لوزة: لا بد من المحاولة!

طلب الشخص الثاني والثالث، وتكرر الكلام نفسه والرد نفسه … لا أحد منهم فكر في مقلب أول أبريل … وبدا للمغامرين الخمسة أن ثمة شخصًا ما يريد أن يتحدَّاهم … ويجرِّب قدرتهم على حل الألغاز.

قال «تختخ» مُفكرًا: ليس مهمًّا أن تكون المسألة كلها مجرد دعابة أو مسألة جادَّة، ولكن المهم الآن أن نعثر على مُدبِّر هذا المقلب!

محب: لنبدأ من البداية … ألم تشاهد الشغَّالة عندكم مُرسِل هذا الطرد؟

تختخ: لا … لقد فتحت الباب لصبي الكوَّاء، فوجدَتْ هذا الطرد أو هذه اللفة على السلالم!

نوسة: هذا يعني أن المُرسِل يعرفك … ويعرف أنك أحد المغامرين الخمسة!

تختخ: هذا صحيح.

وأخذت «لوزة» تُقلِّب «الدوبارة» التي رُبِطَت بها اللفة، ثم تتأمَّل الورق الذي لُفت به وتشمُّه، ثم قالت: إنَّ رائحة هذا الورق السميك تدلُّ على أنه آتٍ من مكان به شحم … شحم معدني، وليس نباتيًّا ولا حيوانيًّا!

قال «عاطف» ضاحكًا: إنَّ أنفَكِ يقوم بعمله خير قيام.

لوزة: المسألة بسيطة … إن الزيوت النباتية أي المُستخرَجة من النباتات، كذلك الشحوم الحيوانية أو المُستخرَجة من الألبان، أو شحوم الحيوان لها رائحة خاصة … ولكن شُمُّوا هذه الورقة!

ودارت ورقة اللف مع المغامرين، كان واضحًا من رائحتها أنها تلوَّثت بشحوم معدنية، أي الشحوم التي تُستخدم في السيارات.

ثم قال «محب»، وهو يُمسك ﺑ «الدوبارة»، وهذه «الدوبارة» الخشنة أيضًا ليست عادية … إنها من النوع الذي تُلَفُّ به البضائع.

قال «تختخ»: وهذه الورقة التي كُتبت عليها الرسالة ليست ورقة عادية … إنها من أوراق «الفواتير» التي تُستخدَم في المطاعم لكتابة بيان البضاعة المُشْتَرَاة.

ثم رفَعَ الورقة وأخذ يتأمَّلها لحظات، ثم شمَّها وقال: أعتقد أنها «فاتورة» من «فواتير» محطَّات خدمة السيارات … إن لها رائحة الشحم أو البنزين!

لوزة: إذن فقد وصلنا إلى تحديدٍ ما … وهو أنَّ مُرسِل هذه اللفة يعمل في محطة خدمة للسيارات.

تختخ: بل على العكس … قد يكون مُرسِلها لا يعمل في أي شيء له علاقة بالسيارات، ولكنه يحاول تضليلنا، كما هي العادة مع المجرمين الذين يضعون آثارًا مزيفة لتضليل رجال الشرطة.

نوسة: لنتبع الآثار أولًا على أنه شخص يُريد حلَّ لغزٍ مثلًا … إمَّا لمجرَّد أن يتحدَّانا، أو لأنه يريد أن يثق بقدراتنا أولًا، ثم يضع بين يدَينا اللغز كاملًا.

لوزة: إنني أقترح البحث عن شخص يعمل في محطة لخدمة السيارات!

تختخ: ليس هناك سوى محطتَيْ خدمة في المعادي … الأولى: عند المدخل، والثانية: أمام كازينو «الجود شوط».

محب: هناك محطة ثالثة في طريق حلوان.

تختخ: أرجِّح أن يكون هذا الشخص قريبًا مِنا!

لوزة: يحدثني قلبي أنه ولد صغير … إن أسلوب الخطاب والخط يؤكدان أنه ولد صغير، خاصَّةً أن الأولاد والأطفال الصغار يَعرفون عنَّا أكثر من الكبار!

تختخ: هذا ممكن جدًّا، وما يعجبني في هذا اللغز العجيب أنه خاصٌّ بنا، وليس لأحد من رجال الشرطة دَخْلٌ فيه.

ولكن «تختخ» كان واهِمًا فلم يكد ينتهي من جملته حتى ظهر على الباب الشاويش «علي» الشهير باسم «فرقع»، وهو يبرم شاربه كعادته كُلَّما كان مستغرقًا في تفكير عميق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤