ماذا يريد الشاويش؟

أخذ الشاويش — وهو يتقدم من المغامرين حيث يجلسون — يتأمل الطَّرد المفتوح، وفردة الحذاء الموضوعة في اللفة … وكانت أصابعه تدور بعصبية حول شاربه الضخم … ولم يكن هناك أدنى شك في أن فردة الحذاء وحدها مسألة ملفتة للنظر، وقد خطر ﻟ «عاطف» خاطر جعله يضحك في وسط السكون الذي خَيَّم على المكان … لقد تصور أنَّ من المُمكن أن يكون الشاويش «فرقع» هو الذي أرسل فردة الحذاء ليتحدَّى قُدْرَة المغامرين في حل الألغاز، ولكنه عاد فسكت، فلم يكن الشاويش يملك من الخيال والسخرية ما يؤهله لعمل هذا المقلب الغريب.

ولكن الذي خطر ببال «تختخ» كان شيئًا آخر … ما الذي أتى بالشاويش «علي» الآن إلى حديقة منزل «عاطف» … هل هناك شيء ما؟

ووصل الشاويش إلى حيث يجلس المغامرون، فوقفوا جميعًا احترامًا له، فمهما كانت الاختلافات بينه وبينهم فهو أكبر منهم سنًّا، وهو مُمثِّل القانون ويجب احترمه.

وقدمت له «نوسة» كرسيًّا فجلس، وسألته «لوزة»: هل تحب كوبًا من الشاي أو الليمون يا حضرة الشاويش؟

رد الشاويش بكلمة واحدة: شاي.

وانصرفت «لوزة» بسرعة لإحضار الشاي، برغم رغبتها الشديدة في معرفة أسباب تشريف الشاويش «علي».

وفي الواقع أن الشاويش بدا بعد لحظات — خاصة بعد الاحترام الذي لقيه من المغامرين — بدا محرجًا لقد كان في ذهنه شيء ما … إنه يبحث عن شيء ما، ولكنه ما دام لا يعترف بقُدرة المغامرين، فلماذا يأتي إليهم ليسألهم!

أخذ اضطراب الشاويش يزداد تدريجيًّا … ثم وجد أن أفضل شيء يفعله هو سؤالهم عمَّا يفعلون، وخرج منه السؤال الآتي:

إنني باعتباري مُمثلًا للقانون في هذه المنطقة، أحب أن أسألكم:

وسكت … وظل المغامرون في انتظار أن يكمل كلامه، ولكن الشاويش ازداد اضطرابًا وبدا وكأنه وقع في مأزق لا مخرج منه.

لم يحتمل قلب «تختخ» موقف الشاويش الحرج، خاصَّة أن الكلب «زنجر» ظهر عند بداية الحديقة، وبدا واضحًا أن الشاويش سيتعرض لمضايقات مختلفة، لهذا فإن «تختخ» قال: لعلك تريد أن تسألنا عن فردة الحذاء هذه!

كانت فرصة الشاويش واضحة الآن، لقد وجد شيئًا يسأل عنه غير الذي حضَر من أجله، فقال بتعاظُم: نعم … أريد أن أسألكم عن فردة الحذاء هذه؟

ردَّ «تختخ» ببساطة: الحقيقة يا حضرة الشاويش أنَّنا نريد أن نعرف مثلك تمامًا من أين أتت هذه الفردة، ومَن الذي أرسلها!

وضع الشاويش ساقًا على ساق وقال: إذن أنتم لا تعرفون!

تختخ: لا … فهل تعرف أنت؟ أو هل تستطيع أن تعرف؟

بدأ وجه الشاويش يحمَرُّ تدريجيًّا … هل يسخر منه هؤلاء الأولاد ويطلبون منه هو ممثل القانون أن يتدخل من أجل فردة حذاء قديمة؟ … إن هذه إهانة لا شك فيها، وعبَث، وأنزل ساقه وتصلَّبت عضلاته، واستجمع نفسه ليردَّ، ولكن «لوزة» ظهرت في هذه اللحظة وهي تحمل الشاي، وكان الشاويش — ولا يزال — ضعيفًا أمام الشاي الساخن … لهذا عاد يضع ساقًا على ساق ويقول: بالطبع أستطيع.

قال «تختخ»: في هذه الحالة فإنك تُسدي لنا جميلًا لا يُنسَى!

وضعت «لوزة» الشاي ونظرت إلى المغامرين نظرة تساؤل عن معنى وجود الشاويش فقال «تختخ»: لقد تفضل الشاويش وقرر أن يساعدنا في البحث عن الشخص الذي أرسل إلينا فردة الحذاء.

قال الشاويش بعد أن رشف رشفة طويلة من الشاي: لا بد أنه «جزمجي». ولم يستطع المغامرون تمالُك أنفسهم أمام هذا الرأي الخطير، فانفجروا ضاحكين.

وأُصيب الشاويش بما يُشبه الذُّعر، وفكَّر أنه أخطأ فعلًا … ما معنى أن المُرسِل هو «جزمجي» أَلأنَّها «جزمة» يكون المرسل «جزمجي»؟ ولو كانت عشرة جنيهات مثلًا أيكون المُرسِل هو البنك؟ ولو كانت قميصًا أيكون المُرسِل هو مصنع القمصان؟ … أو «التَّرزِي»؟

كانت إجابة ساذجة فعلًا أوضحت ربكة الشاويش أمام الموقف، ولكن «تختخ» تدخل مرة أخرى لإنقاذ الشاويش قائلًا: وهل تعرف هذا «الجزمجي»؟

رد الشاويش: بالطبع لا، ولكن من الممكن البحث عنه … إنني أعرف كل هؤلاء «الجزمجيَّة» في المعادي.

ومرة أخرى انفجر المغامرون ضاحكين، خاصة عندما وصل «زنجر» وأخذ يمارس هوايته بالعبث بقدمَي الشاويش … ولكن «تختخ» زجره وطلب منه الابتعاد.

لم يَعُد أمام الشاويش شيء يفعله إلَّا أن يقول الحقيقة … أن يقول لماذا حضَر إلى هذا المكان؟

أما حكاية فردة الحذاء القديمة؛ فمن المؤكَّد ألَّا دَخْلَ لها على الإطلاق بحضوره.

شرب الشاويش نصف كوب الشاي الساخن باستمتاع شديد، ثم قال ببساطة: لقد جئت أسألكم عن معلومات!

انتبه المُغامرون جيدًا؛ فلا بد أن هناك مشكلة مُستعصية على الحل عند الشاويش يريد أن يسألهم فيها، وهم على استعداد لذلك.

عاد الشاويش يقول: هناك «فيلا» مهجورة — أو بالضبط — عليها بعض المشاكل القانونية فلا يسكنها أحد … تعرَّضَت هذه «الفيلا» لمُحاولات سرقة مستمرة خلال الشهر الأخير، والمشكلة أن لا شيء سُرِق من «الفيلا»!

اشتغلت أدمغة المغامرين كالموتورات … إنَّ هذا يعني شيئًا واحدًا، هو أن اللصوص يبحثون عن شيءٍ معين لا يجدونه … ومضى الشاويش يقول: لقد أخبرني جيران «الفيلا» أنهم شاهدوا أضواء في الليل، ولمَّا كانت هذه «الفيلا» تحت الحراسة القضائية، فعندي كشف بجميع محتوياتها … وفي كل مرة أذهب لجرد محتويات «الفيلا» لا أجد شيئًا سُرِق منها.

نوسة: هل يذهب أحد الأشخاص للمبيت هناك، ثم يخرج دون أن يمسَّ شيئًا؟

فكر الشاويش لحظات … إنَّ هذا الاحتمال لم يخطر بباله، وإنْ كان احتمالًا بعيدًا عن الواقع، وقال: هل يُمكن أن يُعرِّض شخص نفسه للقبض عليه لمجرَّد أنه يريد قضاء ليلة في مكانٍ ما؟

نوسة: لعلَّه شخص متشرِّد لا يجد مكانًا يبيت فيه؟

محب: ولكن يا «نوسة»، لو كان متشردًا لمَا تردَّد لحظة واحدة في سرقة أي شيء يبيعه.

الشاويش: وبخاصة أن هذه «الفيلا» مفروشة بأفخم الأساس، وبها كمية ضخمة من التُّحَف الغالية التي يُقدِّرها الخبراء بعشرات الألوف من الجنيهات.

تختخ: ومَن الذي يَملِك هذه «الفيلا»؟

الشاويش: كانت مِلكًا لعائلة «النمراوي» ثمَّ باعوها بعقد ابتدائي إلى شخص أجنبي، ولكن هذا الشخص أُبعد من البلاد في ظروف مريبة، وحتى الآن ما زالت ملكية «الفيلا» معروضة على القضاء!

كانت قصة تستحق أن تُبحَث حقًّا؛ ففيها جميع عناصر الإثارة والغموض والمغامرة.

وقالت «نوسة»: وأين هذه «الفيلا» يا شاويش؟

أخذ الشاويش يَبرم شاربه لحظات وهو يفكر، أيقول لهم أم لا؟ ثم قال: ولماذا تريدون معرفة مكانها؟

هزَّ «عاطف» رأسه في ضيق وهو يقول: كيف تطلب منَّا مساعدتك في البحث عن هذه الظاهرة الغامضة دون أن نعرف المكان؟

شرب الشاويش بقية كوب الشاي مرةً واحدةً، ثم قال: مساعدتي! هل تظنُّ أيها الولد أنني — ممثل القانون في هذه المنطقة — أحتاج إلى مساعدة أولاد مثلكم؟

لم يكن هناك شك في أن المغامرين قد وقعوا ضحية ارتباك الشاويش وتردُّدِه، حتى قال «عاطف» مبتسمًا: أظن أنها كذبة أبريل يا شاويش!

صاح الشاويش: ماذا تقول؟ كذبة! هل يَكذب ممثل القانون؟ حذارِ أيها الولد أن تُخطئ … إن في إمكاني القبض عليك بتهمة إهانة موظَّف يؤدي عمله!

قال «تختخ»: لا تغضب يا حضرة الشاويش … حقك علينا، ولكن بالله عليك كيف تتصوَّر أن نعرف شيئًا يحدث في مكان لا نعرفه؟!

قام الشاويش واقفًا وهو يزمجر: انتهى الموضوع وانسوا المسألة … لقد تصوَّرتُ أنه ربما جاءتكم معلومات عن هذا الموضوع.

تختخ: ليس لدينا أيُّ معلومة عن هذه «الفيلا» … ولكن إذا أعطيتنا عنوانها فإننا يُمكن أن نقوم بجمع المعلومات التي تطلبها.

لَم يَردَّ الشاويش، واتخذ طريقه خارجًا من الحديقة، وأسرع «زنجر» يتبعه وهو يعبث بحذائه الأسود الثقيل، وصاح الشاويش غاضبًا ومُهددًا، ولكن «تختخ» لم يَردع «زنجر» هذه المرة، فقد أحسَّ أن الشاويش أضاع وقتهم وأنه يستحق ما يحدث له.

ركب الشاويش درَّاجته وانطلق، وجلس المغامرون صامتين، لقد كانت المعلومات التي أوصى بها الشاويش مثيرة حقًّا، ولكن كيف يمكن بحثُها دون معرفة العنوان؟

قالت «لوزة»: إنَّ عندنا لُغزًا جاهزًا هو «فردة الحذاء»، وأنا أحسُّ أنه لغز حقيقي، وعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤